إحسان الظن بالله - (17) ماذا أفعل من أجل سوريا

منذ 2014-10-26

أخي، أختي، لا تسهم في النار التي أوقدت لإخوانك في سوريا ولو بنفخة! ولو بنفخة، بل تعال وأطفئ النار وكن لدين الله من الأنصار...

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن ما يحصل في سوريا لا يخرج عن سنة الابتلاء، وأنا رضينا بالله ربا يبتلي ثم يصبر ويثيب. فمصيبةٌ أن تترك ألمك على أوضاع إخوانك يتحول إلى شك في الحكمة والرحمة. بل المطلوب أن تحول هذا الألم إلى قوة دافعة. كيف؟

 

قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد من الأية:4]. لو شاء الله لأهلك بشارا وجنوده ولانتصر لعباده المؤمنين. لكنه يبلو أمة الإسلام بهذه المحنة، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك من الأية:2]، هذا اختبار يريد الله تعالى أن يرى ماذا أنت صانع فيه، أنت وحدك، {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء من الأية:84]، إذن اعلم أنك مقصود بهذا الاختبار، إما أن تنجح فتؤجر أو أن ترسب فتؤزر، ولا يوجد احتمال ثالث. 


ماذا تفعل حتى تنجح في الاختبار؟ عليك أن تجاهد في سبيل الله لتنقذ إخوانك في سوريا. ستقول: لكن الأوضاع لا تسمح بالجهاد. أقول لك: أليس هذا ذلا؟ أن نرى إخواننا يُتخطفون من حولنا وربما يأتي دورنا ونحن لا نستطيع الجهاد ونحن أمة المليار ومئات الملايين؟ بل وجنود بشار يصورون تعذيبهم لإخواننا ويسخرون منا أمام الكاميرات في تحدٍّ ونحن لا نفعل شيئا، هذا ذل.

 

كيف السبيل إلى الخلاص منه؟ قال رسول الله في آخر حديث العَينة: «سلَّطَ اللهُ عليكمْ ذلُّا، لا ينزعُهُ حتى ترجعُوا إلى دينِكمْ» (الجامع الصغير: [514]). إذا رجعنا إلى ديننا انتهت حالة الذل هذه. وإذا لم نرجع استمرت حالة الذل وكنا سببا في ما يحصل لإخواننا وأخواتنا في سوريا. 


إذن هي سلسلة مترابطة: الاستقامة على أمر الله تؤدي إلى رفع حالة الذل، ورفع الذل يعني عزة الأمة وأن ينصر بعضها بعضا بالجهاد، وهذا يؤدي إلى انتهاء معاناة إخواننا وأخواتنا في سوريا. 


في المقابل: معصيتكَ أنتَ، ومعصيتكِ أنتِ تؤدي إلى الذل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجُعل الذُّل والصغار على من خالف أمري» (والحديث صححه الذهبي والألباني)، هذا الذل هو الذي يمنع من نصرة إخواننا في سوريا. 


رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذلَّ إدمانُها


لا مجال للحياد في الموضوع! طاعتكَ أنتَ وطاعتكِ أنتِ ذخيرة لإخواننا في سوريا. ومعصيتكَ أنتَ ومعصيتكِ أنتِ ذخيرة في بنادق جنود الطاغية وسكاكين في أيديهم يذبحون بها إخواننا! هذه حقائق وليست مبالغات يا إخواني. 


عدم استحضار هذه الحقيقة يؤدي إلى الظواهر الغريبة التي نشاهدها: أبٌ يتساءل في تشكك "لماذا لم يفرج الله كرب السوريين؟ هذا شيء يدعو إلى الإحباط"، ثم يرى أبناءه وبناته متحلقين حول التلفاز يشاهدون مسابقات الغناء ولا يتصرف بأكثر من أن يشجعهم على عدم حضورها! يتساءل عن أفعال الله وهو مقصر في فعله لم تدفعه معاناة المسلمين إلى أن يغير بحزم أوضاع عائلته، رعيتِه التي هو مسؤول عنها. 


المطلوب أن تحول ألمك على أوضاع إخواننا وأخواتنا إلى قوة إيجابية دافعة، تدفعك إلى النشاط في الطاعات وترك المعاصي. كلما فترت عن واجباتك تستحضر صُوَرَ إخوانك المعذبين والمقتلين لتشحن همتك من جديد.

تتذكر أن الله يبتليك لينظر ماذا تصنع {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}. تتذكر أنك عندما تحرق وقتك يحترق إخوانك بنيران جنود الطاغية.


هناك لحظات ينبغي أن تكون علامات فارقة في حياتنا، تقذف في قلوبنا اليقظة وعلو الهمة والنفور من الغفلة ودناءةِ الاهتمامات، بحيث يصعب علينا بعدها ان نطلب الراحة إلا في الجنة. أذكر أنني قبل 11 سنة كنت في الولايات المتحدة للدراسة. رجعت من الجامعة إلى سكني، فكان الأخ المشترك معي في السكن قد ترك جريدة في غرفة الجلوس. رفعت الجريدة فإذا بصورة كوم من الرماد على الصفحة الرئيسية. استغربت من اختيار هذه الصورة للصفحة الرئيسية، لكن عندما دققت النظر فيها فإذا بمعالم وجه محترق! يدٍ محترقة! رِجلٍ محترقة! مجموعة من المسلمين في جزر إندونيسية يكومون في مسجد ثم تضرم بهم النار على يد نصارى حاقدين.

 

في داخل الجريدة صورة لنساء مسلمات إندونيسيات يُحَمَّلون في سيارات نقل كبيرة إلى مصير مجهول، تفتحت عيناي على مأساة كبيرة ومذلة للمسلمين، أين؟ في أكبر بلد مسلم في تعداده السكاني! حوالي 200 مليون مسلم، «بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءُ السَّيلِ» (السلسلة الصحيحة: [958]). كانت صفعة على وجهي يصعب بعدها أن أغفل أو أركن إلى الدنيا


كلما دعتك نفسك إلى الشهوات المحرمة استحضر تلك الصور لتحس بصفعة على خدك وتقول لنفسك: "عيب يا نفسي! ليس هذا من المروءة".


أين المروءة إخواني؟

قبل أيام كنت أمر من شارع وفي ذهني مأساة إخواننا. وإذا بمجموعة شباب يلمحون فتيات فجعلوا يتواصون بالنظر إليهن! هؤلاء الشباب أنفسهم عندما يرون مأساة سوريا يتألمون. لا يكاد أحدهم يفكر في واجبه تجاه هموم الأمة حتى يرى ما يلهيه ويجعل اهتماماته دونية شهوانية. فمن تتبرج توهن روح شباب الأمة، من تتكشف طوعا تساعد من يكشفون ستر أختها المسلمة في سوريا رغما عنها،

 

ولذلك استخدم النبي صلى الله عليه وسلم وصف «مائلاتٌ مُمِيلاتٌ» (صحيح ابن حبان: [7461])، يمِلْن عن طريق الحق ويجعلنَ غيرهن يميلون معهن. كلما خرجتِ بمظهر لا يرضي الله تصوري شبابا حملوا السلاح لنصرة أخواتهم فلما أبصروك ألقوا سلاحهم! وانظري هل ترضين لنفسك هذا الدور؟ وهل هذا العمل الذي تريدين أن تلقي الله به؟ 


عندما نسمع هذا الربط بين المعصية وذل الأمة فقد يثور في ذهننا واحد أو أكثر من أربعة تساؤلات: 
الأول: (وكم ستسهم معصيتي في هذه المأساة الكبيرة لإخواننا؟) الجواب: لا يهم كم ستسهم. المهم أنك تسهم فيها سلبا. روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وقال: «كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام»، سبحان الله! الوزغ من الزواحف الصغيرة، مهما نفخ على النار العظيمة التي أوقدت لإبراهيم عليه السلام فلن يزيد في قوة النار شيئا. لكن انظر التربية، كيف يعلمنا رسول الله أن نعادي كل من يُسهم في أذية المسلمين حتى لو كان إسهامه بسيطا لا أثر له. 


أخي، أختي، لا تسهم في النار التي أوقدت لإخوانك في سوريا ولو بنفخة! ولو بنفخة، بل تعال وأطفئ النار وكن لدين الله من الأنصار. 


التساؤل الثاني: "هل يعني هذا أن الله تعالى يعاقب أهل سوريا بذنوبنا نحن؟"
الجواب: لا. {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام من الأية:164]. إخواننا في سوريا لا يعاقبون. بل من عُذب منهم وقتل على الإيمان فإن عذابه وقتله لا يزيده إلا رفعة وقربى إلى الله تعالى. لكن نحن الذين نعاقب! إن رأينا أننا لم ننل شرف نصرة إخواننا فهذه عقوبة لنا على ذنوبنا. قال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:46]، لو صَدَقَتْ نيتنا للجهاد فإننا نعد العدة بترك المعاصي والتزام الطاعات وإزالة العقبات في الطريق. وحينئذ سيفتح الله لك باب الجهاد، بالنفس، بالمال، بوسائل كثيرة. 


لكن صاحب المعصية لا يُعد هذه العدة. فلا يستحق شرف أن يكون من أنصار الله، معاصيه تؤدي إلى أن يكره الله انبعاثه للنصرة فيثبطه لئلا يلوث ركب الأنصار أصحابِ الهمم العالية. 


التساؤل الثالث: 
لعلك تقول في نفسك: "تلومني أنا على معاصيَّ الفردية؟! لم لا تعنف من بيدهم نصرة المسلمين ويملكون القوة، لكن بدلا من استخدامها لنصرة المسلمين يمنعوننا بها من نصرتهم؟!"
والجواب: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]، أنا إنما أخاطبك أنتَ وأخاطبكِ أنتِ لأني أحسب أن لك قلبا. فلا تتهرب يا أخي بهذه المعاذير، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة من الأية:105]، لن تُسأل يوم القيامة لماذا لم تُحرك الجيش الفلاني أو الدولة الفلانية لنصرة المسلمين، وإنما تُسأل عن نفسك. «لا تَزُولُ قَدَمَا ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ مِن عندِ ربِّه، حتى يُسْأَلَ...، عن عُمُرِه فِيمَ أَفْنَاه؟» (صحيح الجامع: [7299])، عن عمره، لا عن عمر غيره!


التساؤل الرابع: "إخواننا في سوريا يريدون منا جهادا، سلاحا، عتادا، ترك المعصية والقيام بالواجبات أمره طويل، هذه تلهية عن الواجب الحقيقي!" من يقول هذا تراه عادة لا يفعل شيئا مجديا، ثم يفتر ويعود إلى واقعه وأخطائه. نعم، إن كنت تستطيع الجهاد بنفسك وجب عليك ذلك. لكن إن لم تستطع فهل القعود هو الحل؟

 
إخواني نحن نعيش حياتنا على نظام إدارة الكوارث! كلما حلت كارثة بحثنا عن حل خارق سريع. نتهرب من الحقيقة، أنه لا بد من إصلاح أوضاعنا بنفس طويل، فالذي يحدث في سوريا ليس المرض، وإنما هو عرض للمرض، مرضِ وهن الأمة وذلتها. وعلاج المرض يحتاج وقتا وجهدا وعملا دؤوبا طويل النفس لا ملل معه.

طبعا لا بد من التذكير بأن خير وسيلة لتربية المجتمعات وفطمها عن معاصيها هو الجهاد في سبيل الله. فمُن فتح له باب الجهاد لا ينبغي أبدا أن يقول: علي أن أتخلص من المعاصي أولا قبل أن أجاهد. بل المقصود أنك إن لم يفتح الله لك هذا الباب فهذا دلالة خلل في حياتك حرمك من هذا الشرف، فأصلح الخلل عسى الله أن يختارك لنصرة دينه. 


عندما تستحضر هذا التسلسل... أن طاعتك وهجر المعاصي يؤديان إلى رفع حالة الذل، وبالتالي عزة الأمة ونصرة مستضعفيها، فإنك ستشعر بلذة عظيمة وأنت تسير في طريق الطاعة. تدعوك نفسك إلى نظرة محرمة فتقول: لا. سأغض بصري نصرة لأخواتي في الله. يخذلك الشيطان عن صلاة الفجر فتتذكر إخوانك وتقوم قائلا: أريد أن أكون من أنصار الله. ستحترم نفسك حينئذ وتعيش في انسجام مع ذاتك بدلا من جلدها ومقتها كلما شاهدت أوضاع إخوانك. 


إذن يا أخي حول همك من مآسي الأمة إلى قوة دافعة. انظر إلى أخيك السوري وهو يحرَّق بالنار ويقول يا رب، يا الله... هو قدم نفسه في سبيل الله، فماذا قدمت أنتَ؟ ماذا قدمتَ أنتَ؟ من للأمة الغرقى إذا كنا الغريقينَ؟!

 

إذا بقيت تنظر إلى مآسي الأمة ثم لا تفعل شيئا فسيتبلد إحساسك ويقسو قلبك. هذا ما يريده أعداء الله عندما يبثون صور التعذيب، في سوريا وفي أبو غريب... يريدون تحطيم معنوياتنا. بل اقلب سلاحهم عليهم، جاهد نفسك، جاهد شهواتك، واجعل همك على إخوانك شمعة في قلبك لا تنطفئ، وحينئذ سيختارك الله ويشرفك بنصرة إخوانك وييسر لذلك السبل {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].


خلاصة الحلقة: حول حزنك على أوضاع المسلمين إلى قوة دافعة تدفعك إلى النشاط في الطاعات والترفع عن المنكرات. 

  • 14
  • 3
  • 15,581
المقال السابق
(16) حسن الظن بالله فى أحداث سوريا
المقال التالي
(19) ستر الله على عباده

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً