أوراق الخريف - في يد أحدكم فسيلة!

منذ 2014-10-28

كانت أحد أمنياتي في الحياة أن أرى كل من يعمل للإسلام معًا في خندق واحد. باختلاف أفكارهم وترتيب أولوياتهم أو طريقة الوصول إليها، ولكن كنت أرى أن كل واحد منهم لديه جزء من الحق، كل واحد منهم يسعى لكي يضيء قنديل أو مصباح قد انطفأ!

 (1) 

كانت أحد أمنياتي في الحياة أن أرى كل من يعمل للإسلام معًا في خندق واحد. باختلاف أفكارهم وترتيب أولوياتهم أو طريقة الوصول إليها، ولكن كنت أرى أن كل واحد منهم لديه جزء من الحق، كل واحد منهم يسعى لكي يضيء قنديل أو مصباح قد انطفأ!

 هناك من يسعى وراء مصباح الخلافة؛ عودتها وتوحيد المسلمين تحت راية واحدة.

هناك من يسعى وراء مصباح تصحيح العقيدة والعلم.

هناك من يسعى وراء تحرير الاسلام في بلاد تستعديه أو يضطهدوا أو سلبو ديار المسلمين وإقامة ركن الجهاد.

هناك من يسعى وراء أن يحب الناس ربهم ويتعرفوا على خالقهم، و ينشروا الإسلام.

 

عندما يتجمعوا أو يتكاملوا. سيحدث التأثير المراد، كل يسعي للتمكين بالطريقة التي يراها صحيحة، و كل يجتهد في الطريق، وكل له أخطاؤه.

 

 (2) 

المعركة الأصيلة منذ القدم هي معركة حق و باطل، بين إيمان و كفر، بين خير و شر. ولكن تتخذ تلك المعركة أشكالًا مختلفة، من فهم روح المعركة لن ينخدع في شكل من أشكالها. فالمعركة دائرة منذ خلق سيدنا آدم إلي قيام الساعة!

 

فلنتدبر التالي: 

بدأت القصة بعدم سجود إبليس لسيدنا آدم كما أمر الله عزوجل. غرورًا واستعلاءً، ومن ثم يطرد إبليس من الجنة، و يصبح ملعونًا، و يحق عليه غضب الله عزوجل، و يتوعد بني آدم بالإغواء! 

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّى خَـٰلِقٌۢ بَشَرًۭا مِّن صَلْصَـٰلٍۢ مِّنْ حَمَإٍۢ مَّسْنُونٍۢ . فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِينَ . فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلَّآ إِبْلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ . قَالَ يَـٰٓإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ . قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُۥ مِن صَلْصَـٰلٍۢ مِّنْ حَمَإٍۢ مَّسْنُونٍۢ . قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌۭ . وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ . قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِىٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ . إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ . قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ . قَالَ هَـٰذَا صِرَ‌ٰطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ . إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ} [الحجر:28-42]. 

و يبدأ بإغوء سيدنا آدم و سيدتنا حواء بالأكل من الشجرة، ويتوب الله عليهما ويهبطوا إلي الأرض هما و إبليس، لتبدأ حرب أزلية بين بني آدم و إبليس وجنده! 

{قَالَ ٱهْبِطُوا۟ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّۭ ۖ وَلَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّۭ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍۢ . قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ . يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًۭا يُوَ‌ٰرِى سَوْءَ‌ٰتِكُمْ وَرِيشًۭا ۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذَ‌ٰلِكَ خَيْرٌۭ ۚ ذَ‌ٰلِكَ مِنْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ . يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَ‌ٰتِهِمَآ ۗ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:24-27]. 

 وتأتي آيات القرآن واضحة في التحذير من إبليس و جنده. واتخاذهم عدو مع بيان أن كيدهم ضعيف على من لزم صراط الحق! 

{إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّۭ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُوا۟ حِزْبَهُۥ لِيَكُونُوا۟ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ} [فاطر:6].

{ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُوٓا۟ أَوْلِيَآءَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ۖ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ كَانَ ضَعِيفًا}  [النساء:76]. 

علينا إذاً أن نعي أن الشيطان وجنده وشركه من الجن والإنس يجتهدوا لكي يأخذوا من يستطيعوا عليهم سبيلًا معهم في جهنم!

و يأتي في القرآن لحظة دخول المؤمنين الجنة، ولحظة دخول من ظلموا أنفسهم باتباع إبليس إلى النار، وعندها يخطب فيهم خطبته الشهيرة في سورة إبراهيم: 

{وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓا۟ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ} [إبراهيم:22].

 

بدأت الصورة الحقيقة تتضح؟!

 

 (3) 

عمل الشيطان مع بني آدم له من الطرق الكثير؛ منها الوسوسة وإغواء للضلال والبعد عن الله، ومنها العمل علي عكس رسالة التوحيد والإسلام؛ فالإسلام يدعو لتعبيد الأرض والعالمين لربهم الله الواحد الأحد، والشيطان يدعو لكل ما يشوش على هذه الرسالة؛ بدء من التشويش، وتغيب الهوية، ومنها محاربتها بمعادة الدين! ونشر الكفر والإلحاد! فهناك من يعبد الله وهناك من يعبد الشيطان!

 

ولكن ما هو السبيل إذا؟!

 

 (4) 

سقوط الخلافة!

كانت أحد العلامات الفاصلة في تاريخ تلك الأمة، و حتى وإن كانت في تلك الفترة مجرد شيء رمزي. ولكن من بعدها انفرط عقد المسلمين، وانفرط عقد بلاد الإسلام!

 أصبحت دول بينها حدود، رسمها لهم مستعمر لا يريد فقط خيرات بلادهم! ولكن يريد جعلهم اتباع! وأصبحت كل دولة تنشغل بما يدور بداخلها ونسوا من هم ومن كانوا. هم عرفوا ما هي قوتنا واجتهدوا لإضعافها، ونحن لم نفعل شيء إلا اتباعهم! قوتنا في هذا الدين وهذه العقيدة! وهم لا يخفون هذا الحقد وهذا العلم.

 قال أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية: "يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية، لقد كان الصراع ممتدًا بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصورة مختلفة، ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي" (قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله: جلال العالم). 

وقف مندوب أمريكا في هيئة الأمم  ذات يوم قائلاً: "إن الصراع الحقيقي في الشرق ليس بين العرب واليهود إنما الصراع الحقيقي هو ما بين حضارة الإسلام وحضارة الغرب، فإذا استطعنا أن نزيح حضارة الإسلام عن ميدان الصراع هان علينا تصفية القضية، وسهل علينا الجمع ما بين العرب واليهود" (عودة الحجاب: د.محمد إسماعيل المقدم).  

ويقول موروبيرجر في كتابه (العالم العربي المعاصر): "إن الخوف من العرب، واهتمامنا بالأمة العربية ليس ناتجًا عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام. يجب محاربة الإسلام، للحيلولة دون وحدة العرب، التي تؤدي إلى قوة العرب؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائما مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره. إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في القارة الأفريقية". 

وفرنسا عند غزو الجزائر كان مبررها أنها تحمي أوروبا من المسلمين! مخافة أنهم يريدوا استعداد الأندلس! والسير علي خطى الأمويين والوصول إلى فرنسا! وعندها لن يستطيع أحد الوقوف أمامهم فأوروبا  ضعيفة! وعندما سئلوا لما خرج الاستعمار من الجزائر قالوا ماذا نفعل والقرآن أقوى من فرنسا! 

ولا ننسي قول الله عزوجل: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَـٰعُوا۟} [البقرة من الآية:217]

 إذا نحن فقط من لا يعي ماذا يحدث حولنا!

 

 (5)

 في رأيي -أن المعركة الأخيرة قد شارفت، المعركة التي ستكون نهايتها ظهور الحق، فكل يسعى لظهور من يريد! ونحن لا ندري!

ولكن أين هم المسلمون؟!

هل هم ما بين غافل وعاصي، أم هناك من يعمل لمعرفة الطريق، ومن يجهز نفسه ويطهر قلبه ويتعلم عقيدته، من ينتظر الراية! الراية التي سترفع فيتوحد المسلمين تحتها، وينتصر المسلمون في المعركة الأوضح بين الحق والباطل!

  بما أننا لا ندري ما سنشهد ومتى، ولا يشغلنا متى ستكون، ولكن يشغلنا في أي خندق سنكون! هل سنكون ممن أعدوا أم تواكلوا ويأسوا من الأحداث التي تجري لبلاد الإسلام الآن حولهم!

 نعم ما يحدث الآن من تكالب الأمم على المسلمين والأمة يدمي القلب، ولكن لم ولن يكون الحل اليأس! ولكن الإعداد حتى إن جاء دورك في معركة الحسم تكون على قدر تلك المسؤلية! يقول الإمام حسن البنا: "لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد ولازال في الوقت متسع ولازالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد والضعيف لا يظل ضعيفًا طول حياته"!

هل سنرى لهذا الإعداد ثمر؟

الأمة كي تنهض تحتاج إلي جيل مختلف، جيل رباني يمكن على يديه لهذا الدين، هذا الجيل لن يكون بين ليلة وضحاها ولكن يحتاج إلى وقت لتربية والتمحيص، هل سنكون في هذا الجيل أم لا؟! لا أدري.. ولا يشغلني الأمر! ليس علينا إلا {وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَىْءٍۢ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60].

ليس علينا إلا الإعداد والعمل والسعي والنتيجة ليست لنا! بناء هذا الجيل سيكون ثمرة جهاد تكاملي من الأمة! كل يجاهد ويعد نفسه ومن حوله حيث أقامه الله، شهدنا أم لم نشهد.. 

مهما كانت درجة الظلمة، نحن لا نيأس ونعمل.. ولنتخذ هذا الحديث شعار لنا؛ عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا» (صحيح الجامع [1424])!

 

 فلينطلق كل فرد حسب طاقته *** يـدعو إلى الله إخفاء وإعلانًا

ولنترك اللوم لا نجعله عـدتنا *** ولنجعل الفعل بعد اليوم ميزانًا

 

ويبقى الأمل..

في ظهور راية توحد الجميع، نعمل وننتظر..

نحرر أنفسنا من ذلة الخذلان والبعد عن الدين..

نحرر أنفسنا بعودتنا وتعهدنا هذا الطريق..

لنرى تحرير مسجدنا؛ مسجد الأقصى.. تلامس جبانا أرضه..  

حتى يكتمل الأمل ونرى حكمًا يملء الأرض عدلًا وإيمانًا.

 

سارة خليفة

طبيبة مصرية، تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة، وتعمل في أسرة التحرير بموقع طريق الإسلام.

  • 15
  • 0
  • 13,024
  • أبو محمد بن عبد الله

      منذ
    مقال يحمل في طياته تَحرُّقا على أوضاع المسلمين، وينتظر الفأملا من وراء الإستيئاس، ويترقب نورا يخترق الظلام لينير الطريق شكر الله لكم وجعله في موازين حسناتكم
  • أبو محمد بن عبد الله

      منذ
    مقال يحمل في طياته تَحرُّقا على أوضاع المسلمين، وينتظر الفأملا من وراء الإستيئاس، ويترقب نورا يخترق الظلام لينير الطريق شكر الله لكم وجعله في موازين حسناتكم
  • بنت سلامة

      منذ
    جزاكِ الله كل خير

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً