إنها جالبة للمحبة!

منذ 2014-11-08

إنها سببٌ من أسباب التآلف بين القلوب ورأب الصَّدع، وما أحوجنا في هذا الزمان لذوي التَّصافي والوفاق بعدما فسدت الأهواء وتنافرت! فأقبِل بها على من نأى عنك بجانبه حتى تُؤتى محابَّ قلبه.. تلك هي الهدية..

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

إنها جالبة للمحبَّة..!
إنها ممَّا يورد من الودِّ أعذب الموارد، وممَّا يُدني البغيض من الهوى حتى يصيِّره حبيبًا، فكن جزيل الصِّلات واجعلها رسولك لمن تحب.

 

إنها سببٌ من أسباب التآلف بين القلوب ورأب الصَّدع، وما أحوجنا في هذا الزمان لذوي التَّصافي والوفاق بعدما فسدت الأهواء وتنافرت! فأقبِل بها على من نأى عنك بجانبه حتى تُؤتى محابَّ قلبه.
تلك هي الهدية..
 

هَدَايَا النَّاسِ بَعْضِهِمُ لِبَعْضٍ *** تُوَلِّدُ فِي قُلُوبِهِمُ الوِصَالاَ
وَتَزْرَعُ فِي الْقُلُوبِ هَوًى وَوُدًّا *** وَتَكْسُوكَ الْمَهَابَةَ وَالْجَلَالَا
مَصَايِدُ لِلْقُلُوبِ بِغَيْرِ تَعْبٍ *** وَتَمْنَحُكَ الْمَحَبَّةَ وَالْجَمَالَا



الهديَّة في بطون الكتب لغة واصطلاحًا:
يقول ابن دريد في الجمهرة: "الهَدْي: ما أُهدي إلى الكعبة، واحدتها هَدْيَة، ويُقال: هَديَّة، والهَدِيُّ: العروس إذا زُفَّت إلى زوجها" (جمهرة اللغة:2/689).

ويقول الفيومي في المصباح المنير: "الهَدْي ما يُهدى إلى الحرَم من النَّعم يُثَقَّلُ ويُخَفَّف، الواحدة هَدِيَّةٌ بالتثقيل والتخفيف أيضا، وقيل الـمُثَقَّل جمع المخفَّف" (المصباح المنير:2/636)، ويعرِّف ابن قدامة الهدية اصطلاحًا بأنها: "تمليك في الحياة بغير عوض" (المغني:6/41).

الهديَّة في القرآن الكريم:
ورد في سورة النمل ذكر الهديَّة ضمن عرض قصة سليمان عليه السلام، يقول عز وجل على لسان بلقيس ملكة سبإ مجمعة أمرها على إرسال هديَّة للنبي سليمان عليه السلام تدفع بها عن مُلكها وتختبره بها: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل من الآية:35].

وقد امتنع نبي الله سليمان عليه السلام عن قبول الهديَّة وأمر بردِّها، لأنه أدرك أن بلقيس ما بعثت بالهديَّة إلا ليتركها وقومها على شركهم وينصرف عنهم، يقول عز وجل على لسان نبيِّه سليمان عليه السلام: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل من الآية:37].

الهديَّة في السُنَّة النبوية:
كان حبيبنا عليه الصلاة والسلام يقبل الهديَّة، ويكافئ صاحبها بما هو خير منها أو بمثلها، ويردُّ الصدقة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقبل الهديَّة ويُثيب عليها" (صحيح البخاري:3/157).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه: «أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟»، فإن قيل صدقة، قال لأصحابه: «كُلُوا»، ولم يأكل، وإن قيل هديَّة، ضرب بيده صلى الله عليه وسلم، فأكل معهم" (صحيح البخاري:3/155).

وكان عليه الصلاة والسلام لا يردُّ الطِّيب (صحيح البخاري:3/157)، ويدعونا لقبوله أيضًا، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ، خَفِيفُ الْمَحْمَلِ» (سنن أبي داود:4/78، الحديث صحّحه الشيخ الألباني).

كما دعانا عليه أفضل الصلاة والسلام إلى قبول الهديَّة ولو قلَّت، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» (صحيح البخاري:3/153). وكراع الشاة هو ما دون الكعب ومستدق الساق.

ولأنها توثِّق روابط المحبة وتزيد من الألفة، فقد حثَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يهادي بعضنا بعضا، روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَهَادُوا تَحَابُّوا» (البخاري، الأدب المفرد:06، الحديث حسَّنه الشيخ الألباني).

قيل عن الهديَّة:

• الهديَّة تتبسَّط يد المودَّة، وتدر بها أخلاف القرب، وتغرس بين المتحابين من الائتلاف بقدر ما تقطع بينهما من شجر الخلاف.

• الهديَّة في نظر الأصفياء جليلة وإن كانت في نفسها قليلة، ومكانتها خطيرة وإن كانت يسيرة، وسُنَّة حسنة اجتمعت على فضلها الألسنة.

• الهديَّة مفتاح باب المودَّة وعنوان تذكار المحبَّة يتسابق إليها كرام السَّجايا ويتسارع إلى إحياء شعائرها عُشَّاق المزايا، حرصاً على حفظ عهود الوداد والتآلف، وإذهاباً لوحشة التَّقاطع والتخالف.

• ما استرضي الغضبان ولا استعطف السُّلطان، ولا سُلَّت السَّخائم، ولا رُفعت المغارم، ولا استمسك المحبوب ولا توقي المحذور بمثل الهديَّة.

• الهديَّة رسول يخاطب عن مُرسله بغير لسان، ويدخل على القلوب من غير استئذان.
• ثلاثة تدلُّ على عقول أربابها: الهديَّة، والرسول، والكتاب.

نصائح تهم المهدي والمهدى إليه:
• الهديَّة ليست مرتبطة دومًا بالمناسبات، فتذَكُّر من تجمعنا بهم علاقات اجتماعية بهديَّة ليس أمرًا مقرونا بنجاحهم أو زواجهم أو شفائهم أو عودتهم من السفر إلى هلم جرا!

• لا تتحدَّث عن ثمن الهديَّة أمام المهدى إليه، ولا تنس أيضًا أن تزيل ثمن الهديَّة المكتوب على العلبة أو الغلاف الداخلي لها.

• لا يجب أن تهدي هديَّة تتوقَّع أن يستعملها المهدى إليه في معصية الله عز وجل.
• ستكون الهديَّة أجمل لو أرفقت معها بطاقة ترسم فيها مشاعرك بكلمات بسيطة ومعبِّرة أو تهنئ فيها المرسل إليه أو تشكره.

• كن بشوش الوجه متهلِّل الغُرَّة وأنت تقدِّم هديَّتك، سترى إثرها أثر ذلك في نفس من تحب!
• حين تقْدم على الإهداء، فقدِّم القريب على الغريب، والأقرب فالأقرب.
• إن وعدتَ شخصًا بتقديم هديَّة له، فكن كريم العهد صادق الوعد معه، فهذا ممَّا يحمد من الشَّمائل.
• ليس من اللائق أن تهدي شخصًا هديَّة ثم ترجع في عطيَّتك، فذاك من سفالة الطَّبع.
• ليس من حُسن الأدب أن تهدي الهديَّة ثم تمنَّ على من أهديتَها إليه، فتكون قد أتبعتَ الإحسان بالإساءة، فتنبَّه!

• جميل هو الاهتمام بتغليف الهديَّة بطريقة مميَّزة وجذَّابة مهما كانت قيمتها المادية، لأن اهتمامنا بالغلاف الخارجي هو اهتمام بالمهدى إليه، إنها اللمسة السِّحرية التي تُلامس القلوب فور رُؤية الهديَّة والمهدي!

• علينا اختيار الهديَّة المناسبة للمُهدى إليه، حسب السنِّ والمناسبة، وكذا الميول إذا كانت تربطنا به علاقة وطيدة نميِّز من خلالها ما يفضِّله، فمثلاً إذا كان المهدى إليه قد دخل بيتًا جديدًا فيمكننا أن نهديه ما يساعده على تأثيث بيته ويخفِّف عنه تكاليف البيت الجديد ومصاريفه، أما إن كانت المهدى إليها عروسًا فالأفضل أن نشاورها حول الحاجيات التي تنقصها -إن كانت من أسرة بسيطة- أو نختار لها هديَّة مناسبة لدخولها عالم الزوجية، إلى غير ذلك من المناسبات المتنوِّعة.

• ما أجمل الهديَّة حين تكون رمزا رومنسيا بين الزوجين، أو رسول اعتذار واسترضاء بينهما! في هذه الحالة لن يكون ثمن الهديَّة مُهمًّا بقدر ما تحمله الهديَّة نفسها من مشاعر الحب والودِّ تجاه الشَّريك، وما أكثر أفكار الهدايا التي يمكن أن تُستثمر من أجل تمتين العلاقة بين الزوجين، قد تكون عقدًا باهظ الثمن، وقد تكون كتيِّبًا أو باقة ورود أو علبة شيكولاتة أيضًا!

• لا تجعل من أعياد غير المسلمين مناسبة للإهداء، لأن هذا من باب التشبُّه بأهل الكفر، على شاكلة ما يسمى بعيد الحب وعيد الأم وعيد المرأة، أو ما شابه ذلك، مما سوِّق إلينا على أنه برّ وصلة، وحب ومودَّة، وانتشر بين المسلمين انتشار النار في يابس الحطب!

• اجعل الهديَّة وسيلة دعوية، كأن تهدي كتيِّبًا نافعًا أو شريطًا دعويًا، لمن ترى أنه يساعده على تغيير حاله للأحسن وتقويم سلوكه للأفضل، فهي من باب النَّصيحة بطريقة ذكيَّة.

• قابل الهديَّة باستحسانها والثَّناء على صاحبها، فهي من مقدار مُهديها.
• يستحبُّ الإثابة على الهديَّة إن تيسَّر الأمر.
• لا تحتقرن الهديَّة مهما كان ثمنها، ومهما كثرت مثيلاتها بيدك، فذلك جحد للإحسان واستخفاف بالمهدي، ألا إن جهد المقلِّ غير قليل!

فعلاً! للهدايا في القلوب مكان وحقيق بحبِّها الإنسان! إلى القرَّاء الأفاضل، تقبَّلوا مني هذه اللَّطَفة، فإنها جالبة للمحبَّة! 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

شميسة خلوي

الدكتورة شميسة خلوي كاتبة وباحثة إسلامية جزائرية

  • 0
  • 0
  • 7,824

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً