مسلكيات - (21) الرّياءُ الخَفيُّ

سُئِلَ الحسنُ البصريُّ عن الرّياءِ فقال: "ذَمُّ الرَّجُلِ نفسَهُ في المَجلِس!"، هذا جوابُ عارِفٍ بحيَلِ النَّفسِ وألاعيبِ الشيطان، فقد يتبادَرُ إلى الذّهنِ أوَّلَ وهلَةٍ أنَّ مدحَ النَّفسِ وذِكرَ محاسِنِها أمامَ الناسِ أولى بتوصيفِ الرّياءِ مما ذكر.
والحقُّ ما قالَهُ رحمهُ الله، فإنَّ مَدْحَ المَرءِ نفسَهُ هو عَينُ ذَمِّها، وقد يُسقِطُهُ ذلك من أعيُنِ السامِعينَ لظهور تُهمَةِ العُجبِ وحُبِّ الذّكر من حالِهِ، فصارَتْ تلكَ الصورةُ مفضوحةً مكشوفَة،ً وانقَلبَتْ حينَئذٍ صورَةُ مَدحِ النَّفسِ إلى قالَبِ الذَّمِّ، فيُقالُ: "ما أتقاهُ وما أعظَم َ نُكرانِهِ لذاتِهِ ومحاسبَتِهِ لنَفسِه!".

لكِن.. ذَمُّ المَرءِ نفسَهُ قد يُستَحسَنُ بضَوابِط:
أولًا: أن يكونَ قصدُهُ من ذلكَ كَسرَ زهو النفسِ عندَما يَرى فيها استعلاءً وانتِفاخًا فيَرُدَّها إلى حدّ الاعتِدالِ، وهذا ما فعَلَهُ الفاروقُ مرّاتٍ بعدَ توَلّيهِ الخِلافَةِ.

ثانيًا: أن يفعلَ ذلك عندَما يَرى ظَنَّ الناسِ به فوقَ ما يستَحِقُّ فيَرُدَّهم إلى حدِّ الاعتِدالِ، فهو لا يرضى أن يُذكَرَ بما ليسَ فيه ويكرَهُ أن يلبَسَ ثَوبَي زورٍ بتَشَبُّعِهِ بما لم يُعطَ.

ثالثًا: أن لا يُبالغَ في ذَمِّ نفسِهِ وذِكرِ عُيوبِها إلى دَرَجَةِ الفضيحَةِ وهتكِ العِرضِ وقد ستَرَهُ الله.

رابعًا: أن يُراقِبَ نيَّتَهُ ويتَفَحَّصَ قَلبَهُ فلَعَلَّهُ أرادَ مَدْحَ نفسِهِ بذَمِّها!

وأبعَدُ الناسِ عن الرّياءِ أبعَدُهُم عن مُشاهَدَةِ الخَلقِ، فقد قَنَعَتْ نفسُهُ بمُشاهَدَةِ الخالِقِ جَلَّ جلالُهُ، فاستَغنَتْ بِنَظَرِهِ عن نَظَرِ مَن سِواهُ فلم تلتَفِتْ إلى الخَلقِ واستوى عندَها المَدْحُ والذَّمُّ. 

المصدر: صفحة الشيخ على الفيسبوك