تبسَّم‬!

منذ 2014-11-09

حالةٌ من الكآبة والتجهُّم صارت ملحوظة بشكلٍ واضح بين المصريين والمصريات...! كمية من النكد و(التكشير) صارت تطفو على المشهد، وبدأ كثيرٌ من الناس يركنون إليها بدعوى تثاقل الهموم وتعقُّد المشاكل التي نمرّ بها على مُختلَف الأصعدة سواءً كانت شخصيةً أو عامة.

حالةٌ من الكآبة والتجهُّم صارت ملحوظة بشكلٍ واضح بين المصريين والمصريات...!

كمية من النكد و(التكشير) صارت تطفو على المشهد، وبدأ كثيرٌ من الناس يركنون إليها بدعوى تثاقل الهموم وتعقُّد المشاكل التي نمرّ بها على مختلف الأصعدة سواءً كانت شخصيةً أو عامة.

والحقيقة أن الأمور مُعقَّدة بالفعل؛ والمشاكل لا يمكن إنكارها وأعباء الحياة -فعلًا- قاسية لكن هل هذا مُبرِّر كافٍ لدوام التجهُّم والعبوس والإغراق في النكد والهموم؟!

هل الحل هو التلبُّس بنمط الشخصية (المُكشِّرة) مُكفهِرة الوجه عابسة المُحيا مُقطّبة الجبين؟!

وهل الاستسلام لتلك المشاعر وإظهارها بشكلٍ دائم سيؤدي إلى تغيير أو إصلاح؟!

أعتقد أن تلك الأسئلة يحتاج كثير من (المُكشّرين) إلى طرحها على أنفسهم.

على صعيدٍ آخر.. يظن البعض أن المهابة تكمن في العبوس، ويعتقدون أن الوقار يظهر في كمِّ التجاعيد التي ستظهر على جبينه كلما قطّبه أكثر وأكثر! ويتصورون أن الحشمة والمكانة إنما تُنال بكآبة السَّمت وصرامة الوجه التي تبعث برسالةٍ حازمة إلى من يتعاملون معهم مفادها - خُد بالك، واعمل حسابك، نحن أناسٌ مهمومون، ومُنشغِلون بعظائم الأمور! والويل.. الويل لمن تجرَّأ على المُزاح معنا، أو فكّر مُجرّد تفكير أن يُخفِّف من توتر سَمتنا وعبوس وجوهنا...!

وهم واهمون في ظنهم هذا! فلا المكانة تُنال بالعبوس، ولا التكشير دليل الجدية والوقار، ولا التجهُّم يُفرِّج الهموم أو يحل المشكلات.

لقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم أكثر الناس وقارًا وأعظمهم مهابةً، وكان من شدة مهابته لا يستطيع أصحابه أن يُحدُّوا النظر إليه طويلًا.

لكنه رغم تلك المهابة والوقار كان بشوشًا طَلق الوجه، وكان يأمر بذلك ويستحبه. وكان ينهى عن احتقار المعروف ولو كان هذا المعروف طلاقة الوجه.. حين يُقابِل المرء أخاه وكان يحض على التبسُّم ويُبيِّن مثوبته وأن البسمة في دين الإسلام تُعد صدقةً وطاعةً وقربى.

ولقد كان يتبسَّم..

كان يتبسَّم كما تبسَّم من قبله من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم حتى أن القرآن ذكر شيئًا من تبسُّمِهم؛ كما في قوله تعالى عن سيدنا سليمان عليه السلام: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:19].


تبسَّم نبي الله سليمان عليه السلام، وتبسَّم نبينا عليه الصلاة والسلام.. رغم الهموم والآلام والأحزان.. تبسَّم..

رغم الانشغالات والمسؤوليات والمهام الجسام.. تبسَّم..

رغم التعقيدات والمؤامرات والصراعات التي كان يُواجِهها فإنه ظل حتى النهاية.. يتبسَّم.

إنه من أوذي في الله حين لم يؤذَ أحد وأُخيف في الله حين لم يُخف أحد، وهو من في حياته مات جُل أبنائه وبناته، ورحلت عن الدنيا أحب زوجاته.. وكان يمرّ به البلاء تلو البلاء والمسؤوليات الجِسام.. ورغم كل ذلك كان يتبسَّم.

وكان يمزح ولا يُحدِّث إلا صِدقًا..

وكان يُلاعِب أطفاله وأطفال غيره..

وكان يُسابِق زوجه ويُلاطفها..

وكان يُمازِح الفقراء والبُسطاء من أصحابه ويتبسَّط إليهم..

وكانوا يتضاحكون بعد صلاة الصبح وهو جالس بينهم يتبسَّم..

كل ذلك وغيره مما لا يتسع المقال لذكره.. من مواطن تلطُفِه ومُزاحه وتبسُّمه لم يُنَل من هيبته صلى الله عليه وسلم ولم يُسبِّب تقصيرًا في مسؤولياته أو واجباته ولم يُضاعِف مشكلاته أو يُعقِّد من همومه وابتلاءاته.

فقل لي بربك أيها العبوس (المُكشِّر) هل أنت أفضل منه أو أعظم هيبة؟!

هل همومك أكثر؟!

هل مسؤولياتك أضخم؟!

هل آلامك وبلاؤك أشد من بلائه؟!

وهل تظن أنك بعبوسك تَنال وقارًا لم ينله؟!

أم أنك يا عزيزي تخشى على وجهك إن تبسَّمتَ أن يتشقَّق؟!

صَدِّقني لن يتشقَّق..

بل سيُشرِق ويُضيء، ولن ينفر غيرك بل سيبشر ويستبشِر به من حولك.

فيا صديقي.. تبسَّم، فمَن هو خيرٌ مني ومنك.. ‫تبسَّم.‬

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 4
  • 0
  • 3,488

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً