من بنى المسجد الأقصى؟

منذ 2014-11-16

ذكر أكثر المفسرين أن إبراهيم عليه السلام قد جدد بناء المسجد الأقصى وأقامه ليكون مسجدًا للأمة المسلمة من أبنائه وذريته المؤمنين برسالته ودعوته..

من بنى المسجد الأقصى؟

أول البناء:

أخرج البخاري في صحيحه بالسند إلى أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى»، قال: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة ثم أينما أدركت الصلاة بعد فصله، فإن الفضل فيه».

 

وليس هناك نص ثابت في أول من بنى المسجد الأقصى، ولكن لا خلاف أن بيت المقدس أقدم بقعة على الأرض عرفت عقيدة التوحيد بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة، وأن الفرق بين مدة وضعهما في الأرض أربعين سنة.

 

بناء آدم عليه السلام:

يقول القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن ج4 ص138): "واختلف في أول من أسس بيت المقدس، فروي أن أول من بنى البيت يعني البيت الحرام آدم عليه السلام، فيجوز أن يكون ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عامًا، ويجوز أن تكون الملائكة أيضًا بنته بعد بنائها البيت بإذن الله، وكل محتمل والله أعلم".

 

وأورد ابن حجر في الفتح (كتاب أحاديث الأنبياء):

"إن أول من أسس المسجد الأقصى آدم عليه السلام، وقيل الملائكة، وقيل سام بن نوح عليه السلام، وقيل يعقوب عليه السلام"، وقال كذلك: "وقد وجدت ما يشهد ويؤيد قول من قال: إن آدم عليه السلام هو الذي أسس كلا المسجدين، فذكر ابن هشام في (كتاب التيجان) أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه".

 

وذكر السيوطي في شرحه لسنن النسائي:

"أن آدم نفسه هو الذي وضع المسجد الأقصى، وأن بناء إبراهيم وسليمان تجديد لما كان أسسه غيرهما وبدأه".

 

بناء إبراهيم عليه السلام:

أشار ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري- ج6- ص407) إلى أن ابن الجوزي ذكر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أربعون سنة" إشكالا لأن إبراهيم عليه السلام بنى المسجد الحرام وسليمان بنى بيت المقدس وبينهما أكثر من ألف سنة، ثم أجاب ابن الجوزي عن هذا الإشكال بقوله: "إن الإشارة إلى أول البناء ووضع أساس المسجد وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس"، ثم قال ابن الجوزي: "فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم، ثم انتشر ولده في الأرض، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس، ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن"، وكذا قال القرطبي: "إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدأ وضعهما لهما، بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما".

 

وذكر أكثر المفسرين أن إبراهيم عليه السلام قد جدد بناء المسجد الأقصى وأقامه ليكون مسجدًا للأمة المسلمة من أبنائه وذريته المؤمنين برسالته ودعوته.

 

واستمرت إمامة المسجد الأقصى وبيت المقدس في يد الصالحين من ذرية إبراهيم عليه السلام كما ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية- ج1- ص184): أنه في عهد يعقوب بن إسحاق عليهما السلام أعيد بناء المسجد الأقصى بعد أن هرم بناء إبراهيم عليه السلام. وذكر شهاب الدين المقدسي في (مثير الغرام- ص134): "وكان هذا البناء تجديدًا".

 

بناء سليمان عليه السلام:

والثابت بالأدلة الشرعية المعتمدة لدينا نحن المسلمين أن سليمان عليه السلام بنى المسجد الأقصى، وأن بناء سليمان عليه السلام بناء التجديد والتوسعة والإعداد للعبادة لا بناء التأسيس.

 

روى النسائي وابن ماجة وغيرهما بالسند إلى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما فرغ سليمان بن داوود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثًا: حكمًا يصادف حكمه، وملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة».

 

ثال النووي في شرح مسلم:

"ورد أن واضع المسجدين آدم عليه السلام، وبه يندفع الإشكال بأن إبراهيم بنى المسجد الحرام وسليمان بنى بيت المقدس، وبينهما أكثر من أربعين عامًا، بلا ريب فإنهما هما مجددان".

 

وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): "إن الآية -أي قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة:127]- والحديث الذي رواه النسائي لا يدلان على أن إبراهيم وسليمان عليهما السلام ابتدأ وضعهما بل كان تجديدًا لما أسس غيرهما".

 

ويقول الإمام البغوي في تفسيره: قالوا:

فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصر، فخرب المدينة، وهدمها ونقض المسجد، وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر المجوهرات، فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق.

 

ومما سبق يتبين أن ما قام به سليمان عليه السلام في بيت المقدس ليس بناء لهيكل وإنما هو تجديد للمسجد الأقصى المبارك كما فعل إبراهيم عليه السلام في المسجد الحرام، فالمسجد الأقصى قبل سليمان وموسى ويعقوب وإبراهيم عليهم السلام، ليكون مجدًا للأمة المسلمة.

 

من كتاب: (المسجد الأقصى.. الحقيقة والتاريخ):

  • 147
  • 15
  • 471,968

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً