إحترس؛ قابل للكسر!
محمد علي يوسف
عند التعامل مع الصدمات في أشخاصٍ أو مع تمكن هوى النفس وتسلُّط شيطانك -حال المعصية- لا ينبغي أن تكون مُهتزًا ضعيف الشخصية لسان حالك ألّا فائدة منك تُرتجى وألّا صلاح منك يُنتظَر..!
- التصنيفات: تربية النفس - الطريق إلى الله -
ثلاث كلمات تُوضع دومًا على غلاف تلك البضائع التي يُخشى كسرها أثناء نقلها.
عادةً ما تكون تلك البضائع ضعيفة المكونات، هشّة الخامات، تحتاج إلى معاملةٍ خاصة، وحذرٍ شديد أثناء تداولها.
وإن من النفوس البشرية ما تصلح تلك العبارة القصيرة أن تكون عنوانًا لها.
نفوس يمكنك أن تقول عنها أنها: (متلصمة).
ومتلصمة: كلمة عامية مفادها أن هذا الشيء الموصوم بالتلصيم أقل شيء يكسره...!
وكذلك تلك الأنفس!
أقل شيء يكسرها وأهون ابتلاءً يزلزل أركانها، وأي معصية أو غلطة تدمرها ويكأنها تتأرجح على حافة السقوط تنتظر دفعة يسيرة لتقع بعدها وتتهشم، ثم تتردى مهزومة أمام تلك المؤثرات بضعفٍ منقطع النظير يليه تبرير شهير مفاده "الشيطان شاطر وشرير"...!
والحقيقة أن هذا غير صحيح بهذا الإطلاق.
الشيطان ليس بهذه الشطارة المزعومة ويفترض بمسلمٍ يقرأ القرآن أن يتلاشى ذلك التعظيم الخفي تمامًا من قلبه خصوصًا حين يتلو قول ربه {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء من الآية:76].
تلك هي الحقيقة التي يُعلنها الشيطان نفسه في خطبته بجهنم، إذ يقول فيها مبينًا مدى ما يستطيعه {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم من الآية:22].
مجرد دعوة وسوسة لا تجاوز الصدور! ولكن كما أن كيد الشيطان كان ضعيفًا فإن الله قد بيّن أيضًا في نفس السورة -النساء- أن الإنسان خُلق ضعيفًا كما يظهر في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء من الآية:28].
وضعف الإنسان الجبلي في مواجهة كيد الشيطان -الضعيف أيضًا- قد يورث تسلّط الأخير خصوصًا على صاحبنا القابل للكسر الذي يحيا على حرف.
يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11].
وبالفعل هناك أيضًا من يحيا على حرفٍ ويبني مواقفه ومبادئه وأحكامه على هذا الحرف الكائن على شفا جُرفٍ هارٍ يوشك أن يخر به ويهوي إلى أعماق سحيقة.
هناك من لا يستطيع أن يبتعد عن حافة الهاوية الذي ألِف التأرجح عليه، وصارت نفسه تأنف المكث على الأرض الصلبة البعيدة عن ذاك الحرف...!
إنه نمط من الناس تذهب بهم كلمة وتأتي بهم أخرى، وترتفع بهم الأهواء ثم تخفضهم الفتن والبلاءات! وما إن يُصدموا في أنفسهم أو في غيرهم حتى تبدأ (الولولة) والتباكي على الصدمة التي تلقوها وكيف أنها أثّرت في أنفسهم المرهفة الهشة القابلة للكسر.
أصحاب منطق معيب، ونفسية متأرجحة لا تستقر على مبدأ، ولا تبقى على رأى، ولا تصمد في وجه ابتلاءٍ أو فتنة أو تثبت أمام اختبار أو أزمة! ما أسرع أن تُكَوِّن حكمًا وما أعجل أن تنقضه، وما أسهل أن تتبني معتقدًا وما أهون أن تتركه بعد حينٍ لتظل هكذا مُتقلِّبة متأرجحة بين المبادئ والقيم والأهواء والظنون.. لتبقى على تلك الحالة المتلصمة والقابلة للكسر.
ولمثل هذا النمط أقول:
إجمد شوية يا صديقي.. المبادئ والقيم والثوابت لا يمكن أن تعامل بهذه الطريقة وليس دين الله بالعزومة ولا بالتلاصيم.
عند التعامل مع الصدمات في أشخاصٍ أو مع تمكن هوى النفس وتسلُّط شيطانك -حال المعصية- لا ينبغي أن تكون مُهتزًا ضعيف الشخصية لسان حالك ألّا فائدة منك تُرتجى وألّا صلاح منك يُنتظَر..!
المرء لا ينبغي أن يكون مُهتزًا ضعيف الشخصية ينتظر أقل سبب ليُبرِّر لنفسه ترك الطريق ويركن إلى اليأس والقنوط بحجة أنه "مصدومٌ أو حزين، أو إن ما فيش فايدة فيه".
بل ينبغي في تلك اللحظة ألّا يكون انكساره إلا بين يدي مولاه، وألّا يُظهِر ضعفه إلا إليه، بينما عليه في ذلك الحين أن يُظهِر لنفسه ولشيطانه قوةً وبأسًا وعِنادًا ولسان حاله: نعم عصيت وقصّرت؛ ولكن ذلك ليس نهاية المطاف ولم تزل روحي بعد بين جنبي لم أُغرغِر وها هي الشمس بعدُ لم تخرج إلا من المشرق.. بل ينبغي في تلك اللحظة ألّا يكون انكسارك إلا بين يدي مولاك عند مناجاته بالتوبة.
عليك في تلك اللحظة أن تُظهِر لنفسك ولشيطانك قوةً وبأسًا وعِنادًا ولسان حالك: نعم عصيت وقصّرت لكنني لم أمت بعدُ وشاء ربي أن يمد أجلي لأوجع شيطاني وأصقل نفسًا بالسوء تأمرني.
نعم عصيت وقصّرت لكنني لم أستسلم وبإذنه لن أفعل..
نعم عصيت وقصّرت لكنني عائدٌ وإن أبيتم ونخرتم ووسوستم.
عائدٌ لرب يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ويعفو عن كثير.
اقطع على شيطانك طريق تقنيطك وتيئيسك وتقوَّ بالله والجأ إلى حِماه تنجو بإذنه وتنال البأس والصلابة التي تعينك على اتقاء كيد عدوك (الضعيف)، وكن في مواجهته عنيدًا صلب المِراس وتجلّد، ولا تكن أبدًا من هذا النوع الذي يحيا تلك الحياة البائسة على حرفٍ فيكون دائمًا مُهدَّد النفس وعلى صدره تلك اللافتة المُظهِرة لضعفه وهوانه..
لافتة: إحترس قابل للكسر...!