يحبهما الله ورسوله

منذ 2014-12-05

وفي كلماتنا هذه نسعى أن نذكر -والذكرى تنفع المؤمنين- بخلة يحبها الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍۢ مِّنۢ بَعْدِهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًۭا} [فاطر:41].

في عالم يغترب فيه الجميل وينتشر فيه القبيح، وتعلو فيه قيم الشر وتخبو منه قيم الخير، ويكثر الخبث وتغترب الفضيلة، يظهر الداعون لأخلاقيات النبوة كالغرباء بين الناس، يرفعون شعار المعاني السامية، ويعادون سبل الشيطان.

وفي كلماتنا هذه نسعى أن نذكر -والذكرى تنفع المؤمنين- بخلة يحبها الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:
{إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍۢ مِّنۢ بَعْدِهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًۭا} [فاطر:41]. فالحلم صفه من صفات الله عز وجل التى وصف بها ذاته وأراد أن يتحلى بها عباده  وهذا ما جاء في الآية الكريمة، فلولا حلمه عز وجل ومغفرته لمن أذنب لما استقرت السماوات والأرض.

قال ابن كثير: "
{حَلِيمًا غَفُورًۭا}، أي يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه، وهو يحلم فيؤخر وينظر ويؤجل ولا يعجل ويستر ويغفر لعلهم يتوبوا ويرجعوا".

والله عز وجل وصف إبراهيم عليه السلام بأنه كان حليمًا؛ قال تعالى:
{إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٌۭ} [التوبة من الآية:114]،​ وقال تعالى عن إسماعيل عليه السلام:  {فَبَشَّرْنَـٰهُ بِغُلَـٰمٍ حَلِيمٍۢ} [الصافات:101]. إذن فالحلم صفة وخلق كريم وصف الله عزوجل به ذاته وهو من أخلاق أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.

وقد كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس حلمًا وصبرًا على الأذى، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ولا إمرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد فى سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل". فمن قول السيدة عائشة رضي الله عنها: لم يكن يغضب إلا إذا انتهكت حدود الله، وهذا هو الغضب المحمود  وأما إذا غضب الإنسان لغير الله أو لشيء هين، فهذا غضب مذموم فقد لايستطيع الإنسان السيطرة على نفسه وقد ينتهي إلى ما لا تحمد عقباه.

ومن أعظم مواقف حلمه صلى الله عليه وسلم ما حدث مع أهل مكة الذين لقي منهم كثيرًا من الأذى. وأكبر أذى لحق به صلى الله عليه وسلم هو خروجه من أحب مكان له وهو مكة، لكنه لما قدر له فتحها ودخلها وهو قوي منتصر، لم ينتقم من أهلها ولم يفعل بهم ماكانوا يفعلون بأصحابه، لكنه تعامل بحكمة، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: 
«ما تظنون أنى فاعل بكم؟»، قالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم"، قال صلى الله عليه وسلم: «فإني أقولُ كما قال أخي يوسفُ: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّ‌ ٰحِمِينَ} [يوسف:92]» (صحيح الإسناد، الأحكام الصغرى [558]). 

قال تعالى: {ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} [المؤمنون:96]، وقال تعالى أيضًا: {وَجَزَ‌ ٰٓؤُا۟ سَيِّئَةٍۢ سَيِّئَةٌۭ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ} [الشورى من الآية:40].

فالحلم خلق يحبه الله ورسوله، ويحب من يتحلى به قال صلى الله عليه وسلم للأشج ابن قيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والحياء» (صحيح ابن ماجه [3395]).

قال القرطبي: "فمن الواجب على من عرف أن ربه حليم على من عصاه أن يحلم هو على من خاف أمره، فذاك به أولى حتى يكون حليمًا فينال من هذا الوصف بمقدار ما يكسر به سور ثورة غضبه، ويرفع الانتقام عمن أساء إليه، بل يتعود الصفح حتى يعود الحلم له سجية، كما تحب أن يحلم عنك مالكك فاحلم أنت عمن تملك لأنك متعبد بالحلم مثاب عليه.

ولما كان الحلم خلق كريم نافع لصاحبه فى الدنيا والأخرة، كان الغضب خلق مذموم فأول من يضر به صاحبه. وقد وضعت السنه النبوية علاجًا للغضب وكيف يتعامل الإنسان فى هذه المواقف قال صلى الله عليه وسلم:
«ألا وأن الغضب جمرة فى قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بشئ فليلصق بالأرض» (أي يجلس، أخرجه الترمذي)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضجع» (أبو داود وأحمد)، وقال صلى الله عليه وسلم : «ليس الشديد بالصُرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (والصُرَاعة عند العرب من يصرعُ الناس، صحيح البخاري [6114]).

فالغضب موجود داخل كل إنسان، ولكن القوي فقط هو من يستطيع التغلب على غضبه بقوة عقله وحكمته وذكره لله واستعاذته من الشيطان، وبالتزامه تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: 
«لا تغضب» (صحيح ابن حبان [5689]).

وعلى المؤمن أن يتذكر أنّ لنا فى رسول الله أسوة حسنة، ومهما لقينا من متاعب وصعوبات فى الحياة  فليست بشيء  بجانب ما لقيه صلى الله عليه وسلم سواء فى حياته قبل الدعوة أو بعدها ومن الكفار أو حتى من جهل بعض المسلمين حديثي الإسلام عليه.

روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضى الله عنهما أنه قال: "كنت أمشي مع النبى صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجرانى غليظ الحشية، فأدركه أعرابى فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: "مر لي من مال الله الذي عندك"، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء". 

نهال عبد الله    
​8/2/1436 هـ

  • 0
  • 0
  • 3,366

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً