يخربون بيوتهم بأيديهم

منذ 2014-12-09

وتدمير المصانع وإحراق الأخضر واليابس، لا لشيء إلا لسوء فهمٍ لرسالة الإسلام، واختطاف لمشروع الدين العظيم، وغبش في الرؤية وفساد في التصور، يا ركَّاب سفينة النجاة في أمواج البحر أيجوز لكم أن تتركوا سفيهاً يريد أن يخرق في السفينة؛ ليغرق الجميع؟

يا للذكاء المفرط ويا للدهاء العظيم، بل يا للتخطيط الفاشل، سوف يحرقون النفط ويشعلون الغاز ويدمِّرون البنية التحتية ويخربون بيوتهم بأيديهم حتى يستدرجوا أمريكا كما يزعمون، فإذا حضرت أمريكا دمَّروها بعدما يدمِّرون بلادنا!! أي عقل غاب؟!

أي ضمير مات؟!

أي دين عزب؟!

أي فهم ضل؟!

أي رحمة نفدت؟!

هل في العالم عاقل يأتي إلى بيت عمَّره من مائة عام وشيَّده وزيَّنه ونظَّمه ورفعه بجهده وعرقه وكفاحه وعصامّيته ثم عاد إلى هذا البيت يريد أن ينقضه حجراً حجراً، ويحرق أثاثه ويدمِّر حديقته الغناء ويجتثَّ بستانه الوارف ويهدم أسواره ويحطِّم زجاجه بحجة أن يأتي السارق ليأخذ بقايا حطامه، فإذا جاء السارق ذبحه من الوريد إلى الوريد، ماذا يُقال لمن ألَّف كتاباً فحبَّره وحرّره ثم مزَّقه؟ ماذا يُقال لرسّام أبدع في رسم لوحة هائمة بالحسن ثم كسَّرها؟

ماذا يُقال لنجار نقش باباً جميلاً بيده ثم كسَّره بفأسه؟ ماذا يُقال لخياط فصَّل ثوباً زاهياً ثم شقّه؟

إن من يفعل هذا عند العقلاء قد فقد عقله وضيّع مستقبله وألغى مكانته وحكم على حياته بالإعدام، وحقه أن يُحجر عليه، يقول - سبحانه - عن من هذا فعله: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة: 205]، أبعد ما اجتمع الشمل وتمّت الوحدة وازدهر العمران وكثر الخير نعود بسلاحنا فنقتل أنفسنا وندمِّر مكتسباتنا ونلغي وجودنا لنعود إلى ما قبل مائة عام يوم التناحر والتقاتل والتطاحن.

يوم كانت كل قبيلة تبني حصونها على حدود القبيلة الأخرى ثم تهاجمها بالسلاح وكأنها تنتصر للإسلام.

يوم كان الإنسان لا يأمن على نفسه إذا ذهب من قرية إلى قرية.

يوم كان الطفل يُربى على أن قبيلته هي أفضل وأكرم وأشجع قبيلة، وأن القبيلة المجاورة هي أغبى وأجبن وأبخل قبيلة.

يوم كانت تُسلب القوافل وتُنتهب الأموال وتُسفك الدماء.

يوم كان لا يوجد في القرية بأسرها من يقرأ رسالة أو يخط حرفاً، أفبعد مشروع التوحيد والوحدة والذي صار أكبر مشروع في الشرق على تقوى من الله ورضوان، أفبعد هذا كله يُترك الحبل على الغارب لمن أقبل بقنابله وباروده وسلاحه ليدمِّر هذا البناء ويقضي على الاقتصاد ويخرّب الطرق ويعطِّل المشاريع، ويروِّع الأطفال في المدارس والمصلين في المساجد والنساء في البيوت والعجزة في دور الحضانة والمرضى في المستشفيات، هل في العالم أمة مهما اختلف دينها تسعى فئة منها لهدم حضارتها وتخريب مقدّراتها وتعطيل تقدمها؟

أي جهاد يقوم على ذبح المؤمنين والمستأمنين وتعطيل المساجد من المصلين؟

وتدمير المصانع وإحراق الأخضر واليابس، لا لشيء إلا لسوء فهمٍ لرسالة الإسلام، واختطاف لمشروع الدين العظيم، وغبش في الرؤية وفساد في التصور، يا ركَّاب سفينة النجاة في أمواج البحر أيجوز لكم أن تتركوا سفيهاً يريد أن يخرق في السفينة؛ ليغرق الجميع؟

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 1
  • 1
  • 3,530

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً