نورٌ يُستضاء به

منذ 2014-12-10

بكلماتٍ يفوحُ أريجُها، ويُشرِق في الدُجى نورها، لا من بلاغةِ كاتبها إنما من طِيبِ مَنْ تتحدثُ عنه..

إن الرسول لنورٌ يُستضاء به *** مُهندٌ من سيوف الله مسلولُ

بكلماتٍ يفوحُ أريجُها، ويُشرِق في الدُجى نورها، لا من بلاغةِ كاتبها إنما من طِيبِ مَنْ تتحدثُ عنه.. فسيرته صلى الله عليه وسلم معروفة، ومواقفه معلومة، لكن القلب لا يمل تكرارها، والأذن تطرب بسماعها؛ كما قال القائِل:

كَرِر عَليَّ حديثَهم يا حادي *** فحديثُهم يُطفي لهيب فؤادي

وُلِد صلى الله عليه وسلم ليكون رحمةً للعالمين، تربى يتيم الأبوين في كنف جَده ثم عمه أبي طالب، جد واجتهد وأكل من عمل يده كسائر الأنبياء، ولما شبَّ تزوج من خديجة الطاهرة فكانت نِعم السكن له، فعاشا في حبٍ وحنان، ورُزِق منها الولد.

حتى إذا أراد الله أن تشرق شمس الإسلام على الدنيا لتأذن بزوال ظلمة الجاهلية.. بعثه صلى الله عليه وسلم للناس بشيرًا ونذيرًا.. فدعا إلى الله عز وجل ولاقى في سبيل ذلك ما لاقى من تكذيب وإيذاء، فلم يُثنهِ ذلك عما كلَّفه الله به.

فهاجر من أحب البلاد إليه (مكة) إلى المدينة لينشر دين الله وليبني دولة الإسلام الشامخة في مدة لم تتجاوز العشر سنوات..

واختار الله لصحبته الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فودوا لو افتدوه بأرواحهم ودمائهم، كانوا يحبونه ويجلونه حتى عَجِب من ذلك الأعداء وشهدوا به؛ قال عروة بن مسعود قبل إسلامه: "وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ" (أخرجه البخاري).

خاض صلى الله عليه وسلم الحروب والغزوات وعاد إلى مكة فاتحًا بعد أن بشره الله بذلك، وخشي الأنصار أن يبقى رسول الله بمكة فطمأنهم وقال: «لولا الهجرة لكنتُ امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا وسلك الأنصار واديًا أو شِعبًا لسلكتُ وادي الأنصار أو شعب الأنصار» (أخرجه البخاري).

وبعد أن حج حجة الوداع ونزل قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]، مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضًا شديدًا واختار أن يلحق بالرفيق الأعلى فمات صلى الله عليه وسلم..

وكما أضاءت المدينة بقدومه، فقد أظلمت برحيله بل أظلمت الدنيا كلها؛ قال أنس: "لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء" (أخرجه أحمد وغيره).

هو خير الورى، وسيد الخلق؛ زكَّاه الله في كتابه، وجعله خاتم رسله وأنبيائه..

كان نِعمَ العبد لربه، ونِعمَ الرجل لأهله، رحيمًا عطوفًا شجاعًا كريمًا؛ يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.. وملخص ذلك قول السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان خُلُقه القرآن" (أخرجه البخاري في الأدب المفرد).

بقيت سنته خالدة محفوظة، ودينه ظاهر على جميع الأديان بوعدٍ من الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:9].

فمن استمسك بسُنته فاز ونجا، ومن تركها زل وكبا؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71]، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]

فهلا اتخذناه قدوتنا، وجعلناه مثلنا الذي يُحتذى؟!

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].

  • 54
  • 11
  • 52,147

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً