لحظة النـدم!!

منذ 2014-12-15

فلا يتبقى لهم حينئذ إلا أمنية واحدة وهي الموت

قال الله سبحانه وتعالى في محكم آياته: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الانعام:27].. سبحان الله جاءت لحظة الندم والحسرة والألم والصراخ فلم وقفوا على النار قالوا: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

يا ليتنا سمعنا كلام من كان يدعونا للصيام، والصلاة، والزكاة، وبر الوالدين..

يا ليتنا سمعنا من كانت تدعونا للبس الحجاب الشرعي، والتوقف عن السير مع الشباب، ومحادثتهم..

يا ليتنا ما جادلنا العلماء.. كلما قالوا: حديث صحيح؛ نقول: لا العقل يرفض.. نقول: لا، الشيخ فلان يقول ليس بصحيح..

يا ليتنا.. يا ليتنا..

قال تعالى في محكم آياته: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ . وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ .حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:42- 47].

فتخيل الموقف.. ملائكة النار تأخذك إلى النار وأنت تحاول الفرار منهم، ولكن هيهات هيهات فقد وصفهم الله تعالى قائلاً: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

وفي خضم هذا الموقف تطلب العودة من جديد للتوبة، وتطلب العودة للدنيا لإصلاح ما فسد؛ قال تعالى واصفًا حالهم: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99- 100] قالوا: الْمَوْتُ.

{قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}.. سبحان الله! تطلب العودة ومن ثم تقول لعّلي أعمل صالحًا؟! واقف على النار وترى النار بعينيك، والملائكة تقيدك، وتقول: لعلي أعمل صالحًا!! ولكن نجد قول الله تعالى الحق: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر:71].

ومع كل هذا ومحاولة بائسة بأن نظهر المظلومية نجد صوت الحق يدوي فيسكت الجميع.. قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنعام:30].. تدبر هذا الحوار القصير القاصم لظهور الجبابرة.. يدوي صوت الملك موبخًا ومقرعًا: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ} أليس هذا العذاب الذي ترونه بالحق.. فيردون: {بَلَى وَرَبِّنَا} فأقروا، واعترفوا حيث لا ينفعهم ذلك.. فيأتي الرد القاطع والحاسم: {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}.

ثم يريدون الخروج من النار فيتذكروا بأن لهم حسنات فينادوا: لنا حسنات.. ولنا أجر.. لنا الحق بدخول الجنة!! فيأتي الرد بقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف:20] سبحان الله! استمتعتم بها.. فهي حظكم من آخرتكم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ تعالى إذا كان يومُ القيامةِ ينزل إلى العبادِ ليقضيَ بينهم، وكلُّ أمةٍ جاثيةٌ، فأولُ من يدعو به رجلٌ جمع القرآنَ، ورجلٌ قُتِل في سبيلِ اللهِ، ورجلٌ كثيرُ المالِ، فيقول اللهُ للقارئِ: ألم أُعلِّمكَ ما أنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى يا ربِّ. قال: فماذا عملتَ فيما علمتَ؟ قال: كنتُ أقومُ بهِ آناءَ الليلِ وآناءُ النهارِ، فيقول اللهُ لهُ: كذبتَ، وتقول الملائكةُ: كذبتَ، ويقول اللهُ له: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ قارئٌ، فقد قيل ذلك. ويُؤتى بصاحبِ المالِ، فيقول اللهُ: ألم أُوسِّعْ عليك حتى لم أدْعكَ تحتاج إلى أحدٍ؟ قال: بلى يا ربِّ. قال: فماذا عملتَ فيما آتيتُك؟ قال: كنتُ أصلُ الرحمَ وأتصدَّقُ، فيقول اللهُ لهُ: كذبتَ. وتقولُ الملائكةُ لهُ: كذبتَ، ويقول اللهُ بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جوادٌ وقد قيل ذلك. ويُؤتى بالذي قُتل في سبيلِ اللهِ فيقول اللهُ له: فيماذا قُتلتَ؟ فيقول: أمرتَ بالجهاد في سبيلِك فقاتلتُ حتى قُتلتُ. فيقول اللهُ له: كذبتَ، وتقول له الملائكةُ: كذبتَ، ويقول اللهُ: بل أردتَ أن يقال: فلانٌ جرئٌ، فقد قيل ذلك. ثم ضرب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على ركبتيَّ فقال: يا أبا هريرةَ: أولئكَ الثلاثةُ أولُ خلقِ اللهِ تُسعَّرُ بهمُ النارُ يومَ القيامةِ» (أخرجه الترمذي:2382، وصححه الألباني).

فاستمتعتم بها في الدنيا وقد قيل فلا يتبقى لكم عندنا اليوم إلا عذاب الهون!!

وفي هذه اللحظة أيَضًا سيتحدثون مع أهل الجنة: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50] حتى شربة الماء لا ينالوها!!

ثم يبدأ البحث عن النجاة بالحديث مع الملك سبحانه وتعالى فيقولون كما قال تعالى: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ . رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106، 107] فيأتي رد الجبار جل وعلا بقاصمة الظهر؛ قال تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] يقول السعدي رحمه الله في تفسيره: "وهذا القول -نسأله تعالى العافية- أعظم قول على الإطلاق يسمعه المجرمون في التخييب، والتوبيخ، والذل، والخسار، والتأييس من كل خير، والبشرى بكل شر، وهذا الكلام والغضب من الرب الرحيم، أشد عليهم وأبلغ في نكايتهم من عذاب الجحيم".

فلا يتبقى لهم حينئذ إلا أمنية واحدة وهي الموت؛ كما وصفهم الله تعالى فقال: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [الزخرف:77] سبحان الله! حتى أمنية الموت لا ينالوها!!

فيحق فيهم قول الله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ} [سبأ:54].

فيا عباد الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16].. أرى بأنه قد حان العودة لله تعالى والتوبة قبل الوقوف بين يدي الجبار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أبو مالك محمد عيسى

كاتب إسلامي

  • 4
  • 0
  • 7,673

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً