شروط (لا إله إلا الله)

منذ 2014-12-22

كثيرٌ من الناس يظنون أنهم سيدخلون الجنان ولا يُعذبَّون في النيران بمجرد قولهم لا إله إلا الله، ويحتجون بقول رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَال لا إِلهَ إِلا اللهُ ثُمَّ مَاتَ على ذَلكَ إِلا دَخَل الجَنَّةَ»، ولم يعلم هؤلاء أن شهادة التوحيد إن لم يحقق العبد شروطها ويستوفي أركانها فهي مجرد كلمة خرجت من اللسان، أو نطق بها أعجمي لا يفهم القرآن.

"لا إله إلا الله" هي الكلمة التي من أجلها خلق الله الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب وجُرِّدت سيوف الجهاد وانقسم الناس إلى فريقين: مؤمنين، وكفار. ولأجلها قام سوق الجنة والنار، ووضع الميزان، ونُصِب الصراط .

وهي حق الله على العباد، فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام، وعنها يسأل الأولون والآخرون.

كثيرٌ من الناس يظنون أنهم سيدخلون الجنان ولا يُعذبَّون في النيران بمجرد قولهم لا إله إلا الله، ويحتجون بقول رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَال لا إِلهَ إِلا اللهُ ثُمَّ مَاتَ على ذَلكَ إِلا دَخَل الجَنَّةَ» ولم يعلم هؤلاء أن شهادة التوحيد إن لم يحقق العبد شروطها ويستوفي أركانها فهي مجرد كلمة خرجت من اللسان، أو نطق بها أعجمي لا يفهم القرآن.

قال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: "ما أعددت لهذا اليوم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: نِعم العدة، لكن اعلم أن لا إله إلا الله لها شروط، فإياك وقذف المحصنة".

وقيل للحسن أيضًا: إن أُناسًا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: "من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة".

وقالَ وَهْبَ بْنُ مُنَبِّهٍ لِمَنْ سَأَلَهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ مِفْتَاحُ اَلْجَنَّةِ؟ قَالَ: "بَلَى، وَلَكِنْ مَا مِنْ مِفْتَاحٍ إِلَّا وَلَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ" (رواه البخاري مُعلَّقًا)[1].

وقد ذكر العلماء لكلمة الإخلاص شروطًا، لا تصح إلا إذا اجتمعت، واستكملها العبد، والتزمها بدون مناقضة لشيء منها. وليس المرادُ من ذلك عدَّ ألفاظِها وحِفْظَهَا؛ فكم من عامي اجتمعت فيه، والتزمها ولو قيل له عَدِّدْها لم يحسن ذلك.

فقد نبّه الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في كتابه: (معارج القبول) قال رحمه الله: "ليس المراد من ذلك عد ألفاظها وحفظها فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها ولو قيل له أعددها لم يُحسِن ذلك وكم حافظٍ لألفاظها يجري فيها كالسهم وتراه يقع كثيرًا فيما يناقضها والتوفيق بيد الله" اهـ (الجزء الأول؛ صفحة: [377]).

وهذه الشروط مأخوذة بالتتبع والاستقراء للأدلة من الكتاب والسنة؛ فالعلماء المحققون استقرؤوا نصوص الكتاب والسنة، فوجدوا أن كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" قُيِّدت في الكتاب والسنة بقيودٍ ثِقال، وهي هذه الشروط لا تنفع قائلها إلا بها.

شروط لا إله إلا الله:

الأول: العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا.

الثاني: اليقين، وهو: كمال العلم بها، المنافي للشك والريب.

الثالث: الإخلاص المنافي للشرك.

الرابع: الصدق المنافي للكذب.

الخامس: المحبة لهذه الكلمة، ولما دلت عليه، والسرور بذلك.

السادس: الانقياد لحقوقها، وهي: الأعمال الواجبة، إخلاصًا لله، وطلبًا لمرضاته.

السابع: القبول المنافي للرد".

الشرط الأول: العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا بحيث يعلم القلب ما ينطق به اللسان فإذا عَلِم العبد أن الله عز وجل هو المعبود وحده، وأن عبادة غيره باطلة، وعمل بمقتضى ذلك العلم فهو عالِمٌ بمعناها. وضد العلم الجهل؛ وهو الذي أوقع الضلال من هذه الأمة في مخالفة معناها، حيث جهلوا معنى الإله وبالتالي أجازوا عبادة غير الله مع الله، فمن جهل معنى لا إله إلا الله لابد أنه سينقضها إما باعتقاد أو قول أو عمل. والدليل على صحة هذا الشرط قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد من الآية:19].

وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة» (رواه مسلم).

مفهوم الحديث: أن من مات وهو لا يعلم التوحيد لا يدخل الجنة، ومن لا يدخل الجنة لا يكون مسلمًا؛ لأن المسلم يدخل الجنة، كما مر معنا في الحديث المتفق عليه: «لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مسلمة».

وتأتي أهمية هذا الشرط كذلك من جهة كونه يتقدّم العمل بالتوحيد، وهو لازمٌ له؛ لأن التوحيد لا يمكن العمل به إلا إذا تقدّمه العلم.. فالعلم يتقدّم العمل في كل شيءٍ، ولا يصح العكس في ذلك. وعليه من حُرِم العلم بالتوحيد لزمه تباعًا أن يُحرم العمل به ولا بد، لذا كان الصحابة رضي الله عنهم يعنون تعلُّم التوحيد الأهمية والأولوية قبل أي علمٍ آخر. كما في الحديث عن جندب بن عبد الله قال: "كنا مع النبي ونحن فتيان، فتعلمنا الإيمان -أي التوحيد- قبل أن نتعلّم القرآن، ثم تعلّمنا القرآن فازددنا به إيمانًا" (صحيح سنن ابن ماجة: [52]).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل أحدًا من أصحابه إلى أي بلدٍ من البلدان يأمره بأن يدعو أهلها أولًا إلى التوحيد قبل أن يدعوهم إلى أي شيءٍ آخر، كما في الحديث المتفق عليه أن رسول الله لما بعث معاذًا إلى اليمن قال: «إنك تقدم على قومٍ أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله -وفي روايةٍ: لا إله إلا الله- فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلواتٍ في يومهم وليلتهم».

وقوله: «فإذا عرفوا الله»؛ أي عرفوا الله بأسمائه وصفاته وخصائصه، وعرفوا حقه عليهم من التوحيد وإفراده في العبادة، وأطاعوك في ذلك.. فبعدها أخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم خمس صلواتٍ في يومهم وليلتهم إلى آخر ما جاء في الحديث.

وهذا بخلاف ما عليه كثير من الدعاة المتأخرين، حيث تراهم أول ما يبتدئون به الناس دعوتهم إلى الصلاة والصوم والزكاة قبل أن يدعوهم إلى التوحيد الخالص، ويُعرفهم على معناه.. بل ومن دون أن يدعوهم إلى التوحيد، أو يعنوه اهتمامهم! لذا لا تفاجأ لو رأيت بعض هؤلاء الدعاة يقعون في الشرك ويمارسونه وهم يدرون أو لا يدرون.. فالشرك لا يلفت انتباههم ولا يثير حفيظتهم لأنهم لا يعرفونه، كما أن التوحيد لا يُعنى منهم الاهتمام والدراسة لجهلهم لفضله وقيمته. قال الإمام البخاري: [256هـ]): "باب العلم قبل القول والعمل؛ لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، فبدأ بالعلم").

قال الإمام الشافعي: "فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير، وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك" (الرسالة: [1/ 42-53]، بتحقيق: أحمد شاكر، ط: دار الكتب العلمية).

ولا يخفى أن إلزام المسلم بهذا يفيد ضرورة فهم الشهادتين وفهم معناها لا مجرد ترديدهما بلسان العرب بلا فهم.

وقال البغوي عند تأويل: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86]، "وأراد بشهادة الحق: قوله لا إله إلا الله كلمة التوحيد: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} بقلوبهم ما شهِدوا به بألسنتهم" (مَعالِم التنزيل: [7/350]).

وقَالَ الْقَاضِي عياض في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»: "وَقَدْ يَحْتَجّ بِهِ أَيْضًا مَنْ يُرَى أَنَّ مُجَرَّد مَعْرِفَة الْقَلْب نَافِعَة دُون النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْعِلْم. وَمَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الْمَعرِقَة مُرْتَبِطَة بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا تَنْفَع إِحْدَاهُمَا وَلَا تُنَجِّي مِنْ النَّار دُون الْأُخْرَى إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَقْدِر عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ لِآفَةٍ بِلِسَانِهِ أَوْ لَمْ تُمْهِلهُ الْمُدَّة لِيَقُولَهَا، بَلْ اِخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّة. وَلَا حُجَّة لِمُخَالِفِ الْجَمَاعَة بِهَذَا اللَّفْظ؛ إِذْ قَدْ وَرَدَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث الْآخَر: «مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه اللَّه وَأَنِّي رَسُول اللَّه» وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيث وَأَمْثَاله كَثِيرَة فِي أَلْفَاظهَا اِخْتِلَاف، وَلِمَعَانِيهَا عِنْد أَهْل التَّحْقِيق اِئْتِلَاف، فَجَاءَ هَذَا اللَّفْظ فِي هَذَا الْحَدِيث" (نقله النووي في شرح مسلم واستحسنه).

وقال الإمام البدر العينتابي (855هـ) في شرح قول الإمام البخاري (256هـ): "باب العلم قبل القول والعمل؛ لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، فبدأ بالعلم): "أي هذا باب في بيان أن العلم قبل القول والعمل: أراد أن الشيء يُعلم أولًا، ثم يقال، ويعمل به؛ فالعلم مُقدّم عليهما بالذات، وكذا مقدّم عليها بالشرف؛ لأنه عمل بالقلب، وهو أشرف أعضاء البدن".

وقال ابن المنير: "أراد: أن العلم شرط في صحة القول والعمل؛ فلا يعتبران إلا به؛ فهو متقدِّم عليهما؛ لأنه مصحح النية المصححة للعمل؛ فنبّه البخاري على ذلك".

وقال الملا علي القاري (1014هـ): "يتعين على كل موقن أن يعتني بشأنها [كلمة التوحيد] مبنى ومعنى، لينقل من إفادة مبناها، إلى إعادة معناها؛ فإنها مفتاح الجنة، وعن النار بمنزلة الجُنة للناس والجِنة، وقد نص الأئمة من سادات الأمة، أنه لا بد من فهم معناها.. المترتب على علم مبناها؛ ليخرج عن ربقة التقليد، ويدخل في رفعة التحقيق والتأييد؛ وقد قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (ج1، ص: [163]).

الشرط الثاني: اليقين المنافي للشك والريب.

واليقين هو أن ينطق بالشهادة عن يقينٍ يطمئن إليه قلبه، دون تسرّب شيءٍ من الشكوك التي يبذرها شياطين الجن والإنس، بل يقولها موقنًا بمدلولها يقينًا جازمًا. فلا بد لمن أتى بها أن يوقن بقلبه، ويعتقد صحة ما يقوله من أحقية إلهية الله تعالى وبطلان إلهية من عداه، وأنه لا يجوز أن يُصرف لغيره شيءٌ من أنواع التأله والتعبّد. فإن شك في شهادته، أو توقف في بطلان عبادة غير الله؛ كأن يقول: أجزم بألوهية الله، ولكنني متردِّد ببطلان إلهية غيره - بطلت شهادتُه ولم تنفعه. قال تعالى مثنيًا على المؤمنين: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة:4].

وقد مدح الله المؤمنين -أيضًا- بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} - {لَمْ يَرْتَابُوا}: أي لم يشكُّوا. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «من لقيتَ يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه بشِّره بالجنة» (صحيح مسلم الْإِيمَانِ: [31]).

مفهوم الحديث أن من يشهد أن لا إله إلا الله وهو غير مستيقن قلبه بها وبمتطلباتها لا تبشره بالجنة، ومن يُحرم الجنة لا مسكن له إلا نار جهنم أعاذنا الله منها.

واليقين بالتوحيد: هو العلم الجازم -الذي ينتفي عنه أدنى شكٍّ أو ريب- بأن الله تعالى واحد أحد في خصائصه وإلهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته، لا شريك له في شيءٍ من ذلك، وأنه تعالى وحده المستحق للعبادة.

فهذا الحديث صريح في اشتراط اليقين وهو يقيد تلك الأحاديث المطلقة الواردة في فضل كلمة التوحيد.

ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة» (صحيح مسلم الْإِيمَانِ: [27]، مسند أحمد: [3/11]).

فهو نصُ صريح في أنه لا يكفي مجرد قولها باللسان؛ بل لا بد من اليقين المنافي للريب والشك والتردُّد. مفهوم الحديث أن من لقي الله تعالى بشهادتي التوحيد شاكًا فيهما أو بشيءٍ من لوازمهما ومقتضياتهما لا يدخل الجنة ولا يكون من أهلها، ولا ممن يشهدون شهادة الحق بحقٍ.

وهذا الحديث مُقيِّد لتلك الأحاديث المطلقة الواردة في قول لا إله إلا الله، فلا حجة لأهل البدع في تلك الأحاديث المطلقة؛ لأن هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث التي ورد فيها قيود مع قول لا إله إلا الله تُقيِّد تلك الأحاديث المطلقة.

قال الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى: "ذكر البيان بأن الجنة إنما تجب لمن شهد لله جل وعلا بالوحدانية، وكان ذلك عن يقينٍ من قلبه، لا أن الإقرار بالشهادة يوجب الجنة للمُقِر بها دون أن يُقِر بها بالإخلاص" (صحيح ابن حبان؛ كتاب الإيمان: [1]).

وقال العلامة القاري (1014هـ) في شرح هذا الحديث وتبعه العثماني (1369هـ) واللفظ للأول: "«مستيقنًا بها» أي: بمضمون هذه الكلمة، «قلبه» أي: مُنشرِحًا بها صدره غير شاكٍ ومتردِّد في التوحيد….؛ وفي هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق: أن اعتقاد التوحيد لا ينفع دون النطق عند الضرورة، أو عند الطلب، ولا النطق دون الاعتقاد بالإجماع؛ بل لا بد منهما..".

الشرط الثالث: الصدق المنافي للكذب المانع من النفاق.

فمن قال الشهادة بلسانه وأنكر مدلولها بقلبه فإن هذه الشهادة لا تنجيه، بل يدخل في عداد المنافقين، الذين ذكر الله عنهم أنهم قالوا {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون من الآية:1].

فرَدّ الله عليهم تلك الدعوى بقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون من الآية:1].

وقال تعالى أيضًا في شأن هؤلاء: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8].

وقال: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:204].

ومِن أصرح الحجج على اشتراط التصديق بالجنان مع الإقرار باللسان حديث أنس رضي الله عنه: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا حرمه على النار» (صحيح البخاري؛ الْعِلْمِ: [128]، صحيح مسلم؛ الإيمان: [32]).

وقال: «أبشروا وبشروا من وراءكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقًا بها دخل الجنة» (رواه البخاري).

مفهوم المخالفة: أن من شهد أن لا إله إلا الله لكنه كان غير صادقٍ بها لا يدخل الجنة، وهو من أهل النار.

فمن لوازم انتفاء هذا الشرط تحقيق النفاق الأكبر الذي يجعل صاحبه في الدرك الأسفل من النار كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء:145]. وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚهِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [التوبة:68].

قال محمد بن نصر المروزي في كتاب (تعظيم قدر الصلاة): "والشاهد بلا إله إلا الله هو المُصدِّق الُمقِر بقلبه يشهد بها لله بقلبه ولسانه يبتدأ بشهادة قلبه والإقرار بها، ثم يُثني بالشهادة بلسانه والإقرار به بنيةٍ صادقة يرجع بها إلى قلبٍ مُخلص، فذلك المؤمن المسلم ليس كما شهد به المنافقون إذ قالوا: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}، قال الله: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون} [المنافقون من الآية:1]، فلم يكذّب قولهم ولكن كذبهم من قلوبهم فقال: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} كما قالوا، ثم قال: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} فكذَّبهم لأنهم قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم؛ فالإسلام الحقيقي ما تقدَّم وصفه، وهو الإيمان، والإسلام الذي احتجز به المنافقون من القتل والسبي هو الاستسلام، وبالله التوفيق" اهـ.

الشرط الرابع: الإخلاص المنافي للشرك والنفاق والرياء والسمعة.

فمن قال الشهادة يبتغي بذلك حظًا من حظوظ الدنيا كمغنمٍ أو اتقاء السيف أو رياء وسمعة فإن هذه الشهادة لا تنجيه، بل يدخل في عِداد المنافقين ومن الإخلاص في الشهادة أن يجعل العبادة لله وحده، دون أن يصرف منها شيء لغيره، لا ملكٍ مُقرّب ولا نبيٍ مرسل. والقرآن والسنة حافلان بذكر الإخلاص، والحث عليه، والتحذير من ضده، ومن ذلك قوله تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر من الآية:3]، وقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة من الآية:5]، وقوله: {قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر من الآية:14].

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث محمود بن عتبان في قصة مالك بن دخشن رضي الله عنهم: «فإن الله قد حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» (صحيح البخاري؛ الأطعمة: [5086]، صحيح مسلم؛ المساجد ومواضع الصلاة: [33]، مسند أحمد: [5/449]).

وفي لفظٍ: «لن يوافي عبد يوم القيامة يقول: لا إله إلا الله، يبتغي بها وجه الله إلا حرم الله عليه النار» (صحيح البخاري؛ الرِّقَاقِ: [6059])، صحيح مسلم؛ المساجد ومواضع الصلاة: [33]، مسند أحمد: [5/449]).

--------------------------------------

[1]- (بتصرفٍ من: رسالة كلمة الإخلاص؛ لابن رجب الحنبلي).

 

المصدر: موقع الشيخ محمود المصري

محمود المصري

داعية مصري عرف بإخراج العديد من الكتيبات الدعوية المتميزة

  • 37
  • 6
  • 208,078

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً