المسجد الأقصى فضله ومكانته

منذ 2015-01-06

وإن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء في (بيت المقدس) ليلة الإسراء كانت إعلاناً بأن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأن آخر صبغة لـ (المسجد الأقصى) هي الصبغة الإسلامية، فالتصق نسب المسجد الأقصى بهذه الأمة الوارثة.

الخطبة الأولى:

الحمد لله الحمد لله الذي في السماء - تعالى-وتقدس، واصطفى من البقاع الحرمين الشريفين والبيت المقدس، الحمد لله ولا يبلغ حمده حامد، وأشكره على نعمه التي لا يعدها عاد، ولا يحيط بها راصد، الله الذي جعل الأيام دولاً، والأمم بعضها لبعض آيات ومثلا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- وراقبوه، وأطيعوا أمره ولا تعصوه، وما استجلبت الخيرات إلا بالطاعة، وما محقت الأحوال إلا بالمعاصي والذنوب، وإن العبد ليُُحرم الرزق بالذنب يصيبه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70-71].

عباد الله: لقد أحب الله -تعالى- من خلقه، واصطفى ما شاء من الرسل والأنبياء والبلاد والبقاع، وهذه حكاية مكان قدَّسه الله وشرَّفه وعظَّمه وكرَّمه إنه: (المسجد الأقصى) وقدسه المقدس، وإرث الأمة الخاتمة الذي يسكن قلب كل مسلم، ذكره الله في القرآن العظيم بلفظ: التقديس، والأرض المقدسة، والمسجد الأقصى، وباركه الله، وبارك ما حوله، ففاضت بركته الدينية والدنيوية، حتى بورك الذي حوله لبركته.

أقسم الله -تعالى- بثمرته فقال: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) [التين: 1] إشارة إلى (المسجد الأقصى)، ثم أقسم بـ (طور سينين) الذي كلم فيه رسوله موسى - عليه السلام - ثم أقسم بـ (هذا البلد الأمين) مكة المكرمة مبعث الرسول محمد الخاتم وأمته الوراثة.

وجاءت شريعة الإسلام بأعظم فروضها بعد التوحيد، وهي: (الصلاة) متوجهاً بها إلى بيت المقدس، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس بمكة ثلاثة عشر عاما.

وبعد الهجرة إلى المدينة أيضاً سبعة عشر شهرا حتى نزل القرآن آمراً بالتوجه إلى المسجد الحرام، والذي ارتبط ارتباطاً أزلياً بالمسجد الأقصى.

وهاكم في ذلك آية وحديثا، أما الآية فقول الله -عز وجل-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء: 1].

وأما الحديث: فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: ((قلت: يارسول الله: أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّل؟ قال: المسجدُ الحرَام، قلت: ثم أي؟ قال: المسْجِد الأقْصَى، قلت: كَمْ بينهما؟ قال: أربعُونَ سنة)) الحديث متفق عليه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجِد: المسجدِ الحرام والمسجِدِ الأقصَى ومَسْجِدِي هذا)) الحديث أخرجه البخاري ومسلم.

قال ابن تيمية - رحمه الله -: "بدأ الخلق والأمر من مكة المكرمة، وجعل الله بيت المقدس وما حوله محشر خلقه، فإلى بيت المقدس يعود جميع الخلق وهناك يحشر الخلق، ولذا جاء في الحديث أنها (أرض المحشر والمنشر)، فهو البيت الذي عظمته الملل، وأكرمته الرسل، وتليت فيه الكتب الأربعة المنزلة من الله - عز وجل -: الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن".

عباد الله: و(المسجد الأقصى) هو اسمٌ لجميع ما دار عليه السور من المباني، والساحات، والآثار، وفي داخله المسجد الذي في صدره و(مسجد قبة الصخرة)، ولقد كان المسجد الأقصى كله مزاراً للأنبياء ومسرى لخاتمهم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وكلهم عظموه وأكرموه.

وقد ثبت ثبوتاً قطعياً أن بين بناء البيت الحرام والمسجد الأقصى أربعين عاماً، ومن المعلوم أن بين إبراهيم - عليه السلام - باني الكعبة- وبين سليمان - عليه السلام - ما يقارب الألف عام، مما يؤكد قطعاً أن المسجد الأقصى بُنِي قبل سليمان بمئات السنين.

وإنما كان له شرف إعادة البناء والتجديد، كما فعل ذلك أولياء الله من رسله وأنبيائه بمساجد الله ومواضع عبادته، وكما فعل عمر بن الخطاب ومن بعده من خلفاء الإسلام.

ومن المقطوع به أن دين الأنبياء واحد، وإن اختلفت تفاصيل الشريعة، فكلهم يدعو إلى التوحيد، وإلى إفراد الله -تعالى- بالعبادة، وطاعته في شرعه وأحكامه.

وهذه الأحكام تتنوع من أمةٍ إلى أمة ورسولٍ إلى رسول، لذا فإن كل نبي يرث أرض الله بكلمته ورسالته، فهذا إبراهيم ولوط - عليهما السلام -، وهما قبل يعقوب وإسحاق وسليمان يقول الله عنهما: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 71] قال الحسن: "هي الشام".

وقال قتادة: "كانا بأرض العراق فأنجيا إلى الشام، وما نقص من الأرض زِيد في الشام، وما نقص من الشام زِيد في فلسطين، وكان يقال هي (أرض المحشر والمنشر) وبها مجمع الناس".

ومثل هذا قاله ابن جرير، وابن تيمية وابن كثير - رحمهم الله - ونص ابن كثير: "إن الله سلم إبراهيم منةً لقومه، وأخرجه مهاجراً إلى بلاد الشام إلى الأرض المقدسة منها" انتهى.

وهكذا تبقى فلسطين -والمسجد الأقصى خاصة- مآلها لعباد الله المؤمنين قبل أن يولد يعقوب وإسحاق، ثم إنه بعد مئات من السنين أنجى الله -تعالى- بني إسرائيل من ظلم فرعون مصر، وهاجر بهم موسى - عليه السلام - من مصر إلى سيناء.

وأمرهم بدخول الأرض المقدسة لكنهم أبوا وقالوا: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) [المائدة: 24]، ولم يجب موسى منهم إلا رجلان فقط، وكتب الله -تعالى- عليهم التيه في الأرض أربعين عاما، توفي فيها موسى - عليه السلام -، حتى خرج جيلٌ آخر أكثر صدقاً من آبائهم، فدخلوا الأرض المقدسة.

وكتب الله عليهم الإخراج إذا أفسدوا في الأرض وطغوا، فكان ما كتبه الله، وتوالى منهم الكفران والطغيان، حتى أُخرِجُوا وتشرذموا في الأرض بعد ثلاثة قرون فقط.

ثم إنه بعد سنين أورث الله الأرض المؤمنين؛ أتباع عيسى - عليه السلام -؛ لأن الأرض لله يورثها من يشاء، فكما كانت للمؤمنين قبل بني إسرائيل، فقد كانت للمؤمنين بعدهم: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء: 105]

حتى أذن الله -تعالى- ببعثة سيد الثقلين وخاتم النبيين وبشارتهم: محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي - صلى الله عليه وسلم -، وكان فتح بيت المقدس إحدى بشارته -كما في صحيح البخاري-، وكانت وراثته ووراثة أمته للأرض المباركة، هي سنة الله الممتدة على مر العصور، ومنذ عهد إبراهيم - عليه السلام -.

وإن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء في (بيت المقدس) ليلة الإسراء كانت إعلاناً بأن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأن آخر صبغة لـ (المسجد الأقصى) هي الصبغة الإسلامية، فالتصق نسب المسجد الأقصى بهذه الأمة الوارثة.

وفي السنة الخامسة عشر للهجرة تحققت النبوة، ودخل المسلمون (بيت المقدس)، وقال البطارقة لا نُسلِّم مفاتيح بيت المقدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب، فإنا نجد صفته في الكتب المقدسة.

وجاء عمر -رضي الله عنه- من المدينة المنورة إلى فلسطين، وتسلم مفاتيح (بيت المقدس) تسلماً شريفاً في قصة تكتب تفاصيلها بمداد النور، وأشرف على مدينة القدس من (جبل المكبِّر) حيث كبَّر وكبر معه المسلمون.

جاء على جملٍ أحمر يتعاقبه هو وغلامه، وأقبل وغلامه هو الراكب، وعمر آخذٌ بخطام البعير، ومر على مخاضةٍ من ماءٍ وطين فخلع موقيه -أي خُفَّيه- فأمسكهما بيد، وأمسك خطام البعير باليد الأخرى،

فاستقبله أبو عبيدة معاتباً يقول: "لقد فعلت شيئاً عظيماً أمام أهل الأرض"، فدفعه عمر بيده في صدره وقال: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! فقد كنتم أذل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".

هذا هو الطريق إلى فلسطين، دخل عمر بعزة الإسلام في يومٍ من أيام الله، وصلى في صدر المسجد مما يلي القبلة، وسأل عن (الصخرة)، وكانت مدفونة تحت القمامة والزبل، فأزال عنها القذر بعباءته، وتبعه الناس حتى طهر المكان.

ولقد كتب التاريخ -بما لا مراء فيه-: أنه لم يهدم صومعةً، ولا كنيسةً، ولا معبدًا، ولا داراَ، بل ترك للناس دور عبادتهم، وكتب لأهل البلد عهداً وأماناً وأشهد عليه.

وعلى هذا النهج سار المسلمون إلى يومنا هذا، وشهد التاريخ أن اليهود والنصارى عاشوا أسعد فترة في ظل حكم المسلمين لفلسطين، ومارسوا عبادتهم بحرية لم يجدوها في ظل أي حكم قبله أو بعده؛ لأنه لا تفاضل في الإسلام إلا بالتقوى، وليس لأحد أن يدَّعِي أنه عِرْقٌ مفضل، وأن يحتقر الآخرين، أو يظلمهم حتى ولو خالفوه في الدين.

ومنذ تلك اللحظة اجتمع التاريخ، واتحد الهم، واتفق المصير منذ فجر الإسلام وإلى قيام الساعة، قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذي: (( إذا فَسَدَ أهلُ الشامِ فَلا خيرَ فيكُم)).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي ظاهِرِينَ على الحقِّ لا يضُرُّهم من خالَفَهُم، قيل: فأين هُم يا رسول الله؟ قال: ببيتِ المقدِسِ أو بأكنافِ بيتِ المقْدِس)) رواه الطبراني.

عباد الله: إن فلسطين لم تكن مجرد أرض دخلت تحت سلطان المسلمين يوماً من الأيام، ويمكنها في يوم آخر أن تكون خارجه، فلسطين مهد الأنبياء، وفي الحجاز بعث إمامهم وخاتمهم، فلسطين موطن الشرائع والرسالات، وفي جزيرة العرب أُنزِلت خاتمة هذه الشرائع وناسختها والمهيمنة عليها: (وأنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة: 48]

إن المسلمين هم الوارثون الحقيقيون لكل شريعة سماوية سابقة، وهم الأولى بكل نبي ورسول غابر: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) [البقرة: 285]

ولما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وجد اليهود يصومون (يوم عاشوراء) ويقولون: هذا يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فقال - صلى الله عليه وسلم-: (( نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه)).

إن فلسطين -تاريخاً وأرضاً ومقدسات ومعالم- هي إرث المسلمين: إرثٌ واجب القبول، متحتم الرعاية، لازم الصون، إنه ليس خياراً يتردد فيه المترددون، أو شأناً يتحير فيه المتحيرون، لهذا وذاك كان أكثر ما سُفِك من دماء المسلمين، وأضرى ما وقع من حروبهم على مر التاريخ حول تلك البقعة، وعلى ذلك الثرى والدم الذي سكبه المسلمون أيام الحروب الماضية، لم يكن لينضب وفي المسلمين أوردة تنبض.

أيها المسلمون: يساق هذا الحديث في الوقت الذي يعتقد فيه رواد الحضارة المعاصرة أنهم وصلوا بها - في الصناعة والمكتشفات والمواثيق للحقوق والمنظمات -أنهم وصلوا بها ذرا ترغد عيشهم، وتكفل رفاهيتهم، ولم يبق إلا سلام يعم هذا الكوكب؛ ليتوج هذه المنجزات ويسعد بها البشر.

ومن الذي يكره السلام ولا يريد السلام؟ بل من الذي اعترض في الماضي أن يعيش اليهود والنصارى مع المسلمين في أرض الشام وفلسطين، ومارسوا عبادتهم وبقيت كنائسهم ومعابدهم، واختلطوا بالمسلمين وتبادلوا المصالح والمنافع، بل وتصاهروا كما شهد التاريخ البعيد والقريب؟

من الذي يكره السلام ولا يريد السلام، وقد قدم العرب مبادراتهم في ذلك وما زالوا؟ ولكن أن تُغتصب أرض، وتُهجَّر أسر، ويُنفى شعب، ويُعبث بمقدسات، ويُزوَّر تاريخ، وتُغير معالم، ويقع ظلم شديد بشعب ما زال يُسقى المر منذ سبعين عاما، فإن ذلك كله عبث ببرميل بارود، لا يدرى متى يبلغ مداه؟!

إنك لتعجب من أن حماة حقوق الإنسان هم الراعون لمنتهكي الإنسانية!، والمتحدثون باسم احترام مقدسات الأمم وأديانهم! هم المبررون للعابثين بقدسية الأقصى ومسجده ومعالمه!، وأن رافعي راية العدل والمساواة هم الراعون لمغتصبي الأوطان ومهجري الشعوب وسارقي التاريخ!، والأسوأ من ذلك: أن يمارس باسم الدين، وباسم الرب، وباسم التوراة!.

إن الذي يمارس اليوم من قبل الصهاينة هو إحداث صراع ثقافة، وحضارة، ودين، وتصرف يوقع العالم في حرج وخطر، وينذر بشر لا يعلم مداه إلا الله.

وعلى المخلصين من أمة الإسلام، وعلى العقلاء من قادة العالم، أن يتداركوا ما يجري من مسلسل التجاوزات والاعتداءات على الأرض والإنسان، وممتلكاته التراثية والدينية والمعالم الإسلامية، والحفريات الأرضية التي تنخر أساس مسجد عظَّمه الأنبياء، وقدَّسه رب السماء: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة: 114]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بسنة سيد المرسلين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها المسلمون: الواجب المتحتم في زمن الجد والصراع هو اليقظة والاجتماع، والعمل الجاد، والائتلاف وترك الخلاف.

لا يليق بأمة الإسلام أن تغرق في خلافات جانبية، ونظرات إقليمية، أو أنانية، يجب أن تقدم مصالح الأمة الكبرى على كل مصلحة فرعية، وأن تسمع نداءات الحق والعدل، ومبادرات الحزم والعقل بأن تطرح الخلافات، وتتوحد الأمة في وجه الأزمات: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103] على أهل العلم والثقافة والفكر أن يعنوا بما يحفظ للأمة بقاءها وتراثها، بل وحياتها.

إن من العار أن ينطلي على الأمة تزوير التاريخ، وطمس المعالم، وسرقة المقدسات، ونحن غافلون في ثقافة الروايات، وتصفيف العبارات، أو تراشق الاتهامات، والطعن في الموروثات.

والطريق إلى فلسطين لا يمر عبر إشاعة الفوضى في بلاد المسلمين، ولا بزعزعة الأمة، أو التخريب والتفجير والاعتداء على مصالح الأمة المسلمة.

لن ننجح ما دمنا مختلفين، ولن ننتصر إن كنا متفرقين: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 105]، واعلموا -رعاكم الله- أن الجد منجح، والعمل منتج، وسيحصد كل زارع ما زرع.

هذا، وصلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية: رسول الله محمد بن عبد الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

اللهم ارض عن الأئمة الخلفاء، اللهم ارض عن الأئمة المهدين والخلفاء الراشدين -أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى، وأتم عليه الصحة والعافية، اللهم وفق النائب الثاني لما فيه الخير للعباد والبلاد، واسلك بهم سبيل الرشاد، اللهم كن لهم جميعا موفقا مسددا لكل خيرِ وصلاح.

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظ ديارنا، وآمن حدودنا، وانصر المرابطين على ثغورنا.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم أحقن دماءهم وآمنهم في ديارهم، وأرغد عيشهم، وأصلح أحوالهم، واكبت عدوهم.

اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم انصر المرابطين في أكناف بيت المقدس، اللهم اجمعهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.

اللهم يا رب العالمين عز جارك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك يا من لا يهزم جندك، ولا يخلف وعدك.

سبحانك وبحمدك، اللهم إن الصهاينة قد بغوا وطغوا وأسرفوا في الطغيان، اللهم هيئ لهم يداً من الحق حاصدة، تكسر شكوتهم، وتستأصل شأفتهم، اللهم أنزل بهم بأسك ورجزك إله الحق.

اللهم لا تقم لهم راية، ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم يا رب العالمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم إنك سميع الدعاء.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت. أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من الحاجة واللأواء ما لا يكشفه إلا أنت، اللهم فأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، اللهم أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلته قوة على طاعتك وبلاغاً إلى حين.

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90-91].

صالح بن محمد آل طالب

إمام و خطيب الحرم المكي الشريف

  • 7
  • 0
  • 10,878

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً