رسول الله أول من احتفل بيوم مولده!!

منذ 2015-01-07

ولست أدري فيم الخلاف ورسولنا الكريم صلى الله عليه وبارك قد حل الخلاف في حياته، ولم يتركنا عرضة للجهلة والكائدين. فهو أول من احتفل بيوم مولده!!

لا يزال الخلاف قائمًا بين المسلمين في قضية الاحتفال بالمولد النبوي وغيرها من البدع، منذ ألف سنة حيث بدأت البدع تنخر في جسد الإسلام الحنيف، بجهل جاهل أو كيد كائد.

ولست أدري فيم الخلاف ورسولنا الكريم صلى الله عليه وبارك قد حل الخلاف في حياته، ولم يتركنا عرضة للجهلة والكائدين. فهو أول من احتفل بيوم مولده!!

و لنبدأ بالبحث من قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» فالحديث من كلمات ثلاث، وهو من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وبارك، فهو يشمل الدين كله، فما هي (الأعمال) و ما هي (النيات).

يعلم المسلم أن الأعمال في دين الله سبحانه على صنفين:

- أعمال صالحة موافقة للشرع.

- أعمال باطلة مخالفة للشرع.

فأي الأعمال قصد رسولنا الكريم في حديثه هذا؟ فهل يعقل أنه صلى الله عليه وبارك قصد الأعمال الباطلة التي نهى هو عنها؟

طبعاً لا، لأنه إن قصدها فكأنه يدعو إليها والعياذ بالله سبحانه.

إذن فالرسول صلى الله عليه وبارك يقول لنا: "إنما (تتقبل أو ترد) الأعمال (الصالحات) بالنيات". لذلك إن من سرق ليتصدق بما سرق لا يدخل عمله أصلاً في نطاق هذا الحديث، إن كانت نيته صالحة فهي لن تجعل من عمله الباطل المنهي عنه عملاً متقبلاً، فلن تقبل صدقته، وسيعاقب على سرقته في الدنيا والآخرة.

فإن احتج هذا السارق بهذا الحديث، نحتج عليه بأن رسول الله صلى الله عليه وبارك لا يأمر إلا بالأعمال الصالحة المشروعة، وأن السرقة منهي عنها.

ويعلم المسلم أن النيات على صنفين:

- نية صالحة أريد بها وجه الله سبحانه.

- نية طالحة أريد بها غير وجه الله سبحانه.

وهذا هو بيت القصيد في حديث رسول الله صلى الله عليه وبارك، فقيام المسلم بالعمل الصالح في ظاهره لا يعني أنه متقبل عند الله سبحانه، والحكم في ذلك هو نيته التي لا يعلمها إلا الله سبحانه. وبيّن صلى الله عليه وبارك ذلك في تتمة حديثه: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ» (البخاري).

ذكر صلى الله عليه وبارك في ذات الحديث مثالاً توضيحيًا، ذكر عملاً من أجل الأعمال في الإسلام هو الهجرة وهو من الصالحات بلا ريب، ثم ذكر بيت القصيد وهو اختلاف النيات بين الذين هاجروا، وبيّن النية الوحيدة التي تجعل هذا العمل الصالح متقبلاً وهي نية الهجرة لله ورسوله، وما سواها من النوايا وإن كانت في أصلها صالحة ولكنها تحبط العمل.

فليس النكاح ولا طلب الدنيا حرام في دين الله سبحانه، ولكن كالذي يصلي في المسجد (عمل صالح) ليري الناس أنه يصلي (نية باطلة أريد بها غير وجه الله سبحانه) فعمله حابط ولا صلاة له وهو من المرائين.

وهذا هو المراد من الحديث، فلا يمكن بأي حال إقحام الأعمال الباطلة في قوله صلى الله عليه وبارك «إنما الأعمال بالنيات»، وبالتالي فإن البدع كلها دون أي استثناء هي أعمال باطلة لا تدخل أبدًا في معنى هذا الحديث الشريف، ولا يصح الاحتجاج به على صحتها، وهي من أشر الأعمال وأكثرها تغييرًا لدين الله سبحانه وتعالى، ومن أعظم أسباب الفرقة والاختلاف بين المسلمين. وإلا لأتى كل مبتدع بما يشاء من أعمال باطلة من الشرك والكفر الصريح وادعى أنه إنما يريد بها وجه الله سبحانه، وبهذا يفتح باب عريض يهدم به الإسلام، و درءًا لهذا الخطر العظيم أغلق الرسول صلى الله عليه وبارك هذا الباب إغلاقًا محكمًا.

فما هي البدعة:

قال رسول الله صلى الله عليه وبارك: «من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منْهُ فَهوَ ردٌّ، أمَّا بعدُ فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ وخيرَ الْهدي هديُ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وَكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ. إنَّما أخشى عليْكم شَهواتِ الغيِّ في بطونِكم وفروجِكم ومضلَّاتِ الْهوى. إيَّاكم والمُحدثاتِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ ضلالةٌ. إنَّ اللَّهَ حجبَ التَّوبةَ عن كلِّ صاحبِ بدعةٍ حتَّى يدعَ بدعتَه».

لقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون يوم مولده، وكانوا رضي الله سبحانه عنهم أشد حبًا له منا، فما وجدنا منهم أحدًا يقول له: "كل عام وأنت بخير" أو يكتب اسمه الشريف على الجدران أو يرفع اسمه على الأعلام أو يضع المصابيح على الشرفات أو يهنئ بعضهم بعضًا أو ينشد القصائد في مدحه في يوم مولده، أو يلهو بالغناء بذكره، أو يتراسلوا ببطاقات تحمل اسمه وعبارات الصلاة عليه، وما أمرهم هو صلى الله عليه وبارك بهذا.

ولكن رسول الله كان يعلم يوم مولده وكان صلى الله عليه وبارك يحتفل به كل أسبوع، فعن رسول الله صلى الله عليه وبارك: أنَّه سُئِلَ عن صومِ الإثنين؟ فقال: «فيه وُلدت، وفيه أُنزِلَ عليَّ».

فمن كان مبتدعًا ممن حجبت عنهم التوبة فليحتفل بهذا اليوم مرة في السنة بما يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وبارك، وليتفنن بمخالفة رسول الله صلى الله عليه وبارك.

ومن كان متبعًا فليحتفل بهذا اليوم كما احتفل به رسولنا الكريم وتبعه عليه صحابته رضي الله سبحانه عنهم أجمعين، فشمروا أيها المسلمون عن سواعد الجد و صوموا إن كنتم تحبون الله سبحانه ورسوله حقًا.

لقد شرع لكم ربكم الاحتفال بيوم مولد رسولكم صلى الله عليه وبارك، وها هو الحديث الصحيح بين أيديكم، فلماذا تركتموه إلى غيره؟ أبدعتكم خير من أمر رسولكم؟!!!

{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:31].

فما لي أرى معظم المسلمين لا يحبون الله سبحانه؟!

لقد وضع الحق سبحانه وتعالى مقياسًا دقيقًا لمن يحب الله سبحانه ويرجو رضاه، ألا وهو اتباع رسوله الكريم صلى الله عليه وبارك، وبهذا المقياس يستطيع أن يعرف كل مسلم من منا يحب الله سبحانه حقًا ومن من يدعي الحب ادعاءً، فالذي يتبع الرسول صلى الله عليه وبارك في كل ما أمر به ونهى عنه هو المحب، والذي يخالف ويزيد وينقص في ما أُمر به ونُهي عنه هو الدعي الكاذب.

إن ما يقوم به المبتدعون في هذا اليوم بما يخالف عمل رسول الله صلى الله عليه وبارك، هو عمل مردود عليهم لمخالفته الصريحة للسنة، ولن يتوب الله سبحانه عليهم إلا بأن يقلعوا عن بدعتهم.

فما أسهل أن نغني ونطبل ونزمر ونعلق المصابيح ونرفع الأعلام مرة كل سنة، وهذا كله من اتباع الهوى الذي يردي، وما أنزل الله سبحانه به من سلطان، ولكن أين أتباع الرسول الكريم الذين يحبون الله سبحانه؟ أين الذين يصومون كل يوم إثنين اثنتان وخمسين مرة في العام؟

لقد استصعب المسلمون أن يتركوا شهواتهم وأهواءهم فيصوموا مرة كل أسبوع (برهان حبهم لرسولهم واتباع سنته، وزيادة لهم في الفضل والعمل الصالح)، فزين لهم شياطين الإنس والجن ما يفرغون به شحنة حبهم لرسولهم الكريم، فابتدعوا ما لا يشق عليهم وما يوافق أهواءهم، فباؤوا بغضب من الله سبحانه فحجب عنهم توبته حتى يقلعوا، فهل أنتم مقلعون؟؟؟

إن استصعبت نفسك أيها المبتدع صيام اثنان وخمسين يومًا في العام حبًا لرسولك واتباعًا له، فلا تفعل فإنك إن لم تؤجر فلن تعاقب. ولكن ارتكاب هذه البدع في دين الله سبحانه ضلالة تحجب التوبة عنك وترديك في النار، فهل أنتم منتهون؟

وختامًا، قال صلى الله عليه وبارك: «ليس شيءٌ يقربُكم منَ الجنةِ، ويباعدُكم منَ النارِ إلا أمَرتُكم به، ولا شيءٌ يباعدُكم منَ الجنةِ، ويقربُكم منَ النارِ إلا نهَيتُكم عنه» (رواه البيهقي في الشعب:7/ 299).

فاعلموا أيها المبتدعون أن ما تقومون به من احتفال بمولد رسولنا الكريم صلى الله عليه وبارك بغير ما سنه لكم من صيام يوم الإثنين في كل أسبوع، لن يقربكم من الجنة (لأن رسولنا لم يأمر به) ولن يباعدكم من النار بل سيقربكم إليها (لأن الرسول نهى عنه في قوله "كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار").

{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:105].

فلا يرى منكم ربكم سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وبارك منكم ما يسخطهم عليكم، كما سخطنا نحن لما رأينا بدعتكم.

وأترككم مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وبارك، أعظم المتبعين لسنته والمحاربين للبدعة، في حديثين للتفكر:

الحديث الأول:

عن عمرو بنِ سلَمةَ الهمْدانيِّ قال: "كنا نجلسُ على بابِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قَبل صلاةِ الغداةِ فإذا خرج مَشينا معه إلى المسجدِ فجاءنا أبو موسى الأشعريُّ فقال: أخَرَجَ إليكم أبو عبد الرحمنِ بعدُ؟ قلنا: لا. فجلس معنا حتى خرج فلما خرج قُمْنا إليه جميعًا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرَّحمنِ إني رأيتُ في المسجدِ آنفًا أمرًا أنكرتُه ولم أرَ والحمدُ للهِ إلا خيرًا. قال: فما هو؟ فقال: إن عشتَ فستراه قال: رأيتُ في المسجدِ قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرون الصلاةَ في كلِّ حلْقةٍ رجلٌ وفي أيديهم حصًى فيقول كَبِّرُوا مئةً فيُكبِّرونَ مئةً، فيقول هلِّلُوا مئةً فيُهلِّلون مئةً ويقول سبِّحوا مئةً فيُسبِّحون مئةً. قال: فماذا قلتَ لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئًا انتظارَ رأيِك. قال: أفلا أمرتَهم أن يعُدُّوا سيئاتِهم وضمنتَ لهم أن لا يضيعَ من حسناتهم شيءٌ، ثم مضى ومضَينا معه حتى أتى حلقةً من تلك الحلقِ فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟! قالوا: يا أبا عبدَ الرَّحمنِ حصًى نعُدُّ به التكبيرَ والتهليلَ والتَّسبيحَ. قال: فعُدُّوا سيئاتِكم فأنا ضامنٌ أن لا يضيعَ من حسناتكم شيءٌ، ويْحَكُم يا أمَّةَ محمدٍ ما أسرعَ هلَكَتِكم هؤلاءِ صحابةُ نبيِّكم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مُتوافرون وهذه ثيابُه لم تَبلَ وآنيتُه لم تُكسَرْ والذي نفسي بيده إنكم لعلى مِلَّةٍ هي أهدى من ملةِ محمدٍ أو مُفتتِحو بابَ ضلالةٍ. قالوا: والله يا أبا عبدَ الرَّحمنِ ما أردْنا إلا الخيرَ قال: وكم من مُريدٍ للخيرِ لن يُصيبَه إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حدَّثنا أنَّ قومًا يقرؤون القرآنَ لا يجاوزُ تراقيهم يمرُقونَ من الإسلامِ كما يمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميّةِ وأيمُ اللهِ ما أدري لعلَّ أكثرَهم منكم. ثم تولى عنهم. فقال عمرو بنُ سلَمةَ: فرأينا عامَّةَ أولئك الحِلَقِ يُطاعِنونا يومَ النَّهروانِ مع الخوارجِ" (الراوي: عبد الله بن مسعود المحدث: الألباني- المصدر: السلسلة الصحيحة- خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح).

الحديث الثاني:

"أنَّ رجلًا عطسَ إلى جنبِ ابنِ عمرَ فقالَ: الحمدُ للَّهِ والسَّلامُ على رسولِ اللَّهِ. قالَ ابنُ عمرَ: وأنا أقولُ الحمدُ للَّهِ والسَّلامُ على رسولِ اللَّهِ وليسَ هَكذا علَّمنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ علَّمَنا أن نقولَ الحمدُ للَّهِ على كلِّ حالٍ" (الراوي: عبد الله بن عمر، المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الترمذي- خلاصة حكم المحدث: حسن).

والحمد لله رب العالمين.

 

عماد الدين السمان

  • 28
  • 11
  • 53,618

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً