الربا، حرب الله المعلنة
فإن الربا من الذنوب التي لا يخفى خطرها على أحد، وهذا تذكير بشيء مما ورد في ذلك.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فإن الربا من الذنوب التي لا يخفى خطرها على أحد، وهذا تذكير بشيء مما ورد في ذلك.
الربا من الموبقات
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ». قالوا: "يا رسول الله وما هن؟" قال: « » (رواه البخاري ومسلم).
وكل من قارف شيئاً من معاملة الربا فهو ملعون
واللعن: الطرد عن رحمة الله.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: « » رواه مسلم وغيره.
والربا شر من الزنا
عن عبد الله بن حنظلة -غسيل الملائكة- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أحمد والطبراني في الكبير).
وروى أحمد بإسناد جيد عن كعب الأحبار قال: "لأن أزني ثلاثا وثلاثين زنية أحب إلي من أن آكل درهم ربا يعلم الله أني أكلته حين أكلته ربا".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أمر الربا وعظَّم شأنه وقال: « » (رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغيبة والبيهقي).
ويجلي لنا نبينا صلى الله عليه وسلم حقيقة الربا في هذا الحديث:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه الحاكم، وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم).
والربا ينزل معه عذاب الله
قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا} [البقرة:276].
هذه الآية فيها تأويلان، أحدهما: يمحق الله أهله، ويستأصل شأفتهم، ويقصم ظهرهم.
وقال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278-279].
وليس في الإسلام جريمة جاء فيها هذا الوعيد سوى الربا.
ومعنى الآية: فإن لم ترتدعوا عما نهاكم الله عنه فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله.
وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه أبو يعلى بإسناد جيد).
والمرابي يعامله الله بنقيض قصده وذهاب بركة ماله
قال الله: {يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا} [البقرة:276] ففيها قولان كما مرَّ معنا، قيل: يذهب به، وقيل: بأهله.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه ابن ماجه والحاكم). وفي لفظ له: « ».
آكلو الربا متوعدون بالمسخ
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائده).
فما حال المرابين في برزخهم؟
يجيبك نبيك صلى الله عليه وسلم.
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري).
وإنما كان عذابه بنهر الدم لأنه غُذِّي بالحرام ونبيت منه لحمه ودمه وشحمه، وإنما عُذِّب بالحجارة لأنه أدخل إلى جوفه ما يضره ولا ينفعه في الدنيا فعوقب بما هذا شأنه في الآخرة.
وأما حاله في المحشر
فقد قال الله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275].
الذين يتعاملون بالربا -وهو الزيادة على رأس المال- لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من الجنون
والربا ذنب لا يغفر
ثبت عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » ثم قرأ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (رواه الطبراني).
والربا كفر بالله
قال الله تعالى: {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وقال سبحانه بعد ذكر الرّبا: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أي: كفّارٍ باستحلال الرّبا، أثيمٍ فاجرٍ بأكل الرّبا.
والمرابي خالد في النار
قال تعالى : {وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
فلماذا التذكير بهذا الأمر؟
لأن البرلمان أجاز بعد موافقة عددٍ من علماء مجمع الفقه يوم الثلاثاء مشروع قروض ربوية لبناء مطار وسدَّيْن بحجة قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)!! ولم يعترض من النواب إلا اثنين:
-د. دفع الله حسب الرسول.
د. عائشة الغبشاوي.
أسأل الله أن يجزيهما خير الجزاء، وأن يبارك في أيامهما.
وليس أمر هذه الإجازة للربا بغريب، فقد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الفتاوى المضلِّلة.
» (رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح). وإنما يظهر الربا بهذهولستُ أنكر هذه القاعدة العظيمة (الضرورات تبيح المحظورات)، فإن الله قال في كتابه: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173].
الباغي: الذي يأكل الميتة بغير ضرورة، والعادي: الذي يتجاوز الحد في أكل ما يباح له منها.
ومن هذه القاعدة فرع علماؤنا قواعد:
الضرر يزال.
المشقة تجلب التيسير.
الأمر إذا ضاق اتسع.
والضرورة: خوف الهلاك أو الخطر الشديد على واحد من خمسةٍ: الدين، والعقل، والنفس، والعرض، والمال.
فهذا لا ينكر، وإنما الذي ينكر أن يدخل في دائرة الضرورة ما ليس منها! لقد حُدِّثت عن عروس كان تاركاً للصلاة أيام عرسه، فلما ليم قال: الضرورات تبيح المحظورات. فوضع هذه القواعد في غير محلها يوقع في مدلهمات الأمور!!
ولئلا يكون شيء من هذا التلاعب بين لنا علماؤنا شروط الضرورة، وهي أربعةٌ:
1- أن يكون حصول الضرر أمراً قاطعاً، أو ظنًّا غالباً، ولا يلتفت إلى الوهم والظن البعيد.
كأن يكون المضطر في حالة تسمح له بانتظار الطعام الحلال الطيب، فلا يقدم على تناول الميتة والحالة هذه حتى يجزم بوقوع الضرر على نفسه، فيجوز حينها تناول الميتة، ودليل ذلك: ما علم في الشريعة من أن الأحكام تناط باليقين والظنون الغالبة، وأنه لا التفات فيها إلى الأوهام، والظنون المرجوحة البعيدة.
2- أن لا يُمكن دفع هذا الضرر إلا بالمخالفة. فلو أمكن دفعها بسبيل مباح لم تكن ضرورة.
3- أن نجزم بأنّ هذا الحرام الذي أبيح بدعوى الضرورة مُذْهِبٌ لها، فإن كان الحرام لا يذهب بالضرورة فلا يرتكب.
4- ألا يعارِض هذه الضرورة عند ارتكابها ما هو أعظم منها، أو مثلها.
فلو أُجبر زيد على قتل عمرو بدعوى أنه إذا لم يقتله قتل فهذه ليست بضروة لأنه لا يحق له استبقاء نفسه بقتل أخيه.
وقد سئل العلامة ابن باز رحمه الله: رجل عنده ثلاثون ألف ريال، وعنده ولد مريض قرر الأطباء إجراء عملية له تكلفتها ستون ألف ريال، ولم يجد من يقرضه المبلغ المتبقي، ولم يجد طريقة أخرى فاستثمر المبلغ الثلاثون ألف ريال في الربا فأصبح ستين ألف ريال فعالج ابنه به وهو يقول: الضرورات تبيح المحذورات، فما حكم ذلك؟ فقال: الحمد لله، تجب عليه التوبة إلى الله من المعاملة الربوية؛ لأن الحاجة لا تبيح المعاملات الربوية، ولا يسمى مثل هذا الواقع ضرورة؛ لأن العلاج للمريض مستحب وليس بواجب؛ ولأن في إمكانه أن يستدين بالقرض، أو بشراء سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها بثمن معجل أقل من المؤجل، إلى غير ذلك من الأسباب التي تعينه على قضاء حاجته، نسأل الله أن يوفقنا وإياه للتوبة النصوح، والله الموفق (فتاوى الشيخ ابن باز[19/ 200]).
ثم أختم بسؤال:
هل يجوز لنا ونحن في بلد ترتفع فيه رائحة الفساد النتنة، في بلد الفساد ضارب فيها بجذوره، أن نبيح القروض الربوية؟ والله يعلم أننا لو قضينا على الفساد والمحسوبيات والمخصصات التي لا يقرها عرف ولا دين لانتعش اقتصادنا، ولم يكن أحد منا تحت خط الفقر! إن موظفاً واحداً في قضية تناولتها الصحف يتقاضى بالفساد راتباً ومخصصاتٍ تفوق المليار جنيه في العام، هذا حال موظف فكيف بحال مديره ووزيره الذي صادق على عقده؟!!
إن مثل من يبيح الربا لبلد هذا حاله كمثل من جاء إلى شيخ وأخبره بأنه أهلك ماله في الفجور والميسر وهو يريد أن يسأل الناس؟ فأُجيب بجواز ذلك له؛ لأنه مضطر!!
اللهم لا تجعل علمنا وبالاً علينا.
والحمد لله رب العالمين.
مهران ماهر عثمان
- التصنيف:
- المصدر: