الزعم ليس جديداً

منذ 2015-01-20

بل إن أمهات المؤمنين كن أطهر نساء الدنيا قلوباً، وأعظمهن قدراً ومكانة في قلوب المؤمنين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك أمرن بالحجاب طلباً لتزكية قلوب الطرفين، فغيرهن من النساء أولى بهذا الأمر.

فقد طالعتنا بعض الصحف بقول غريب ومستنكر يزعم فيه قائله أن آية الحجاب خاصة بزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -!!

وهذا الزعم بتخصيص آية الحجاب بزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس أمراً جديداً؟! بل هي شبهة مثارة قديماً، وتتجدد على لسان بعض من لا يتق الله - تعالى - بما يلفظ من قول!!

وآية الحجاب التي نتحدث عنها قد نزلت في ذي القعدة سنة (5) من الهجرة وهي قوله - تعالى -: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً)(الأحزاب: 53) قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -: «أي: وكما نهيتكم من الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن إلا من وراء حجاب».

والآية تعم بإطلاقها حجاب المؤمنات عن المؤمنين، والشبهة المثارة قديماً وحديثاً على لسان بعض المتطاولين على الشريعة أيامنا هذه: أن هذه الآية مختصة بأمهات المؤمنين؟ وأنها تدل على حجاب البيوت وليس على حجاب الوجوه؟!

والصحيح: أن هذه الآية عامة تدل على حجاب البيوت، وحجاب الوجوه، ولبيان الرد على هذه الشبهة الفاسدة نقول:

أولاً: أن قصر آية الحجاب على المساكن دون الوجوه تحكم وتخصيص بغير دليل ولا برهان، والحق أنها عامة.

والأمر الآخر: أن قصرها على البيوت يقتضي عدم وجود ما يوجب تغطية الوجوه على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرجن من البيوت؟ فيلزمهم القول بجواز كشف الأزواج وجوههن، وهذا لم يقل به أحد من العلماء؟!

ثانياً: لم يصرح أحد من المفسرين بقصر الحكم - حكم الحجاب - في البيوت فقط، فلا تجد في أقوال المفسرين التصريح بالقصر، بل ظاهر كلامهم شمول الحكم - الحجاب - في البيوت وخارجها قال الإمام القسطلاني: «وفيه تنبيه على أن المراد بالحجاب التستر، حتى لا يبدو من جسدهن شيء، لا حجب أشخاصهن في البيوت».

ثالثاً: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب: وهذه القاعدة معروفة عند أهل العلم والتفسير، فهذه الآية - وإن كانت خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث السبب -؛ فهي عامة من جهة الحكم لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأكثر آيات القرآن ذوات أسباب في نزولها بلا خلاف بين العلماء، فإذا حصرنا أحكامها ضمن دائرة أسبابها فما هو نصيبنا منها إذن؟

رابعاً: إن خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة: فمما تقرر في أصول الشريعة أن خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة، حتى يرد دليل على تخصيصه بالمخاطب، وليس هنا أي دليل على تخصيص حكم هذا الحجاب بأمهات المؤمنين.

خامساً: أن سياق الآية هو العموم، وإن كانت قد وردت خطاباً خاصاً لأن قوله - تعالى -: (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم)(الأحزاب: 53) ليس معناه: أنه يجوز للصحابة أن يدخلوا بيوتاً غير بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يؤذن لهم؟!

سادساً: أن علة الحجاب وحكمته واحدة وعامة: وذلك أن الله - تعالى - بيَّن حكمة الحجاب وعلته فقال: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)(الأحزاب: 53)، وهذه العلة عامة إذ لا أحد من المسلمين يقول: إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حاجتهن إلى طهر القلوب أكثر من غيرهن من المسلمات؟ ولا قلوب الرجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحوج للطهر من قلوب غيرهم من الرجال؟

فعموم علة الحجاب وحكمته في الرجال والنساء دليل على عموم حكم الحجاب لجميع نساء المسلمين، وشمول حكمته لهم.

بل إن أمهات المؤمنين كن أطهر نساء الدنيا قلوباً، وأعظمهن قدراً ومكانة في قلوب المؤمنين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك أمرن بالحجاب طلباً لتزكية قلوب الطرفين، فغيرهن من النساء أولى بهذا الأمر.

بالإضافة إلى أنهن أمهات المؤمنين، فنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلهن الله - تعالى - أمهات المؤمنين إذ قال الله - تعالى - فيهن: (وأزواجه أمهاتهم)(الأحزاب: 6)، فنكاحهن محرم على التأبيد على الصحابة كنكاح الأمهات بإجماع أهل العلم، فأي معنى إذن لحجبهن وحجابهن إذا كان الحكم مقصوراً عليهن دون بقية المؤمنات، وهن أمهات المؤمنين؟!

ومن هاهنا يتبين أن الحكم عام يشمل كل مؤمنة إلى يوم القيامة، وهو من باب قياس الأولى كتحريم الله - تعالى - التأفيف للوالدين يدل على تحريم ضربهما من باب أولى.

سابعاً: لابد من الربط بين آيات القرآن الكريم، وهاهنا لا بد من الربط بين آية الحجاب هذه وآية الجلباب بعدها بقليل والتي يقول الله فيها: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً)(الأحزاب: 59).

فآية إدناء الجلباب هذه تتمة وتفسير لآية الحجاب السابقة، وآية الجلباب عامة لنساء المؤمنين بغير خلاف بين المسلمين، فلابد أن تكون آية الحجاب كذلك، فتأمل!

ثامناً: الأحاديث الواردة عن فعل الصحابيات وحجابهن وتمسكهن به - رضوان الله عليهن - جميعاً معلومة ومشهورة، وكلها أدلة تدل على عموم الحجاب للمؤمنات من أمة محمد وليس خاصاً بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.

هذه وجوه فيها رد شاف وكاف للشبهة المتقدمة، والله - تعالى -أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

محمد الحمود النجدي

من كبار السلفيين في الكويت مقتفياً أثر وطريقة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله في طريقة الشروح العلمية وفي التركيز على الأدلة الصحيحة

  • 1
  • 0
  • 2,714

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً