خيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية - (8) الدولة الفاطمية وخياناتها في محو السنة ونشر التشيع

منذ 2015-01-27

لقد بذلت الدولة الفاطمية جهودًا خبيثة في محو السنة ونشر التشيع، وكانت خطتها المتبعة أنه في حال غياب الدولة توزع الدعاة سرًا ليقوموا بالدعوة إلى مذهب الإسماعيلية (الإسماعيلية: وتسمى الإمامية الإسماعيلية، وهم الذين يقولون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وكان أكبر أولاد أبيه جعفر. وهناك الإمامية الموسوية وهم الذين قالوا بإمامة موسى الكاظم بن جعفر الصادق وهم الاثني عشرية. وكلا الإماميتين خبيث) الشيعي، وفي حالة أن تكون لهم دولة فإنهم يجعلون الدين الرسمي للدولة هو المذهب الشيعي.

لقد بذلت الدولة الفاطمية جهودًا خبيثة في محو السنة ونشر التشيع، وكانت خطتها المتبعة أنه في حال غياب الدولة توزع الدعاة سرًا ليقوموا بالدعوة إلى مذهب الإسماعيلية (الإسماعيلية: وتسمى الإمامية الإسماعيلية، وهم الذين يقولون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وكان أكبر أولاد أبيه جعفر. وهناك الإمامية الموسوية وهم الذين قالوا بإمامة موسى الكاظم بن جعفر الصادق وهم الاثني عشرية. وكلا الإماميتين خبيث) الشيعي، وفي حالة أن تكون لهم دولة فإنهم يجعلون الدين الرسمي للدولة هو المذهب الشيعي.

وعندما بدأ الفاطميون دعوتهم في بلاد المغرب، وجدوا أن التشيع كان منتشرًا هناك، لأن دولة الأدارسة التي أقامها إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب سنة (172)هـ هي في الأصل دولة علوية شيعية، فمن ثم أصبحت بلاد المغرب صالحة للدعوة الإسماعيلية، فانتشر التشيع واعتنقه كثير من البربر، حتى إن أكثر وزراء الأغالبة (في تونس) كانوا على المذهب الشيعي، وكان من أبرز الدعاة للفاطميين في تلك البلاد رجل يقال له أبو عبد الله الشيعي من بلاد اليمن، له من ضروب الحيل ما لا يحصى (انظر: (اتعاظ الحنفا) للمقريزي ص75- 77).

ولم يكتف أبوعبد الله الشيعي بنشر الدعوة للفاطميين في بلاد المغرب، بل أخذ يعمل على بسط نفوذهم في شمال إفريقية فوقعت في يده عدة مدن، وأعلن الفاطميون قيام دولتهم سنة (296)هـ إثر انتصارهم على الأغالبة في موقعة الأربس (حسن إبراهيم (تاريخ الدولة الفاطمية) ص50، 51).

ورأى الفاطميون بعد أن امتد نفوذهم في بلاد المغرب، أن هذه البلاد لا تصلح لتكون مركزًا لدولتهم، ففضلاً عن ضعف مواردها كان يسودها الاضطراب من حين لآخر، لذلك اتجهت أنظارهم إلى مصر لوفرة ثرواتها وقربها من بلاد المشرق الأمر الذي يجعلها صالحة لإقامة دولة مستقلة تنافس العباسيين (د. جمال الدين سرور (الدولة الفاطمية في مصر) ص59).

وقد وجه الفاطميون أكثر من حملة للاستيلاء على مصر بدءًا من (301- وحتى 350هـ) وفي سنة (358)هـ عهد الخليفة الفاطمي إلى جوهر الصقلي كتابًا بالأمان وفيه: "... أن يظل المصريون على مذهبهم أي لا يلزمون بالتحول إلى المذهب الشيعي، وأن يجري الأذان والصلاة وصيام شهر رمضان وفطره والزكاة والحج والجهاد على ما ورد في كتاب الله ورسوله" (المقريزي (اتعاظ الحنفا) ص148).

ولم يكن كتاب جوهر لأهل مصر إلا مجرد مهادنة، وعندما وصل الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة في سنة (362)هـ ركز اهتمامه في تحويل المصريين إلى المذهب الشيعي، واتبعت الخلافة الفاطمية في ذاك عدة طرق منها: إسناد المناصب العليا وخاصة القضاء إلى الشيعيين، واتخاذ المساجد الكبيرة مراكز للدعاية الفاطمية، كالجامع الأزهر وجامع عمرو ومسجد أحمد بن طولون (القلقشندي (صبح الأعشى في صناعة الإنشاء) [3/483]). كذلك أمعن الشيعة الفاطميون في إظهارهم شعائرهم المخالفة لشعائر أهل السنة، الآذان بحي على خير العمل، والاحتفال بيوم العاشر من المحرم الذي قتل فيه الحسين بكربلاء (المقريزي (الخطط والآثار) [1/389]).

وكان الفاطميون لا يقتصرون في تهييج أهل السنة على إقامة الشعائر الشيعية بل كانوا يرغمون أهل السنة ويعتدون عليهم ليشاركوهم طقوسهم.

قال المقريزي: "وفي العاشر من المحرم سنة (363)هـ سار جماعة من المصريين الشيعيين والمغاربة في موكبهم ينوحون ويبكون على الحسين، وصاروا يعتدون على كل من لم يشاركهم في مظاهر الأسى والحزن مما أدى إلى تعطيل حركة الأسواق وقيام القلائل" (المقريزي (اتعاظ الحنفا) ص198).

ولما آلت الخلافة إلى العزيز سنة (365)هـ عني كأبيه المعز بنشر المذهب الشيعي وحتم على القضاة أن يصدروا أحكامهم وفق المذهب الشيعي كما قصر المناصب الهامة على الشيعيين، وأصبح لزامًا على الموظفين السنيين الذين تقلدوا بعض المناصب الصغيرة أن يسيروا طبقًا لأحكام المذهب الإسماعيلي، وإذا ما ثبت على أحدهم التقصير في مراعاتها عزل عن وظيفته، وكان ذلك مما دفع الكثيرين من الموظفين السنيين إلى اعتناق المذهب الفاطمي (المقريزي (الخطط والآثار) [2/486]).

لما قبض الحاكم بأمر الله زمام الأمور عمد إلى إصدار كثير من الأوامر والقوانين المبنية على التعصب الشديد للمذهب الفاطمي، فأمر في سنة (395)هـ بنقش سب الصحابة على جدران المساجد وفي الأسواق والشوارع والدروب وصدرت الأوامر إلى العمال في البلاد المصرية بمراعاة ذلك (ابن خلكان (وفيات الأعيان) [2/166]).

ومن الأسماء الشيعية الشهيرة في العصر الفاطمي وزير الخليفة الفاطمي المستنصر الذي كان يسمى بدر الجمالي، وكان مغاليًا في مذهب الشيعة فأظهر روح العداء والكراهة إزاء أهل السنة فجدد ما كان من أوامر بلعن الصحابة وإضافة عبارة -حي على خير العمل- للأذان وغير ذلك (أبو المحاسن ابن تغري بردي (النجوم الزاهرة في أخبار ملوك مصر والقاهرة) [5/120]) بتصرف.

وبرغم ما فعلت الخلافة الفاطمية من محاولات للقضاء على أهل السنة ومذهبهم إلا أن المذهب السني ظل محتفظًا بقوته رغم تحول بعض المصريين إلى المذهب الفاطمي. 

ولم يؤثر أن الخلافة الفاطمية قامت بغزو أو عمليات عسكرية ضد الفرنجة لتوطيد أركان الإسلام، بل الثابت تاريخيًّا أنهم كانوا حربًا على أهل الإسلام سلمًا على أعدائه، فهم يضيقون الخناق على أهل السنة ويجيشون الجيوش لإرغامهم على التشيع، بينما هم مع الفرنجة سلم لهم، بل يستنجدون بهم على أهل السنة وغير ذلك. 

الفاطميون يمالئون الفرنجة ويكتبون إليهم:

ومن خيانات الفاطميين وتواطئهم مع الفرنجة ما ذكره المقريزي في "الخطط والآثار" من أن صلاح الدين الأيوبي لما تولى وزارة العاضد الفاطمي - وكان قد ولاه لصغر سنه وضعفه كما ظن به - قوي نفوذه في مصر وأخذت سلطة العاضد في الضعف، حتى ثقلت وطأة صلاح الدين على أهل القصر الفاطمي، وتجلى استبداده بأمر الدولة وإضعاف الخلافة الفاطمية، حنق عليه رجال القصر ودبروا له المكائد، وقد اتفق رأيهم على مكاتبة الفرنجة ودعوتهم إلى مصر فإذا ما خرج صلاح الدين إلى لقائهم قبضوا على من بقي من أصحابه بالقاهرة، وانضموا إلى الفرنجة في محاربتهم والقضاء عليه (المقريزي (الخطط والآثار) [2/2]).

وفعلاً جاء الفرنجة إلى مصر وحاصروا دمياط في سنة (565)هـ، وضيقوا على أهلها وقتلوا أمماً كثيرة، جاؤوا إليها من البر والبحر رجاء أن يملكوا الديار المصرية وخوفًا من استيلاء المسلمين على القدس، وأرسل إلى عمه نور الدين محمود بدمشق، يستنجده فأمده، وبعث صلاح الدين جيشًا بقيادة ابن أخيه وخاله شهاب الدين وأمدهما بالسلاح والذخائر، واضطروهم للبقاء في القاهرة خشية أن يقوم رجال القصر الفاطمي وجند السودان الناقمين بتدبير المؤامرات ضده (انظر ابن كثير (البداية والنهاية) [12: 260]).

وكان من فضل الله أن رد كيد الفرنجة والشيعة الفاطميين الذين كاتبوهم ففشلت هذه الحملة، وانصرف الفرنجة عن دمياط، وذلك لما تسرب إليهم من قلق من جراء ما عانوه في سبيل تموين قواتهم، وكما وقع الخلاف بين قوادهم على الخطة التي يتبعونها في مهاجمة المدينة، فضلاً عن ذلك بلغهم أن نور الدين محمود قد غزا بلادهم وهاجم حصن الكرك وغيره من نواحيهم وقتل خلقًا من رجالهم، وسبى كثيرًا من نسائهم وأطفالهم وغنم من أموالهم (البداية والنهاية) [12/260]، حسن الحبشي (نور الدين والصليبيون) ص147 وما بعدها).

وهكذا دائمًا في كل خيانة يحدثونها يجعلون الأمة الإسلامية بين شقي الرحى، بين عدو خارجي وعدو داخلي، فاللهم انتقم من الخونة ولو كانوا من أهل السنة. 

ومن خيانات الفاطميين:

أنه لما ضعفت دولتهم في أيام العاضد وصارت الأمور إلى الوزراء، وتنافس شاور وضرغام، فكر شاور في أن يثبت ملكه ويقوي نفوذه، فاستعان بنور الدين محمود؛ فأعانه ولما خلا له الجو لم يف له بما وعد، بل أرسل إلى أملريك ملك الفرنجة في بيت المقدس يستمده، ويخوفه من نور الدين محمود إن ملك الديار المصرية، فسارع إلى إجابة طلبه، وأرسل له حملة أرغمت نور الدين على العودة بجيشه إلى الشام، ولكن سرعان ما عاود نور الدين المحاولة في عام 562هـ، فاستنجد شاور بالفرنجة مرة ثانية وكاتبهم، وجاءت جيوشهم خشية أن يستولي نور الدين على مصر ويضمها إلى بلاد الشام فيهدد مركزهم في بيت المقدس. 

ولما وصلت عساكر الفرنجة إلى مصر انضمت جيوش شاور والمصريين إليها والتقت بجيوش نور الدين بمكان يعرف بالبابين (قرب المنيا) فكان النصر حليف عسكر نور الدين محمود، ثم سار بعدها إلى الإسكندرية، وكانت الجيوش الصليبية تحاصرها من البحر وجيوش شاور وفرنجة بيت المقدس من البر، ولم يكن لدى صلاح الدين -القائد من قبل نور الدين- من الجند ما يمكنه من رفع الحصار عنها، فاستنجد بأسد الدين شيركوه فسارع إلى نجدته، ولم يلبث الفرنجة وشيعة شاور إلى أن طلبوا الصلح من صلاح الدين فأجابهم إليه شريطة ألا يقيم الفرنجة في البلاد المصرية. 

غير أن الفرنجة لم تغادر مصر عملاً بهذا الصلح بل عقدت مع شاور معاهدة، كان من أهم شروطها كما يقول ابن واصل: "أن يكون لهم بالقاهرة شحنة صليبية -أي حامية- وتكون أبوابها بيد فرسانهم ليمتنع نور الدين محمود عن إنفاذ عسكره إليهم. وكما اتفق الطرفان على أن يكون للصليبيين مائة ألف دينار سنويًّا من دخل مصر" (ابن واصل (مفرج الكروب في أخبار بني أيوب) ص152).

وما أن ذهب الفرنجة في هذا العام حتى عادوا مرة أخرى عام (564)هـ. قال ابن كثير فيها: "طغت الفرنج بالديار المصرية وذلك أنهم جعلوا شاور شحنة لهم بها، وتحكموا في أموالها ومساكنها أفواجًا أفواجًا، ولم يبق شيء من أن يستحوذوا عليها ويخرجوا منها أهلها من المسلمين وقد سكنها أكثر شجعانهم فلما سمع الفرنج بذلك أتوا من كل فج وناحية في صحبة ملك عسقلان في جحافل هائلة، فأول ما أخذوا مدينة بلبيس وقتلوا من أهلها خلقًا وأسروا آخرين ونزلوا بها وتركوا أثقالهم موئلاً لهم، ثم تحركوا نحو القاهرة.. فأمر الوزير شاور رجاله بإشعال النار فيها على أن يخرج منها أهلها؛ فهلكت للناس أموال كثيرة، وأنفس، وشاعت الفوضى، واستمرت النيران أربعة وخمسين يومًا، عندئذ بعث العاضد الفاطمي إلى نور الدين بشعور نسائه يقول: أدركني واستنقذ نسائي من الفرنج، والتزم له بثلث خراج مصر، فشرع نور الدين في تجهيز الجيوش لتسييرها إلى مصر، فلما أحس شاور بوصول جيوش نور الدين، أرسل إلى ملك الفرنج يقول: قد عرفت محبتي ومودتي لكم، ولكن العاضد لا يوافقني على تسليم البلد، فاعتذر لهم وصالحهم على ألف ألف دينار وعجل لهم من ذلك ثمانمائة ألف ليرجعوا؛ فانتشروا راجعين خوفًا من عساكر نور الدين وطمعًا في العودة إليها مرة أخرى، وشرع شاور في مطالبة الناس بالذهب الذي صالح به الفرنج وتحصيله وضيق على الناس" (البداية والنهاية) [12/255]).

أفرأيت كل هذه المحن التي جلبتها خيانات الرافضة الخبيثة، تستدعي الفرنجة وتقيم لها حاميات، وتنهب أموال البلاد وخيراتها، وتفتك بأعراضها، وتحرق وتدمر وتخرب، وتشترط لنفسها جزءا من دخل البلاد.

أليس هذا يشبه إلى حد كبير خياناتهم في العراق، في المرة الأخيرة، كاتبوا الأمريكيين، قاتلوا في صفوفهم، أقاموا قواعدهم، قووا مراكزهم، ونهبوا خيرات البلاد، فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم انتقم من الخونة ولو كانوا من أهل السنة.

ومن خيانات الفاطميين:

ما حدث في سنة (562)هـ لما أقبلت جحافل الفرنج إلى الديار المصرية وبلغ ذلك أسد الدين شيركوه فاستأذن الملك نور الدين محمود في الذهاب إليها -وكان كثير الحنق على الوزير شاور الفاطمي- فأذن له فسار ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب.

ولما بلغ الوزير شاور قدوم أسد الدين والجيش معه بعث إلى الفرنج فجاؤوا من كل فج إليه، وبلغ أسد الدين ذلك من شأنهم وأن معهم ألف فارس، فاستشار من معه من الأمراء فكلهم أشار عليه بالرجوع إلى نور الدين إلا أميرًا واحدًا يقال له شرف الدين برغش، فإنه قال من خاف القتل والأسر فليقعد في بيته عند زوجته، ومن أكل أموال الناس فلا يسلم بلادهم إلى العدو، وقال مثل ذلك ابن أخيه صلاح الدين، فعزم الله لهم فساروا نحو الفرنج فاقتتلوا قتالاً عظيمًا، فقتلوا من الفرنج مقتلة عظيمة وهزموهم.. ولله الحمد (البداية والنهاية) [12/252]).

التعاون مع الفرنجة لانتزاع الإسكندرية من يد صلاح الدين: 

إن أسد الدين شيركوه لما كان قد أظفره الله بالفرنجة في الوقعة السابقة بمصر برغم خيانة الخونة، رأى أن يفتح الإسكندرية، ففتحها واستناب عليها ابن أخيه صلاح الدين، ثم توجه إلى الصعيد فملكه، وعندئذ اتفق الفاطميون مع الفرنجة على حصار الإسكندرية لانتزاعها من يد صلاح الدين في أثناء غياب أسد الدين شيركوه، فامتنع فيها صلاح الدين أشد الامتناع، ولكن ضاقت عليهم الأقوات وضاق عليهم الحال جدا, فسار إليهم أسد الدين شيركوه فصالحه الوزير شاور عن الإسكندرية بخمسين ألف دينار، فأجابه إلى ذلك وخرج منها وسلمها للمصريين ثم عاد إلى الشام، وقرر شاور للفرنجة على مصر في كل سنة مائة ألف دينار وأن يكون لهم شحنة بالقاهرة (البداية والنهاية) [12/252، 253]).

خيانة الطواشي مؤتمن الخلافة الفاطمية بمصر:

لما كانت الفرنجة قد طغت بالديار المصرية عندما جعل لهم الوزير الفاطمي شاور شحنة بالقاهرة، وتحكموا في البلاد والعباد، حتى استنجد الخليفة الفاطمي العاضد بنور الدين محمود أن ينقذه ونساءه من أيدي الفرنجة -وكان الفاطميون هم الذين مكنوا لهم (وهنا يصدق فيهم قول القائل "كم من كلب عض يد صاحبه" و"إن الله لينتقم بالظالم من الظالم ثم يهلكهم جميعًا")- وكاتب شاور الفرنجة وصالحهم على مال جزيل، ثم جاءت جيوش نور الدين بقيادة أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين واستقر لهم ملك الديار المصرية.

وهنا قام الطواشي مؤتمن الخلافة الفاطمية بالكتابة من دار الخلافة بمصر إلى الفرنجة ليقدموا إلى الديار المصرية ليخرجوا منها الجيوش الإسلامية الشامية ولكن حامل الكتاب لقيه في الطريق من أنكر حاله، فحمله إلى صلاح الدين فقرره، فأخرج الكتاب وانكشفت المؤامرة، فأمر بقتل الطواشي، فثار له خدم القصر من السودان، فكانوا نحو خمسين ألفاً، وقاتلوا جيش صلاح الدين بين القصرين فهزمهم صلاح الدين وأخرجهم من القاهرة وقتل منهم خلقًا (البداية والنهاية) [12/257، 258]).

بين المعز الفاطمي والإمام أبو بكر النابلسي (هو أحد أئمة أهل السنة الأثبات وهو من أهل نابلس):

إن الشيعة برغم ما يتظاهر به بعض ولاتهم وحكامهم من الورع والصلاح وإنصاف المظلوم إلا أنهم في كثير من الأحيان ما تنكشف الحقائق عن مخادع كاذب لا يرقب في المؤمنين إلاّ ولا ذمة. وأشد ما تكون هذه النكاية بالعلماء من أهل السنة.
قال ابن كثير رحمه الله في ترجمة المعز الفاطمي: ".. كان يدعي إنصاف المظلوم من الظالم، ويفتخر بنسبه وأن الله رحم الأمة بهم، وهو مع ذلك متلبس بالرفض ظاهرًا وباطنًا، كما قال القاضي الباقلاني: إن مذهبهم الكفر المحض، واعتقادهم الرفض، وكذلك أهل دولته ومن أطاعه ونصره ووالاه قبحهم الله وإياه.

وقد أحضر بين يديه الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبوبكر النابلسي، فقال له المعز: بلغني عنك أنك قلت: لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت المصريين -أي الفاطميين- بسهم؟

فقال النابلسي: ما قلت هذا، فظن أنه رجع عن قوله، فقال له: كيف قلت؟ قال قلت: ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر، قال: ولم؟ قال: لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم. 

فأمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضرب في الثاني بالسياط ضربًا شديدًا مبرحًا، ثم أمر بسلخه -وهو حي- وفي اليوم الثالث جيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن، قال اليهودي: فأخذتني رقة عليه، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات رحمه الله، فكان يقال له الشهيد، وإليه ينسب بنو الشهيد من نابلس إلى اليوم" (البداية والنهاية) [11/284]).

فما أكرم الثبات على الحق، وما أجمل العيش على السنة والموت عليها ولو أن يسلخ الجلد عن اللحم، ونحن لا نعجب مما فعل هذا الرافضي الخبيث قبحه الله، فمجرد أن يكون اسم النابلسي أبوبكر فهذا كاف في إثارة حفيظة هذا الرافضي الخبيث، فهو يكره أبابكر ومن يحب أبا بكررضي الله عنه. 

تأملات وعبر وتقريرات حول نهاية الدولة الفاطمية:

إن من سنة الله في الخلق دفع الناس بعضهم ببعض، ولولا ذلك لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين. 
فالدولة الفاطمية ملكت (280)سنة وكسرًا، ولكنهم صاروا كأمس الذاهب كأن لم يغنوا فيها، وكان أول من ملك منهم المهدي، وكان من سلمية حدادًا اسمه عبيد وكان يهوديًّا فدخل بلاد المغرب وتسمى بعبد الله وادعى أنه شريف علوي فاطمي، وقال عن نفسه إنه المهدي.

وآخر خلفائهم العاضد بن يوسف بن المستنصر بن الحاكم، قال عنه ابن كثير: "كانت سيرته مذمومة، وكان شيعيًّا خبيثًا، لو أمكنه قتل كل من قدر عليه من أهل السنة..". 

ولما توفي وزال ملك الفاطميين استبشر الناس وأنشد العماد الكاتب:

توفي العاضد الدعي فما *** يفتح ذو بدعة بمصر فما
وعصر فرعونها انقضى وغدا ‍*** يوسفها في الأمور متحكما
قد طفئت جمرة الغواة وقد داخ ‍*** من الشرك كل ما اضطرما
وصار شمل الصلاح ملتئماً ‍*** بها وعقد السداد منتظما

لما غدا مشعر شار بني الـ ‍*** عباس حقا والباطل اكتتما
وبات داعي التوحيد منتظرًا ‍*** ومن دعاة الشرك منتقما
وارتكس الجاهلون في ظلم ‍*** لما أضاءت منابر العلما
وعاد بالمستضيء معتليًا ‍*** بناء حق بعد ما كان منهدما

أعيدت الدولة التي اضطهدت ‍*** وانتصر الدين بعدما اهتضما
واهتز عطف الإسلام من جلل ‍*** وافتر ثغر الإسلام وابتسما
واستبشرت أوجه الهدى فرحاً *** فليقرع الكفر سنته ندما

(البداية والنهاية) [12/265]).

"وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالاً، وكانوا من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية، وتغلب الفرنج على سواحل الشام بأكمله، حتى أخذوا القدس ونابلس، وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وكرك الشوبك وطبرية وبانياس وصور وعكا وصيدا وبيروت وصفد وطرابلس وأنطاكية، وجميع ما والى ذلك إلى بلاد إياس وسيس واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين... وبلاد شتى، وقتلوا من المسلمين خلقًا وأمما لا يحصيهم إلا الله، وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان مما لا يحد ولا يوصف وكل هذه البلاد كانت الصحابة قد فتحوها، وصارت دار إسلام، وأخذوا من أموال المسلمين ما لا يحد ولا يوصف.

وحين زالت أيامهم -يعني الفاطميين- وانتقض إبرامهم أعاد الله عز وجل هذه البلاد كلها إلى المسلمين بحوله وقوته وجوده ورحمته" (البداية والنهاية) [12/267]).

وهكذا كل خائن لا يؤسف على هلاكه، ولا يحزن لفواته، بل هلاكه راحة للعباد وزواله أمان للبلاد.

وقد صنف غير واحد من الأئمة القدامى في الطعن في نسب الفاطميين وأنهم أدعياء كذبة، لا ينتمون إلى آل البيت، ولا بأدنى صلة، وإنما كانوا ينسبون إلى عبيد وكان اسمه سعيدًا، وكان يهوديًّا حدادا بسلمية بالمغرب.

وقد أفرد أبو شامة المؤرخ صاحب (الروضتين) كتابًا سماه (كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد) وكتب الإمام الباقلاني كتابًا سماه (كشف الأسرار وهتك الأستار)، بين فيه فضائحهم وقبائحهم، ومما قاله الباقلاني عنهم: "هم قوم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض" (البداية والنهاية) [11/346]).

وما أحسن ما قاله بعض الشعراء يمدح بني أيوب على ما فعلوه من إزالة الحكم الفاطمي من مصر:

أبدتم من بلى دولة الكفر من ‍*** بني عبيد بمصر إن هذا هو الفضل
زنادقة شيعة باطنية مجوس يسرون ‍*** وما في الصالحين لهم أصل
كفرا يظهرون تشيعاً ‍*** ليستروا سابور عمهم الجهل

(البداية والنهاية) [12/268]).

فلله الحمد والمنة أن تحولت الديار المصرية من ديار الشيعة إلى ديار السنة، وأسكن الله صلاح الدين ورجاله بما مهدوا للسنة أعلى درجات الجنة، وحفظ الله مصر من الرفض الخبيث، وجعلها مهدًا للسنة والحديث، وأزال عنها كل غمة، وقيض من رجالها لدينه أعلى الرجال همة. 

  • 57
  • 5
  • 40,418
المقال السابق
(7) خليفة عباسي يتشيع وتثبت خيانته
المقال التالي
(9) خيانة القرامطة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً