خيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية - (16) خيانات الشيعة لدولة السلاجقة السنية ومعاونة الصليبيين عليها
لما زالت دولة بني بويه (الشيعية)، وبادت جاء بعدهم قوم آخرون من الأتراك السلاجقة الذين يحبون أهل السنُّة ويوالونهم، ويرفعون قدرهم، والله المحمود أبدًا على طول المدى وقاموا بنصرة السنُّة، وإخماد الرفض وأهله، ولكن هذه الدولة السنُّية لم تسلم من خيانات الشيعة وغدرهم.
"لما زالت دولة بني بويه (الشيعية)، وبادت جاء بعدهم قوم آخرون من الأتراك السلاجقة الذين يحبون أهل السنُّة ويوالونهم، ويرفعون قدرهم، والله المحمود أبدًا على طول المدى" (ابن كثير: البداية والنهاية [12/ 68]، [69]).
وقاموا بنصرة السنُّة، وإخماد الرفض وأهله، ولكن هذه الدولة السنُّية لم تسلم من خيانات الشيعة وغدرهم.
ففي سنة 450هـ جاء (البساسيري)، الرافضي الخبيث بجيوش إلى بغداد مقر السلطان السلجوقي (طغرلبك)، وكان غائبًا عنها ومعه الرايات البيض المصريةن وعلى رأسه أعلام مكتوب عليها اسم المستنصر بالله الفاطمي، فتلقاه أهل الكرخ الرافضة، وسألوه أن يجتاز من عندهم، فدخل الكرخ وخرج إلى مشرعة الزوايا فخيم بها والناس إذ ذاك في مجاعة شديدة.. ونهب أهل الكرخ الروافض دور أهل السنُّة بالبصرة وتملك أكثر السجلات والكتب الحكمية، بعد ما نهب دار قاضي القضاة الدامغاني، وبيعت للعطارينن وأعادت الروافض الآذان بحي على خير العمل في نواحي بغداد، وخطب ببغداد للمستنصر بالله العبيدي، وضربت له السكة وحوصرت دار الخلافة، ثم نهبت والروافض في غاية السرور.. وانتقم البساسيري من أعيان أهل السنُّة ببغداد فأخذ الوزير ابن المسلمة الملقب برئيس الرؤساء وعليه جبة صوف، وطرطور من لبد أحمر، وفي رقبته مخنقة، وأركب جملاً أحمر وطيف به البلد وخلفه من يصفعه بقطعة من جلد، وحين مر على الكرخ (دور الرافضة)، نثروا عليه خلقان المداسات، وبصقوا في وجهه، ولعنوه وسبوه.. ثم لما فرغوا من التطوف به جيء به إلى المعسكر؛ فأُلبس جلد ثور بقرنيه وعلق بكلوب في شدقيه، ورفع إلى الخشبة فجعل يضرب إلى آخر النهار؛ فمات رحمه الله وكان آخر كلامه "الحمد الله الذي أحياني سعيدًا، وأماتني شهيدًا" (البداية والنهاية [12/76] - [79])، بتصرف وإيجاز.
وقد أصبحت بلاد الشام مسرحًا للمنازعات بين السلاجقة (الذين هم من أهل السنُّة)، والفاطميين (الشيعة)، مما أدى إلى تفكك وحدة المسلمين ومهد الطريق أمام الصليبين لغزو بلاد الشام في يسر وسهولة، حيث وصلوا إلى أطرافها في سنة 490هـ.
وتبرز هنا خيانات الفاطميين فقد أرسل (بدر الجمالي)، وزير المستعلي الفاطمي الشيعي سنة 490هـ سفارة من قبله إلى قادة الحملة الصليبية الأولى تحمل عرضًا خلاصته أن يتعاون الطرفان للقضاء على السلاجقة في بلاد الشام، وأن تقسم البلاد بينهما بحيث يكون القسم الشمالي من الشام للصليبيين في حين يحتفظ الفاطميون بفلسطين.
لما كان هدف الصليبيين هو السيطرة على بيت المقدس فقد كان ردهم غامضًا واكتفوا ببث شعور الطمأنينة في نفوس الفاطميين واكتشفوا بذلك ضعف المسلمين وتفككهم.
ولما قام الأمير (كربوق)، صاحب الموصل من قبل السلاجقة بتجهيز قوة لمنع سقوط أنطاكية بيد الصليبيين وقف الفاطميون موقف المتفرج، ولم يكتفوا بذلك بل استغلوا هذه الفرصة فسيروا جيشًا إلى بيت المقدس الذي كان بيد السلاجقة وحاصروه، ونصبوا عليه أكثر من أربعين منجنيقًا حتى تهدمت أسواره وسيطروا عليه (د/ أنس أحمد كرزون: نور الدين محمود زنكي القائد المجاهد [9-11]، بتصرف -دار ابن حزم- بيروت 1995م).
واستغل زعماء الشيعة الإسماعيلية الخلاف بين بعض السلاطين السلاجقة في نحو سنة 488هـ، وتقربوا من (رضوان بن تاج الدولة تتش)، الذي كان على بلاد الشام، وحصلوا عنده على مكانة مرموقة فتشيع لآرائهم، ولم يعبأ بما أحرزه الصليبيون من انتصارات واستيلاء على بعض بلاد الإسلام في آسيا الصغرى (انظر: مسفر الغامدي: الجهاد ضد الصليبيين صـ [51]، نقلاً عن زبدة الحلب [2/145]).
فقد استولوا على أنطاكية سنة 491هـ، ثم سيطروا على المعرة عام 492هـ، ثم واصلوا سيرهم إلى جبل لبنان؛ فقتلوا من به من المسلمين، ثم نزلوا إلى حمص فهادنهم صاحبها على مال يدفعه.
قال ابن كثير رحمه الله: "في جمادى الأولى سنة 491هـ ملك الفرنجة أنطاكية بعد حصار شديد بمواطأة بعض المستحفظين على الأبراج وهرب صاحبها.. ولما بلغ الخبر الأمير (كربوق)، صاحب الموصل جمع عساكر كثيرة واجتمع عليه دقاق صاحب دمشق وجناح الدولة صاحب حمص وغيرهما، وسار إلى الفرنج فالتقوا معهم بأرض أنطاكية فهزمهم الفرنج، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وأخذوا منهم أموالاً جزيلة.. ثم صارت الفرنج إلى معرة النعمان؛ فأخذوها بعد حصار ولا حول ولا قوة إلا بالله" (البداية والنهاية: [12/155]).
ضياع بيت المقدس بسبب خيانات الشيعة:
"وفي سنة 492هـ أخذت الفرنج بيت المقدس ضُحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان، وكانوا في نحو ألف ألف مقاتل؛ وقتلوا في وسطه أزيد من ستين ألف قتيل من المسلمين، وجاسوا خلال الديار؛ وعلوا ما علوا تتبيرًا،.. وذهب الناس على وجوههم هاربين من الشام إلى العراق مستغيثين على الفرنج إلى الخليفة والسلطان السلجوقي (محمد بن ملكشاه).. وخرج أعيان الفقهاء يحرضون الناس والملوك على الجهاد فلم يفد ذلك شيئًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون" (البداية والنهاية [12/156]).
وأنشد بعضهم يصور الموقف المهين:
مزجنا دمانا بالدموع السواجم *** فلم يبق منا عرضة للمراجم
وشر سلاح المرء دمع يريقه *** إذا الحرب شيت نارها بالصوارم
فأيها بني الإسلام إن وراءكم *** وقائع يلحقن الذي بالمناصم
وكيف تنام العين ملء جفونه *** على هفوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم *** ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتــم***** تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
ومنها قوله:
وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة *** تظل لها الوالدان شيب القوادم
وتلك حروب من يغب عن غمارها *** ليسلم يقرع بعدها هاش نادم
سللن بأيدي المشركين قواضبا *** ستغمد منهم في الكلي والجماجم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدا *** رماحهم والدين واهي الدعائم
ويجتنبون النار خوفًا من الردى *** ولا يحسبون العار ضربة لازم
أيرضى صناديد الأعاريب بالأذى *** ويغضى على ذل كماة الأعاجم
فليتهموا إذ لم يذودوا حمية *** عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
وإن زهدوا في الأجر إذ حمس الوغى *** فهلا أتوه رغبة في المغانم
الأبيات كلهامن: (البداية والنهاية: [157] [12/156]).
ومن أجل أن تعلم أن ضياع بيت المقدس كانت نتيجة لخيانات الشيعة وما يحدثونه من قلاقل واضطراب يحول دون استتباب الأمور؛ اسمع ما يقوله ابن كثير رحمه الله تعالى: "في سنة 494هـ عظم خطب الباطنية -أي الشيعة- بأصبهان نواحيها فقتل السلطان منهم خلقًا كثيرًا وأبيحت ديارهم للعامة‘ ونودي فيهم أن كل من قدرتم عليه فاقتلوه وخذوا ماله، وكان قد استحوذوا على قلاع كثيرة، وأول قلعة ملكوها في سنة 483هـ، وكان الذي ملكها الحسن بن صباح أحد دعاتهم.. كان يذكر في دعوته أشياء من أخبار أهل البيت وأقاويل الرافضة الضلال، وأنهم ظلموا ومنعوا حقهم الذي أوجبه الله لهم ورسوله، ثم يقول فإذا كانت الخوارج تقاتل بني أمية لعلي، فأنت أحق أن تقاتل في نصرة إمامك علي بن أبي طالب.. وقد تهدده قبل ذلك السلطان (ملكشاه)، وأرسل إليه بفتاوى العلماء في أمره؛ فلما قرأ الكتاب بحضرة رسول السلطان قال لمن حوله من الشباب: إني أريد أن أرسل منكم رسولاً إلى مولاه فاشرأبت وجوه الحاضرين، ثم قال لشاب منهم: اقتل نفسك؛ فأخرج سكينًا فقتل نفسه، وقال لآخر منهم ألق نفسك من هذا الموضع فرمى نفسه من رأس القلعة إلى أسفل؛ فتقطع ثم قال لرسول السلطان هذا هو الجواب" (البداية والنهاية [12/166]، [167]) بتصرف.
"يعني أنه في قوم شديدو البأس والنكاية مع طاعتهم له أشد الطاعة، وفي سنة 500هـ حاصر السلطان (محمد بن ملكشاه)، قلاعًا كثيرة من حصون الباطنية فافتتح منها أماكن كثيرة، وقتل منهم خلقًا، واشتد القتال معهم في قلعة حصينة في رأس جبل منيع بأصبهان كان قد بناها السلطان ملكشاه ثم استحوذ عليها رجل من الباطنية يقال له أحمد بن عبد الله بن عطاء، فتعب المسلمون بسبب ذلك، فحاصرها ابنه السلطان محمد سنة حتى افتتحها وسلخ هذا الرجل وحشى جلده تبنًا وقطع رأسه وطاف به في الأقاليم" (البداية والنهاية: [12/166] [167]) بتصرف.
حصار قلعة من قلاع الباطنية يستهلك من جهد المسلمين سنة كاملة والمسجد الأقصى أسير في أيدي الفرنجة؟! إنهم كالخنجر في الظهر.
وفي نفس السنة سعى رضوان الذي تشيع لآراء الإسماعيلية إلى التصدي لزعيم سلاجقة الروم (قلج أرسلان)، وهزمه وهو يحاول قتال الصليبيين حول الرها، ولم يكتف بهذا بل انضم إلى الصليبيين ضد الأمير (جاولي)، صاحب حلب سنة 501هـ.
ولم يقدر الصليبيون هذا الموقف من رضوان بل حاصروا حلب سنة 504هـ وضيقوا على أهلها حتى أكلوا الميتات وورق الشجر، وفرضوا على رضوان مبلغًا كبيرًا يحمله إليهم (مسفر الغامدي: الجهاد ضد الصليبيين ص [45] نقلاً عن زبدة الحلب [2/153]).
حتى أنه إذا حدث وحقق سلاطين المسلمين من أهل السنُّة نصرًا على الفرنجة؛ فإن هذا النصر كان يحزن الشيعة لأنهم يرون فيه قوة لجناب السنُّة وإلى ذاكرة التاريخ نضرب مثالاً على ذلك:
قال أبو الفدا رحمه الله تعالى: "وفي سنة 505هـ بعث السلطان (غياث الدين بن محمد بن ملكشاه السلجوقي)، جيشًا كثيفًا صحبه الأمير (مودود بن زنكي)، صاحب الموصل في جملة أمراء ونواب منهم صاحب تبريز وصاحب مراغة، وصاحب ماردين، وعلى الجميع مودود صاحب الموصل لقتال الفرنجة بالشام؛ فانتزعوا من الفرنجة حصونًا كثيرة، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا ولله الحمد، ولما دخلوا دمشق دخل الأمير مودود إلى جامعها ليصلي فيه فجاءه باطني في زي سائل فطلب منه شيئًا فأعطاه فلما اقترب منه ضربه في فؤاده فمات في ساعته، ووجد رجل أعمى في سطح الجامع ببغداد معه سكين مسموم فقيل إنه كان يريد قتل الخليفة.." (البداية والنهاية: [12/173]).
خيانات الشيعة للسلطان جلال الدين بن خوارزم شاه:
كان جلال الدين بن خوارزم شاه من أكبر السلاطين السلاجقة وكان على مذهب السنة.
قال ابن كثير في أحداث سنة 624هـ: "فيها كانت عامة أهل تفليس الكرج، فجاؤا إليهم فدخلوها فقتلوا العامة والخاصة ونهبوا وسبوا وخربوا وأحرقوا، وخرجوا على حمية، وبلغ ذلك السلطان (جلال الدين)، فسافر سريعًا ليدركهم فلم يدركهم، وفيها قتلت الإسماعيلية أميرًا كبيرًا من نواب (جلال الدين بن خوارزم شاه)، فسار إلى بلادهم فقتل منهم خلقًا كثيرًا وخرب مدينتهم وسبي زراريهم ونهب أموالهم، وقد كانوا قبحهم الله من أكبر العون على المسلمين لما قدم التتار إلى الناس وكانوا أضر على الناس منهم" (البداية والنهاية: [13/173]).
خيانة البدر لؤلؤ الشيعي صاحب الموصل في أواخر سنة 656هـ:
"كان (بدر الدين لؤلؤ)، هذا أرمينيا اشتراه رجل خياط، ثم صار إلى الملك (نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود الأتاباكي)، صاحب الموصل وكان مليح الصورة فحظى عنده وتقدم في دولته إلى أن صارت الكلمة دائرة عليه، والوفود من سائر جهات ملكهم إليه، ثم إنه قتل أولاد أستاذه واحدًا بعد واحد إلى أن لم يبقى أحد منهم، وصفت له الأمور فاستقل هو بالملك وكان في كل سنة يبعث إلى مشهد علي قنديلاً من ذهب زنته ألف دينار، وهذا دليل على تشيعه، وكان ذا همة عالية شديد الدهاء والمكر بعيد الغور.
ثم إنه لما انفصل هولاكو عن بغداد بعد الوقعة الفظيعة سار بدر الدين لؤلؤ لخدمته وطاعته وحمل معه الهدايا والتحف" (البداية والنهاية: [13/214])، بتصرف.
وما هذا إلا خيانة لأمانة الجهاد العظمى.
وبعد: فهذه بعض نماذج لخيانات الشيعة للدولة السلجوقية، وإضعاف جانبها لأنها كانت على مذهب أهل السنُّة، نرى فيها الدروس والعبر، ليعتبر من اغتر بحال الروافض وهو يدرس التاريخ لا يعرف شيئًا من مذاهب الدول ونحل الأمم، ولا يفرق بين من هدم الإسلام وسعى في تقويض أركانه وبين من نصره فأعلاه وشيد أركانه.
- التصنيف:
- المصدر: