الكيان الصهيوني حكومةُ وحدةٍ وطنيةٍ، أم استقرارٍ سياسي

منذ 2015-02-03

حكومةُ وحدةٍ وطنيةٍ، أو حكومةُ أقليةٍ برلمانية، أو يمينيةٍ متشددة، أو حكومة يمين الوسط، أو حتى يسارية وعمالية، كلها واحدةٌ لا فرق بينها، ولا مفاضلة فيما بينها، ولا شئ يميزها لصالحنا عن غيرها، إذ أن خلافاتها داخلية، ومعارضاتها لمصالحها، وبرامجها تتباين لمزيدٍ من الرفاهية والحقوق الاجتماعية، ولكنها تتفق جميعًا على شعبنا، وتتحد معًا لقهره وتعذيبه.

عندما قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو) الدعوة إلى إجراء انتخاباتٍ تشريعيةٍ مبكرة، وصادق على اقتراحه أعضاء الكنيست الإسرائيلي بالإجماع في القراءة الأولى، بموافقة أربعة وثمانون عضوًا، وامتناع عضوٍ واحدٍ فقط عن التصويت، كان يتطلع لأن يفوز في الدورة التشريعية القادمة دون منافسٍ، بالأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل حكومةٍ مستقرة، ذات لون سياسي واحد، وقاعدة برلمانية عريضة، فلا تتعرض لاضطراباتٍ سياسية، ولا لمحاولات حجب الثقة المخيفة، ولا لابتزازات الأحزاب الصغيرة، ولا لشطحات زعماء المعارضة الخطرة، وظن أن حكومته القادمة ستضم أحزابًا متجانسة، وقوى متوافقة، فهي تحمل برنامجًا سياسيًا واحدًا أو متقاربًا، وتؤمن بالأهداف الصهيونية العليا، التي تضمن الأمن والنقاء والبقاء للدولة العبرية، وبذا ستكون حكومته أكثر قوةً، وأكثر يمينيةً وأشد تدينًا.

وقد كان يتأمل ومستشاروه أن يتخلص بقراره الذي أزعج خصومه السياسيين، من قوى الائتلاف الحكومي التي قيدته وأربكته، ونازعته ونافسته، وجادلته وأحرجته، وعارضته وخالفته، وتفردت وحدها بالقرار، واستأثرت دونه بالمسارات، حتى جعلته موضع تهكم القوى واستهزاء الأحزاب، التي اتهمته بالاهتزاز والتردد، وأنه يخضع للابتزاز، ويضعف أمام الضغوط، ولا يثبت أمام التحديات، لأنه يخاف على المنصب ويحرص على الموقع، ولا تهمه بالقدر نفسه مصلحة الدولة وأمن المواطنين وإن ادَّعى غير ذلك.

ظن نتنياهو أنه سيفوز في الانتخابات القادمة بكل سهولةٍ ويسر، وأن حكومته الجديدة التي سيشكلها يقينًا لن يكون فيها أقطابٌ مشاكسة، ولا شخصيات نافرة، ولا معارضة قوية، ولا من يفرض شروطه عليه، ويملي عليه المواقف والسياسات، ويحرجه أمام مواطنيه، أو يدخله في أزماتٍ مع أصدقائه وحلفائه.

إذ كان يشكو من (تسيفني ليفني)؛ التي بدت له أنها تغرد خارج السرب، وتعمل في وزارتها لحسابها الخاص، وتنفذ في ملفها التفاوضي رؤيتها الشخصية، وكأنه لا مرجعية لها، ولا رئيس تعمل تحت مسؤوليته ويشرف على عملها، في الوقت الذي تفاوض لتشكيلِ تحالفٍ جديدٍ، وإطارٍ سياسي معارض.

كما اشتكى من (يائير لبيد) وزير المالية ورئيس حزب هناك مستقبل، الحالم بالرفاهية، والساعي للرفعة الشخصية، من خلال برامج وأفكار تخدم الشباب، وتساعد أصحاب المداخيل المتدنية والمتوسطة، وتقفز على الضرائب وحقوق الدولة منها لصالح المواطنين، ولكنها على حساب المشاريع الاستيطانية، وامتيازات الأحزاب والمدارس الدينية، وتتجاوز الاستحقاقات الأمنية والحاجات العسكرية الملحة.

يرى بعض الخبراء الإسرائيليين، أن نتنياهو قد غامر وقامر، وأنه سيخسر الأغلبية، وسيجد حزبه مكانًا له في العربة الثانية فقط، وستكون العربة الأولى من نصيب آخرين، ولو كانوا تحالفًا جديدًا، وإطارًا انتخابيًا طارئًا، إذ أن أغلب استطلاعات الرأي تقول بأنهم قد يفوزون عليه، أما هو فسيجني ويحصد الريح من مغامرته، ولكنه سيكلف خزينة الدولة والأحزاب جميعها خسائر طائلة، بسبب الحملة الانتخابية المسعورة، كان سيكون هو وحزبه وغيرهم في غنىً عنها، ولن يتمكن في نهاية المطاف من إقرار موازنة جديدة للعام ألفين وخمسة عشر تكون وفق أحلامه، وعلى قدر طموحاته، كما أن الظروف لن تخدمه في تهويد الدولة، وجعلها دولةً لليهود دون غيرهم، وتحديدًا لليهود المتدينين دون العلمانيين منهم.

يقول المتابعون الإسرائيليون أن كيانهم ليس في حاجة في هذه المرحلة إلى حكومة استقرارٍ سياسي، تكون ذات لون حزبي واحد، ولو تشكلت من العديد من الأحزاب الصغيرة المتجانسة، وكانت متفقة وراضية، فالمرحلة التي تمر بها المنطقة عمومًا، والظروف التي يوجهها الكيان الصهيوني خاصةً، لا تسمح لفريقٍ واحدٍ أن يحكم البلاد، ويقرر في مصير الشعب والحكومة، وأن تكون له الكلمة المطلقة في السياسات الداخلية والخارجية، دون أن يكون مضطرًا لمسايرة المعارضة، أو مراعاة مطالبها، وتجنب نقدها واعتراضها، كونها لا تشكل خطرًا على استقرار الحكومة، ولا تستطيع حجب الثقة عنها.

يقولون بأن كيانهم في حاجةٍ ماسة في هذه المرحلة إلى حكومة وحدةٍ وطنيةٍ جامعة، تضم بين صفوفها كل القوى الفاعلة، ذات التأثير وصاحبة التأييد الشعبي، فالتحديات التي تواجههم كثيرة، والصعاب التي يمر بها كيانهم أصعب من أن يتصدى لها فريقٌ واحد، مهما كان متجانسًا ومتوافقًا، ويرون أن كيانهم بحاجة إلى (نتنياهو) و(تينت) و(ليبرمان) و(ليبيد) و(ليفني) و(موفاز)، و(يعلون) و(هيرتزوغ) وغيرهم، ممن يستطيعون حماية الكيان، وصد أي اعتداء منظور أو غير منظور عليهم.

فهل كان نتنياهو يخطط لهذه النتيجة، التي ستولد بالضرورة حكومة ائتلافية جديدة، تضم نفس الأقطاب المتعارضة، وذات القوى المتشاكسة، ولكن مع تغيير أساسي وكبير، وهو أنه وحزبه الليكود، سيكون تمثيله أقل، وقدرته على المناورة والعرض ضعيفة، خاصةً إذا كلف رئيس الكيان شخصيةً أخرى غيره لتشكيل الحكومة، في الوقت الذي سيعود خصومه إلى مبنى الكنيست أكثر عددًا وأقوى تمثيلًا، وأكثر تأثيرًا وأصعب شروطًا.

يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر، وباء نتنياهو بالخسران المبين، وخضع من جديد للشروط الحزبية الضيقة، وقريبًا سيجد نفسه ملزمًا أمام خيارات الشعب واستحقاقات المرحلة، بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تكون حكومة طوارئ ومهمات، تتولى إدارة العمل، والتصدي للتحديات، والتعامل مع الأزمات، حتى تستقر المنطقة، ويستتب الأمن فيها، وتنتظم حكوماتها، ويعرف الكيان الأنظمة التي ستبقى، وتلك التي سترحل، علمًا أنه وكيانه مستفيدون جدًا من الفوضى التي تشهدها المنطقة العربية، ويرون أنها فرصتهم الذهبية لتحقيق أحلامهم، وتنفيذ أهدافهم.

حكومةُ وحدةٍ وطنيةٍ، أو حكومةُ أقليةٍ برلمانية، أو يمينيةٍ متشددة، أو حكومة يمين الوسط، أو حتى يسارية وعمالية، كلها واحدةٌ لا فرق بينها، ولا مفاضلة فيما بينها، ولا شئ يميزها لصالحنا عن غيرها، إذ أن خلافاتها داخلية، ومعارضاتها لمصالحها، وبرامجها تتباين لمزيدٍ من الرفاهية والحقوق الاجتماعية، ولكنها تتفق جميعًا على شعبنا، وتتحد معًا لقهره وتعذيبه، وحرمانه وتشريده، ومصادرة حقوقه والاعتداء على حريته وحياته، وفي هذا هم يتنافسون ويتسابقون، ويتفننون ويبدعون، ويتلاومون ويتعاتبون.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مصطفى يوسف اللداوي

كاتب و باحث فلسطيني

  • 0
  • 0
  • 1,690

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً