الإجازة الصيفية

منذ 2015-02-08

إنه لا يمكن للإنسان أن يستفيد من هذه الإجازة أو من غيرها من الإجازات حتى يعرف قيمة الوقت الذي هو الحياة، وما فات من الوقت وضاع لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يعوض.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الموضوع الذي سنتطرق إليه في هذه الكلمة سيكون حول الإجازة الصيفية وكيفية الاستفادة منها، ومن هنا نبدأ فنقول: إنه لا يمكن للإنسان أن يستفيد من هذه الإجازة أو من غيرها من الإجازات حتى يعرف قيمة الوقت الذي هو الحياة، وما فات من الوقت وضاع لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يعوض.
والله تبارك وتعالى قد عظم الوقت، وذلك أنه أقسم به، والإقسام بالشيء يدل على تعظيمه، فإن القسم لا يكون إلا بمعظم.
ألم يقل الله تبارك وتعالى: {وَالْعَصْرِ} [العصر:1]؟ وهو الزمان، وذلك لا يخالف قول من قال بأنه الوقت المعين المعروف الذي نعرفه جميعاً؛ فالقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة.

وهكذا أقسم الله سبحانه وتعالى بالفجر، وهذه أزمان أقسم الله بها؛ لشرفها، ومنزلتها، ومكانتها، والله لا يقسم إلا بمعظم.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم»[1].

فالعمر مكون من الساعات والدقائق التي تجتمع منها الأيام والشهور والسنوات، والشمس لا تتوقف، وأعمارنا جميعاً إلى قصر، فكل لحظةٍ تقربنا إلى المنايا، وكل وقتٍ يمضي فنحن أقرب إلى آجالنا، وهذا أمر يدركه كل أحد مع أن الغفلة هي الغالبة عن الاعتبار بحقيقته.
وفي الحديث الآخر: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»[2].
لما كانت هذه الفرص من الشباب، والصحة، والفراغ، والغنى، والحياة، كلها تفوت بمرور الزمن عبَّر عن كيفية الحرص عليها واستغلالها بالاغتنام فقال: «اغتنم» أي قبل فواتها ثم ذكرها فقال: «شبابك قبل هرمك...»، الحديث.

والإنسان في فترة الشباب طاقاته، وإمكاناته، وافرة من ذكاءٍ وقدرةٍ على الحفظ، وصبرٍ على الأعمال، وقوةٍ في البدن يستطيع أن يزاول كثيراً من الأعمال، وإذا ضعف الإنسان ورقَّت عظامه فإنه يعجز عن كثيرٍ مما يريد أن يعمله، بل لربما منعه أقرب الناس إليه؛ فإنه إذا أراد أن يصوم حالوا بينه وبين الصيام رفقاً وشفقة، وإذا أراد أن يحج أو يعتمر حالوا بينه وبين ذلك، وهكذا في سائر الأعمال، فالشباب هو وقت للعمل يستثمر في طاعة الله تبارك وتعالى، وبناء النفوس، يستعمل في الارتقاء، والتربية، والتهذيب والتشذيب لهذه النفس، وإذا بلغ الإنسان من العمر عتياً فإنه يصعب استصلاح ما اعوج منه بعد ذلك.

«اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»، ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس»[3]، والغبن أصله يكون في التجارات، ولكن الغبن في هذه المعاني أعظم من الغبن في التجارة؛ لأن الغبن في التجارة يمكن أن يعوض، يمكن أن يربح الإنسان ثانيةً بعد أن خسر، ولكن الغبن في الزمان، الغبن في العمر، لا يمكن أن يستدرك.

هذا الإنسان الذي عاش ستين سنة في تفريطٍ وتضييعٍ وغفلةٍ وإعراضٍ وإهمال، ثم منَّ الله عز وجل عليه بعد ذلك برجوعٍ إليه، وتوبةٍ وصلاح حال، ثم بدأ يتعبّد ويتقرب إلى الله عز وجل على ضعفٍ وعجز خمس سنين أو عشر سنين، كم ضيع من العمر؟ وكم استثمر من العمر؟

فنحن حينما نغتنم اللحظات والأنفاس والثواني فإننا بذلك نكتنز أرصدةً عند الله تبارك وتعالى، نتقرب بها إليه، ونسمو ونرتفع في درجات العبودية.

وهذا الحديث (حديث النعمتين)، اللتين ذكرهما النبي صلى الله علي وسلم وهما (الصحة والفراغ)، إنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لمعنىً كبير، وهو أن الإنسان إذا كان مشغولاً، وإن كان صحيحاً فإنه لا يستطيع أن يستوفي كثيراً من شهواته، وأن يفعل كثيراً من مرغوباته، وإذا كان الإنسان فارغاً، ولكنه يصارع المرض فالمرض يقعده ويحجزه عن شهواته؛ لأنه لا يميل إليها عادةً، وإنما هو مشغول بمرضه، أما إذا اجتمع هذا وهذا (الصحة والفراغ)، فقد استحكمت أسباب الغفلة، والضياع إلا من رحمه الله تبارك وتعالى؛ لأن الإنسان إذا كان فارغاً وصحيحاً فهو قوي وافر الشهوة، وعنده متسع من الوقت، والنفس طاقة إذا ما شغلت بطاعة فإنها تشغل صاحبها بالمعصية.

فهذه الأمور وغيرها تستوجب العناية بهذا المعنى الكبير؛ ذلك أن الأوقات هي الأعمار وهي مادة الحياة الأبدية السرمدية، كما يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله: "هي مادة البقاء في النعيم المقيم، والخلود هو البقاء الدائم في زمنٍ لا يتقضّى، والخلود في النار، هو بقاء في السعير والألم والشدة والمعاناة والعقوبة في الأزمان المتطاولة التي لا تنقطع.
والوقت يمر مر السحاب فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من هذه الحياة فإن عاش كما يقول الحافظ بن القيم رحمه الله: "عاش عيش البهائم" أي إذا قطع وقته في الغفلة، والسهر، والأماني الباطلة، ولربما كان هذا حال كثيرٍ من الناس اليوم، فحياة البهائم خير من حياته.

ذكر بعضهم أن متوسط الضحك عند الإنسان المعتدل في الضحك لمن عاش ستين سنة أنه يبلغ خمس سنوات، فإذا حذفت خمس سنوات من هذه الخمس عشرة سنة بقي عشر، فلو حسبت وقت العمل ووقت الأكل ووقت النزهة والأوقات التي تمضي في الذهاب والمجيء فكم يبقى عند الإنسان من الصلاة والعبادة والذكر وقراءة القرآن وطلب العلم وما يراد به وجه الله تبارك وتعالى؟! بل إن بعض أهل العلم حسب وقت القيلولة عند الإنسان بخمس سنين ممن عاش ستين سنة، فالأوقات تنقضي وتمضي ولا نشعر فيها.

ونحن في زحمة الاختبارات كم يقرأ الإنسان من صفحة؟ لربما يقرأ في اليوم ما يقرب من 400 صفحة بالنسبة لطلاب الجامعات، أليس كذلك؟ لربما لا ينام في الليل سوى ساعتين، بل منهم من لا ينام وإنما يذهب إلى الاختبار مواصلاً ليله بنهاره، فهو يقرأ في اليوم ما لا يقل عن عشر ساعات، فلو نظر الإنسان هذه القدر والإمكانات والطاقات التي وجدت عنده في مدةٍ تصل إلى الأسبوعين أو ما يقاربها، فإنه يكتشف أنه يستطيع أن يستمر على ذلك طيلة حياته؛ لأن من استطاع أن يروض نفسه على هذا في هذه المدة فإنه يستطيع أن يروض نفسه عليه سائر الحياة، لربما كان الإنسان في أوقاته الأخرى لو طلب منه أن يقرأ ساعتين في اليوم لرأى أن ذلك عسيراً كثيراً، فكيف يستطيع أن يقرأ في أيام الاختبارات مثل هذه القراءة في اليوم والليلة؟!
لو كان الإنسان يقرأ بهذا المستوى في العمر كله، كم سيحصل من المعارف والعلوم؟ هل سيكون مستوانا في العلم كما هو الحال التي نشاهدها عند طلابنا في جميع المراحل الدراسية؟ أبداً.

والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

النفس كالطفل إن شبّ على حب الرضاع، إن عودته على الرضاع بقي على ذلك، وإن تفطمه ينفطمِ، لو نظرنا بعد هذا الجد بعد الاختبارات كيف تتحول حال الناس في هذه الإجازة إلى كسلٍ وخمولٍ وتركٍ لكل عملٍ جاد إلا من رحم الله تبارك تعالى! كيف تحولت حالهم؟! كيف تحول ليلهم إلى نهار، ونهارهم إلى ليل؟!
قرأت في بعض الإحصاءات، أربعة وستين بالمائة في مجتمعنا في الإجازة الصيفية يتحول ليلهم إلى نهار، وثلاثة عشر بالمائة يخلطون، يسهرون أحياناً وينامون أحياناً، والبقية هم الذين يقولون: إنهم يتنزهون ويستمتعون بالنهار وينامون بالليل.

وإذا نظرت إلى حال الكثير ممن يسافر في هذه الإجازة إلى بلاد الكفار، أو إلى بلادٍ ينتشر فيها المجون، والعهر والعري، والفسق، ومحادة الله عز وجل ومحادة رسوله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء أكثرهم كما نشر في بعض الإحصاءات يفضلون السفر، ثمان وستين بالمائة يفضلون السفر بمفردهم أو مع أصدقائهم، والبقية يسافرون مع عائلاتهم.

الذين يسافرون لوحدهم أو مع عائلاتهم إنما هم في الواقع يسافرون إلى بلادٍ لا يجوز السفر إليها إلا بشروطٍ معروفة: أن يكون لحاجةٍ معتبرة، وأن يكون هذا الإنسان محصناً متزوجاً، وأن يكون هذا الإنسان عنده من القوة في الدين والمعرفة ما يتمكّن به من دفع الاستغواء، والاستهواء الذي يحصل لدى كثيرٍ ممن يذهبون هناك.
يكفي في مضار السفر أن الإنسان يألف هذه المنكرات، وقد يكون معه بناته وزوجته وأبناؤه، يذهبون ليرون كل شيءٍ محرم، يرون العري، ويرون الشهوات يعاقرها الناس بلا قيود، يرون النساء على الشواطئ عاريات، ويرون الخمور، ويرون كل شيءٍ مما كانوا يسمعون عنه أو يحذرون منه، يرونه بادياً معترضاً في طريقهم في ذهابهم وإيابهم.

والإنسان مهما زعم ومهما حاول أن يلبس على نفسه أو يلبس على الناس هو عبارة عن غرائز كامنة مجتمعة في هذا الكيان، تحتاج إلى ترويض ومجاهدة، فإذا ذهب رأى ما يسعره ويذهبها في نفسه، فيتحول هذا الإنسان إلى شخصٍ يبحث عن قضاء الوطر بأي طريقٍ كان، يعيش صراعاً، ويجد لهيباً في داخله، ولا يسلم إلا من سلمه الله عز وجل.

ومن الناس من إذا رأى مظاهر التقدم المادي عند هؤلاء الناس ظن أن ما هم عليه من عريٍ وبعدٍ عن الله عز وجل وانحرافٍ وكفر أنه هو السبب في هذا التقدم، فيرجع إلينا ويقول: "ما تخلفنا إلا بسبب هذا الدين"! ويرجع وينظر إلى الدعاة إلى الله عز وجل أنهم يجرون المجتمع إلى الظلام، وإلى الوراء، وهذا شيء مشاهد قد كشر عنه مكشرون كثر عبر الشاشة العنكبوتية، حيث يكتبون بأسماء مستعارة، فجعلوا عدوهم من يطالب بالتمسك بتعاليم الإسلام، ويحارب المنكرات في المجتمع، فهم يرون هذا ويكتبون صراحةً أن هؤلاء يجروننا إلى الوراء، وأنهم يحاربون التقدم، وأن العالم قد أبحر في التقدم إلى حدٍ بعيد، وأننا لا زلنا نرتبط بهذه الأمور التي لا زلنا نرددها، وهي تحريم الاختلاط، والتبرج، وما إلى ذلك، وما وقعوا في هذا إلا بعد أن سافروا إلى بلاد الكفرة وبهروا بما رأوا.

أما الأمراض، فقد قرأت في بعض التقريرات أن أربعين بالمائة ممن يسافرون يصابون بالأمراض المتنوعة، منها ما يتعلق بتغير الهواء، ومنها ما يتعلق بما يأكله الإنسان في المطاعم وغيرها، ومنها ما يتعلق بالأوبئة التي تنتشر في بعض البلاد، ومنها ما يتعلق ببعض الأمور المحرمة من الفواحش وما إلى ذلك، حيث يصابون بأنواع الأدواء، ومنها ما يبقى كامناً لدى الإنسان لا يظهر إلا بعد سنوات، لا يشعر به الإنسان المصاب.

وأما ضياع الأموال فحدث ولا حرج، وأذكر في سنةٍ قرأت في بلدٍ من بلاد الكفار إحصائيةً نشروها، أرقاماً هائلةً من الأموال التي تصب في تلك البلاد، وهي تقدم إليهم من دول الخليج بالدرجة الأولى، السواح من دول الخليج هم أكبر مصدر يمول السياحة وينعش الاقتصاد في تلك البلاد، أليست بلاد المسلمين أولى وأحرى؟ أليست هذه البلاد أولى وأحرى أن تكون هذه الأموال فيها بدلاً من أن تصرف في بلادٍ تحارب الله عز وجل وتحارب دينه، وتحارب أولياءه؟

إن الإجازة الصيفية تزيد على ثلاثة أشهر، فماذا أعددنا لها؟ وما هي الخطة التي أعددتها أيها المسلم لهذه الإجازة سواءً كنت أباً، أو كنت ابناً، أو كنت طالباً أو معلماً، أو كنت داعيةً؟ ما هي البرامج التي استعددت بها، وما هي الخطة التي تريد أن تنجزها في هذه الإجازة؟

المؤسف أن الكثير ليس لديهم خطط، ولم يفكروا في هذا المعنى، بل إن البعض يصرح بأنه يريد أن يشبع نوماً وغفلةً وتسحباً في الأسواق، وتضييعاً للأوقات بعد كد الدراسة وسآمة الروتين الذي كان يزاوله في عامه الدراسي المنصرم.

هذه الإجازة من هذه الليلة إذا حسبت إلى آخر ليلة هي أربع وتسعون يوماً، واليوم أربعة وعشرين ساعة، ومعنى ذلك أن في هذه الإجازة ألفين ومائتين وست وخمسين ساعة [2256] ساعة، كيف ستصرف هذه الساعات؟ أين ستذهب بها؟

حاولت أن أنظر في البرامج التي نشرت في الشبكة العنكبوتية عن الإجازة، طلبت ذلك من أحد الإخوة، أحضر لي في يومٍ واحد خمسين برنامجاً، الكتابات كثيرة، والأفكار كثيرة، بعض هذه البرامج في صفحة، وبعض هذه البرامج في مائة صفحة، لا ينقصنا الوعي، ولا ينقصنا المادة التي يمكن أن نرجع إليها لنستفيد، ولكن ينقصنا التفكير والعزم والجد والتبصر فيما ينفعنا، وطرد الغفلة.

أقول: أول شيءٍ ينبغي أن نعلمه هو أن نعرف قيمة الوقت، فمن عرف قيمة الوقت فهذا هو المنطلق الذي يمكن أن ينطلق منه بعد ذلك ليحفظ أوقاته، ويرتب ساعات اليوم، ثم بعد ذلك حدد ماذا تريد، ما هي الأهداف التي تريد أن تصل إليها لنفسك ولغيرك، هناك نفع ينتفع به الإنسان، ماذا تريد أن تحصل في هذه الإجازة لغيرك، ماذا تريد أن تقدم للآخرين دون أن تجنح بعيداً في الخيال؟ ينبغي أن ينظر الإنسان إلى إمكاناته وطاقاته وقدره ماذا يستطيع أن يفعل على أن لا تكون خيالياً.

كثير من الناس وضعوا جداول في بداية الإجازة، وبمختلف الألوان، ولكنها كانت مجرد جداول، لم يكن للتطبيق منها حظ ونصيب.، فينبغي أن نضع برنامجاً يتناسب مع إمكاناتنا، وأن ننظر في جوانب النقص والخلل عندنا، ونضع خطة للحياة، هذه الإجازة، والإجازة القادمة، والتي بعدها والتي بعدها، خلال أربع سنوات ماذا تريد؟ خلال عشر سنوات ماذا تريد؟
في كثيرٍ من الأحيان يسير الإنسان، وقد أغمض عينيه عن مستقبله الحقيقي، ولذلك تجد الإنسان بعد عشر سنوات كما هو، هذا إن لم يكن في تراجع، خاصةً في هذه الأوقات (أوقات الفتن العاصفة)، الناس يتقلبون ظهراً لبطن.
فأقول: ضع خطة قريبة وخطة بعيدة طويلة، وأهداف قريبة وأهداف بعيدة، خطة لهذه الإجازة، وأهداف لهذه الإجازة، وخطة لثلاث أو أربع سنوات، وأهداف لأربع سنوات، وخطة لعشر سنوات، وأهداف لعشر سنوات، ماذا تريد؟
إذا فعلت ذلك فإنك تستطيع أن تتعلم من العلوم أشياء كثيرة خلال هذه المدد، وتحفظ كثيراً من العلم، وتستطيع أن ترتقيَ بنفسك في العبادة كما سأوضح وتستطيع أن تغير كثيراً من السلبيات، والصفات الرديئة، وتتخلص منها، وتستطيع أن تكون بارَّاً واصلاً للرحم، وأن تكون جاراً يحفظ الحق، وتستطيع أن تفعل أشياء كثيرة جداً لأسرتك وللمجتمع من حولك، ينبغي أن تحدد هذه الأشياء بعناية، ولا تشتت نفسك، فالأعمار تمضي.

ومشتت العزمات يقضي عمره *** حيران لا ظفر ولا إخفاق

ما يخرج بطائل من يعيش في أحلام وردية كما يقال منذ عرفناه، وهو يؤمل أن يحصل وأن يستفيد، ولكنه سيبقى في طور العوام ولم يرتقِ بنفسه درجةً واحدة في سلم العلم مثلاً وبقي في حالٍ ضحلةٍ من التعبد، ولم يرتقِ في سلم العبودية، ولم يستزد من طاعة الله عز وجل شيئاً يذكر.

أقول: نحن نستطيع في هذه الإجازة أن نزاول كثيراً من العبادات، أن نغير من واقعنا، كثير من الناس، يقول: "أنا مشغول أثناء العام لا أستطيع، عندي دراسة عندي اختبارات، عندي عندي..."

نقول: في هذه الإجازة الله عز وجل يقول: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الحشر:7-8]، انصب في عبادته، وطاعته، الإجازة ليست للنوم؛ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ أين نحن من هذا المعنى؟ هل فكرنا فيه؟
{وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}، إذا كنت تريد ما عند الله عز وجل والنفس تحتاج إلى ترويح، لكن لا يكون هذا هو الغالب على الإنسان، يضيع عليه الزمان في الترويح، كل يوم يذهب ويجيء، اليوم يتغدى في مطعم، وغداً يتعشى في مطعم، وغداً في بحر، وبعده في بر، وتمضي الإجازة وتنتهي.

اعتبروا في غيركم أيها الأحبة، مضى أناس على هذا الطريق كم دخلوا من مطاعم، كم كسروا من أعتابها من كثرة دخولها، وكم ذهبوا إلى برٍ، وبحرٍ، ومزرعةٍ ومتنزهٍ وما إلى ذلك، ما هي معالي الأمور التي خرجوا فيها؟ صفر، ما هي العلوم والمعارف؟ أبداً، صرخ، ما عنده شيء.

الأمور العالية ما تحصل إلا بالمجاهدات، والصبر، فلماذا لا نفكر في طريقةٍ في التعبد في الإجازة؛ امتثالاً لقوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ}، نريد بذلك وجه الله عز وجل؟
كثير من الناس لا يعرف الصيام أثناء السنة وإذا صام في رمضان وجاءت الست فهذا كابوس الكوابيس، تبدأ الأفكار والمخترعات والذكاء، هذا يقول: "أقضي عليها من ثاني العيد حتى أستريح ويسمي اليوم الأخير يوم عيد"؛ لأنه استراح من صيام ستة أيام في السنة، الصوم عنده كارثة، وبعضهم يتحايل عليها ويقول: لا، الطريقة الأمثل والأحسن أن أقطعها حتى لا أشعر بها.

لماذا لا نغير، ابن مسعود رضي الله عنه قال له: أصحابه "إنك لتقل الصوم"، كانوا يقولون له ذلك؛ لأنه كان يصوم الاثنين والخميس والأيام البيض، فكان يقول لهم: "نعم؛ لأن الصوم يضعفني عن حزبي، ووردي من القرآن"، وفي رواية: الصلاة.

صيام الاثنين والخميس وأيام البيض يعدُّه الصالحون قليلاً، كثير من الناس يتبرم فيختلق الأعذار الواهية، فهذا يقول: "أنا في دراسة"، والآخر يقول: "أنا في عمل، لا أستطيع أن أصوم".
نقول: صم الآن، عوِّد نفسك في هذه الإجازة، صم الاثنين والخميس والأيام البيض، والصوم لا يحتاج شيئاً، فقط احبس هذا الفم عن اللغو والباطل، وعن الأكل والشرب، وانوِ الصوم، وخاصة أولئك الذين ينامون طول النهار، ويصبحون في الليل؟
أنا أتعجب من الذين يذهبون إلى نوادي رياضية من أجل أن يخففوا الوزن، أو يتعامل مع شركات توفر له وجبات صباح مساء يأكلها، لماذا لا يصوم؟
صم يوماً وافطر يوماً، صُم كل يوم في هذه الإجازة، افطر أيام الأعياد وأيام التشريق، ولا تكن صمت الدهر، ألا يستطيع الإنسان السيطرة على بطنه وعلى شهوته؟!

وكذلك الصلاة: من السلف من كان يصلي مائتي ركعة في اليوم، لماذا لا نعود أنفسنا في هذه الإجازة ألا يؤذن المؤذن إلا ونحن في المسجد، كما قال سعيد بن المسيب رحمه الله: "منذ خمسين سنة ما أذن المؤذن إلا وأنا في المسجد"، "ما فاتتني تكبيرة الإحرام منذ خمسين سنة"، "ما نظرت إلى ظهر مصلٍّ منذ أربعين سنة". لقد كان يصلي في الصف الأول.
يحبس ويضرب ثم يخرج ويذهب إلى المسجد، ويجد الناس قد خرجوا، قال: وجوه ما نظرت إليها منذ خمسين سنة!! ونحن كم مرة تفوتنا الصلاة مع الجماعة، أو نصلي في أطراف الصفوف، ولماذا هذا الأمر؟ ومتى نغير هذا الواقع البائس؟
تميم الداري رضي الله عنه يقول: "منذ أسلمت ما أذن المؤذن وإلا وأنا في المسجد، وما دخل وقت صلاة إلا وقد تهيأت لها، وأنا لها بالأشواق"
جرب في هذه الإجازة لا يؤذن المؤذن إلا وأنت في المسجد، حافظ على السنُّن الرواتب، قيام الليل لا يشترط أن يكون بعد نوم، بل يمكنك أن تقوم بعد صلاة العشاء.

عود نفسك في هذه الإجازة أن تصلي ساعة قبل أن تنام، ساعة اقرأ جزء من القرآن من المصحف في صلاة الليل.
عروة بن الزبير نشرت رجله بالمنشار، وبغير تخدير، وما ترك ورده في تلك الليلة، فأين نحن من هذا كله.
الآخرة دار لا تصلح للمفاليس.

قراءة القرآن: القرآن ربما ما يختمه الإنسان إلا في رمضان فقط، ومع عراك، فلماذا؟ أتعلم أن بعض السلف كان يختم كل ثلاثة أيام، وبعض المعاصرين يختم كل ثلاثة أيام، وبعضهم يختم كل خمسةٍ أيام، وبعضهم يختم كل أسبوع، وبعضهم كل عشرة أيام، لو ختم الإنسان كل أسبوع في الشهر أربع ختمات في ثلاثة أشهر اثنا عشر ختمة بعد ما كان لا يختم إلا في رمضان.
اثنا عشر ختمة في الإجازة، كل أسبوع ختمة، اجلس اقرأ، من بعد صلاة الفجر، اجلس بعد كل فرض اقرأ ساعة في كتاب الله عز وجل.
الدعوة إلى الله عز وجل: عود نفسك على الإلقاء، خذ موضوعاً قصيراً، كلمة قصيرة تلقيها على جماعةٍ مسجد، أو في محطة بنزين، أو في مصلى ليست فيه جماعة كثيرة، أو على بعض زملائك في المركز، في التحفيظ، في الحلقة، تلقي عليهم هذه الكلمة، في البداية قد ترتعش أطرافك، قد تضطرب ركبك، اجلس على الأرض، لكن المرة الثانية أسهل، الثالثة، الرابعة، الخامسة، بعدها تكون ماهراً في الإلقاء.

لماذا لا تضع خطة أنك في هذه الإجازة تتجاوز هذه المرحلة، بأن تكون عندك في كل أسبوع كلمتان قصيرتان، تذهب إلى مصلى صغير فتتعلم عليهم، بحيث يكون في طرف البلد أو في ناحية، أو في قرية، اخطب أربع جمعات، عوِّد نفسك، إذا كنت ممن يلقي فحضر موضوعات جيدة ومدروسة للسنة القادمة، فيها مادة علمية قوية ومركزة، لزملائك، أو لطلابك، بدلاً من الموضوعات الهزيلة.

كذلك يمكن أن يجتمع مجموعة من الإخوة ثلاثة مثلاً يذهبون إلى القرى، إلى المساجد التي على المحطات يصلي فيها الناس، يلقون كلمات، يعظون الناس ويذكرونهم، ويكون عندهم حصيلة علمية أو معهم طالب علم، يذهبون يسافرون إلى النواحي البعيدة، يعلمونهم يجلسون عند هؤلاء يومين إلى ثلاثة أيام؛ يعلمونهم أصول التوحيد والإيمان، الطهارة ونحو ذلك.
يوجد في بعض النواحي في بلادنا من لا يعرف يتوضأ، ومن لا يعرف شيئاً من حقائق الدين، لماذا لا نذهب إلى هؤلاء ونعلمهم؟

الأسرة: ماذا قدمنا لها خاصة وأن الفراغ قد يفتك بهم، يذهبون هنا وهناك، أو بسبب الانترنت أو الهاتف، أو القنوات الفضائية لمن ابتلي بها.
كثير من الناس يظن أنه يقوم بحق أولاده إذا وفر لهم الطعام والشراب، فلو كان الأمر كذلك فما الفرق بينهم وبين الحيوان.
لو أن إنساناً عنده زريبة فيها بهائم، فإنه سيوفر لها الطعام والشراب أليس كذلك؟ فما الفرق بين الأولاد، وبين هذه البهائم في الحضيرة؟ هل هذه هي التربية؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»[4]، فالأب راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، سيسأله الله عز وجل عن هؤلاء، إذ ليست القضية إنتاج أولاد، بل القضية تربية هؤلاء الأولاد، وتنشئتهم على طاعة الله عز وجل يتربى من الشوارع، لا تدري أين يذهب؟ أين يقضي وقته؟
ما يأتي إلا وقد أصبح الصبح، وأنت في زعمك أنك واثق به، أو واثق بالبنت، فتذهب حيث شاءت، والمرأة تذهب إلى الأسواق، وتذهب هنا وهناك ولا تدري شيئاً عن هذا؟
يذهبن النساء إلى محلات الأفراح بلباسٍ عارٍ فاضح وهو لا يدري شيئاً، يركب في السيارة ينتظرهم، ويركبون معه بالعباءة، ثم إذا فسخوا هذه العباءة وخلعوها في هذا الزواج ظهرت أشياء عجيبة جداً، هؤلاء هم أولاد فلان، هذه زوجة فلان، انظر ماذا تلبس قبل أن تخرج؟ ماذا تحت العباءة؟ قد يكون الإنسان من أهل الصلاح والخير والدين ويفعل هذا نساؤه وهو لا يشعر، وينتقد هذه المظاهر.
هؤلاء الذين في الأفراح أكثرهم بهذه الطريقة، من أين جاؤوا؟ أليسوا هؤلاء بنات فلان وزوجات فلان وأخوات فلان وعمات فلان؟.

أقول: هذه الأسرة ينبغي أن تحفظ من كل دنس، الأولاد يحفظون من الشوارع، من الأماكن السيئة؛ لئلا يكون هؤلاء الأولاد عرضة لكل آسرٍ وكاسر.
وهناك جانب آخر وهو أن نوجد مهارات عند هؤلاء، أن نزيد في معارفهم، في علومهم، فننمي عندهم أشياء، اجلس معهم، اسمع منهم، سافر معهم سفراً مباحاً، أو سفر طاعة إلى العمرة مثلاً تعرف عليهم عن قرب يعرفونك عن قرب فتوجههم، لا يبقى حاجز بينك وبينهم، اعرف من أصحاب هؤلاء، من القريبين منهم؟ هم ليس عندهم من النضج ما يكفي لتحديد هذه الأمور كما ينبغي، لا بد أن تشارك أنت فيها، أين يذهبون؟ مع من يجلسون؟ كيف يقضون هذا الوقت في البيت؟ يمكننا أن نوزع فنجعل جدولاً نعلقه في البيت لكل واحد من الأولاد والبنات، وهناك قصص جيدة للغاية تطبعها بعض الدور للأطفال، يمكن أن أشتري خمسين قصة، وأقول للولد: في كل يوم تقرأ قصة قصيرة، وأضع لك علامة، نقاط نحسب النقاط وفي النهاية نهاية الإجازة أو نهاية الشهر على عدد النقاط ستكون الجوائز، كل نقطة بكذا، أو من فاز سيعطى كذا.
كذلك قراءة القرآن كم حفظت من آية؟ كم راجعت من جزء؟ كم قرأت من جزء؟ تسجل نقاط.
الإنجازات والأعمال: من الذي رتب سريره وفراشه؟ من الذي ساعد في ترتيب البيت؟ من الذي قام بترتيب غرفته؟ نقاط.
كذلك أيضاً البنت، دع البنت تتعلم في هذه الإجازة كيف تطبخ؟ وكيف تتعلم الأمومة وتقوم على أختها الصغيرة؟ وكيف تقوم على شؤون المنزل؟ يكون لها دورات من أمها؟ تشرف عليها، تطبخ، وقد لا يكون ذلك الصنيع جيداً منها في البداية، لكن شجعها، ممتاز، جيد، وهكذا، فإذا تزوجت في الغد لا تكون عبئاً على زوجها.

جيل الخادمات: للأسف جيل الخادمات، لا يعرف كثيراً من شؤون الحياة، لذلك عود البنت والولد أن يتحمل مسؤولياتهما، دع الولد يحضر مشتريات، قد يخطئ في بعض الأصناف، لكن عوده وشجعه، ولا تثرب عليه كثيراً، ولا تعنّفه، صحح ووجه، ولا تقف عند كل خطأ، بل تجاوز بعض الأخطاء، ووجه في بعض الأشياء، وغض الطرف عن بعض الأمور، وابنه بناءً صحيحاً، ارفعه دائماً، أما التعنيف والنقد وعدم الثقة فهذا مثل السيف الذي يثلم لا يقطع، ولا يضرب ولا يثق بنفسه، شجعه على هذه الأشياء، يكتسب معارف، يكتسب أشياء ومهارات، علمه كيف يصلح بعض الأشياء في البيت في السباكة، في بعض ما يختل، في منزلكم شيئاً فشيئاً، وعلمه دورات في الحاسوب، دورات في السباحة مع أناس من المأمومنين الموثوقين الصحبة الطيبة، وعلمه دورة في ركوب الخيل، أدخله في بعض المهارات الجيدة كدورة في الإلقاء، وهكذا أيضاً تهذيب النفس وسل الأوصاف السيئة منها.

إذا كان الولد يكذب فعالج هذه المشكلة، والولد ربما يبتلى ببعض الانحرافات، فعالج هذه القضايا عنده، كذلك بر الوالدين، من كان أبواه على قيد الحياة في بلدٍ آخر يذهب إليهم يبرهم، إذا كانوا على قيد الحياة في بلده يتقرب منهم، يكون قريباً متفرغاً يقضي حوائجهم.

البر لا يعرفه كثيرون، إذ أن كثيراً من الناس يظن أن صورة هي إذا افتقر والد أعطاه شيئاً من المال، أو أنه يأتي ويسلم عليه أو نحو ذلك، والأمر ليس مقتصر على هذه الصور، فالبر أرفع من هذا، البر أن تنظر ما الذي يحبه أبوك فتفعله، وما الذي تحبه أمك فتفعله -قبل أن يُطلب منك- قل لهما: أنا لكم، لا يكون شيء ترغبان فيه إلا وأفعله.

أما أن يأمرك وينهاك صراحةً أو أن الأم تأمر وتنهى، أو تأمر بنتها ثم تدير ظهرها وتمشي، فهذا من العقوق، ولربما يأذن لك أبواك أو أحدهما في سفر أو غيره؛ لأنه يريد أن يتخلص منك؛ لأنك تشقيه بإلحاحك وطلبك وهو غير مقتنع، ومع هذا فهو يريد مصلحتك.
فالبر أن تنظر ماذا يريد؟ فتقول: نعم سمعاً وطاعة، بل قبل يديه ورجليه ورأسه وقل له: من أشراط الساعة أن يبر الرجل صديقه ويعق أباه، أنا لن أذهب مع هؤلاء، ما دمت تقول: أجلس، فأنا سأجلس.

أحد العلماء قارب الثمانين دعوناه كثيراً إلى هذه البلدة ليشاركنا في الدورات العلمية، فيعتذر بأن أمه لا تسمح له، عالم رباني معروف قارب الثمانين أمه لا تأذن له، فيسمع ويطيع، فلماذا لا نتربى على البر في هذه الإجازة؟

كذلك صلة الأرحام: ضع قائمة الأقارب في الهاتف، وفيه الخاصية التي تجعلك ترسل لهم رسائل دائماً بشكل دوري كل أسبوع، اتصل عليهم، زُرهم، ولو كانت زيارةً قصيرة.
كذلك الجيران: لماذا لا نزورهم؟ إن كثيراً من لا يعرف جيرانه للأسف الشديد، فلماذا لا نتغير في هذه الإجازة؟ ونتذكر حق الجار كما شرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم و لنبتعد عن الاعتذار بالانشغال. هكذا البرامج الأخرى من الحفظ للمصحف الشريف [604] صفحة، وهو ثلاثون جزءاً كما هو معلوم، والجزء عشرون صفحة تقريباً، لو حفظ الإنسان ستة أوجه ونصف كل يوم لحفظ القرآن كاملاً في الإجازة، وستة أوجه ونصف في اليوم ما تأتي عليه الساعة السابعة صباحاً إلا وقد أتقنها، يحفظ القرآن كاملاً في الإجازة، ويراجع سائر ساعات اليوم.

ومن ذلك السنُّة كمختصر صحيح البخاري للزبيدي [495] صفحة في [2230] حديث، لو حفظ الإنسان خمسة أوجه في اليوم حفظه كاملاً.

كذا مختصر صحيح مسلم [580] صفحة، لو حفظ ستة أوجه في اليوم لحفظه في هذه الإجازة، بلوغ المرام [1482] حديث في بعض الترقيمات، لو حفظ [16] حديثاً وهي قصيرة في أغلبها بعضها لا يتجاوز سطراً، [16]حديثاً يومياً حفظه في هذه الإجازة.

(ألفية العراقي)، في علوم الحديث مثلاً تزيد عن الألف ببيتين، لو حفظ حدود عشرة أبيات يومياً لحفظها في هذه الإجازة.

(مراقي السعود)، ألف بيت، لو حفظ كل يوم حدود عشرة أبيات، ويستطيع أن يستشرحها أو يسمع أشرطة في شرحها فضلاً عن المتون القصيرة؛ إذ بعض المتون يحفظ في جلسة واحدة، وبعضها في أربع جلسات، وبعضها في خمس، وبعضها في أسبوع، وهكذا نستطيع أن نفعل أشياء كثيرة جداً.

ومن أنفع الأشياء أن يستفيد الإنسان من البرامج التي جربت ونجحت وهي موجودة، كبرامج حفظ القرآن، الدورات المكثفة، الحلق المكثفة الجادة، برامج هنا، برامج في مكة، برامج في المدينة، حفظ الصحيحين.

لو أن الإنسان وضع له خطة هذه السنة لإتقان القرآن، السنة القادمة لحفظ الصحيحين، السنة التي بعدها يحفظ الزوائد على الصحيحين من السنن، والسنة التي بعدها الزوائد من المسانيد، وهكذا خلال خمس سنوات بإذن الله عز وجل يصير حافظ العصر، لكننا لا نفكر، ولذلك لا نحفظ حتى الأربعين النووية في غالب أحوالنا، ففكِّر، وأعمِل عقلك، وضع خطة لحياتك حتى ينبت الإنسان نباتاً صحيحاً.

وعاجز الرأي مضياعٌ لفرصته *** حتى إذا فاته أمرٌ عاتب القدرا

ودع التسويف.

لا ترجئ فعل الخير إلى الغد **** لعل غداً يأتي وأنت فقيدُ
ودع الكسل؛ لأن من رافق الراحة فارق الراحة وقت الراحة.
الذل في دعة النفوس ولا أرى *** عز المعيشة دون أن يشقى لها


وعليك بالجد ودع التفريط، فإن المفرط يندم ولا يدرك حاجته.


ما أقبح التفريط في زمن الصبا *** فكيف به والشيب للرأس شاعلُ
ترحل من الدنيا بزادٍ من التقى  *** فعمـرك أيـام وهـن قلائـلُ


إن المراكز الصيفية للشباب وللفتيات فيها خير كثير، تكفينا كثيراً من الأعباء في تربية الأولاد والبنات، وهذا لا يمنع من أن يكون لهم برامج خاصة.
هذا وأسأل الله عز وجل أن ينفع بما قلت وما ذكرت، ولعل ذلك يكون سبباً لعملٍ جاد للاستفادة من هذه الإجازة من أول يومٍ فيها؛ لأن كثيرا ًمن الناس إذا مضى عليه أيام أو أسابيع قال: ضيعنا، في الإجازة القادمة إن شاء الله، أقول: لا، من الليلة، ابدأ ببرنامج صحيح من هذه الليلة لك ولأسرتك.
هذا وأسأل الله أن ينفعنا بالعلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا وإياكم هداةً مهتدين، وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه.

___________________
[1] - (رواه الترمذي برقم: [2416]، ج [4] / ص [612] كتاب (صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، بَاب في القيامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم" [7299]).
[2] - (رواه الحاكم في (مستدركه): ج [4] / ص [341]، وابن أبي شيبة في (مصنفه)، ج [7] / ص [77]، والبيهقي في (شعبه) ج [7] / ص [263]، وصححه الألباني برقم [1077] في صحيح الجامع).
[3] - (رواه البخاري في كتاب (الرقاق)، باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة حديث رقم: [6049] ج [5] / ص [2357]).
[4]- (رواه البخاري في كتاب (الجمعة)، باب الجمعة في القرى والمدن [853]، ج [1] / ص [ 303]).

خالد بن عثمان السبت

أستاذ مشارك في جامعة الإمام عبد الرحمن الفيصل بالدمام قسم التفسير والدراسات القرآنية

  • 6
  • 0
  • 10,448

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً