كيف تدخل (جنة الدنيا)؟

منذ 2015-02-17

فهذه قواعدٌ أربع تحصـّل بها لذةَ العبادة وتجد بتحقيقها حلاوةَ الإيمان فبادر لتطبيقها ونشرها وستجد من الحلاوة بعد ذلك مايجعلك تصلي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر، وتتصدق فلا تضجر، وتقرأ القرآن فلا تهجر

كيف تدخل (جنة الدنيا)؟؟ 

القواعد الأربع لتحصيل (الحلاوة)

* هل أدهشتك أخبارُ الصالحين الذين يحسنون الطمأنينة ويتقنون الخشوع في صلواتهم كمسلم بن يسار الذي كان في صلاة وانهدمت ناحية المسجد ففزع الناس وهربوا وهو في صلاته ما التفت أو كعمرو بن عتبة بن فرقد الذي كان في صلاة فسمعوا صوت أسد فهرب من كان حوله وهو قائم يصلي لم ينصرف؟؟

* هل أعجبتك أحوال العابدين الذين يطيلون الصلاة دون مللٍ ويكثرون السجود دون كللٍ كعثمان رضي الله عنه الذي قرأ القرآن كله في ركعة أو كسفيان الذي سجدة بعد المغرب سجدة فما قام منها حتى نودي للعشاء أو كأحمد الذي كان يصلي في اليوم والليلة 300 ركعة؟

* هل تاقتْ نفسك أن تكون ممن يثبتون على متابعة الطاعات دون انقطاع ويواصلون القربات دون هجر كسعيد بن المسيب الذي ما أذن المؤذن منذ 40 سنة إلا وهو في المسجد وكالأعمش الذي ما فاتته تكبيرة الإحرام 70 سنة وكسليمان التيمي الذي غبر 40 عاما يصوم يوما ويفطر يوما؟

* هل ترغب أن تدخل جنة الدنيا التي قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة"؟؟

* إننا عندما نقرأ مثل هذه (الصور) المضيئة ونسمع عن مثل هذه الأحوال (الرفيعة) نرجع (الفكر) في أحوالنا السقيمة هل نرى في نفوسنا من الصبر على العبادة والاجتهاد في الطاعة كالذي كان عندهم؟ ثم نرجع (الفكر) كرتين فينقلب (الفكرُ) خاسئاً وهو حسير.

* ما الذي جعلهم يبلغون في (الاجتهاد) منزلةً لا تبارى ويصلون في (الإيمان) درجةً لا تسامى؟

* ما الذي جعلهم يصبرون على (متابعة الطاعات) ويتحملون (شدائد الثبات) ويقامون (إغراءات الراحات)؟؟

* السر يكمن في كلمةٍ واحدة (الحلاوة)

نعم إنها (حلاوةُ الإيمان) التي طعموها و(لذة العبادة ) التي ذاقوها.

* فالنفسُ لا تترك لذةً إلا إلى لـ(لذة) أعظم منها وأكمل، وأي لذة أعظم وأكمل وأكبر من (حلاوة الإيمان)؟!

هذا هو السر إذاً!!

* إنها (حلاوةُ الإيمان) التي تجعل المؤمن يستلذ بطاعته مهما طالت، ويهنأ بـ (عبادته) مهما صعبت، ويصبر على مفارقة اللذات الحسية والشهوات الدنيوية مهما قويت وكثرت.

* (حلاوة الإيمان) هي مفتاحُ الثبات على طاعة الله وسر الصمود أمام الفتن والشهوات وإن القلب متى ما خالطته بشاشة الإيمان واكتحلت بصيرته بحقيقة اليقين وحيي بروح الوحي وتمهدت طبيعته بأنوار الشريعة = كملت له لذته وتناهت فيه سعادته.

* وقد تأملتُ في نصوص الوحيين أبحث عن سر اكتساب هذه اللذة ومفاتيح تحصيل هذه الحلاوة فوجدتُ أربعة قواعد ذهبية من طبقها بيقين ونفذها بتصديق واستعملها بخضوع = فاز باللذة العظيمة وحاز على الحلاوة التامة.

القاعدة الأولى/ بقدر (محبتك) تكون (لذتك):
محبةُ الله هي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه فقد حلت بقلبه جميع الأسقام.

وقانون الحب يقضي بأن اللذة تتبع الحب وتنبع منه
فلو سألتَ عاشقاً متيماً عن لذته عندما يكلم معشوقته أو يجالسها أو يسمع حديثها لقال لك:

وحديثها السحر الحلال لو أنه *** لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم تملل وإن هي أوجزت *** ود المحدث أنها لم توجز

* وكذلك حال من أحب طعاماً فإن لذته تعظم إذا أكله، ومن أحب بلاداً فلذته تكبر إذا زارها، ومن أحب الدنيا فلذته لاتكون إلا في تحصيل متاعها.

* وحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» (متفق عليه).

هذه الثلاث كلها في (المحبة).

وفي قانون الحب من أحب شيئاً = أحب مايحبه، وكره مايكره.

* فكلما عظمت محبةُ الله في قلبك وجدتَ اللذة في طاعته، وشعرت بالحلاوة في مناجاته، وذقت الطمأنينة في الاتصال به.

وفي قانون الحب: أن المحبةَ العظيمة = تنتج شوقاً عظيماً.

* وأعظمُ لذة في الدنيا: أن تشتاق لله كما أن أعظم لذة في الآخرة: أن تنظر لوجه الكريم، لذا جمع بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: «وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك» (رواه أحمد والنسائي).

فإن سألتَ كيف تنمي حب الله في قلبك فالجواب بأمرين:
1- أن تعلمَ ضعفك وعجزك وقلةَ حيلتك.
2- وأن تتفكر في سعة رحمة الله وإحسانه لك وتوالي نعمه عليك.

القاعدة الثانية / كن (راضياً) تكن (مرضياً)

 في قانون الحب: كل ما جاء من الحبيب (حبيب)
ومن لوازم المحبة الصادقة = الرضا بالمحبوب والرضا عنه
فالرضا بالله والرضا عن الله من أعظم مقامات الإيمان وأرفع مدراج السالكين.

* وينتج عن الرضا بالله والرضا عنه حلاوة لا يدرك كنهها إلا من ذاقها ولا يتصور حلاوتها إلا من جربها.

* في باب الرضا بالله يقول المصطفى عليه وسلم: «ذاقَ طعمَ الإيمانِ، من رضيَ باللَّهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمَّدٍ رسولًا» (رواه مسلم).

* وفي باب الرضا عن الله يقول عليه الصلاة والسلام: «إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك» (رواه أبو داود والترمذي).

* فمن رضي بالله ربا حاز اللذة: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:164]. ومن رضي بالله إلهًا ومعبودًا حصل السعادة {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر:64].
ومن رضي بالله محبوباً فقد نال الحلاوة {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} [الأنعام من الآية:14].
ومن رضي بدينه ونبيه وشرعه فقد تمت له الطمأنينة {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعام من الآية:114].

* والمحبة والرضا هما أكملُ مراتب الإيمان، وليسا كالخوف والرجاء فإن الرضا والمحبة حالان من أحوال أهل الجنة لا يفارقان المتلبس بهما في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة بخلاف الخوف والرجاء فإنهما يفارقان أهل الجنة لحصول ماكانوا يرجونه وأمنهم مما كانوا يخافونه.

وإذا سألتَ كيف أصلُ لمقام الرضا فالجواب: أن تلزم ماجعل الله فيه رضاه فإنه يوصلك إلى إلى مقام الرضا ولابد.

القاعدة الثالثة/ التزكية قبل (التحلية) 
لو أعطيتك إناءً متسخاً بالقاذورات وصببتُ لك فيه عسلاً صافياً وطعمته فهل ستشعر بحلاوة العسل؟
كذلك القلب الذي امتلأ بقاذورات المعاصي وأدران الخطايا وأوساخ الشهوات لن يجد حلاوةَ الإيمان إلا عندما يطهر وينظف.

* وقد جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فقدْ طعِمَ طعْمَ الإيمانِ: مَنْ عبَدَ اللهَ وحْدَهُ وأنَّهُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأعْطَى زكاةَ مالِهِ طيِّبَةً بِها نفْسُهُ، وزَكَّى نفْسَهُ» (صحيح الجامع [3041]) وقد أقسم ربنا جل جلاله 11 قسماً (أطول قسم في القرآن) ليقرر حقيقة مهمة {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس:9-10]. وتزكية النفس تكون: بكثرة الطاعات واجتناب المحرمات.

* فمن أوغل في مستنقعات المعاصي لن يجد اللذة ولن يهنأ بالحلاوة يقول بشر بن الحارث رحمه الله: "لا يجد العبد حلاوة العبادة حتى يجعل بينه وبين الشهوات حائطًا من حديد".

وفي قانون الحب: الاقتراب من المحبوب لذة وحلاوة
لذا كان إمام العابدين صلى الله عليه وسلم يحد الراحة في الصلاة التي هي أمتن سبل القرب من الله: «أرحنا بها يابلال» ويجد فيها الحلاوةَ والنعيم «وجعلت قرة عيني في الصلاة».

* فإذا أردتَ الحلاوة فاستكثر من الطاعات واحذر من أن تنخدع ببريق الشهوات وتنطلي عليك حيل الشيطان في أن اللذة في الهوى والعصيان {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} [العلق:19].

فإذا سألتَ عن أكبر سبب يعين على تزكية النفس فالجواب في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل: "وما تزكية النفس؟" فقال: «أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان» (رواه الطبراني وصححه الألباني).

القاعدة الرابعة / دعاؤك=هناؤك
الدعاءُ سلاحُ المؤمن الذي لا ينبو، ومصباحه الذي لا يخبو، وفرسه الذي لا يكبو، فمن طلب الحلاوة فليستمطرها بالدعاء.

* فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يسأل ربه حلاوةَ الإيمان ويسأله أسبابها
ففي سؤال الحلاوة يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرةَ عين لا تنقطع» (رواه أحمد والنسائي) وقرة العين هي نعيم القلب وحلاوته.

* وسأل الله أسبابها
ففي الحب يقول: «وأسألُكَ حبَّكَ وحبَّ من يحبُّكَ، وحبَّ عملٍ يقرِّبُ إلى حُبِّكَ» (رواه أحمد والترمذي).
وفي الرضا: «وأسألُك الرضا بالقضاءِ»  (رواه أحمد والنسائي).
وفي التزكية: «اللهمَّ آتِ نفسي تقواها. وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها. أنت وليُّها ومولاها» (رواه مسلم).

* فهذه قواعدٌ أربع تحصـّل بها لذةَ العبادة وتجد بتحقيقها حلاوةَ الإيمان فبادر لتطبيقها ونشرها وستجد من الحلاوة بعد ذلك مايجعلك تصلي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر، وتتصدق فلا تضجر، وتقرأ القرآن فلا تهجر.


عبدالله بن أحمد الحويل 

  • 25
  • 0
  • 19,894

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً