خمسون قصة تحكيها لطفلك
اذا طلب منك ابنك أو ابنتك وهما في سن العشرين أن تحكي لهما حدوتة فيا ترى ماذا سيكون ردك؟
البشر بطبيعتهم كبارا وصغارا يحبون القصص، فعندما تطلب من صديقك قرضا ماليا غالبا لا تطلب ذلك منه مباشرة كأن تقول له: أقرضني مبلغا من المال. لكنك تقص عليه حكاية: الراتب أخذته...، والولد مرض، وحصلت لي بعض الظروف... وهكذا، وعندما يشتكي الابن لوالده من ظرف ما غالبا ما يحكي له الوالد حكاية: عندما كنت في مثل عمرك حدث معي كذا...، وفعلت كذا.. وهكذا. والأم عندما تكافئ أبناءها تحكي لهم حدوتة، وهكذا.. وهذا الميل الفطري للقصة يجعل منها وسيلة من وسائل التربية والتقويم. بهذا يستهل الكاتبان د/ عبدالله محمد عبدالمعطي، ود. سيد عبدالعزيز الجندي كتابهما (50 قصة تحكيها لطفلك في البيت والروضة والمدرسة).
أيها الوالد انك عندما تجمع أطفالك وتحكي لهم قصة هادفة فأنت بذلك تأخذ ثواب تربية الأبناء وقضاء الوقت في خير، كما انك أيضا تطبق سنة تربوية مهمة تأخذ من خلالها ثواب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. هكذا تبدو القصة في عين المؤلف، ويستدل على ذلك بأن النبي كان كثيرا ما يقص على أصحابه قصص السابقين وقد كان ما يحكيه مقدما بقوله: « » ثم يبدأ القصص وما انتهت إليه مستجيبا لتوجيه الهي كريم: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف من الآية:176]، فحكى النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه قصة أصحاب الغار وأصحاب الأخدود وقصة الأعمى والأبرص وغير هذه القصص كثير.
ومن هنا يرى المؤلف اهتمام الإسلام بالقصص للكبار والصغار على حد سواء، ويقول: اذا طلب منك ابنك أو ابنتك وهما في سن العشرين أن تحكي لهما حدوتة فيا ترى ماذا سيكون ردك؟ لا تتسرع في الإجابة واستمع لما رواه الحاكم عن سعد بن أبي وقاص انه قال: نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا عليهم زمنا، فقالوا يا رسول الله لو قصصت علينا، فنزل قوله تعالى {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف:1-3].
لقد أراد الصحابة القصص فدلهم الله على أحسن القصص، وشغلت القصة مساحة واسعة من كتاب الله تتراوح ما بين الربع والثلث، وتعلم الصحابة من القرآن أهمية القصص وكيف يستعملونه في غرس قيم الحق والخير في نفوس الصغار، لذا علينا أن نربي أطفالنا بالقصة كما فعل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وألا نترك غيرنا يحتل عقول أطفالنا بقصة سامة أو حدوتة مهلكة، ويضيف الكاتب: انظروا إلى سعد بن أبي وقاص وهو يقول: "كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله كما نعلمهم السورة من القرآن"، وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص انه قال: كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول: "يا بني إنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكراها"، وقال زين العابدين بن الحسن بن علي رضي الله عنهم: كنا نعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن.
أسعدي طفلك:
ويحث الكاتب كل أب وأم أن يكونا مصدر سعادة للأطفال فيقول:
يجب أن نكون لأبنائنا مصدر فرح وسرور ومتعة وليس فقط مصدر توبيخ وعقاب، حتى إذا ما لعبت شياطين الإنس أو الجن بعقولهم قائلين: أبوك لا يحبك أو أمك تكرهك، يتذكرون حينها تلك الجلسات القصصية الممتعة التي تبث السعادة في نفوسهم.
ويذكر الكاتب قصة فتاة في العشرين من عمرها تقول: إن من أحلى ذكريات الطفولة تلك الأوقات السعيدة التي كنت أقضيها مع أبي وأمي يقصان علي بعض القصص اللطيفة.. وتضيف: لقد كانت هذه القصص مصدرا عظيما للمعلومات التي عرفتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أنبياء الله الكرام، ويحدثنا آخر عن ذكرياته فيقول: عندما كنت طفلا كنا ننتظر بفارغ الصبر إلى أن تنتهي جدتي من صلاة العشاء وتطوي سجادتها لكي نسارع بالالتفاف حولها وتقول: صلوا على النبي، فنرد بسرعة: عليه الصلاة والسلام، فتستحضر كل ليلة حكاية مسلية وذات مغزى عميق، كنت ساعتها أستمتع فقط بالأحداث، لكن عندما كبرت أدركت تلك القيم التي تركزت بعمق في وجداني.
وإذا كانت القصة مصدر سعادة فهي أيضا مصدر يعلم الطفل كيف يتعايش مع ظروفه وكيف يتغلب على أحزانه، فالطفل الذي يعاني مشكلة ما يمكن للوالدين اختيار قصة أو تأليفها بحيث تحتوي على نفس مشكلة الطفل وكيف تمكن البطل من حلها او التعايش معها، كذلك يمكن للوالدين معالجة أخطاء الصغار بقصة خفيفة, فالأطفال ينصتون باهتمام إذا قرأت عليهم قصة، أما إذا أعطيتهم محاضرة في الخلق الحسن فقد لا تجذب اهتمامهم لوقت طويل، ويسرد الكاتب قول إحدى الأمهات: عندما تخلد ابنتي إلى فراشها أحرص على أن أقص عليها حكاية تدور حول مشكلة صادفتني معها في النهار، وأجعل أبطال القصة ينطقون بها، بينما أقف أنا وابنتي في صف واحد نستمع لهم وهم يتحدثون، وهنا أكون مع ابنتي في صف واحد ولم تعد في وضع التحدي بالنسبة لي، واضمن حكايتي رسالة تربوية قد ترفض ابنتي سماعها بشكل مباشر ولطالما لمست نتائج رائعة في هذه الطريقة من العلاج لأخطاء ابنتي العنيدة.
لا تحرم طفلك:
أيها المربي الفاضل لا تحرم طفلك لذة سماع صوتك، هكذا يهبب الكاتب بالآباء، ويقول: أن فترة الطفولة ليس فيها قراءة ولا كتابة، وهذا يعني أن الطفل يتلقى حوالي 70% من تواصله مع العالم من حوله من عملية السماع والتلقي، وإذا كان الطفل يحتاج إلى من يشبع مسامعه ويملأ صفحات عقله النقية فليكن صوتك ذاك الذي يشبعه وينير له الطريق، فبادر بالقصة أو لب نداء طفلك بها، وإذا طلب منك طفلك حكاية وأنت مشغول عنه فإياك أن تنهره بطريقة قاسية مهما ألح عليك فليس هناك مانع أن تقول له: أنا الآن مشغول وبعد نصف ساعة سأحكي لك على أن تفي بما تعده به.
وانتبه.. فإنك إن لم تحكِ له اليوم فلن يحكي لك عن نفسه غدا، وان لم يسمع منك فسيسمع من غيرك.
لا تحرم نفسك:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «
». فإذا أردت أن يستغفر لك ولدك غدا فاغرس في نفسه اليوم من الذكريات الرائعة التي يتذكرك بها دائما، فأنت اليوم تصنع ذكريات الغد.متى يستفيد طفلك؟
يذكر الكاتب أن قراءة القصص المصورة للطفل من سن سنة فأكثر من أهم العوامل التي تساعد على تنمية قدراته على التعلم واكتساب المهارات اللغوية، وقد ثبت أن أفضل طريقة لقراءة القصة المصورة للطفل تكون بجلوسه على حجر أمه أو أبيه، وبذلك يكون الطفل ووالدته يطالعان القصة معا، ومن الأفضل أن تضع الأم إصبعها وتمشي تحت الكلام المكتوب الذي تقرؤه، وذلك لأن الطفل مع انه لم يعرف القراءة بعد إلا أنه سيعرف أن الكلام الذي يسمعه من فم أمه تلتقطه من تلك الحروف السوداء المطبوعة تحت الصورة أو بجوارها، وأن الكتابة تتم من أعلى إلى أسفل أو من اليمين إلى اليسار.. وهكذا.
قبل أن تحكي:
وإذا كنت أيها المربي قد عزمت على أن تمضي قدما في طريق القصص الهادف فإن الكاتب ينصحك بالآتي:
- اقرأ لطفلك بعيدا عن المشتتات المغرية له، فلا تجلس أمام التلفاز وتروي له، فبالطبع لن يلتفت إليك بل ستجذبه الرسوم المتحركة.
- اقرأ له وهو شبعان وإلا فسيفكر في الطعام أو الحلوى أكثر من استمتاعه بقصتك.
- لا تقرأ له وهو متعب أو يشعر بالإرهاق.
- لا تقرأ له وأنت متعب أو تشعر بالإرهاق حتى تتمكن من تقديم القصة بصورة جيدة.
- اقرأ له في أي صورة ممكنة (جالسا أو نائما أو قائما)، فالمهم أن يكون أسلوبك ممتعا.
- قبل أن تقرأ القصة مع طفلك اقرأها أنت وحدك حتى تتعرف عليها وتحدد الهدف منها.
ابدأ القصة:
وقبل أن تبدأ القراءة افتح حوارا مع طفلك واجعله يستنبط المعلومة بنفسه، فعلى سبيل المثال اسأله عن صورة الغلاف فيقول لك عصفورة، فاسأله عن المكان الذي تقف عليه ولونه وعدد العصافير المحيطة.. إلى غير ذلك ثم اتبع ذلك بقولك: هيا نتعرف على القصة ونعرف ما حدث مع العصفورة، وافعل ذلك أيضا في منتصف القصة حتى لا يمل منك الطفل أو يشرد بعيدا.
استخدم عند سرد القصة لغة مناسبة لا هي بكلمات معقدة ولا هي مبتذلة دارجة، فلغتنا العربية سهلة وجميلة وبها ألفاظ بسيطة تستطيع من خلالها أن توصل المعنى ببساطة وسهولة، ولا تنس أن تنفعل بأحداث القصة وحاول دائما ان تتقمص شخصياتها عند الإلقاء.
لا تمل من التكرار:
بعد أن تنتهي من القصة اطلب من طفلك إعادة روايتها وان لم يستطع فاحك له نصفها واتركه يكمل الباقي، وقد تفاجئ بطفلك يطلب منك تكرار القصة أكثر من مرة في ذات الوقت أو في أوقات لاحقة، فلا تمل منه، فالطفل الذي يحب شيئا يتعلق به ويعيش معه، والتكرار هو مبدأ العلماء الكبار، فالعقاد يقول: "قراءة كتاب ثلاث مرات أفضل من قراءة ثلاثة كتب".
هكذا يرى الكاتب، ويدلل على ذلك أن معظم قصص القرآن مكرر في كثير من السور والآيات، فليس هناك ما يمنع من تكرار القصة الواحدة للطفل مرات ومرات مع محاولة التجديد في أسلوب حكايتها.
بصمات لا تنسى:
ما أجمل أن يحيط المربي حكاياته بسياج من الحنان والحب عن طريق اقترابه من الطفل والمسح على شعره إضافة إلى نظرة حانية وابتسامة صافية وصوت عطوف مما يثبت في قلب الطفل الشعور بالراحة والأمان، هكذا يدعو الكاتب كل أم وكل أب، فهو يحث على جعل الحدوتة عملا فنيا عاطفيا تربويا لا تعد فوائده وثمراته على الطفل.
ويضيف قائلا: كما يمكن للأم والمعلمة التي تحكي القصة ان ترسم لوحة للقصة أثناء حكيها او تعدها مسبقا، ومن الممكن ان تشرك الأطفال معها في ذلك وهو ما يمكنهم من إعادة روايتها مرة أخرى، وهذا يزيد من المهارات الفنية واللغوية للطفل في ذات الوقت، وبهذه التشويقات فإن القصة أو الحدوتة يمكن أن تكون وسيلة للثواب، كما يمكن أن تكون وسيلة للعقاب، فمن يخطئ يحرم من سماع القصة ومن يفعل عملا جميلا يكافأ بسماع قصة يحبها.
وبعد أن تحكي يقول تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف من الآية:111].
ومن هنا يرى الكاتب انه من الواجب على المربي أن يسأل طفله في نهاية القصة عما استفادة منها ويستخرج له واجبات عملية بسيطة يتابع معه تنفيذها، وبهذا تكتمل المنفعة من القصة.
وهكذا يختم المؤلفان الباب الأول من الكتاب، ليأتي بعد ذلك الباب الثاني، وهو عبارة عن 50 قصة أبطالها من الحيوانات: حمامة ، حمار، أسد، ثعلب، تتناسب مع أعمار الأطفال من سن 3 -12 سنة، وقد أعد المؤلفان هذه القصص ليقرأها المربون على أطفالهم، والى جانب كل قصة جدول صغير كتبا فيه باختصار العبر والعظات من القصة وسؤالا يطرحه المربي للنقاش مع الأطفال حتى تؤتي القصة ثمارها بإذن الله.
وهذا الكتاب يتميز بميزة الاختصار المفيد، إذ ينطبق عليه المثل: "خير الكلام ما قل ودل"، وهو معين في عصر يضيق فيه الوقت على المربين ليقرؤوا ويتعلموا فنون تربية صغار صالحين، فيأتي هذا الكتاب ليقدم زادا كثيرا في صفحات قليلات، وما قل و كفى خير مما كثر وألهى.
والله نسأل أن يتقبله من الكاتبين ويجعله في ميزان حسناتهما.
دعاء حاتم آدم
- التصنيف: