حماية الأعراض في الإسلام

منذ 2015-06-07

الناظرُ في القرآن الكريم والسنَّة النبوية المطهَّرة يرى قدر الاهتمام الذي منحه الإسلام للعِرْض؛ فقد جاءت آيات قرآنية كثيرة وأحاديثُ نبوية شريفة تحض على حمايته وحفظه، فنجد الإسلام يحرم الزنا ويعتبره مِن أكبر الكبائر: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32]؛ فالزنا فيه هتكٌ للعِرض، وضياع للنسب، واعتداءٌ على الحُرُمات، وهدمٌ للأُسَر، وفساد للأخلاق.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. العِرْضُ من الأشياء التي صانها الإسلام، ومنحها الحماية، ووضعها في مكان الصيانة والتعظيم؛ لأن العِرض إحدى الضرورات الخمس لحياة الإنسان، وهي: الدين، والعقل، والنفس، والمال، والعِرْض، وتكريمًا للمسلم جاءت شريعة الإسلام السمحة لتحفظ له هذه الضرورات، وتضع كل الضمانات لحمايتها من النقائص والعيوب، ولقد أجمع العلماءُ والأئمة المجتهدون في كل العصور على أن مقاصد التشريع الإسلامي تهدف جميعها إلى حفظِ هذه الضرورات الخمس، ولولا الإسلامُ لضاع الإنسان بضياعها وإهدارها.

والناظرُ في القرآن الكريم والسنَّة النبوية المطهَّرة يرى قدر الاهتمام الذي منحه الإسلام للعِرْض؛ فقد جاءت آيات قرآنية كثيرة وأحاديثُ نبوية شريفة تحض على حمايته وحفظه، فنجد الإسلام يحرم الزنا ويعتبره مِن أكبر الكبائر: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32]؛ فالزنا فيه هتكٌ للعِرض، وضياع للنسب، واعتداءٌ على الحُرُمات، وهدمٌ للأُسَر، وفساد للأخلاق.

ومن هنا وضَع الإسلام له حدًّا، وهو الجَلدُ لغير المحصَن: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2].

ثم الرَّجم حتى الموت للمحصَن، وقد طبَّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حدَّ الرَّجم على المرأة الغامدية التي زنَتْ على عهده.

ولا يتوقف الأمرُ عند تحريم الزنا، بل نجد الإسلامَ يحرِّم كل مقدِّماته؛ مِن نظَرٍ، وخَلوة، وتبرج، وغيره؛ فقد أمَر الحقُّ سبحانه المسلمين والمسلمات بغضِّ البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:30-31].

ونهى الإسلامُ عن خَلوة الرجل بالمرأة الأجنبية إلا مع ذي محرَم لها، كما نهى عن تبرُّج النساء: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33]؛ لأن التبرُّجَ وباءٌ خطير، إذا انتشر في مجتمع فإنه يساعد على نشرِ الفواحش، وإشاعةِ المنكَرات، وتأجُّج الشهوات؛ لذا يأمُرُ الإسلامُ المرأةَ بالتحجُّب والتستُّر والحياء في اللِّباس والقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59]، وقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32].

ثم نجد الإسلامَ ينهى أيضًا عن الاختلاطِ بين الجِنسين؛ لِما يصحَبُه من نشر المنكَرات، وإشاعة الرذائل، وضياع الأخلاق، كما ينهى عن التخنُّثِ للرجال، والترجُّل للنساء؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعَن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المُخنَّثِين من الرجال والمترجِّلات من النساء" (رواه البخاري والترمذي).

ولا تتوقَّفُ حمايةُ الأعراض في الإسلام عند تحريم الزنا ومقدماته، بل نجد الإسلامَ يحُضُّ على أدبِ الاستئذان عند دخول البيوت الخاصة؛ لأن لكل بيتٍ حرمةً يجب أن تصان، ولا يحقُّ اقتحامُ البيوت دون إذنِ صاحبها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور:27-28]، والاستئذان فرضٌ في الإسلام؛ من أجل النظر، وحماية العرض، وحرمة البيت؛ فعن سهل بن سعدٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جُعِل الاستئذان من أجل البصر» (رواه البخاري ومسلم).

وبعد ذلك نجد الإسلامَ يحرِّم قَذْفَ المحصَنات الغافلات المؤمنات، ويعتبره كبيرةً مِن الكبائر، ومِن السبعِ الموبِقات، ويضَع له حدًّا: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4]؛ فقذفُ المحصَنات بالزنا فيه إشاعةٌ للفواحش، ونشرٌ للمنكَرات، وتفكيكٌ للأُسَرِ والمجتمعات، وقد أنذَر الحقُّ سبحانه المُحبِّين لإشاعةِ الفاحشة بالعذاب الأليم: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19].

وأخيرًا نجد الإسلاَم يحرِّم كلَّ أنواع الشذوذ الجنسي -من لواطٍ وسِحاق وغيره- حفظًا لعِرض المسلم، وحمايةً لشرَفه ونزاهته.

فإذا كانت شريعةُ الإسلام تضع كل هذه الضمانات التي تحفظ للإنسان عِرْضَه وشرَفه، فجدير بنا أن نتمسك بالإسلام قولاً وعملاً، عبادة وخُلقًا، عقيدةً وشريعة؛ لأن واقعَ المجتمعاتِ غيرِ الإسلامية تستباحُ فيه الأعراضُ، ويُنتهك فيه الشرف، وتتعدد فيه العلاقات غير المشروعة، وتَشيع فيه الفواحشُ والمنكَرات، حتى أصبحت المتعةُ الجنسية هناك مباحةً كمتعة الطعام والشراب، وكانت النتيجة لذلك هي زيادة عدد المواليد غير الشرعيين، وارتفاع نسبة الطلاق، وشيوع كل أنواع الشذوذ الجنسي، والمتاجرة في الأعراض، وانتشار مرض الإيدز، هذا الوباءُ الخطير الذي يُعَدُّ عقابًا عادلًا من السماء لفحش هذا المجتمع وتبذُّله وإباحيَّته الجنسية التي ليس لها حدود.

 

أحمد أبو زيد

المصدر: مجلة التوحيد، عدد ذي القعدة 1408 هـ، صفحة 53
  • 2
  • 0
  • 49,370

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً