من أسماء الله الحسنى الغفًّار، الغافر، الغفور

منذ 2015-02-23

قد أخبرنا ربنا تعالى أنه غافر الذنوب، وغفًّارها، وغفورها.

من أسماء الله الحسنى الغفًّار، الغافر، الغفور

الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَبَعدُ:

فقد روى البخاري ومسلم مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ تعالى عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

ومن أسمائه تعالى: (الغافر - الغفًّار- الغفور)، وقد أخبرنا ربنا تعالى أنه غافر الذنوب، وغفًّارها، وغفورها، كما قال الله تعالى: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير} [غافر:3]. وقال الله تعالى فيما حكاه عن نبيه نوح عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام:  {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}   [نوح:10]، وقَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [البقرة:173].

قال بعضهم قد سمى الله تعالى نفسه بالغفور في إحدى وتسعين آية، وأما اسمه الغفًّار فقد جاء في خمس آيات، فعلم أن ورود الغفور في القرآن أكثر بكثير من الغفًّار، والغفًّار أبلغ من الغفور، قَالَ الله تَعَالَى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيم} [الحجر:49-50]. أما الغفار ففي قَولِهِ تَعَالَى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّار} [ص:66]، وقَالَ الله تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح:10].

وأما الغافر فقد ورد مرة واحدة في القرآن، قَالَ تَعَالَى: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر:3].

قال الزجَّاج: معنى الغفر في حق الله سبحانه: هو الذي يستر ذنوب عباده، ويغطيهم بستره[1]، وقال الحليمي: الغافر هو الذي يستر على المذنب، ولا يؤاخذه فيشهره ويفضحه، وأما الغفور فهو الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده، ويزيد عفوه على مؤاخذته[2].

ومن كرم الله، وعظيم مغفرته قَولُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. قال الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي رحمه الله: "فيا لها من بشارة ترتاح لها قلوب المؤمنين المحسنين ظنهم بربهم الصادقين في رجائه الخالعين لثياب القنوط، الرافضين لسوء الظن بمن لا يتعاظمه ذنب، ولا يبخل بمغفرته ورحمته على عباده المتوجهين إليه في طلب العفو، الملتجئين به في مغفرة ذنوبهم وما أحسن ما علل به سبحانه هذا الكلام قائلًا: إنه هو الغفور الرحيم، أي كثير المغفرة، والرحمة عظيمهما بليغهما واسعهما، ومن أبى هذا الفضل العظيم والعطاء الجسيم، وظن أن تقنيط عباد الله وتأييسهم من رحمته أولى بهم مما بشرهم الله به، فقد ركب أعظم الشطط، وغلط أقبح الغلط، فإن التبشير وعدم التقنيط هو الذي جاءت به مواعيد الله في كتابه العزيز والمسلك الذي سلكه رسوله صلى اللهُ عليه وسلم"[3].
 

ومن آثار الإيمان بهذه الأسماء العظيمة:

أولًا: وصف الله سبحانه نفسه بأنه غفار، وغفور للذنوب والخطايا صغيرها، وكبيرها، حتى الشرك إذا تاب منه الإنسان، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:53]، وقَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء:110].

فمهما عظمت ذنوب العبد فإن مغفرة الله أعظم منها، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32]. روى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، قَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي» [4].

وروى الترمذي في سننه مِن حَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»[5].
 

قال الشاعر:

وَهُوَ الغَفُورُ فَلَو أُتِيَ بِقُرَابِهَا *** مِنْ غَيرِ شِرْكٍ بَلْ مِنَ العِصْيَانِ

لَأَتَاهُ بِالغُفْرَانِ مِلءَ قُرَابِهَا *** سُبحَانَهُ هُوَ وَاسِعُ الغُفْرَانِ


بل إن الله تعالى من فضله وكرمه يبدل سيئات العبد إلى حسنات إذا صدق في توبته، قَالَ الله تَعَالَى: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:70].

ثانيًا: لا يجوز للمسلم أن يتساهل بالمعاصي والذنوب بحجة أن الله غفور رحيم، فالمغفرة إنما تكون للتائبين الأوابين، قَالَ تَعَالَى: {إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء:25]، وقَالَ تَعَالَى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82]. فاشترط سبحانه تغيير الحال من عمل السيئات إلى عمل الصالحات لكي تحصل المغفرة.

ثالثًا: إذا علم المؤمن أن الله غفور رحيم، فإنه يشرع له أن يحرص على فعل مكفرات الذنوب وهي الأقوال، والأعمال التي شرعها الله في كتابه، أو على لسان رسوله صلى اللهُ عليه وسلم حتى تكفر عنه الخطايا والسيئات.

رابعًا: أنه يشرع للمؤمن أن يكثر من الاستغفار حتى تحصل له المغفرة التي وعد الله بها المستغفرين، والنبي صلى اللهُ عليه وسلم كان يستغفر الله في جميع الأحوال، ومن تلك الصيغ ما رواه أبو داود في سننه مِن حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما قَالَ: "إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِئَةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"[6].

وروى أبو داود في سننه مِن حَدِيثِ زَيدٍ مَولَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ»[7].

وروى أبو داود في سننه مِن حَدِيثِ مِحْجَنِ بنِ الأَدْرَعِ رضي اللهُ عنه قَالَ: "دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ: «فَقَالَ: قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلَاثًا»"[8][9].

وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.



[1]- تفسير أسماء الله الحسنى (ص38).

[2]- المنهاج (1 /102).

[3]- فتح البيان (12 /128).

[4]- مسند الإمام أحمد (17 /337)، (برقم 11237)، وقال محققوه: حديث حسن.

[5]- سنن الترمذي (برقم 3540)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3 /175) (برقم 2805).

[6]- سنن أبي داود (برقم 1516)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1 /283) (برقم 1342).

[7]- سنن أبي داود (برقم 1517)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1 /283) (برقم 1343).

[8]- سنن أبي داود (برقم 985)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (برقم 869).

[9]- انظر: النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (1 /175-180).

 

د. أمين بن عبد الله الشقاوي

  • 12
  • 0
  • 52,148

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً