دور الأمة في مواجهة العلمانية (3)

منذ 2015-02-25

لا بد أن تبين الأمة أيضًا أن هذه الأنظمة العلمانية التي تقوم على مبدأ إلغاء الشريعة الإسلامية والإقرار بحق التشريع المطلق لبشر من دون الله، والتحاكم في الدماء والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله..

ما الواجب علينا تجاه العلمانية؟

وهنا تأتي الإجابة بأنه يجب إقامة (رفع الالتباس عن العلمانية) وأن الإسلام والعلمانية لا يلتقيان أبدًا. ومن هنا فإن الواجب الأول للدعاة إلى هذا الدين في الأرض أن ينزلوا اللافتات الخادعة المرفوعة على الأوضاع الجاهلية والتي تحمي هذه الأوضاع لسحق جذور هذا الدين في الأرض جميعًا... ونقطة البدء في أي حركة إسلامية هي تعرية الجاهلية من ردائها الزائف وإظهارها على حقيقتها.. شركًا وكفرًا ( 8)، وكشف أصنام هذا العصر من أفكار وزعماء وأحزاب ليتميز حزب الله وأوليائه عن حزب الشيطان وأتباعه.

 

ويمكن للأمة أن تتخذ موقف العداء الصحيح للأنظمة العلمانية الجاهلية بحيث يقوم هذا الموقف على أساس أن العلمانية التي تقوم عليها تلك الأنظمة تعني الرغبة عن شرع الله إلى غيره، وإباحة المحرمات، واتخاذ الولي من دون الله.. وكل هذا من الكفر والشرك الذي يتنافى مع الإسلام.. ومن ثم فلا بد من رفض هذه الأنظمة العلمانية لأنها تقوم على محادة أحكام الله ومراغمة شرائعه التحاكم ابتداءً إلى غير الكتاب والسنة.. ولأن القبول بهذه الأنظمة هو إعراض عن تحكيم الشريعة وهذا يعني الكفر والردة عن الإسلام.

 

لا بد أن تتبين الأمة هذا الواقع بهذا الوضوح لتدرك أن حركات الإحياء الإسلامي إنما تريد "أن ترد ديار الإسلام للإسلام لا لشخص بعينه وللحكم الإسلامي، لا لأي حكم.. ومن ثم ينتفي عن الأمة شبهة الدافع الحزبي أو الشخصي.. وتصير القضية خالصة للإسلام" (9).

 

فالقضية ليست قضية حاكم يراد استبداله بآخر، بل خلاف في أساس (العقيدة) بين الإسلام والعلمانية.. خلاف بين عقيدة (التوحيد) التي ترى أن أولى مهماتها العمل على تحطيم مبدأ (الصنمية) في أي شكل من أشكاله، وبين عقيدة (الشرك) التي ترى في فكرة التوحيد فكرة تستهدف القضاء عليها وتسفيه أحلامها وعقائدها، ومن هنا تحاربها بكل ما تملك من قوة.. فالخلاف بين الإسلام والعلمانية في مستوى اللا التقاء ولا يمكن أن يعيش الاتجاهان في سلام... ولا يمكن أن يقام بينهما قنطرة اتصال... ويستحيل التوفيق بينهما في وضع واحد.

 

لا بد أن تبين الأمة أيضًا أن هذه الأنظمة العلمانية التي تقوم على مبدأ إلغاء الشريعة الإسلامية والإقرار بحق التشريع المطلق لبشر من دون الله، والتحاكم في الدماء والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله.. هذه الأنظمة باطلة ولا تجوز طاعتها لأنها تمثل حالات خروج عن الشرعية واغتصاب للسلطة الشرعية من المسلمين وهذا وضع يستلزم أن يقوم المسلمون بتصحيحه، وإعادة الشرعية إلى الأمة المسلمة.

 

لا بد أن تتبين الأمة أن هذه الأنظمة العلمانية تفتقد المشروع الحضاري لأنها تنحي الإسلام عن الحياة، وترضى بالتبعية الذليلة لأعدائنا.. في صورة الرضا بمكاننا من السلم الحضاري ضمن النظام الدولي!! وهذا يجعلنا في حالة احتياج دائمة.. وهذا الاحتياج يولد التبعية مرة أخرى.. وتبقى الأمة في هذه الحلقة المفرغة التي لا خلاص منها إلا برفض هذه الأنظمة العلمانية.

 

لا بد أن تتبين الأمة أن حقيقة هذه الأنظمة العلمانية أنها سلسلة من التآمر قسمت أدوارها في الخفاء لتجر الأمة إلى التنازل عن قيمها وأصالتها وهويتها، وتلحق بالغرب الكافر جوهرا وحقيقة.. وإن حقيقة الحكام القائمين على هذه الأنظمة أنهم (عملاء) ليس لهم غاية إلا كرسي الحكم والعض عليه بالنواجذ ولو أدى ذلك إلى تدمير الأمة وتقديمها لأعدائها ليقوموا بافتراسها فإذا تبينت الأمة كل هذا، وتحقق في حسها (الفرقان) وتميزت أمام أعينها الرايات، واتضحت الصفوف.. كانت الانطلاقة القوية للإحياء الإسلامي، ذلك لأن قوة الاندفاع بالحق لا تنشأ فقط من شعور صاحب الحق أنه على الحق ولكن كذلك من شعوره أن الذي يحاده ويحاربه إنما هو على الباطل (10). وكلما ظهر فساد الباطل وبطلانه، أسفر وجه الحق واستنارت معالمه ووضحت سبله وتقررت براهينه (11).

 

إن الرحلة الطويلة لإعادة العالم الإسلامي إلى الإسلام..وإعادة الإسلام إلى العالم الإسلامي وإلى كل أرجاء الأرض... إنما تبدأ من هنا.. من (إسقاط اللافتات الكاذبة وكشف المقولات الغامضة وفضح الشعارات الملبسة التي تتخفى وراءها العلمانية الكافرة- بأفكارها وأفرادها وتجمعاتها لتبث بسمومها في عقول وقلوب أبناء هذه الأمة.. وتلبس على العامة أمر دينهم وعقيدتهم، بل تحفزهم ضد إخوانهم الصادقين الواعين بحقيقة هذه الصراع المنبهين إلى خطره الداهم على الدين وأهله) (12).

 

إن (الفرقان) بين الإسلام والعلمانية، لا بد أن يكون من القوة والتحديد وكأنه (سيف بتار) لا يثنيه ثان، ولا تنزع (العقبات) نصله وتحوله إلى سيف من خشب! وعندها ستكون المواجهة الصحيحة للعلمانية الجاهلية من حيث تقف هذه الجاهلية فعلا، لا من حيث تزعم والمسافة بعيدة بين الزعم والواقع.. بعيدة جدًا (13).

 

وبكلمة: لقد غابت راية الإسلام عن أرض الإسلام وحكمتها نظم علمانية لا دينية تعلي أحكام الجاهلية، وتتستر بلافتة الإسلام ومن ثم وجب على كل من يضطلع بمهمة إحياء الأمة الإسلامية، أن يسقط هذه اللافتة الكاذبة عن العلمانية لتظهر على حقيقتها.. (كفرًا وشركًا) يناقض التوحيد والإسلام، وليس له أدنى (شرعية) في أن يحكم ديار الإسلام... وليس لحكامه (العملاء) أدنى حق في السمع والطاعة من الأمة.. وليكون هذا (الفرقان) بين الإسلام والعلمانية هو نقطة البدء في إسقاط العلمانية وقطع الطريق على عودتها في المستقبل).

 

-------------------------------------------

(8) طريق الدعوة- أحمد فائز- ص 107.

(9) الجهاد الأفغاني ودلالاته- محمد قطب- ص 47.

(10) في ظلال القرآن- ج2 ص 1105، طريق الهجرتين ص 140.

(11) معالم الانطلاقة الكبرى محمد عبد الهادي المصري ص 194، 197.

(12) السابق ص 197.

(13) انظر الأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة- د.محمد محمد بدري ص 34 : 38.

محمد المصري

معلم وباحث إسلامي مهتم بالقضايا التربوية والاجتماعية ،وله عديد من الدراسات في مجال الشريعة والعقيدة والتربية الإسلامية.

  • 2
  • 0
  • 4,316

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً