شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم - (8) خُلق الستر

منذ 2015-02-26

خُلق الستر من أجلّ الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم، لما فيه من حفظٍ للأعراض وعدم إشاعة الفاحشة بين الناس، والستر مشتق من اسم الله الستار، فسبحانه ستيرٌ يحب الستر، وكان رسول الله صلى الله عليه يدعو إلى الستر وعدم المجاهرة بالمعصية..

خُلق الستر من أجلّ الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم، لما فيه من حفظٍ للأعراض وعدم إشاعة الفاحشة بين الناس، والستر مشتق من اسم الله الستار، فسبحانه ستيرٌ يحب الستر، وكان رسول الله صلى الله عليه يدعو إلى الستر وعدم المجاهرة بالمعصية، وكان صلوات ربي عليه إذا آتاه من أذنب أو ارتكب فاحشة كان تركه مرة واثنين وثلاثة دون أن يرد عليه لعله يرجع ويستر نفسه، حتى إذا أصر على التطهر وإقامة الحد فهنا يضطر الحبيب صلوات ربي عليه إقامة الحد على من أقر بذنبه، ومن الأحاديث الدالة على ذلك..

يُروى أن (هُزال الأسلمي) رأى رجلاً يُدعى (ماعزًا) وقد وقع في الفاحشة فلم يعظه ويحثه على التوبة بل أشار عليه بأن ينطلق إلى الرسول فيخبره بذلك، فقال –أي هُزال-: "أنَّ ماعزًا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأقرَّ عندهُ أربعَ مراتٍ، فأمر برجمِهِ، وقال صلى الله عليه وسلم لهزالِ: «لو سترتَهُ بثوبِكَ كان خيرًا لكَ» (حسنه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح:3500).

فبالرغم من إقرار الرجل بفعلته إلا أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد ستره وعدم فضح أمره مرة واثنين وثلاثة، ولكن إصرار الرجل على التطهر من ذنبه جعله يُرجم ويقام عليه الحد، ومع ذلك كان الحبيب صلوات ربي عليه يصر على ستره فتمنى لو أن هزال ستره بثوبه وأمره بالتطهر والتوبة ولم يُشر عليه بفضح أمره للرسول عليه الصلاة والسلام!

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تعالى يُدنِي المؤمنَ فَيضَعُ عليهِ كَنفَه وسِتْرَه من النَّاسِ، ويُقرِّرُه بذُنوبِه فيقولُ: أَتعرِفُ ذَنبَ كَذا؟ أَتعرِفُ ذَنبَ كَذا فيقولُ: نعَم أَيْ رَبِّ، حتَّى إذا قَرَّرَهُ بذُنوبِه ورَأى في نَفسِه أَنَّه قد هَلكَ، قال: فإنِّي قد سَترتُهَا عليكَ في الدُّنيا، وأنا أَغفِرُهَا لكَ اليومَ، ثم يُعطَي كتابَ حسناتِه بِيمينِه، وأمَّا الكافرُ والمنافقُ فيقولُ الأشهادُ: {هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود من الآية:18]» (صحيح الجامع:1894).

سبحانك يا رب! ما أعظمك وأكرمك! فبالرغم من ذنوب عبادك، وتفريطهم في جنبك وحدودك وأوامرك تأبى إلا أن تُسبل سِترك عليهم فلا تفضحهم على أعين الأشهاد، فاللهم استرنا في الدنيا والآخرة..

ومن أسباب ستر الله للمسلم في الدنيا والآخرة، أن يستر المسلم على أخيه المسلم ولا يفضحه إن رأى منه ما يكره أو رآه في موضع معصية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن ستَر أخاه المسلمَ ستَره اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ..» (صحيح ابن حبان:534). 

وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم من تتبع عورات الناس وفضح سِترهم، بل أنه صلوات ربي عليه وصفهم بأنهم آمنوا بلسانهم فقط، فقال: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عَورَاتهم، فإنَّه من اتَّبع عَوراتهم يتَّبع الله عَوْرته، ومن يتَّبع الله عَوْرته يفضحه في بيته» (مسند أحمد:420/4).

فمن أراد أن لا يفضحه الله ولا يكشف سِتره فليلجم لسانه، ولا يتتبع زلات غيره، ويتوقف عن الخوض في أعراض الناس، فلا طاقة لمخلوق على وجه أرض بحرب الله له، نسأل الله أن يسترنا بستره الجميل.. 

ومن الستر أيضًا الستر في الأمور الخاصة من قضاء الحاجة وغيرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «..مَن أتى الغائطَ فلْيستتِرْ وإنْ لم يجِدْ إلَّا كثيبًا مِن رملٍ فإنَّ الشَّيطانَ يلعَبُ بمقاعدِ بني آدَمَ» (صحيح ابن حبان:1410). 

ومن الستر نهيه صلوات ربي عليه عن المجاهرة بالمعصية بعد أن سترها الله على فاعلها، وتوعد فاعلها فقال صلوات ربي عليه: «كلُّ أمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرينَ، وإنَّ منَ المُجاهرةِ أن يعمَلَ الرَّجلُ باللَّيلِ عملًا، ثُمَّ يصبِحَ وقد سترَه اللَّهُ، فيقولَ: يا فلانُ عمِلتُ البارحةَ كذا وَكذا وقد باتَ يسترُه ربُّهُ، ويصبِحُ يَكشِفُ سترَ اللَّهِ عنهُ» (صحيح البخاري:6069). 

فلنتخلق بذلك الخُلق الرفيع، حتى تشيع الفضيلة والعفة، ونحفظ أنفسنا ونحفظ إخواننا، ونسمو بأمة المصطفى عليه الصلاة والسلام. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أم سارة

كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام

  • 13
  • 6
  • 84,291
المقال السابق
(7) خُلق الحياء
المقال التالي
(9) خُلق العدل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً