مفهوم الجهاد

منذ 2015-02-26

أمة الإسلام أمةٌ مَجيدة، أمة لها بطولتُها وأبطالها، منذ شروق شمسها على أهل الأرض، وهي تقدم الأبطال ضاربين أروعَ الأمثلة في التضحية والإباء.

أمة الإسلام أمةٌ مَجيدة، أمة لها بطولتُها وأبطالها، منذ شروق شمسها على أهل الأرض، وهي تقدم الأبطال ضاربين أروعَ الأمثلة في التضحية والإباء.
 
مفهوم الجهاد:
من الطبيعي ذكر تعريف الجهاد أولاً، ولكن ليس هذا مقصودنا الأول، أو أنَّنا سنعرِّف الجهاد، ولكن عن طريق فهم غايته أولاً، لقد أمر الله الأُمَّةَ الإسلامية بالدعوة لدِينه، وجعل هذه المهمة من أعظم سِمَات الأمة؛ قال - تعالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، وقد اقتضت حِكمةُ الله أنَّ الأمة ستواجه في أثناء تأديةِ هذه الوظيفةِ مُعاندين وصادِّين؛ بل محاربين أيضًا لمن اتَّبع أو بلَّغ دينَ الله - عزَّ وجل - فشرع الله للأمة الإسلامية الجهادَ:
أولاً: للدفاع عن نفسها؛ قال - تعالى -: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، وقال - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [الحج: 40]، وهذه الحالة هي ما يسميه الفقهاء "جهاد الدفع"؛ أي: دفع العدو عن أرض الإسلام؛ لذلك فهو فرض عين، ويجب على أهل الإسلام توفيرُ القدر من الرِّجال والمال والعَتَاد، الذي يندفع به هذا العدو.
 
ثانيًا: لإعلاء كلمة الله على أرض الله وتبليغ دينه، وهنا لنا وقفه مهمة، ومفهوم يَجب أن يضبط جيدًا، فإن الأرض أرضُ الله؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 189]؛ لذا فيجب أن تُحكم بدين الله، وتكون كلمة الله هي العُليا، هذا على مستوى الحكم في الأرض لا الأشخاص، فمن حكمة الله - عزَّ وجل - أنْ جعل حرية المعتقد لكل شخص من غير إكراه، حتى إذا أسلم يكون إسلامه لله؛ قال - تعالى -: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256]، في حين أنَّنا نجد كثيرًا من أبناء الإسلام قد تأثر بحالة الضعف والهوان التي يعيشها أبناءُ الإسلام في هذه الأيام، فقام يُدافع عن الإسلام - كما يتصور هو - زاعمًا أنَّ الإسلام لا يقاتل إلاَّ من اعتدى عليه، وهذا خطأ كبير، فالإسلام يقاتل كلَّ مَن كفر بالله وتَمكن من رقاب العباد؛ لهدفين رئيسَيْن: أولهما: واجب، والآخر: مأمول.
 
فالهدف الأول - وهو واجب -: لتبليغ دين الله - عز وجل - إلى الخلق، ولن يتأتي ذلك مع وجود من يفتنهم عن دين الله، ويصد عن الوصول إليهم؛ قال - تعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الأنفال: 39]، وقال - تعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 193]، ولتُحكم الأرض بدين الله أيضًا - كما قررنا.
 
بَيْدَ أن أمر غزو أرضٍ بعينها متروكٌ إلى ولي أمر المسلمين، وحال المسلمين من حيث القوة والضعف.
 
الثاني - وهو مأمول -: أنَّنا عندما نحكم الأرض بدين الله، ويَختلِطُ بنا الكفار، ويرون أخلاقَ المسلمين، ويعرفون معتقدهم عن قُرب، نأمل أنْ يسلموا لله؛ قال - صلى الله عليه وسلم - جوابًا للذي سأله عن ضَحِكه: ((رَأَيْتُ قَوْمًا يُجَرُّونَ إِلَى الجَنَّةِ فِي السَّلاسِلِ))؛ يَعْنِي: الكُفَّارَ مِنَ العَجَمِ الَّذِينَ كَانَ المُؤْمِنُونَ يَجُرُّونَهُمْ بِقِتَالِهِمْ إِلَى الإِسْلامِ، الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِدُخُولِهِمْ إِلَى الجَنَّةِ، وكان المؤمنون قد تَقَعُ أيديهم عليهم وهم على كُفرِهم الذي كانوا عليه، فلا يقطع المؤمنون بذلك فيمن يَبْقَى رِقهم عليه، من الإحسان إليهم، ومن الفِعَال بهم"؛ اهـ ("شرح مشكل الآثار").
 
وهذا ما يسميه الفقهاء فرض الكفاية؛ أي: إذا قام به بعضُ المسلمين سقط عن الأمَّة، وقد يتعين أيضًا، ولكن في حالات مخصوصة، إذا تلاقى الجمعان وتقابلت الصُّفوف، أو إذا أمر أميرُ المسلمين أحدَ المسلمين بعَينه أن يَخرج في القتال.
 
وعلى ضوء ما سبق، نستطيع الآن استخلاصَ تعريف الجهاد، وهو - كما عرفه الإمام القسطلاني رحمه الله -: "قتال الكفار؛ لنصرة الإسلام، وإعلاء كلمة الله".
 
فيا شباب الإسلام، إنَّ الجهاد هو شرف هذه الأمة وعِزُّها، ومن أعظم مهامها؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمرتُ أنْ أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم، إلاَّ بحق الإسلام، وحسابهم على الله))؛ متفق عليه.
 
والحديث عن الجهاد حديثٌ عن معالي الأمور، وقد حَثَّ الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على الجهاد، وجعل له الأجر العظيم؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ﴾ [التوبة: 111]، وقال - تعالى -: ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 95]، هذا الفرق بين المجاهدين والقاعدين الصالحين، فما بالنا بالمتخاذلين؟ والآيات في فضل الجهاد كثيرة، وقد عُلم فضلُه في دين الإسلام بالضرورة.
 
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الجهاد لا يعدله شيء، ففي حديث أبي هريرة قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دُلني على عملٍ يعدل الجهاد، قال: ((لا أجده))، قال: ((هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟))، قال: ومن يستطيع ذلك؟"؛ متفق عليه.
 
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((للشهيد عند الله ستُّ خصال: يُغْفَرُ له في أول دفْعة من دمه، ويَرَى مقعدَه من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحلى حلة الإيمان، ويزوَّج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانًا من أقاربه))؛ رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد.
 
لذا؛ فإننا الآن لا نعجب من تسابُق أبطال الإسلام إلى الجهاد في سبيل الله؛ لنيل الشَّهادة في مظانِّها، ومصارعة الأهوال من أجل نيل ثوابِها، فضربوا أروعَ الأمثلة على التضحية والبطولة، وعلَّموا الدنيا معنى الشجاعة والإقدام، ولو حاولنا ذكر قصصِهم وبطولاتهم لاحتاجنا إلى كثير من الورق والمداد، ولكن نذكر طرفًا يسيرًا نقوِّي به العزمَ، ونرفع به الهمم، ونهيج به الأشجان.
 
عمير بن الحمام:
جاء المشركون يوم بدر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه))، فدنا المشركون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قوموا إلى جَنَّةٍ عرضُها السموات والأرض))، قال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: ((نعم))، قال: بخ بخ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يحملُك على قولك: بخ بخ؟))، قال: لا والله، يا رسول الله، إلا رجاءَ أن أكون من أهلِها، قال: ((فإنَّك من أهلها))، فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنَّها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتِل؛ (أصله عند مسلم).
 
عبدالله بن رواحة:
خرج رسولُ الله مودعًا المجاهدين يومَ مُؤتة، ودعا لهم بالسلامة والنَّصر على الأعداء، فأنشد عبدالله بن رواحة قائلاً:

لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً 
وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا 
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً 
بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا 
حَتَّى يُقَالَ إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي 
يَا أَرْشَدَ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا 

 
ولما كَثُرَ عدد المشركين، وتردَّد صحابةُ رسول الله في العودة أو طلب المَدَد، قام عبدالله بن رواحة، فقال: يا قوم، والله، إنَّ الذي تكرهون لَلتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعددٍ ولا قوة ولا كَثْرة، ما نقاتِلُهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا به الله، فانطلقوا فإنَّما هي إحدى الحُسْنَيَيْن: إما ظفر، وإما شهادة.
 
ولما قتل أبطال الإسلام وأمراء الجيش، أخذ الراية عبدالله بن رواحة، وتقدم بها، وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسَه، ويتردد بعض التردد، حتى حاد حيدة ثم قال‏:‏

أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ 
كَارِهَةً أَوْ لَتُطَاوِعِنَّهْ 
إِنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا الرَّنَّهْ 
مَا لِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ 

 
ثم نزل، فأتاه ابن عمٍّ له بعرقٍ من لحم، فقال‏:‏ شدَّ بهذا صُلبك، فإنَّك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده فانتهس منه نَهْسَة، ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه فتقدَّم، فقاتل حتى قُتل.
 
هذا، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.

إيهاب إبراهيم

باحث شرعي وكاتب صحفي

  • 2
  • 0
  • 8,899

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً