وصايا جامعة في تهذيب الذات.

منذ 2015-03-03

فإنَّ العبد إذا علم أنَّه لن يُصيبَه إلا ما كتبَ الله له مِنْ خير وشرٍّ، ونفعٍ وضرٍّ، وأنَّ اجتهادَ الخلق كلِّهم على خلاف المقدور غيرُ مفيد البتة، علم حينئذٍ أنَّ الله وحده هو الضَّارُّ النَّافعُ، المعطي المانع، فأوجبَ ذلك للعبدِ توحيدَ ربِّه، وإفرادَه بالطاعة، وحفظَ حدوده، فإنَّ المعبود إنَّما يقصد بعبادته جلبَ المنافع ودفع المضار.

عن عبد الله بن عباس قال كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال له رسول الله: صلى الله عليه وسلم:
«يا غلام! إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فلتسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف». (رواه الترمذي، وغيره).

بدأت بنص الحديث بلا مقدمة ولا تمهيد ليقيني أنه يفي ويحوي مجمعًا من الفوائد والعبر، كيف لا وهو من فِيه؛ من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.

ولتتفكر معي وتبحث وتستشعر كلمات الحديث، وكأنه ملقى عليك، وكلماته موجهة إليك، وهو لا شك كذلك.

«احفظ الله يحفظك»، كيف أحفظ الله؟!

بأن تلتزم تقواه، تطيع أوامره، وتقف عند حدوده، وتجتنب نواهيه.

تغض البصر، تبر والديك، تصل رحمك، تتق الحرمات، تفعل الطاعات.

«تجده تجاهك»! كيف أجد الله تعالى تجاهي؟!

أي إن حفظته في نفسك كما سبق وشرحنا؛ يصونك عما يضرك، فقط أريدك أن تستشعر أن الله تجاهك!

نعم الله!

لا ملك، ولا وزير، ولا ضابط، ولا رئيس، تعالى الله عن التشبيه، وله المثل الأعلى.

ولكن إن كان الله تجاهك فما يضيرك من يكون ضدك؟!

«وإذا سألت فلتسأل الله!»، أي أن تترفع عن مسألة الخلق فلا شيء بيدهم، فإنما الأمر كله لله الواحد القهار.

«وإذا استعنت فاستعن بالله!»، كافيك أنك تقرأ في كل صلاة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، فلا تكن قرآئتك لها بلا تطبيق عملي فعلي، فاجعل استعانتك كلها بالله لا أحد سواه، فهو القادر على نصرك، والتفريج عنك، وتوفيقك، ورزقك، وصلاحك، وعافيتك.

قاعدة ثابتة راسخة لتؤمن تمام الإيمان بالقضاء والقدر، وأن تسلم أمرك لله، فلا تحزن، ولا تجزع، ولا يخيفك مجهول، أو يرعبك مخلوق.

تدبر آخر وصية في الحديث؛ «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك».

أنا هنا أنهيت كلامي، وأود مشاركتكم شرح ابن رجب رحمه الله، فلكثير من العلماء وقفات ووقفات مع هذا الحديث، بل إن ابن رجب وضع له مؤلفًا أسماه: (نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس).

فقوله: «احْفَظْ اللَّهَ»، أي: احفظ حدودَه، وحقوقَه، وأوامرَه، ونواهيَه، وحفظُ ذلك: هو الوقوفُ عندَ أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتنابِ، وعندَ حدوده، فلا يتجاوزُ ما أمر به، وأذن فيه إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك؛ فهو مِنَ الحافظين لحدود الله الذين مدحهمُ الله في كتابه، وقال تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ ق:32-33].

وفسر الحفيظ ها هنا بالحافظ لأوامرِ الله، وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها.

وقوله: «يَحْفَظْك»، يعني: أنَّ من حفظَ حدود الله، وراعى حقوقَه، حفظه الله، فإنَّ الجزاء من جنس العمل، كما قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة:40]، وقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]، وقال: {إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد:7].

وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان؛ أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، قال الله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} [الرعد:11]، قال ابن عباس: هم الملائكة يحفظونَهُ بأمرِ الله، فإذا جاء القدر خَلُّوْا عنه؛ ومَنْ حفظ الله في صباه وقوَّته، حفظه الله في حال كبَره وضعفِ قوّته، ومتَّعه بسمعه وبصره وحولِه وقوَّته وعقله.

وقد يحفظُ الله العبدَ بصلاحه بعدَ موته في ذريَّته، كما قيل في قوله تعالى: {وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحًا} [الكهف:82]، أنَّهما حُفِظا بصلاح أبيهما.

فمن حفظ الله حَفِظَهُ الله من كُلِّ أذى؛ قال بعضُ السَّلف: "من اتقى الله، فقد حَفِظَ نفسه، ومن ضيَّع تقواه، فقد ضيَّع نفسه، والله الغنىُّ عنه"؛ ومن عجيب حفظِ الله لمن حفظه أنْ يجعلَ الحيوانات المؤذية بالطبع حافظةً له من الأذى، كما جرى لِسَفِينةَ مولى النَّبيِّ حين كُسِرَ به المركبُ، وخرج إلى جزيرة، فرأى الأسدَ، فجعل يمشي معه حتَّى دلَّه على الطريق، فلمَّا أوقفه عليها، جعل يُهَمْهِمُ كأنَّه يُوَدِّعُهُ، ثم رجع عنه.

النوع الثاني من الحفظ، وهو أشرف النوعين: حفظُ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المُضِلَّة، ومن الشهوات المحرَّمة، ويحفظ عليه دينَه عندَ موته، فيتوفَّاه على الإيمان.

وقوله: «احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ»، وفي رواية: «أَمَامَكَ»، معناه: أنَّ مَنْ حَفِظَ حُدودَ الله، وراعى حقوقه، وجد الله معه في كُلِّ أحواله، حيث توجَّه يَحُوطُهُ وينصرهُ ويحفَظه ويوفِّقُه ويُسدده، فـ {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]، قال قتادة: "من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه، فمعه الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل".

كما جرى للثلاثة الذين أصابهم المطر فآووا إلى غار، فانحدرت صخرة فانطبقت عليهم، فقالوا: "انظروا ما عملتم من الأعمال الصالحة فاسألوا الله تعالى بها فإنه ينجيكم، فذكر كل واحد منهم سابقة له مع ربه، فانحدرت عنهم الصخرة فخرجوا يمشون؛ وقصتهم مشهورة في الصحيح.

وقوله: «تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ ِ فِي الرَّخَاءِ؛ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّة»، يعني: أنَّ العبدَ إذا اتَّقى الله، وحَفِظَ حدودَه، وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرَّف بذلك إلى الله، وصار بينه وبينَ ربه معرفةٌ خاصة، فعرفه ربَّه في الشدَّة، ورعى له تَعَرُّفَهُ إليه في الرَّخاء، فنجَّاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قربَ العبدِ من ربِّه، ومحبته له، وإجابته لدعائه.

فمعرفة العبد لربه نوعان؛ أحدُهما: المعرفةُ العامة، وهي معرفةُ الإقرار به والتَّصديق والإيمان، وهذه عامةٌ للمؤمنين؛ والثاني: معرفة خاصة تقتضي ميلَ القلب إلى الله بالكلية، والانقطاع إليه، والأُنس به، والطمأنينة بذكره، والحياء منه، والهيبة له.

وفي الجملة؛ فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه، عامله الله باللطف والإعانة في حال شدَّته؛ وخرَّج (الترمذيُّ) من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ قال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ».

وقوله: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ»؛ هذا مُنْتَزَعٌ من قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، فإنَّ السؤال لله هو دعاؤُه والرغبةُ إليه؛ فتضمن هذا الكلام أنْ يُسأل الله، ولا يُسأل غيره، وأنْ يُستعان بالله دونَ غيره؛ واعلم أنَّ سؤالَ اللهِ تعالى دونَ خلقه هوَ المتعين؛ لأنَّ السؤال فيهِ إظهار الذلِّ من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعترافُ بقدرةِ المسؤول على دفع هذا الضَّرر، ونيل المطلوب، وجلبِ المنافع، ودرء المضارِّ.

ولا يصلح الذلُّ والافتقار إلاَّ لله وحدَه؛ لأنَّه حقيقة العبادة؛ كما قال: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:107]، وقال: {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:2 ].

والله سبحانه يحبُّ أنْ يُسأل ويُرْغَبَ إليه في الحوائج، ويُلَحَّ في سؤاله ودُعائه، ويَغْضَبُ على من لا يسأله، ويستدعي مِنْ عباده سؤاله، وهو قادر على إعطاء خلقه كُلِّهم سُؤْلَهم من غير أنْ يَنْقُصَ من ملكه شيء، والمخلوق بخلاف ذلك كله: يكره أنْ يُسأل، ويُحبُّ أنْ لا يُسألَ، لعجزه وفقره وحاجته.

وأما الاستعانة بالله دونَ غيره من الخلق؛ فلأنَّ العبدَ عاجزٌ عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضارّه، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله، فمن أعانه الله، فهو المُعانُ، ومن خذله فهو المخذولُ، وهذا تحقيقُ معنى قول: "لا حول ولا قُوَّةَ إلا بالله"، فإنَّ المعنى: لا تَحوُّلَ للعبد مِنْ حال إلى حال، ولا قُوَّة له على ذلك إلا بالله، وهذه كلمةٌ عظيمةٌ، وهي كنز من كنوز الجنة، فالعبدُ محتاجٌ إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلِّها في الدنيا وعندَ الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله، فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه.

وقوله: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ»؛ المراد: أنَّ ما يُصيب العبدَ في دنياه مما يضرُّه أو ينفعه، فكلُّه مقدَّرٌ عليه، ولا يصيبُ العبدَ إلا ما كُتِبَ له من ذلك في الكتاب السابق، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعًا؛ وقد دلَّ القرآنُ على مثل هذا في قوله: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا} [التوبة:51]، وقوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22]، وقوله: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154].

واعلم أنَّ مدارَ جميع هذه الوصية على هذا الأصل، وما ذُكِر قبلَه وبعدَه، فهو متفرِّعٌ عليه، وراجعٌ إليه، فإنَّ العبد إذا علم أنَّه لن يُصيبَه إلا ما كتبَ الله له مِنْ خير وشرٍّ، ونفعٍ وضرٍّ، وأنَّ اجتهادَ الخلق كلِّهم على خلاف المقدور غيرُ مفيد البتة، علم حينئذٍ أنَّ الله وحده هو الضَّارُّ النَّافعُ، المعطي المانع، فأوجبَ ذلك للعبدِ توحيدَ ربِّه، وإفرادَه بالطاعة، وحفظَ حدوده، فإنَّ المعبود إنَّما يقصد بعبادته جلبَ المنافع ودفع المضار، ولهذا ذمَّ الله من يعبدُ من لا ينفعُ ولا يضرُّ، ولا يُغني عن عابدِهِ شيئًا، فمن علم أنَّه لا ينفعُ ولا يضرُّ، ولا يُعطي ولا يمنعُ غيرُ الله، أوجبَ له ذلك إفراده بالخوف والرجاء والمحبة والسؤال والتضرُّع والدعاء، وتقديم طاعته على طاعةِ الخلق جميعًا، وأنْ يتَّقي سخطه، ولو كان فيه سخطُ الخلق جميعًا، وإفراده بالاستعانة به، والسؤال له، وإخلاص الدعاء له في حال الشدَّة وحال الرَّخاء، بخلاف ما كان المشركون عليه من إخلاص الدعاء له عندَ الشدائد، ونسيانه في الرخاء، ودعاء من يرجون نفعَه مِنْ دُونِه، قال الله: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:38].

وقوله: «رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» هو كنايةٌ عن تقدُّم كتابة المقادير كلِّها، والفراغ منها من أمدٍ بعيد، فإنَّ الكتابَ إذا فُرِغَ من كتابته، ورفعت الأقلامُ عنه، وطال عهده، فقد رُفعت عنه الأقلام، وجفتِ الأقلام التي كتب بها مِنْ مدادها، وجفت الصَّحيفة التي كتب فيها بالمداد المكتوب به فيها، وهذا من أحسن الكنايات وأبلغِها؛ وفي صحيح (مسلم) عن عبد الله بن عمرو، عن النَّبيِّ قال: «إنَّ الله كتبَ مقاديرَ الخلائق قبل أنْ يخلُقَ السَّماوات والأرض بخمسين ألفَ سنة »؛ وروى (أحمد، وأبو داود، والترمذي) عن عبادة بن الصامت عن النَّبيِّ قال: «إنَّ أوَّل ما خلق الله القلم، ثم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة».

وقوله: «وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ»، يعني: أن ما قدر الله تعالى أن يصيبك فإنه لا يخطئك، بل لا بد أن يقع، لأن الله قدَّره؛ وأن ما كتب الله أن يخطئك، رفعه عنك، فلن يصيبك أبدًا، فالأمر كله بيد الله وهذا يؤدي إلى أن يعتمد الإنسان على ربه اعتمادًا كاملًا.

وقوله: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ»، هذا موافق لقول الله: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249]، وقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:66]؛ وقال عمرُ لأشياخ من بني عبس: "بم قاتلتُمُ الناس؟" قالوا: "بالصبر، لم نلق قومًا إلا صبرنا لهم كما صبروا لنا"؛ وقيل: "الشجاعة صبر ساعة".

وقوله: «وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ»؛ من لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليُسر بالعسر: أنَّ الكربَ إذا اشتدَّ وعَظُمَ وتناهى، وحصل للعبد الإياسُ من كَشفه من جهة المخلوقين، وتعلق قلبُه بالله وحده، وهذا هو حقيقةُ التوكُّل على الله، وهو من أعظم الأسباب التي تُطلَبُ بها الحوائجُ، فإنَّ الله يكفي من توكَّل عليه، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].

وقوله: «وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» هو منتزع من قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7]، وقوله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5-6].

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 8
  • 0
  • 13,553

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً