من أسباب حسن الخاتمة التقوى والاستقامة

والتقوى لها تعريفاتٌ كثيرة، كلها يدور حول معنى واحد فقط، وهو: أن تَجعل بينك وبَين عَذاب الله وِقاية، وذلك بِفعل المأمُور واجتناب المحظور

  • التصنيفات: التقوى وحب الله - الطريق إلى الله -

التقوى:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

قال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197].

فالتقوى كما عرَّفها ابن مسعود في قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، قال: "أنْ يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكَر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفَر".

وقال طَلق بن حَبيب: "إذا وقَعت الفِتنة، فأطفِؤوها بالتَّقوى، قالوا: وما التقوى؟ قال: أنْ تَعمل بطاعةِ الله على نُور من الله، تَرجو ثوابَ الله، وأن تَترك مَعصيةَ اللهِ على نُورٍ من الله تَخاف عقابَ الله".

 

والتقوى لها تعريفاتٌ كثيرة، كلها يدور حول معنى واحد فقط، وهو: أن تَجعل بينك وبَين عَذاب الله وِقاية، وذلك بِفعل المأمُور واجتناب المحظور، فالتقوى من أعظم الأسباب التي تقود المؤمنَ إلى حُسن الخاتمة، فالتَّقوى سببٌ لتكفير السيِّئات، ومَغفرة الذُّنوب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:29].

 

- والتقوى سبب لقبول الأعمال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27].

- والتقوى سبب للخروج من كل ضيق: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2، 3]، ولا شك أن العبد في حال السكرات، يكون في ضيق وشدة، والمخرج والنجاة من هذا يكون في تقوى الله.

- والتقوى سبب لتيسير السكرات على العبد المؤمن: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:4].

- والتقوى سبب للنجاة من المهالك: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم:71، 72].

- والتقوى سبب لدخول الجَنَّة: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم:63].

 

الاستقامة:

فالاستقامة أعظم الكرامة، وهي سبب عظيم من أسباب حسن الخاتمة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف:13].

فهي كلمة جامعة، آخذة بمجامع الدين، قال الصِّدِّيق رضي الله عنه لما سُئل عنها: "أن لا تُشرك بالله شيئًا"، فأراد بها الاستقامة على محْضِ التوحيد.

وفسَّرها عمرُ بالاستقامة على الأمر والنهي، فقال رضي الله عنه: "أي: تستقيم على الأمر والنهي، ولا تراوغ روغان الثعالب".

وفسَّرها ذو النورين: "بإخلاص العمل لله".

وفسَّرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بالمحبَّة والعبودية، لا يلتفتوا عنها يمنةً ولا يَسرةً.

وكان يقول رحمه الله: "أعظم الكرامة لزوم الاستقامة" (سكب العبرات للعفاني: ص57 بتصرف).

وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: «قل: آمنت بالله ثم استقم».

فالاستقامة حِكمةٌ جامعة آخذةٌ بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق، والوفاء بالعهد.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيِّم من غَير تعريج عنه يمنةً ولا يَسرةً، ويشمل ذلك: فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وتَرْكَ المنهيات كلها كذلك، فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها".

 

نماذج وأمثلة من الذين استقاموا على دين الله:

ها هو أبو سفيان لما حضرته الوفاة قال: "لا تَبكوا عليَّ، فإني لم أتنطَّف بخطيئة منذ أسلمتُ"- لم أتنطَّف: أي: لم أتلطَّخْ؛ (السير 1/204).

وقال ابن قُدامة عن العماد المقدسي: "مِن عمري أعرفه، ما عرفتُ أنه عصى الله معصية، فلما جاءه الموت، جعل يقول: يا حيُّ يا قيُّوم، لا إله إلا الله، برحمتك أستغيث، واستقبل القبلة وتشهَّد" (السير: 22/50).

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: "ما تكلَّمتُ بكلمة، ولا فعلتُ فعلاً منذ أربعين سنة، إلا وأعددتُ له جوابًا بين يدي الله عز وجل".

وقال القاضي أبو بكر الشامي: "قلتُ للقاضي أبي الطيِّب شيخنا -وقد عُمِّر-: لقد مُتِّعْتَ بجوارحك، فقال: لِمَ لا! واللهِ ما عصيتُ الله بواحدة منها قط".

لله دَرُّهُم! استقاموا على دين الله، فوجدوا حلاوةَ الإيمان وطعمَ العبادة.

وقد قيل لوُهيب بن الوَرد: "أيجد طعم العبادة مَن يعصِي الله؟ قال: لا، ولا مَن هَمَّ بمعصيَة".

 

فهنيئًا لأهل الاستقامة، فهم الذين ذاقوا حلاوةَ وطعمَ العبادةِ، وهم الذين تتنزَّل عليهم الملائكةُ عند الموت؛ لتُبشرهم بجَنَّة الرَّحمن التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30-32].

فأهل الاستقامة هم الذين تتنزَّل عليهم ملائكةُ الله عز وجل عند الموت بالبِشارة بالجَنَّة والنَّجاة من النار، إشارة إلى أنهم يوفَّقون للخاتمة الحسَنة؛ (تذكرة النفوس المؤمنة لأحمد فريد حفظه الله: ص69).

 

وقفة مع قوله تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت:6].

هذه الآية تُشير إلى أنه لا بد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيُجْبَر ذلك بالاستغفار المُقتضي للتَّوبة والرُّجوع إلى الاستقامَة.

فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «اتقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأَتبع السيئةَ الحسنةَ تمحُها».

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لن يُطيقوا الاستقامة حقَّ الاستقامة.

ففي مسند الإمام أحمد وابن ماجه من حديث ثَوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خيرَ أعمالِكم الصَّلاةُ، ولا يحافظ على الوُضوء إلا مُؤمنٌ»، فأصل الاستقامة استقامة القَلب على التَّوحيد، كما فسر أبو بكر الصِّدِّيق وغيره.

 

وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [الأحقاف:13].

يُشير إلى أنَّهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلبُ على مَعرفة الله وعلى خَشيته وإجلاله ومهابتِه ومحبَّته وإرادته ورجائِه ودعائِه والتوكُّل عليه والإعراض عما سواه- استقامت الجوارح كلُّها على طاعته، فإن القلبَ هو مالك الأعضاء وهي جُنودُه؛ فإذا استقام المَلِكُ استقامت جنودُه ورعاياه" (اهـ بتصرف من جامع العلوم والحكم: 1/51).

الشيخ ندا أبو أحمد