أولادنا وحبُّ الصلاة

أسماء محمد لبيب

تكلمنا في المقالة السابقة في ذات السلسلة عن كيفية سياسة الأطفال بشكل يجعلهم يندفعون طوعًا نحو الطاعات والفضائل دون إكراه..، وبدأنا الكلام في أول مقالة عن أولادنا والأوامر، تكلمنا فيها بشكل عام عن نماذج عملية تطبيقية لتطويع قلوب وجوارح أبنائنا لكل جميل في الحياة.. واليوم نستكمل بحول الله وقوته ذلك، ونُثَنِّي بموضوع هو ذروة سنام أمور المسلم ألا وهو "الصلاة"، كيف أجعل الصلاة قرة عين أبنائي؟

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
بحول الله وقوته، تكلمنا في المقالة السابقة في ذات السلسلة عن كيفية سياسة الأطفال بشكل يجعلهم يندفعون طوعًا نحو الطاعات والفضائل دون إكراه..، وبدأنا الكلام في أول مقالة عن أولادنا والأوامر، تكلمنا فيها بشكل عام عن نماذج عملية تطبيقية لتطويع قلوب وجوارح أبنائنا لكل جميل في الحياة..

واليوم نستكمل بحول الله وقوته ذلك، ونُثَنِّي بموضوع هو ذروة سنام أمور المسلم ألا وهو "الصلاة"، كيف أجعل الصلاة قرة عين أبنائي؟ الإجابة في (أولا وثانيًا وثالثًا ورابعًا وخامسًا وأخيرًا).

- يغلب عليّ في كلامي أنه موجه للأمهات التي لديها أبناء ذكور، بحكم أن الأم هي غالبًا من تقضي معظم الوقت مع الأبناء، وبحكم أن أبنائي الثلاثة ذكور، لكن هذا لا يمنع أبدًا أن الكلام موجه ضمنيًا كذلك للوالد، فالتربية مشاركة، ولم أكن لأتمكن بعد فضل الله من أي إنجاز معهم بدون مشاركة والدهم بارك الله لنا فيه.. وهذا لا يمنع أيضًا أن الكلام موجه للبنات، باستثناء الكلام عن الصلاة في المسجد.

أولا: صلاتك أنت أيها المربي الفاضل.
لا بد أن تكون من المصلين، هذا فحسب؟!
لا، بل لا بد لصلاتك أن تكون بالهيئة التي ترغب أنت أن ترى أبناءك يؤدونها..
فإن كنتِ أيتها الأم الفاضلة تريدين أن يقف ابنك بخشوع وضراعة في صلاته، فلتقفي أنتِ أولا بخشوع وضراعة، وإن كنتَ تريد أيها الوالد من ابنك في صلاته ألا ينقر الأرض نقرًا، فلا تنقرها أنتَ أولًا، -أجل هكذا هي حياة من ينجب أطفالًا-، أنت مُرَاقَبٌ دومًا لا محالة، فانتبه وكن قدوة حسنة. فأبناؤك مرآة أفعالك لا ريب.

ثانيا: عندما تتأهبون للصلاة.
- ناد على ابنك بجمل تحرك القلوب وتأسرها في شِباكِ حُبِّ الصلاة، لا مجرد نداء جاف لا موعظة فيه: "هيا قم وصلِّ!"، سأفرد مجالاً واسعًا الآن لبعض تلك النماذج من الجمل، والتنوع بينها مطلوب لا شك لأن القلوب تمل، وكل أم تختار حسب استيعاب أبنائها سواء عقلًا أو سنًّا، فالأمر مَرَدُّه للفروق الفردية، وتكرار المعاني وتنويعها يبرمج عقول الأطفال بعون الله..


* بنيّ هَلُمَّ بنا نكلم الله (1)،  * بنيّ هيا لنرتاح قليلاً بين يدي ربنا حبيب القلوب، * هيا نسكب ذنوبنا أولاً ونتخلص منها مع ماء الوضوء في (الحَوْض) كي نصير "فُل الفُل بإذن الله" أمام ملك الملوك قبل الصلاة * هل تعلم يا حبيبي أن رجال السلف الصالح كان أحدهم يتصبب عرقًا ويرتجف وهو مقبل على الصلاة، فيسألونه ما بك يا فلان؟! فيقول: "أتدرون بين يديّ من سأقف الآن؟!" 


* انتبه حبيبي وركز جيدًا: هل تدري أين نحن داخلون الآن؟ نحن داخلون إلى منطقة (حرام)، أي ممنوع فيها الأكل والشرب والضحك والكلام إلا الذكر، سنقف بين يدي الله الآن، ما أن ننطق جهرًا تكبيرة الإحرام "الله كبر" وندفع الهواء بأيدينا، خلف آذنينا تخيل نفسك أنك بذلك تدفع الدنيا كلها وراء ظهرك، ثبّت بصرك على مكان السجود.. لا تلتفت يمينًا ويسارًا يا حبيبي كي لا ينصرف الله عنك (2).

* تخيل نفسك يا بني أنك تصلي أمام الكعبة مباشرة قبلة المسلمين، والله ناظر إليك، والجنة عن يمينك تتزين للمؤمنين.. وأنت واقف على الصراط الدقيق الآن تصلي وأسفل منك جهنم تكاد تميز من الغيظ، وخلفك ملك الموت ينتظر فراغك من الصلاة ليقبض روحك، والرسول صلى الله عليه وسلم يرقب صلاتك.. تخيل يا حبيبي أنها آخر صلاة لك في الدنيا، وعندما تنتهي فلتظل قلقًا وجلًا خائفًا متسائلًا "أتُراها صلاتي قُبِلَتْ أم لا؟".

* بني يا حبة الفؤاد هل تعلم ماذا تعني "الله أكبر"، تعني أن ما من شيء أقوى من الله، ولا أرحم ولا ألطف ولا أعظم ولا أوسع ولا أجود ولا أقدس ولا أعز ولا أعلم ولا أحكم ولا أعدل ولا أعلى منه سبحانه، ولا أشد منه جبروتًا وانتقامًا وبطشًا وقهرًا ونفعًا.. إلخ، فكل شيء هو سبحانه الأكبر فيه -كل شيء مما ثبت في حق ذاته عز وجل في السنة الصحيحة من أسماء-.

* حبيبي، لا تكثر الحركة في صلاتك بلا سبب، ألا تعلم ماذا قال سيدنا عمر عن الذي (يفرك) كثيرًا في صلاته؟ قال عنه: "لو خشع قلبه لخشعت جوارحه"، فاحذر يا بني، إلى آخر الأمثلة الممكن إيرادها في هذا الباب والتي تحتاج لسجلات طويلة لا تتسع لها مقالة واحدة.. فأبدعي أيتها الأم وأيها الوالد بالمزيد بالاستعانة بأحاديث الصلاة وأحوال السلف فيها.

- إذا كنتم متأخرين عن الصلاة بعد الأذان: العصر على سبيل المثال- فلا تقولي لابنك: "هيا بنا سريعًا بنيّ لندرك الصلاة! فقد بقي من الوقت ربع ساعة فقط على أذان المغرب!"، بل قولي: "هيا بنا سريعًا يا بني لندرك الصلاة! لقد تأخرنا عن النداء جدًا! أرأيت كم مرَّ من الوقت على الأذان! أهكذا نضيع أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها"، الغرض من هذا هو أن تكون همته دائمًا منصبة حول "أنا متأخر أد إيه" لإحياء إحساسه بالتقصير على الدوام، ولا يكون هدفه دائمًا، "لسة قدامي وقت وفرصة أد إيه" فيركن دومًا إلى التسويف، -وبالطبع تتبعين كلامك بجملة ذكرني أن نستغفر كثيرًا أو نخرج صدقة بعد الصلاة لنمسح هذا التأخير بإذن الله-.


- لازلنا في التهيئة للصلاة: قفي أمام المرآة بجوار ابنكِ واضبطي إسدال الصلاة كما ستضبطينه لو قيل لكِ: "هيا نلتقط صورة تذكارية معًا"، وشميه جيدًا لتتفقدي نظافته، واجعلي ابنك يشم ملابسه ويتفقد نظافتها بنفسه ليعتاد على ذلك، وتعطروا بعطر مناسب للجنسين (فواكه مثلاً أو عود أو مسك) (3)، وفي يدك السواك وفي يده كذلك سواكه، وعلميه أن يقشره بنفسه مرة يوميًا، لا تقلقي سيتعلم بسهولة إن شاء الله، أو قشريه له بنفسك مرة يوميًا..

- أطفئوا أي مصدر للإزعاج وابتعدوا عن أي ملهيات، هيئوا أنفسكم للقاء الجبار الرحيم العظيم، أفهمي ولدك هذا الأمر كل مرة..

- قولي له لتعلميه تسوية الصف: "ما رأيك أن نصطف كما تصطف الملائكة؟ فلنغلق الفتحات والفرجات حتى لا تدخل الشياطين لتوسوس وتسرق من صلاتنا" (9).


- أفهميه أن أي شيء يخطر بباله ويقلق لأجله أثناء الصلاة ويصاب بالهم خوفًا على فواته، إنما هو بيد من يقف يصلي أمامه الآن، فليتوكل عليه سبحانه وليخشع، وليفرغ قلبه تمامًا من أي هم ولو بسيط: "الكرتون الذي تخشى فواته يا بني فإن الله هو من رزقك إياه، قد تهرول في صلاتك وتختلسها اختلاسًا لتلحق به ثم تجد النور قد انقطع أو الحاسوب قد تعطل!

الهاتف الذي يرن وتخشى أن يتوقف قبل أن تنهي صلاتك إنما الله هو من جعل الطالب يطلبك وجعل الهاتف يرن، قد تأكل صلاتك أكلاً لتلحق به ثم تجد الهاتف قد توقف رنينه أو "رقم غلط" وقد خسرت صلاتك! اللعبة التي تخشى نفاذها من عند البائع وتخشى أن يسبقك إليها غيرك إنما هي بيد الله سبحانه الذي تقف الآن بين يديه، سيحفظها لك إن كانت من رزقك"، إلخ، نوّعي في الأمثلة حسب اهتمامات ابنك التي تقلقه أثناء الصلاة أو تجعله يكسل عنها، وأفهميه أن المرء يبتلى ويختبر فيما أحب..

- أفهميه أن وضع أيدينا بهذه الهيئة اليمين على الشمال إنما هو أدب مع الله، فليتأدب قلبه.
- أفهميه معنى التشهد وأهميته عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفيه أن رسوله علمه لسيدنا عبد الله بن مسعود وهو ممسكًا كفه بين يديه صلى الله عليه وسلم، وكان يعلمه إياه كأنما يعلمه السورة من القرآن وليس مجرد كلامًا عاديًا، وأسعدي قلبه بالبشرى السارة: أنه عندما يقول: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، فقد سلم على كل العباد الصالحين في الأرض (4)، سيفرح كثيرًا بذلك ويتحمس ويتربى دومًا على روح الترابط بين المسلمين ولو غيبًا..

- علميه قصة الفاتحة، وأنها مقسومة بيننا وبين ربنا عز وجل، وأن الله يرد على كل آية منها، فلينصت وليتأدب، وليتخيل الحوار في ضراعة (5)، وأفهميه معنى المغضوب عليهم ولا الضالين، فإن فهم المعاني يساعد على الخشوع.

- علميه أن يدعو في السجود بكل ما تتوق له نفسه، فهنا في السجود مقام أقرب ما يكون العبد من ربه.. وعلميه كذلك في الركوع أن يستغفر من أخطائه وزلاته مع التسبيح بالطبع..

- قصي عليه قصة خنزب، -حرامي- الصلاة الخبيث عدو الخشوع، وعلميه ماذا يصنع إذا أتاه يلبس عليه صلاته وكيف يطرده بالخشوع، حتى يعود مفلسًا لا شيء معه مسروقًا من صلاته (8).

- عرفيه أن من آخر وصايا حبيبه صلى الله عليه وسلم له ولكل المسلمين وهو على فراش الموت يتصبب عرقًا من أثر سكرات الموت كانت الصلاة، فهل يعقل أن يضيعها مسلم!

ثالثا: تسهيل الشعائر والتحميس لها
- سهلي له الصلاة بالرُّخَص وقت الرُّخَص فيحبها أكثر وأكثر، ولا تشددي عليه بلا سند شرعي وبلا إجماع، الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، الصلاة في النعال مثلاً، لا تمنعيه عنها وتقولي "لأ دي في الشارع بس!"، والمسح على الجورب مثلاً، لا تمنعيه عنه وتقولي لأ دة في البرد بس!"، بل علميه شروطهم وموانعهم وتابعيه حتى ينضبط أمره فيها وتتأكدين أنه يمسح خمس مرات فقط بعد نقض وضوئه في غير السفر، وليس يمسح 47 مرة، كذلك لا مانع من الوضوء بالماء الدافئ أحيانًا -وليس دائمًا من باب الخشونة، كما سنتناول هذا الأمر إن شاء الله لاحقًا في مقالة "أولادنا والخشونة"-.

- اسمحي له أن يصلي في المكان الذي يحبه من البيت، لا داعي لتحكمات لا مبرر لها تورث النفور من الأمر لا شك.. اجعليه يختار معكِ السور التي يحب أن يسمعها منكِ في الصلاة الجهرية -تنويه: عندما أتكلم عن صلاته معك في البيت، أقصد في مرحلة ما قبل تعويده الصلاة في المسجد، على سبيل المثال حتى سن 7 سنوات.. أو أقصد أيضًا حالات من هم أكبر من ذلك، لكن الوالد غائب عن البيت فترات معينة فلا أحد يأخذه للمسجد ليصلي-.


- شجعيه على صلاة الجماعة التي في البيت بأن تقولي له دومًا إذا كسل عنها: "معقول! أيوجد مسلم عاقل يخيروه بين أن تُكتَبَ صلاته مرة واحدة أم 27 مرة، فيختار بنفسه وبإرادته الحرة أن تُكتَبَ مرة واحدة فقط! هيا هيا يا رجل استعذ وقم إلى جواري نصلي".

- وشجعيه على صلاة الجماعة في المسجد بأن تقولي له: "حبيبي إياك أن تفوتك ضيافة الرحمن لأحبائه في بيته عز وجل، لن تجد في كرمه على الإطلاق" -كما تحدثنا في المقالة الأولى "أولادنا والأوامر"-، وأفهميه الحقائق الشرعية بلا تدليس –عذرًا- فلا تقومي بليِّ عنق النصوص أو بإخفاء خلافٍ معتبرٍ في مسألة ما لتتحكمي فيه وترغمينه على اتباع أوامرك، سيعلم الحقيقة لاحقًا ويفقد الثقة بك، أفهميه أن حكم الصلاة في المساجد فيه خلاف معتبر بين العلماء، لكن المسلم الحق متبع لكل السنن النبوية بغض النظر عن حكمها أو التشديد في أمرها..

قولي له على سبيل المثال أن المسلم يكفيه فقط أن يعرف أن ترك الرجال للصلاة في المسجد أمر يحزن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ويغضبه، حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان يود أن تقام الصلاة في مرة ثم يترك أحدًا مكانه في الصلاة ويذهب بنفسه ليحرق بيوت تاركي صلاة المسجد على ساكنيها، وأن المسلم الحق يكفيه فقط أن يعرف أن الناس كلها يوم القيامة خارج ظل عرش الملك عز وجل إلا سبع أصناف من البشر، من بينهم رجل قلبه معلق بالمساجد، أفهميه أن تلك الكلمات فقط كافية جدًا عند المسلم راسخ الإيمان.. -إن شاء الله في مقالة مستقلة نفرد مساحة أكبر لتجربتي أنا وزوجي مع أولادنا فيما يخص الصلاة في المسجد-.

رابعًا: داخل الصلاة.
- أتمي حركات الصلاة، أتمي القيام والركوع والسجود، واطمئني في صلاتك، «..حتى تطمئن..» (صحيح البخاري:6251)، كما جاء في الحديث.

- في الاستغفار والتسبيح أثناء الركوع، تعمدي تعلية صوتك بقدر يسير جدًا -همس مسموع لا أكثر- (6)، وحققي الحروف ببطء وسكينة حتى يتعلم ابنك عمليًا الخشوع..

- كذلك في السجود حتى يسمعك تحققين حروف التسبيح براحة ويشعر بالسكينة منبعثة من حركاتك وكلماتك، ويسمعك تهمسين بدعاء طيب، حبذا لو كان دعاء للآخرة لا الدنيا، فيتعلم منك عمليًا حمل هم الآخرة على الدوام، ولا مانع أن يسمعك في مرة تخصينه بدعوة طيبة في سجودك، على سبيل المثال: "اللهم إني أحب ابني فأحبه"، أو "اللهم ارزق ابني كل ما يتمنى من خيرات"، أو "اللهم اهد ابني ووفقه لحفظ كتابك"، إلخ.

لكن قطعًا إذا قال لك بعد الصلاة: "أماه لقد سمعتُك وأنت تدعين لي بكذا وكذا" فيجب أن تتصنعي البراءة وقتها وتقولين له على الفور: "حقا سمعتني!؟ أنا أعتذر منك بني، في المرة القادمة سأخفض صوتي أكثر لأن المصلي لا ينبغي أن يشوش على صلاة من يقف إلى جواره"، وتكون مجرد فترة تعليمية مؤقتة فقط وطريقة تضاعفين بها خشوعك أنت أيضًا إن شاء الله -عن تجربة-.

- وأفهميه أنه كلما أطال الركوع والسجود، كلما تساقطت عن عاتقه الذنوب، فإن كان قد بقي شيء من ذنوبه بعد الوضوء، فالركوع والسجود محطة ثانية يتخلص فيها تمامًا من البقية، لذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن: «الصلوات الخمس كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» (السلسلة الصحيحة:1920)، في الحديث الصحيح: «إن العبد إذا قام للصلاة أُتِيَ بذنوبه كلها على عاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه».

- حققي الهيئة النبوية للصلاة تمامًا، «صلوا كما رأيتموني أصلي» (صحيح الجامع:893)، -اشتروا كتيب محقق صغير عن هيئة صلاة النبي واقرأوه سويًا-.

خامسا: بعد الصلاة.
- ابتسمي ابتسامة رضا وسعادة وانشراح كبير بعد الصلاة وأنتِ لا زلتِ جالسة على الأرض في مصلاكم، وقولي: "الله على الجمال والراحة والسكينة، قلبي سعيد ومغتبط جدًا، النبي صلى الله عليه وسلم كان محقًا إذ قال أن الصلاة قرة عينه"، سيتبرمج عقله تدريجيًا بالتكرار إن شاء الله، وأنتِ كذلك..

- امكثي قليلاً على سجادتك قبل المغادرة –ولو حتى فريضة واحدة في اليوم في وقت ليس بذروة- ثم سبحي وادعي ويؤمن على دعائك، واتركيه مرة يدعو هو وتؤمنين على دعائه..

- صممي جدول أسبوعي بمواقيت الصلاة بالساعة بالضبط، وارسمي خمس خانات أمام كل فريضة..
(مثلاً: 1- النظافة والطهارة، 2- الصلاة على وقتها، 3- إتمام الحركات، 4- عدم الحركة كثيرًا، 5- سنن الصلاة قبلها وفيها وبعدها)، وكل خانة في أولئك الخمسة تأخذ نجمة لاصقة -ستيكر- ملونة بلون مختلف عن الخانات الأخرى في كل فريضة -اشتري نجوما بخمسة ألوان-، وهكذا تفعلين مع كل صلاة في اليوم والليلة لمدة أسبوع، ثم تقومون بعدّ النجوم في نهاية الأسبوع، ويرى بنفسه أكثر لون ظاهر وواضح في الجدول وأكثر لون نادر -ارتباط ذهني بالصورة هام ومفيد-.

ويظل هذا الجدول معلقًا بجوار الجدول الجديد للأسبوع الجديد، حتى يكون حافزًا له على التحسن أكثر في الألوان النادرة، وعليكي تنبيهه والتأكيد عليه دومًا أنه سيرى في صحيفته التي سيحملها بيده يوم الحساب جدولاً مشابها لهذا الجدول -حتى يتعلم الإخلاص عند إحصاء نجومه الجميلة-.

- في حالة أنه قد صلى وحده وكسل عن صلاة الجماعة، ووجدتيه يختلس صلاته ويسرع فيها ولا يتم حركاتها، أجلسيه إلى جوارك برفق ولين وقولي له: "أي بنيْ! هل تعلم ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم على صلاتك؟ قال عنها "نقر كنقر الغراب"، -وارسمي علامات امتعاض على وجهك أنفةً من هذا التشبيه، ثم أكملي-، هل تدري ماذا فعل صلى الله عليه وسلم مع من صلى مثل صلاتك تلك؟ النبي جعل الرجل يعيد صلاته أكثر من مرة حتى أقامها صحيحة، ارجع فصلِّ فإنك لم تُصَلِّ، لكن حاولي عدم تكرار هذا الأمر كثيرا لأن ابنكِ بالفعل لا زال في مرحلة التعليم لا التكليف، ولا نريد أن يصيبه الإحباط واليأس، حاولي أن تغضي الطرف أحيانًا كثيرة بعد التوجيه، كما لو كنتِ لا تبصرين، العبرة -كما قلنا في المقالة الأولى- بالدعاء والصبر والتكرار والرحمة.

وأخيرًا: وبشكل نمطي متكرر، وبمناسبة وبدون مناسبة:
- علميه أن أول ما سيحاسب عليه هو الصلاة، إن فسدت فسد باقي عمله ولا ينظر فيه (7).
وعلميه أن السنن الرواتب لأجل ذاته لا أحد سواه، فما ينقص من صلاته ينجبر بها برحمة الله وفضله، ومن منا كملت صلاته!

- علميه أنها عمود الخيمة ووتدها، أحضري له (ملاية) وضعي تحتها عصا منصوبة، ثم انزعي العصا ليرى بأم عينه كيف ينهار البناء بلا وتد، من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، وفي كل حين يضيع الصلاة ذكريه بجملة واحدة "أنت هكذا تهدُّ الخيمة كلها فوق رأسك يا مؤمن".

- علميه أن ديننا جعل الصلاة حلاً لكل المشاكل..
عندنا طلب وحاجة، هناك صلاة للحاجة.
عندنا حيرة كبيرة من أمر ما ولا نستطيع أن نحسمه أو نريد أن نطمئن لاختيارنا هناك صلاة الاستخارة.
في بلدنا كسوف ٌللشمس مقلق هناك صلاة الكسوف.

عندنا صدقات كثيرة نريد أن نؤدي حقها ولا نملك نقودًا هناك صلاة الضحى نتصدق بها عن كل مفصل في جسدنا يوميًا، في بلدنا جفاف وقحط والماء شحيح هناك صلاة الاستسقاء.
عندنا قلب متعب مرهق خائر القوى يشكو الران هناك صلاة القيام تريح الروح وتصفي النفس وتغسل القلوب.

- اجعليه يشعر بكل الفخر أن ديننا هو الدين الوحيد الذي يتصل فيه المسلمون بخالقهم خمس مرات في اليوم والليلة، ومن استزاد من السنن استزاد من النعيم، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه..
وصدق من قال: "عجبتُ لمن يبحث عن السعادة ولديه خمس صلوات في اليوم والليلة"!

ـــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) ليس بحديث ولكن قول للحسن البصري: "من أراد أن يكلمه الله فعليه بالقرءان -على اعتبار انه كلام الله- و من أراد أن يكلمه الله فعليه بالصلاة -على اعتبار الحديث القدسي: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} قال الله حمدني عبدي..» ألخ.

(2) من حديث حسن.

(3) لا يهم كون العطر بكحول أو غير، لأن الخلاف قائم حول نجاسة الكحول عينًا، فالبعض يراه عين نجسة فى ذاته فلا بد من تطهير الثوب منه والجسد عند الصلاة، والبعض لا يراه عينًا نجسة وبالتالي لا يبطل الصلاة.

(4) روى البخاري ومسلم وابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، وكفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن: «التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، -فإنه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض- أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله»".

(5) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» وفي رواية: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي» (رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة) والآيات: [الفاتحة:2-7].

(6) {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء من الآية:110].

(7) ورد في الحديث الصحيح: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك»، ومن معانى الحديث أن تارك الصلاة لا يقبل منه أي عمل صالح حيث جاء في إحدى روايات الحديث: «فإن قبلت منه قبل سائر عمله، وإن ردت عليه رد سائر عمله»، وقد ذكر هذه الرواية الألباني في الصحيحة: «أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإذا صلحت صلح سائر عمله وإذا فسدت فسد سائر عمله» (من المجلد 1-3 موسوعة الدرر، (2/240) برقم:1859، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة برقم (1358).

(8) خنزب هو اسم شيطان خبيث عدو الخشوع في الصلاة، جاء فى الحديث الذي رواه مسلم أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثًا»، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني".

(9) في الحديث الذي صححه الألباني: «أقيموا الصفوف، وحاذوا المناكب، وسدوا الخلل -الفتحات-، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات -فتحات- للشيطان، ومن وصل صفًا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله»، وفي حديث مسلم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟» فقلنا: "يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأول -بضم الهمزة جمع الأول بفتح الهمزة-، ويتراصون في الصف»".

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام