وفي رمضان فساد إعلامي أيضا!!

منذ 2008-09-14

والمهم أن يكون لدى الإسلاميين دور فعَّال في إدارة هذه الحقبة الزمنية الرمضانية بنوع من الرؤى والتصورات الإعلاميَّة الرشيدة الفاعلة والفعَّالة في عصر التواصل المعلوماتي والتأثير الفكري. ...


ما أن يبزغ هلال شهر رمضان؛ حتى لا تنفك كثير من وسائل الإعلام المرئيَّة والمسموعة والمقروءة، بتقديم رصيدها الإعلامي الذي جمعته خلال عام كامل منذ أن انصرم شهر رمضان السابق، وهكذا في كل الأعوام، فحالة الإعداد والتجهيز والتحضير والتصوير والتقديم لأناس متخصصين في عرض المسلسلات والأفلام والمهرجانات تجري على قدم وساق لكل شهر رمضان قادم!!

تلك حالة مشاهدة يغنينا عنها الرصد والتتبع والاستقراء للكم الإعلامي المعروض الهائل، والذي يلاحظه أدنى مشاهد للقنوات الفضائية، حيث يتناوب كثير من فناني وفنانات الإعلام على تقديمها مع بدء شهر رمضان المبارك!

حقاً .. إنَّها حالة محمومة يتسابق فيها المفسدون بشتَّى أجناسهم وطبقاتهم؛ لتوظيف الناس وإشغالهم في هذا الشهر الكريم لمتابعة برامجهم الساقطة، مع دسِّ السمِّ في العسل حينا، بعلَّة أنَّ تلك البرامج اجتماعيَّة أو ترفيهيَّة أو تعرض فيها المسابقات والفوازير الرمضانيَّة!

ولعلِّي أستعرض شيئاً من هذا القبيل لعرض شيء مما لدى الإعلام العربي الذي يقدِّم علانية في شهر رمضان المبارك مقابلات مع بعض (قليلات الأدب والحياء) على فضائياتنا العربية:

ـ في إحدى القنوات والتي عرضت برنامجاً بعد الإفطار في شهر رمضان المبارك حيث يستضيف الممثلين والممثلات، استضاف في إحدى حلقاته إحدى الراقصات، فسألتها مقدمة البرنامج: كيف وصلت إلى ما وصلت له من مجد؟! فأجابت هذه الراقصة: أنا هربت من أسرتي وعمري 12 سنة ومارست حياتي! حتى وصلت وأصبحت فلانة صاحبة الشهرة والملايين!!

ثمَّ سألتها المذيعة: أنت تزوجت 3 مرات رسمياً و4 عرفياً ؟ فقالت: لا بل 4 رسمياً و7 عرفياً!!

هكذا تقدم بعض فضائياتنا العربية قليلات الحياء والأدب والدين في شهر رمضان ليتحدثوا عن مجدهن الملطَّخ الذي مارسوا فيه حياتهن بكلِّ حريَّة!

ـ وفي برنامج آخر في شهر رمضان سئلت إحدى الفاسقات عن عدد مرَّات الزواج؟ فقالت أربع رسمياً أمَّا العرفي فلا أعرف له عدداً.

فسألوها لم كل هذا العدد؟ يبدو أنَّ العيب في الرجال؟!، فقالت: لا العيب في نظام الزواج لأنَّه نظام بالٍ ومتخلِّف عفاه الزمن!! (مجلة البيان عدد 141: صـ 39).

ـ يقول الدكتور أحمد المجذوب أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة في ندوة له في مجلة البيان عدد 141 ص 36 إحدى القنوات التي كانت تقدم إعلاناً للتعارف من أجل الجنس تبدأ من الثامنة حتى الحادية عشر ثمَّ تشفّر قبل رمضان بيومين، فتحت إرسالها لمدة (24) ساعة في اليوم بأفلام جنس صارخ طوال الشهر المبارك، وظل الإرسال حتى رابع أيام العيد ثمَّ شفِّرت مرة أخرى!، ويبدو أنَّ البعض اشتكى فاعتذرت القناة بأنَّ آلة التشفير تعطَّلت ولكن مراسل (الإندبندنت) علَّق قائلاً: لقد كان أسلوباً فجَّاً أن تظهر هذه القناة قبل رمضان بيومين ثم تذيع على مدى اليوم كله موجهة للعالم الإسلامي خلال الشهر كله، وذلك طبعاً إفساد للشباب المسلم كي ينتهك حرمة الشهر الكريم!!

هذه نماذج مثيرة وجزء من كل، عرضتها لإيقاظ أصحاب القلوب بأنَّ وراء الأكمة ما وراءها، وأنَّ أرباب هذه القنوات والبرامج الفاضحة يريدون من ورائها أن يفرغوا رمضان من محتواه الحقيقي ويتحوَّل إلى موسم ومناسبة للأكل أو المسلسلات أو المسابقات التافهة، كما يقول الكاتب فهمي هويدي: بأنَّ "هؤلاء يريدون من رمضان أن يكون موسم ومناسبة أشبه بالكريسماس الذي يفترض أنه احتفال بذكرى ميلاد المسيح وتحول إلى موسم للتبضع وحفلات اللهو واختفى كل ما هو ديني وهيمن الدنيوي فهم علمنوا مناسبة ميلاد عيسى، ويريدون المضي من المسلمين على هذا النحو ذاته ليكون تراجع تدريجي للعقدي والإيماني في هذا الشهر وتصاعد مقابل لكل ما هو مسل وعبثي ودنيوي من خلال الإعلام العربي"ا.هـ

وأتساءل:  أن نجد هناك فنَّانين وفنَّانات عرف عنهم الفسق وقلَّة الحياء، يعرضوا في رمضان برامج تراثيَّة دينيَّة فيقوموا بتمثيل دور الأنبياء أو الصحابة أو التابعين، ويدسوا السمَّ في العسل، مدَّعين أنَّهم يقوموا بدور توعوي رمضاني.

إنني أتساءل: ما الذي يريده أصحاب هذه البرامج الموبوءة بالعهر والتثني، والرقص والتغني؟ ولم نجوم الدراما يتسابقون للحاق بخريطة رمضان التلفزيونيَّة بأشكال عديدة من البرامج التي يبدو من ظاهرها أنَّها اجتماعية أو فوازيريَّة أو حواراتيَّة، وأمَّا بواطنها فإثارة للشهوات، وتهييج للغرائز، قاضين أوقاتهم لأجل ذلك ما بين التصوير والمونتاج، والماكياج والمكساج؟!

وما الفائدة من عرض قصص الحب والغزل في شهر رمضان الكريم المأمور بقضاء الوقت فيه بذكر الله وعبادته والتصدق فيه وإطعام الطعام للفقراء والمساكين وخدمتهم وقضاء حوائجهم؟

ولم تعرض تلك البرامج التراثيَّة بالصورة التي تشوِّه المجاهدين الأقدمين والعلماء الأسبقين؟
إني لا أفهم من ذلك إلاَّ ما أخبرنا عنه ربّ العزة والجلال حين قال ـ وقوله الحق والصدق ـ: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} [سورة النساء: 27].

لقد كان الفسقة الأقدمون يدارون الناس ويسايرونهم في شهر رمضان ولا يجرؤوا أن يبدوا ما لديهم من فساد ، فهذا أبو نواس الشاعر الماجن كان يستحي من إظهار المعصية في شهر رمضان ويقول:

منع الصوم عقاراً وذوي اللهو فغارا
وبقينا في سجون الصوم للهم أسارى
غير أنَّا سنداري فيه ما ليس يدارى


وأمَّا فسَّاق هذا الزمن فإنَّهم لا يجاملون النَّاس، بل يبدون كلَّ ما لديهم من فسق ومجون، بل قد تجدهم يتحيَّنون فرصة قدوم شهر رمضان المبارك لصرف الناس عن العبادة، ويختارون أوقاتاً جديرة بصرف القلب والقالب فيها للعبادة والطاعة، فيختارون قبل وقت الإفطار وهو الوقت المشروع للعبادة والدعاء، ويختارون ما بعد صلاة المغرب، وكذا التراويح؛ وذلك لعرض ما لديهم من برامج إعلاميَّة مغرضة، كما أنَّ كثيراً منهم من يختار وقت صلاة الجمعة لبثِّ البرامج الخليعة والسيئة لصرف قلوب الشباب والناس عن طاعة الله وعبادته في هذا الوقت الجليل.

إنَّها دعوة لأصحاب هذه القنوات، ومنتجي هذه البرامج أن يعودوا إلى ربِّهم ويؤوبوا إلى بارئهم قبل أن يأتيهم الموت بغتة، فتقول نفس يا حسرتا على ما فرَّطت في جنب الله، ويا ويلتا على ما حملته من أوزاري وأوزار الذين أضللناهم بعلم وغير علم.

• دور الإعلام الإسلامي في شهر رمضان الكريم:

لا ريب أنَّ الإعلام هو السلطة الرابعة ولا أبالغ إن قلت إنَّ سلطته في هذا الزمن تعادل سلطة القوى والمنظومات السياسية، فالناس في هذا الزمن على دين إعلامهم، وما يبثّه الإعلام هو الشيء الذي ستجده مكرّساً في أخلاق الناس وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم ـ إلا ما رحم الله وقليل ما هم ـ.

وعبر الفضائيات الفاسدة التي يمرّر من خلالها هذا العفن الفنِّي، والتي تخلط في كثير من الأحيان العهر بالثقافة ينبغي أن نعترف نحن الإسلاميين بأنَّ هذه البرامج استقطبت واجتذبت الكثير والكثير من المشاهدين المسلمين.

وعليه فما أجدر الإسلاميين أن يكون لهم دور قوي واضح وحيوي ومثير في زمن تصارع القوى الإعلاميَّة، بتقديم البديل الإسلامي الجيد والجديد والمفيد في ساحات القوى الإعلاميَّة، كي يتقن فنَّ اقتياد المشاهدين ، فنحن في عصر التأثير الثقافي والإعلامي ولا شك، والمهم أن يكون لدى الإسلاميين دور فعَّال في إدارة هذه الحقبة الزمنية الرمضانية بنوع من الرؤى والتصورات الإعلاميَّة الرشيدة الفاعلة والفعَّالة في عصر التواصل المعلوماتي والتأثير الفكري.

ومن الملامح الهامَّة، والمباح المتواضعة التي نستطيع أن نقدِّم من خلالها بديلاً منضبطاً، ونواجه بها الغزو الإفسادي الإعلامي:

ـ أهميَّة الثبات على منهج أهل السنَّة والجماعة وعدم التنازل تحت ضغط الواقع.

ـ محاولة تقديم البرامج المتميزة والجديدة الجادة غير المكررة فالتكرار وخصوصاً في الجانب الإعلامي يحرق الورقة التي تراهن عليها القناة أو البرامج الإعلامية الإسلاميَّة، في قيمة برامجها ذات الأهميَّة والتجديد المفيد، مع التنبيه على أهميَّة الابتكار والتجديد والإبداع التطويري للبرامج الإعلاميَة الإسلامية الهادفة، ومحاولة إضفاء الجديد عليها وتقديم البرامج الخاصَّة.

ـ الموضوعيَّة وإضفاء المنهجيَّة المنطقيَّة التي لا تنحرف مع الاتِّجاهات المنحرفة.

ـ المصداقيَّة وتقديم البرامج التي تعالج القضايا بعلمية وعملية بروح واقعيَّة.

ـ الإثارة والتشويق بنَفَسٍ إسلاميَّة مرنة ومتزنة ومنضبطة بمنهج أهل السنَّة والجماعة.

ـ استخدام أسلوب الترفيه المباح، واللهو الجائز، فكثير من النفوس ميَّالة بطبعها إلى الترفيه واللهو، فإن لم يكن في هذه القنوات الفضائيَّة ما يشغل هذه النفوس باللهو المباح، فإنَّ الناس سيقبلون على ما عداها من القنوات الفضائيَّة الفاسدة.

ولا ريب أنَّ الأولى في شهر رمضان الانشغال بالعبادة والطَّاعة، ولكنَّا ـ شئنا أم أبينا ـ فسنجد أنَّ هناك نفوساً ميَّالة بطبعها إلى الترفيه، فلئن نصرفها إلى اللهو المباح أفضل من الإقبال على الغير من فساد ساقط.

ـ تقديم المباح على الأقل، وتقديم ما يثري النفس ويثيرها لطاعة الله تعالى، بشكل يحفِّزها على ذلك ويدفعها للابتعاد عن المعاصي، ورحم الله الإمام ابن تيميَّة إذ يقول: "وكذلك كل ما يعين على طاعة الله من تفكر أو صوت أو حركة أو مال أو أعوان أو غير ذلك، فهو محمود في حال إعانته على طاعة الله ومحابه ومراضيه، ولا يستدل بذلك على أنه في نفسه محمود على الإطلاق، ويحتج بذلك على أنه محمود إذا استعين به في طاعة الله، ولا يحتج على ما ليس من طاعة الله بل هو من البدع في الدين أو الفجور في الدنيا" (الاستقامة لابن تيمية :291).

ـ تغذية الذهن والفكر بما يزيد من رصيده المعرفي.

ـ تعرية الأفكار المنحرفة، واستقطاب المتخصص كلَّه، المنهج العلمي النقدي الرفيع عن التهم والحدَّة في النقاش.

ـ تربية الناس على معالم الرقابة الذاتية، وتقوى الله في السر والعلن، وكما قال أحد المفكرين: "حبَّذا أن نقدِّم في هذا الزمن التذكير بأهمية بناء المناعة على أسلوب المنع، وإشعار الناس بأهميَّة عبوديَّة المراقبة، فتربية النفس على صراع الشهوات، ومعاركة وسواس الشيطان، سيجد صاحبها من خلال ذلك ألم وقسوة، إلاَّ إنَّها ستكون مرارة يعقبها لذَّة وارتياح بال واطمئنان ضمير".

ـ محاولة فضح فساد القنوات المفسدة وتحذير رجال الأعمال والملاَّك من دعمها.

ـ بعث الرسائل الخاصَّة لأصحاب هذه القنوات ومموِّليها وتذكيرهم بالله، وأهميَّة الرجوع للحق، واستخدام أسلوب الرفق واللين فهو أحرى بهم وأولى وأنفع.

ـ تحذير فئة الشباب والفتيات من هذه القنوات وإعلامهم بمقاصد أصحابها، وأنَّ من أولوياتهم في ذلك محاولة صرف الشباب عن دين الصحيح لمتابعة ما يبث عبر هذه القنوات من شهوات وشبهات.

لعلَّ الله يجعل من وراء هذه الملامح الخير كلَّه، وأن يهدي في هذا الشهر الكريم ضال المسلمين، ويردهم إليه رداً جميلاً، إنه أعظم مأمول، وبالله التوفيق.
[email protected]
ـــــــــــــــ
باحث وداعية فلسطيني.



المصدر: طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 16,977
  • مقهور

      منذ
    لم يعجبني: قليلات الأدب والحياء - من يتحدث عنهم المقال هم عديمات الادب و عديمات الحياء "أن نجد هناك فنَّانين وفنَّانات عرف عنهم الفسق وقلَّة الحياء، "؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الفسق لا يجتمع ابدا مع من فى قلبه ذره من حياء
  • فائزه

      منذ
    [[أعجبني:]] ان هذا المقال رائع وجعله في ميزان حسناتك وندعو الله ان يحفظ اولادنا وبناتنا من سر هذه الفتن
  • فاطمة محمود

      منذ
    [[أعجبني:]] المقالة كتبت بصدق وفعلا أصحاب النفس الشهوات والنفوس الضعيفة يتبعون مثل هذة الفئة اللهم ثبت قلوبنا على طاعتك واعنا على ذكرك وشكرك وحسن طاعتك

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً