وقفات تدبرية في سورة السجدة - (18-19)

منذ 2015-04-26

من باب العدل والإنصاف إعطاء كل ذي حق حقه، وعلى مدراء المؤسسات والمشاريع، التفريق بحسب الكفائة والتفاني والإخلاص في العمل والبذل والعطاء.. أحد أسباب تخلف وتأخر الأمة، وانتكاس كثير من الشباب هو تقديم المحسوبيات على الكفاءة والخبرة، حتى صار السافل عاليًا والعالي سافلاً!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
لما كان موضوع السورة الخضوع، ومادتها اليقين بحقائق الإيمان؛ قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18]، ينبه تعالى العقول على ما تقرر فيها من عدم تساوي المتفاوتين المتباينين، وأن حكمته تقتضي عدم تساويهما فقال: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا} قد عمر قلبه بالإيمان، وانقادت جوارحه لشرائعه، واقتضى إيمانه آثاره وموجباته، من ترك مساخط الله، التي يضر وجودها بالإيمان، {كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} قد خرب قلبه، وتعطل من الإيمان، فلم يكن فيه وازع ديني، فأسرعت جوارحه بموجبات الجهل والظلم، من كل إثم ومعصية، وخرج بفسقه عن طاعة الله.. أفيستوي هذان الشخصان؟ {لَا يَسْتَوُونَ} عقلاً وشرعًا، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلمة، وكذلك لا يستوي ثوابهما في الآخرة (السعدي).

من هداية الآية:
من باب العدل والإنصاف إعطاء كل ذي حق حقه، وعلى مدراء المؤسسات والمشاريع، التفريق بحسب الكفائة والتفاني والإخلاص في العمل والبذل والعطاء.. أحد أسباب تخلف وتأخر الأمة، وانتكاس كثير من الشباب هو تقديم المحسوبيات على الكفاءة والخبرة، حتى صار السافل عاليًا والعالي سافلاً!

المجتمع الآن للأسف ينظر لمن معه مال ومنصب وتجارة وجاه وقوة، أكثر من نظره إلى العالم والخبير وصاحب الفكر والعقل في نفع الأمة! المؤسسة التي لا تعامل موظفيها على أساس المهنية والكفاءة والتفاني بغض النظر عن جنسه ولونه وعمره؛ مآلها الفشل ولو بعد حين!

أخبر عليه الصلاة والسلام أن الموازين ستنقلب، ويوسد الأمر لغير أهله، ويتصدر المشهد من لا خلاق لهم، يقول عليه الصلاة والسلام: «لا تقومُ الساعةُ حتى يكونَ أسعدَ الناسِ بالدنيا لُكَعُ ابنُ لُكَعٍ» (صحيح الجامع برقم 7431).
في اليابان يعطى لقب (سعادة) للمعلم، من باب التقدير المعنوي وتثمينًا لدوره الهام في نهضة المجتمع.

وعندما سُئل إمبراطور اليابان عن أسباب تقدم دولته في وقت قصير، أجاب: "بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير"!

لا ينبغي أن نساوي في التعامل أو المكانة والتقدير والمكافئة؛ بين المؤمن والفاسق، العالم والجاهل، الأمين والخائن، الصادق والكاذب، المتقن والمهمل، الحريص والمغفل، المجتهد والخامل، المثابر والكسلان! بعد أن نفى استواءهما أتبعه بذكر حال كل منهما على سبيل التفصيل؛ قال تعالى: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:19].

قُرن لفظ الإيمان بالعمل الصالح في القرآن خمسين مرة، في إشارة ودلالة لأهمية الأعمال ليس فقط الإيمان المجرد بالقلب واللسان، فلا بد من أعمال صالحة تصدق حقيقة الإيمان، كما يقول الحسن البصري: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال".

"والنزُل هو المكان المعَدّ لينزل فيه الضيف الطارئ عليك؛ لذلك يسمون الفندق (نُزُل)، فإذا كانت الفنادق الفاخرة التي نراها الآن ما أعَدَّه البشر للبشر، فما بالك بما أعدَّهُ ربُّ البشر لعباده الصالحين؟" (الشعراوي).

من هداية الآية:
الإيمان أصل سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وجماعها التقوى، كما قال الحطيئة:

ولست أرى السعادة جمع مال *** ولكن التقي هو السعيد
فتقوى الله خير الزاد ذخراً *** وعند الله للأتقى مزيد
وما لا بد أن يأتي قريب *** ولكن الذي يمضي بعيد

أهمية الأعمال الصالحة مع الإيمان، ولا يكفي مجرد ادعاء الإيمان والصلاح دون عمل.
أن الدنيا دار ممر، وأن الآخرة دار الإقامة الأبدية.

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: "إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فاليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل".

قال أحد الزهاد: "لو كانت الدنيا ذهبًا يفنى، والآخرة خزفًا يبقى، لآثر العاقل خزفًا يبقى على ذهب يفنى، فكيف والدنيا أقل من خزف والآخرة أكثر من ذهب"!

قال عيسى عليه السلام: "الدنيا قنطرة اعبروها ولا تعمروها".
ولله در امرأة فرعون (آسيا بنت مزاحم رضي الله عنها) ما أعقلها، عندما طلقت الدنيا وما فيها من القصور والدور ومتاع الغرور، والتجأت لله العزيز الغفور، حتى: «إن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها، فكان إذا تفرقوا عنها ظللتها الملائكة، فقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم من الآية:11]، فكشف لها عن بيتها في الجنة» (السلسلة الصحيحة).
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

  • 2
  • 0
  • 4,287
المقال السابق
وقفات (16-17)
المقال التالي
(21، 22)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً