حوار مع الداعية الإسلامي خباب الحمد

منذ 2008-10-14

حوار قوي وجريء وبه من النفع الكثير إن شاء الله


س1) بداية نحب أن نتعرف عن بطاقة تعريف للكاتب خباب الحمد؟

ج1) بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يحمد، وصلى الله وسلم على أفضل المصطفين محمد، وعلى آله وصحبه ومن تعبد أما بعد:
أشكر مجلة منتديات أنا المسلم مبادرتها وكريم استضافتها لي، وأهنئ الإخوة في منتديات أنا المسلم بهذه المجلة الولود، ونسأل الله تعالى أن يأجركم الخير، ويجزل لكم الثواب.

أخوكم في الله خباب بن مروان الحمد، نجدي النشأة والولادة، وفلسطيني الجنسية، وبلادي هي كل بلاد المسلمين:
وأينما ذكر اسم الله في بلد *** عددت ذاك الحمى من لب أوطاني

درست الابتدائية في مدارس الإمام نافع لتحفيظ القرآن، ثم أكملت المتوسطة والثانوية في المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وواصلت التعليم الجامعي وانتهيت منه، في جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية (قسم الدراسات الإسلاميَّة).

متزوج ولدي ولدين الأول عبد الله والثاني مروان أصلحهما الله.

منَّ الله عزَّ وجل عليَّ بمحبَّة العلم الشرعي تزامناً مع قراءة التاريخ والدراسات الفكرية والاستراتيجية، ولا زلت إلى هذا الوقت أطلب العلم على قصور في الطلب، وأسأل الله التوفيق والسداد، ومن مشايخي الذين أعتز بهم والدي حفظه الله حيث أتممت على يديه حفظ القرآن الكريم، ثمَّ قرأته نصفه على شيخنا إيهاب فكري المصري وهو حالياً المدرس في الحرم النبوي الشريف، ومن العلماء الذين تلقيت عنهم العلم شيخنا الزاهد العالم حمود بن عقلاء الشعيبي ـ رحمه الله ـ والشيخ العلاَّمة عبد الله الجبرين، والشيخ الفقيه ناصر الطريري، والدكتور عبد الله المطلق، والشيخ الدكتور محمد صدقي البورنو، والشيخ عبد الله السعد، والشيخ عبد العزيز بن قاسم القاضي في المحكمة الكبرى في الرياض، والدكتور عدنان علي رضا النحوي، والشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي، وغيرهم من أهل العلم والفكر والفضل حفظهم الله ورحم من توفي منهم ( وكل هؤلاء العلماء قرأت عليهم كتباً كاملة أو حضرت لديهم ما يقارب السنتين اهتماماً بدروسهم وحرصاً على التعلم منهم).

وبخصوص العمل فقد شغلت في العديد من المواقع الالكترونية والمجلات الإسلاميَّة، ولا زلت متواصلاً مع بعضهنَّ، بإرسال بعض المقالات وكتابة بعض الأبحاث، والقيام بلوازم التحرير الصحفي، وما شابه ذلك.

س2) لكم اهتمام بارز بالدراسات السياسية والبحوث الإستراتيجية؟، هلاَّ أعطيتمونا نبذة عن نماذج لهذه الدراسات وما هي فائدتها للشباب المسلم؟

ج2) لا زلت على قناعتي بأنَّ طالب العلم ينبغي أن يدرك الوضع الحالي الذي يدور في فلكه، لكي يكون مرتبطاً بالواقع المعاصر، ويفهم هذا الواقع بناء على الأسس والقواعد المنهجية، والمنطلقات الشرعيَّة.

والمشكلة الكبرى أن نجد سياسيين بلا علم شرعي أو ثقافة إسلامية متكاملة، أو علماء أفذاذاً دون فهم للواقع السياسي أو الاقتصادي الذي يعيشون فيه، فكيف يستطيع ذلك العالم الكبير أن يصلح ويدعو إلى الله، ويقدِّر الأمور، ويدرك الأحوال، ويعرف طبيعة المستجدات، ويربطها بالمنهاج الرباني، ولقد حثَّ الله تعالى على معرفة الواقع ومخططات أهل الكفر والإلحاد، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [سورة الأنعام: 55]، فاستبانة سبيل المجرمين وطرقهم وألاعيبهم وأحابيلهم ومفكرهم من ركائز هذا الدين، وذلك: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [سورة الأنفال: 42].

«»

ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على معرفة بما يدور حوله، ونجده يقول لصحابته الكرام حين وجَّههم إلى الهجرة إلى بلاد الحبشة دون غيرها من البلدان وعلَّل ذلك بخبرته السياسيَّة والاستراتيجية قائلا: «إنَّ بها ملكاً لا يظلم عنده أحد فلو خرجتم حتى يجعل الله لكم فرجا» (فتح الباري(7/188)).

ولهذا فلم يبعث الله محمداً عليه الصلاة والسلام إلاَّ لكي يحدث نقلة أخرى وإدارة للثقلين الجن والإنس استنارة من نور الوحي والرسالة، فأشرقت الأرض بنور  ( لا إله إلا الله محمدا رسول الله) التي علم حينها كفار قريش بأنَّها ليست كلمة تقال، وإنما لها رصيد حيوي عقائدي سياسي جهادي في الواقع، حيث قلب الله بها موازين الأرض من ضلالات الكفر إلى مثاليات الإسلام.

ومن هذا المنطلق كنت ألزم نفسي برهة من الوقت في اليوم ولو لساعتين لمتابعة المستجدات على الساحة الإسلامية وغيرها من قراءات استراتيجيَّة ودراسات في التحليل السياسي لبعض القضايا الإسلاميَّة المعاصرة، ودراسة الداخل الغربي وكشف عواره، ومعرفة مخططاته.

ونحن في هذه العجالة وبهذا الحوار مع مجلتكم لا نستطيع أن ندلي بكل ما لدينا في هذا الشأن، إذ إنَّ ذلك متعسر حتما، ولكن يمكن أن أدلَّ شباب الإسلام على ركيزة أساس في هذه القضية، بعد ضرورة التأصيل الشرعي، وإدراك مناهج التلقي والاستدلال لدى منهج أهل السنة والجماعة، فللشباب أن يقرؤوا في الكتب المتخصصة في المجالات السياسية والفكر السياسي، وحين يطالع الشباب لهذه الكتب أو المجلات المتخصصة، يجدر بهم أن يدركوا أنَّه ليس من الضرورة أن يؤمن بكل ما هو في هذا الكتابة أو الكراسة السياسية أو الدراسة الاستراتيجية، بل عليهم أن يتقنوا أسلوب التفكيك والتركيب بتفكيك المعلومة، وتحليلها، ومن ثمَّ إعادة تركيبها من جديد بالطريقة السويَّة المستقيمة، ويعتمدوا على المنهج التحليلي لدراسة القضايا بعلم وأناة وحكمة وتريث، وأنصح بمطالعة كتابات الدكتور حامد ربيع، ود.عبدالله النفيسي، ود.سيف الدين عبد الفتاح، ود. حامد عبد الماجد قويسي، ود. عبدالعزيز مصطفى كامل، ود. غازي التوبة، ود. سفر الحوالي، ود. حامد العلي، ود. مازن مطبقاني، والشيخ إبراهيم العسعس، ود. باسم خفاجي، ود. كمال السعيد حبيب، والأستاذ منير شفيق، والأستاذ الشيخ محمد بن شاكر الشريف، والشيخ محمد قطب، ولا يعني تبني أي رأي قاله أحد هؤلاء الباحثين، بل المقصد دراسة ما كتبوه، لأنه وبوجهة نظري كتاباتهم مؤثرة في الساحة الإسلامية، مع غيرها من الكتابات الإسلامية الناضجة.

كما لا نغفل عن التذكير بوجود بعض المراكز للأبحاث والدراسات في مجال الاستراتيجيات السياسية، لكنَّ المشكلة أنَّ أغلب هذه المراكز تغلب عليها الأفكار الليبرالية أو التوجهات القومية (كمؤسسة الأهرام للأبحاث والدراسات)، ولكن يمكن للشباب الاستفادة من بعض المراكز المتخصصة بالأبحاث، ومن ذلك التقرير الإستراتيجي الارتيادي الصادر عن مجلة البيان الإسلامية، والأبحاث التي تصدر عن وحدة الأبحاث والدراسات في مجلة البيان الإسلامية، ومن ضمن أبحاث المراكز التي أحبذ أن يستفيد منها الشباب المتطلع الواعي (المركز العربي للدراسات الإنسانية)، ووحدة الأبحاث والدراسات التابعة لموقع (إسلام أون لاين)، و(المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب)، و(مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات)، و(المركز العلمي للدراسات السياسيَّة) وهناك مجلات علمية أنصح الشباب بمطالعتها ومنها: مجلة البيان الإسلامية، مجلة المنار الجديد، ومجلة المختار الإسلامي، ومجلة الإسلام اليوم، ومجلة المجتمع، فهي جيدة وتقدم فهما واعيا سياسياً لعموم الشباب المسلم المثقف والمتطلع لنصرة شؤون أمته ودينه.

ولو كان هنالك اهتمام في أخذ الدورات التطويرية المتخصصة في مجالات (التحليل السياسي)، (طرق استشراف المستقبل)، (فهم الاستراتيجيات المتخصصة)، (تنمية المهارات البحثية)، (البنية الاستراتيجية للمجتمع الدولي المعاصر)، (الاتجاهات العالمية للمدارس الإعلامية السائدة في العالم)، (الطرق العملية في إدارة الأزمات)، فمثل هذه الدورات المتخصصة ستعطينا أفقاً واسعاً لفهم أنضج وأعمق لما يجري حولنا من سياسات واستراتيجيات نحن بحاجة لدراستها على أسس علمية ومعرفية لكي نخرج بنتيجة صحيحة.

س3) أعلم أنكم من أهل فلسطين الأسيرة، هلا وضحتم للقارئ الوضع القائم في فلسطين اليوم؟

ج3) ما يجري في فلسطين اليوم أمام المرأى والمسمع من العالم أجمع، أمر يندى له الجبين، وتنهمر له دموع العينين، فهنالك محاصرة للمسلمين الثابتين وتضييق الخناق عليهم للرضوخ والاستسلام، وضرب قوى الجهاد والمقاومة، كما أنَّ هنالك مؤامرات تحاك عبر مؤتمرات دولية وعالمية ومحليَّة في فلسطين، للتطبيع الكامل مع العدو الصهيوني، والتسويق لفكرة السلام مقابل الأرض، وهنالك محاولة لعزل الأسرى والتضييق عليهم، فضلاً عن تهديد الأسيرات المسلمات في سجون العدو الصهيوني بالاغتصاب إن لم يتم الاعتراف منهن بما اتهمن به، كما يحاول المجرمون الصهاينة إسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين خرجوا من فلسطين عام 1948م، ولا ننسى ما يجري في القدس فهو أمر خطير، ومن ذلك التهديدات التي تهدده بالسقوط والتهاوي إلى الأرض، بسبب الحفريات الصهيونية الآثمة تحت المسجد الأقصى بحجَّة وجود هيكل سليمان المزعوم، الذي يعترف كثير منهم بأنَّه لا أساس لوجوده وأنهم لم يجدوه ولن يجدوه، بل وجودوا عكسه من آثار وكنوز كانت في عصور المسلمين!

إنَّ من العار الذي ما بعده عار أن يأتي متضامنون دوليون ومنهم أخت زوجة توني بلير ـ عدو الإسلام والمسلمين ـ ويأتون بسفينتي كسر للحصار وفيها بعض المساعدات الغذائية والصحية والمالية، وسفننا العربية ترسو في موانئها وطائراتنا العربيَّة قابعة في أماكنها، لا بل نساعد قوات الاحتلال الصهيوني على مرأى ومسمع من الملأ ونمدهم بالغاز المصري وذلك لاتفاقية ضمنية مع إحدى الشركات الكبرى في مصر تحت بصر ومرأى بل معاونة الحكومة المصريَّة لذلك، فحسبنا الله ونعم الوكيل!

س4) نسمع عن معاناة المساجد في فلسطين فهل لكم أن توضحوا بعض من ذلك؟، وكذلك معاناة المرضى في غزة وغيرها من الأراضي الفلسطينية أين ترون المخرج منها؟، وما هو سبيل الدعم الإسلامي للقضية الإسلامية؟

ج4) صدقت... هنالك معاناة حقيقيَّة للمساجد في فلسطين، من اقتحام اليهود للكثير من مساجد الضفة الغربيَّة، والعبث بمحتوياتها من المصاحف، والكتب والأشرطة الإسلامية، وسرقة بعض ما بها من أموال كانت توضع في الصناديق كتبرعات لإصلاح المساجد، ولحلقات تحفيظ القرآن.

والله يا أخي لقد حيرتني ماذا أقول عن وصف المعاناة التي يعانيها المرضى أو الأسرى أو أسر الشهداء أو الأرامل أو اليتامى أو الأيامى، لقد ذكرتني ببيت الشاعر حين قال:
من أين أبدأها وكيف أصوغها *** وبأي حرف يستقيم لساني

المعاناة أخي كبيرة، والوضع يتفاقم، هنالك المئات من المرضى ماتوا بسبب الحصار الغاشم على غزَّة هاشم، وهنالك الآلاف من الأيتام والأرامل وضعهم يسوء يوماً بعد يوم وخصوصاً بعد أن أغلقت الكثير من المؤسسات الخيرية على يد الصهاينة ومن يعاونهم، لكنَّنا نقول:

يا دامي العينين والكفين إنَّ الليل زائل
لا غرفة التعذيب باقية ولا زَرْدُ السلاسل
وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل


والمطلوب يا أخي وهو الذي أراه من سبيل لدعم القضية الفلسطينية ، هو ما قاله صلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» [أخرجه أبو داود بسند جيد]، ورحم الله ابن القيم حين كتب: "وجزى الله من أعان على الإسلام ولو بشطر كلمة خيراً" (أعلام الموقعين[4/216ـ217]).

ويعجبني ما قاله الشيخ جميل الزهاوي ذلك الداعية العراقي: "إنَّ العالم الإسلامي يحترق؛ فمن استطاع أن يطفئ الحريق ولو بدَلوٍ من الماء؛ فليفعل"، وأنا أقول: "إنَّ فلسطين تعاني من ويلات الاحتلال ما تعاني، فمن استطاع أن ينقذها ولو بكلمة خير أو دلو من الماء، فليفعل!".

يا أمَّة الحق ماذا بعد قد نفدت *** كل الدعاوي وكلَّت دونها الفكر
ماذا سوى عودة لله صادقة *** عسى تبدل هي الحال والصور
عسى يعود لنا ماضي به ازدهرت *** كل الدنا واهتدى من نوره البشر


س5) هل من الممكن إعطاء نبذة عن تخطيط المجرمين الصهاينة لإحراق المسجد الأقصى كما نسمع؟، وماذا عن تهويد القدس؟

ج5) أفضل كلمة أقولها ما كان يقولها شيخ القدس رائد صلاح ـ حفظه الله ـ حين كان يهتف ويردد كثيرا أنَّ الأقصى في خطر!!

وما الذي يمنع اليهود أن يهدموا المسجد الأقصى لا يوجد من الآيات والأحاديث ما يدل على أنَّه لن يهدم!!

ثمَّ لو هدم المسجد الأقصى ما الذي سيفعله حكامنا ورؤساؤنا، هل المسجد الأقصى أفضل من شخص محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فماذا فعل حكام العرب!!

من أواخر ما جاء من تهديد للمسجد الأقصى ما حذَّرته وزارة الأوقاف في حكومة حماس في غزة، من أن تؤدي شبكات الأنفاق والحفريات الصهيونية الجارية تحت أساسات المسجد الأقصى إلى انهيار المسجد بشكل كامل، وقالت الوزارة في تقرير لها: "إن المسجد الأقصى المبارك يتعرض إلى أكبر عملية استئصال وتهويد، وسلطات الاحتلال الإسرائيلي تزيد يوما بعد يوم من حجم وعدد الأنفاق وتواصل أعمال الحفريات تحت أساسات المسجد بهدف هدمه وإقامة الهيكل المزعوم".

وأضافت: "أنه في أقصى شارع الواد في البلدة القديمة في القدس يقع حمام العين أحد الأبنية الإسلامية الوقفية القريبة من الجدار الغربي للمسجد الأقصى واستولت سلطات الاحتلال على المبنى وبدأت منذ نحو سنة ونصف ببناء كنيس يهودي لا يبعد سوى 50 مترا عن المسجد الأقصى المبارك وفي نفس الوقت كانت حفريات عميقة ومتسعة تنفذ أسفل حمام العين" (حسب وكالة الأنباء الألمانية).

س6) هل لإيران وجود بالفعل في الشارع الفلسطيني؟، وهل هناك اختراق شيعي للحركة الإسلامية في فلسطين؟

ج6) ليس لإيران وجود واضح في الشارع الفلسطيني، وكل ما يقال إنما هي تهويشات من العلمانيين الحانقين على الحركات الإسلاميَّة.

نعم إيران ترغب أن يكون لها يد طولى في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، ولكنَّها تستغل فلسطين لوجود الاحتلال الصهيوني حيث تحاول أن تدغدغ مشاعر الفلسطينيين بقولها اليوم إيران وغدا فلسطين، وكذلك نجد أنَّ الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" يحاول أن يبرهن على أنَّه لا يوجد أحد يهتم بالقضية الفلسطينية غير إيران كما يزعم بقوله: "لا يوجد أحد غيرنا يدعم القضية الفلسطينية!!".

ومنذ أن استولت الثورة الخمينية على نظام الشاه وأسقطته عام 1979م، دندنت إيران الخمينيَّة على ضرورة الاهتمام بالقضية الفلسطينيَّة، وصرَّح الخميني في بعض مجالسه لبعض الزائرين فقال: "كل سياستنا لا قيمة لها إذا لم يكن لنا يد في القضية الفلسطينيَّة!!".

لكن أن يكون لإيران وجود فعلي في فلسطين فلا!!

نعم هنالك قلة قليلة أندر من بيض الأنوق ـ كما يقال ـ تشيعوا أو تأثروا بالشيعة لكن لا وزن لهم، ولا ثقل، وإحقاقاً للحق فقد فصلت حكومة حماس أحد خطباء المساجد حين سب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بسبب جرأته عليه وتأثره بأفكار الشيعة الروافض، ووزعت الكتب الكثيرة في توضيح عقائد الشيعة ومنها (الوشيعة في كشف كفريات وعقائد الشيعة) للدكتور صالح الرقب.

بل المجلس الذي أعلن عنه قبل سنة ونصف وهو المجلس الأعلى الشيعي في غزة قد انحل من حينه ولم يستمر أو يقوم على ساقه، فالشعب الفلسطيني محب للصحابة الكرام، ولا يرضى أن يقوم أحد بسبهم أو القدح فيهم، ولهذا فشل هذا المجلس، ورد الله كيد أصحابه في نحورهم.

لكن لا يعني هذا أن نبقى نربت على أكتافنا وأنَّ نقول إنَّ فلسطين لا وجود شيعي فيها، بل ينبغي علينا أن نبين خطر الشيعة والرافضة وهذا ما نقوم به كدعاة إلى الله في فلسطين ـ ولله الحمد ـ، وأن نبين عقيدة الشيعة بما لا يدع مجال للشك في كفرياتهم وخبث منهجهم وفكرهم.

أخي الكريم شعبنا الفلسطيني كغيره من الشعوب عاطفي، وحين يرى حسن نصر الله وهو شخص فذ في الدهاء والمكر السياسي حين يراه يتهدد اليهود ويتوعدهم في حرب تموز التي كانت في الصيف الماضي ويقول للناس عبر شاشات الفضائيات انظروا إلى لدبابة الآن أو السفينة كيف تغرق ويضرب على هذا الوتر العاطفي، فإنَّ الشعب الفلسطيني يسعد كثيراً أن يرى عدوه الصهيوني يضرب في مقتل، وحين رأى كيف أبلى حزب الله بقتال اليهود بلاءً واضحاً وكيف كانوا يقصفون الحدود الصهيونية ويقتلون اليهود، فرأوا ذلك شيئاً عظيماً ولهذا صفقوا لعمل حسن نصر الله كعمل قتالي سياسي، وخصوصاً حين كان يقول حسن نصر الله إنَّ صواريخنا ستصل اليهود إلى ما بعد حيفا، ولم كلمات تكن حسن نصر الله إلا ديبلوماسية سياسية قتالية وضحكاً على الأذقان!

وكذلك حين يرى الشعب الفلسطيني تقرير لجنة فينوغراد الذي خلص إلى هزيمة اليهود الصهاينة في حرب الصيف السنة الماضية ، وسوء إدارتهم للحرب، فإنَّه يسعد بمثل هذه الأخبار، لأنَّ ذاق من ويلات اليهود ما عانى!

لا يعني هذا أنَّ تأييد الكثير منهم لحزب الله أو إيران صحيح، ولكن فيه شيء من الصحة، فكلنا نحب أن يزول الكيان الصهيوني من الوجود، ولكن نحذر ونتأنَّى من المآرب الشيعية الرافضية، ونحذر من عقائدهم وننبه عليها العوام ونبين قبح معتقدهم، ونفضح مخططاتهم في التمدد الشيعي في العالم العربي والإسلامي تحت حجة محاربة الامبرياليَّة الأمريكية والصهيونية العالمية!!

وأنا أرجو من عموم الإخوة القراء أن يرجعوا لقراءة مقالي بعنوان: المصالح الاستراتيجية الإيرانية في دعم القضية الفلسطينيَّة، والمنشور في عدة مواقع، وهذا رابط له:

http://qawim.net/index.php?option=co...2354&Itemid=57

نسأل الله أن يصلح حال المسلمين، وأن يردنا نحن وإياهم إليه رداً جميلا، والله الموفق والمعين.

س7) ما هو سبيل الحل والعلاج للقضية الفلسطينية من وجهة النظر الإسلامية؟، وكيف السبيل لإعادة الحمية لدى الشباب المسلم وتذكيره بأهمية المسجد الأقصى وفلسطين؟

ج7) لا يوجد وجهات نظر هنا يا أخي بل الوجهة واضحة وهي العودة إلى الدين، والدعوة والتربية في قلب الشعب الفلسطيني بالتزامن مع قتال اليهود الصهاينة المغتصبين المحتلين، لأننا رأينا أنَّ المفاوضات لم تأت بنتيجة حقيقيَّة بل كلما فاوضنا كلما استهان بنا عدونا أكثر فأكثر للأسف الشديد.

لقد سئل الفيلسوف اليوناني "ديوجين" حين كان يحمل مصباحه ويدور به في رابعة النهار: "ماذا تصنع بمصباحك؟!"، فأجاب: "أفتِّش عن إنسان!!".

إنَّها كلمة أروع من رائعة، تعطيك معنى ينساب لسويداء القلب، نستنبط منه أنَّنا نحتاج إلى (إنسان الهم) (ورجل الأمَّة) الذي يفكر في هموم أمَّته ويقدم مصلحتها على مصالحه الشخصيَّة.

والشباب المسلم تعود حميتهم برجوعهم إلى دينهم وردهم إليه رداً جميلا، دون إفراط أو تفريط، فهم ـ باختصار ـ قوم فاعلون لأمَّتهم، متفاعلون مع قضيَّتهم، منهمكون في أعمالهم، فلم تجذبهم الأرض فتثاقلوا لها، ولم تلههم زخارف الحياة الدنيا، إنَّهم أبعد ما يكون حالهم عن الركون إليها، والانغماس في أتونها، وصدق من قال:

إذا الفتى لم يركب الأهوالا
فأعطـه المـِرآة والمِكْحالا!
واسْـعَ له! وعُـدَّه عِيالا!!


والحقيقة أنَّه يؤسفني حال كثير من أبناء الأمَّة المسلمة، حين تجدهم يتقاطرون على شاشات (الحاسب الآلي) أو( الرائي) وينظرون ويستمعون الأخبار والأنباء الساعات الطوال، التي تتحدَّث عن أوضاع أمتنا الإسلامية المكلومة!!.

ولا ريب أنَّ هذا الأمر فيه جانبٌ من جوانب الخير للمسلم الذي يهتمُّ بأحوال أمَّته، ويتابع أخبارها وهمومها... ولكن هل الاقتصار على متابعة الأخبار والأنباء يكفي دون عمل منهجي، أو خطَّة إصلاحيَّة مرسومة لنصرة قضايا الأمَّة؟

فالقضية الفلسطينيَّة بأشدِّ الحاجة إلى الدعم والنصرة والتأييد، بتقديم التبرعات لهم، ونصر قضيَّتهم، وجمع الأموال للأُسر المكلومة أو الفقيرة، وكفالة الأيتام، ورعاية الأرامل، وإنجاد الفقراء بالمساعدات الماليَّة، والتبرع لكلِّ مسلم منهم ثبت أنَّه محتاج لمساعدة، وقد قال الله: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة النور: 22]، والوقوف إلى جانبهم بكلِّ ما يحتاجونه.

وإنَّ أعظم خيانة لقضيَّة فلسطين في رأيي أن نسلمها للفلسطينيين فحسب، ولا يكون للمسلمين جميعهم دور في نصرة هذه القضيَّة ودعمها، أو أن يظن الظان أنَّ تبرعه لإخوانه المسلمين في فلسطين تفضل منه، بل هو أمر واجب عليه لأنَّ المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسهر كما قال صلى الله عليه وسلم!

س8) الأستاذ خباب لك كتاب عن النهضة ومعالمها السؤال كيف ينهض المسلمون ولماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟، وكيف تخرج الأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة؟

ج8) لاحظ يا أخي أننا لا زلنا نسأل هذا السؤال كيف تأخر المسلمون وكيف تقدم غيرهم؟، وما سر هزيمتنا وانتصار عدونا؟، وكيف تنهض أمَّتنا؟... وهذه الأسئلة وإن كانت علامة على صلاح النية، إلاَّ أننا لا نزال نسألها أنفسنا منذ أن كتب الأمير شكيب أرسلان لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟

وحقاً إنَّه أمر يدعو لإعادة البصر كرة بل كرتين، لكي ننظر نظرة دقيقة تأملية في وسائل النهضة، التي أرى أنَّ المسلمين أغرقوا أنفسهم في الحديث فيها وكل شيخ وداعية وعالم يستطيع أن يطرز كلاماًُ من هذا القبيل، ولكن حين يأتي العمل والتطبيق فستجد الضعف والخور وللأسف.

دعني أمثل لك بمثال: ما سر هذا التمزق والتشرذم الذي يعيشه المجاهدون في العراق، جماعة تنفصل من الأخرى وجماعة تنضم إلى أخرى، وجماعات يقاتل بعضها بعضاً؟، مع أنَّهم بين ثلاثة نيران: فنار الاحتلال الغربي، ونار أهل النفاق والخيانة، ونار المليشيات السوداء الشيعية، ومع هذا فهم في تفرق أكثر فأكثر.

قد تقول أني متشائم: ولكنها يا أخي حقيقة مكشوفة، وصار أهل المقاومة والجهاد عرضة لحديث الناس، مع أنَّ الأصل أن تكون القلوب متفقة أو على الأقل متوحدة على هدف واحد أو على قواسم مشتركة يعمل كل منهم لإنجاحها، وقد يكون تمثيلي هذا لا يروق للكثير ولكننا لا نريد أن نغطي رؤوسنا في الأرض كالنعام ونشعر الآخرين أننا غير موجودين وأجسامنا كلها مكشوفة ولو كانت رؤوسنا في التراب!

إنًّ الذي أراه أن تكون بيننا هذه الآيات العظيمة نتمثلها لكي تتحقق نهضتنا ووحدة أمَّتنا، ولن أفصِّل في شرحها بل أدع ذلك للقارئ لكي ينظر في هذه الآية فهماً واستنباطاً ورجوعاً لكلام المفسرين وشروحاتهم، وكلام دعاة النهضة، وهي على النحو الآتي:
[1] {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [سورة الذاريات: 50].

[2] {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [سورة الأنفال: 60].

[3] {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة النحل: 193].

[4] {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً} [سورة النحل: 92].

[5] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف: 2].

[6] {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة الملك: 22].

[7] {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [سورة الإسراء: 16].

[8] {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [سورة الأنفال: 46].

[9] {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة هود: 49].

[10] {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [سورة يوسف: 87].

س9 ) أستاذ خباب لماذا لا نفكر؟، هل قضية عدم التفكير أزمة عامة تعيشها النخبة والجماهير على حدِ سواء؟

ج9) الذي أراه أنَّ الجميع يعاني من أزمة في التفكير سواء للنخب أو للجماهير، فحتَّى النخب التي تتحدث عنها كم هو دورها في التفكير بإصلاح الأمَّة والعباد والبلاد، وهل قامت بكل طاقتها ووسعها في ذلك، وهل هي حين تفكر تدرك يقيناً أنَّ الله تعالى يقول: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [سورة المائدة: 44]، ويقول: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران: 175].

نعم هنالك من يفكر ويرجو من الله أن يهديه لأنجع الوسائل وأفضل الأسباب للنهضة بالأمة، والتفكير في صلاح حالها دينياً ودنيوياً، لكنَّهم قلَّة.

نحتاج جميعاً في حال تفكيرنا أن ندرك أنَّ مزيداً من الخوفِ لدى الأمَّة ومفكريها يعني حتماً مزيدا من الخمول والكسل وتبعيَّةِ أمَّتنا لغيرِها من الأمم، وكما قال الأستاذُ عبَّاسُ العقاد: "لا معنى للدينِ ولا للخُلُقِ إذا جاز للناس أن يخشوا ضرراً يصيبُ أجسامهم ولا يخشوا ضرراً يصيب أرواحَهم وضمائرهم وينزلُ بحياتهم الباقيةِ إلى ما دونَ الحياةِ التي ليس فيها بقاءٌ وليس فيها شرفٌ ولا مُرُوءة".

كما أنَّه من المهم جداً أن نعقب التفكير بدحرجة نتيجته في واقع الحياة ودنيا الناس، ولقد كان يقول المفكر الجزائري مالكُ بن نبي ـ رحمه الله ـ: "من المهم جداً أن ننتجَ الأفكار، ولكنَّ الأهمَّ من ذلك أن نقوم بتوجيهها وتطبيقها في الواقع"، وحقَّاً إنَّها كلمةٌ عميقةٌ تحتاج إلى تأمُّلٍ في فحواها ومحتواها، فكما أنَّ من المهم أن نفكر، فإنَّ الأهمَّ منه بل هو غاية مرادنا من خلال التفكير؛ القيام بتطبيق ما فكَّرنا فيه وتحريكه في دوائر العمل، وإلاَّ فستكون أفكارنا عديمة الفائدة في حياتنا، ولا نستفيد منها في واقعنا العملي شيئاً سوى الترف الفكري.

ومن هنا يقول أحد المفكرين: "لدينا أفكار كثيرة لا تجد سبيلها إلى التطبيق، وأعمال كثيرة لم تسبق بأي تفكير".

نعم هنالك نخب إسلامية معاصرة تفكر تفكيراً عميقاً وحيوياً ولكنَّهم قلة قليلة، ولكنَّ الجماهير فالأعم الأغلب يفكر بحدود أكله وعيشه ولباسه، وصار حال التفكير لدى الكثير من أبناء المسلمين كما قال الشاعر المسلم محمد إقبال:

أرى التفكير أدركه خمول *** ولم تعد العزائم في اشتعال

وأمَّا لماذا لا نفكر فهو سؤال قصير وجوابه طويل للغاية، ولكن دعني أختصر عليك المسافة لكي أقول لك: غالبيتنا لا يفكر لأنَّه لا يريد أن يفكر!

تبلد في الناس حس الكفاح *** ومالوا لكسب وعيش رتيب
يكاد يزعزع من همتي *** سدور الأمين وعزم المريب


س10) أستاذ خباب ألا تتفق معي أن الخطاب الورقي أو الصوتي يفوق كثيرا الخطاب العملي؟، وهل أصبحت ثقافة (الكلامولوجيا) في العمل الإسلامي هي الثقافة السائدة..وأصبحت ثقافة العمل نشازاً ولا تجدها إلا عند من رحم ربي؟!

ج10) الاقتصار على ثقافة (الكلامولوجيا) مثال صارخ وحي وواقعي على ضعف إرادتنا وعزيمتنا وعملنا، والكلام إن كان يعقبه عمل فنعمَّا هو، ولكن أن يبقى المرء على ما يقول، فإنَّها مأساة فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف: 2-3]، ويقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} [سورة البقرة: 204-205]، ويقول كذلك عن حال المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} [سورة المنافقون: 4].

الواجب عليَّ وعليك وعلى جميع مسلم يقرأ ما نقوله أن يعرض كلامه على الميزان الشرعي، ومن ثمَّ يحاول قدر جهده وإمكانه وطاقته وقدرته أن يطبقه في الواقع، لأنَّنا سئمنا الصراخ والضجيج الكلامي فحسب، ولقد مثَّل حافظ إبراهيم هذا الأمر تمثيلاً جميلا، حين تحدث بما يقوم به أعداء الإسلام من قتل للمسلمين، ثمَّ يقوم بعض المسلمين بالكلام والصراخ، فما الذي سيفيد ذلك ضد أعداء الدين، ولهذا قال على لسان عدو المسلمين:

قد ملأنا البر من أشلائهم *** فدعوهم يملئوا الدنيا كلاما

إنَّ داء الكلام والتنظير بلا عمل وتطبيق، أمر قدْ حذَّر الله منه ومقت فاعليه قائلاً في محكم التنزيل: [ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون]الصف[2] ولهذا فلا يستغرب أن تجد أنَّ أكثر من يكثر الكلام لا يحسن إلا ذلك، وليس لديه تجاه تلك النوازل إلاَّ الكلام والمقال ، وصدق الحسن البصري إذ قال: "إنَّ هؤلاء مَلُّوا العبادة ووجدوا الكلام أسهل عليهم وقلَّ ورعهم فتحدثوا"، وقال الأوزاعي: "إنَّ المؤمن يقول قليلاً ويعمل كثيراً وإنَّ المنافق يتكلم كثيراً ويعمل قليلاً"، وما أحسن ما قاله عثمان بن عفَّان- رضي الله عنه- موصياً قوماً لقيهم : "أنتم إلى إمام فعَّال؛أحوج منكم إلى إمام قوَّال".

س11) هناك أطروحات كثيرة حول تجديد الخطاب الديني... ألا تتفق معي أن معظم من ينادي بهذه الدعوة يريدون بدعوتهم شراً عكس ما يظهرون... وأن كثيراً منهم مما يعاني شذوذا فكرية ويُحسب على مدارس خارجة عن منهجية أهل السنة والجماعة؟

ج11) التجديد بمعناه الأصيل، إعادة ما اندرس وزال من أذهان المسلمين بعد مضي سنين، وماحولته بعثه من جديد في واقع المسلمين، حتى لا ينسوه، فيضلوا ، وهنالك علماء ربانيون ومفكرون إسلاميون قاموا بذلك حق قيام، ولا نزلنا نكرع من علمهم ونرتع في بحار معارفهم ولله الحمد، لكنَّه من سمات أصحاب التوجُّهات العصرانية:احتقار المتَّبعين لـ(منهج أهل السنَّة والجماعة)، والنظر إليهم نظرة دونية، ولمزهم بالسطحية والجمود والتطرف، وأمَّا هم ـ العصريين ـ فهم أهل حضارة وفكر راقي، ومنفتحون ومستنيرون إلى غيرها من الألفاظ البرَّاقة التي يخدعون بها النَّاس، ومن خير ما قرأته ووجدته منطبقاً عليهم مقاساً بمقاس، ما ذكره الشيخ المحدِّث / أحمد شاكر ـ تغمده الله برحمته ـ عن هؤلاء الذين يدَّعون الموضوعيَّة في الكلام والنظرة المنصفة لآثار الكفَّار وتقاليدهم، حيث قال: "أو من رجلٍ ممَّن ابتليت بهم الأمَّة المصرية في هذا العصر ممن يسميهم أخونا النابغة الأديب الكبير (كامل كيلاني) المجدِّدينات هكذا ـ واللَّه ـ سمَّاهم هذا الاسم العجيب"، وحين سأله سائل عن معنى هذه التسمية أجاب بجواب أعجب وأبدع: "(هذا جمع مخنث سالم) فأقسم له سائله أنَّ اللغة العربية في أشدِّ الحاجة إلى هذا الجمع في هذا الزمن!!" (انظر/ جامع الترمذي(1/71ـ72)بتحقيق: الشيخ أحمد شاكر).

فالإشكال يا أخي وجود فئات ليبراليَّة علمانيَّة تتقمص الدين وتتمسح به بل قد ترى الكثير منهم بلحى ليبراليَّة ، ولكنَّهم ولاء وفكراً وتوجهاً إلى البيت الأبيض، وليس إلى البيت الحرام، وهم في الحقيقة صنائع للاحتلال، فتوماس فريدمان قالها بصراحة" "إنَّ المطلوب استنساخ عقل إسلامي على الطريقة الأمريكية في غضون عشر سنوات"، وهؤلاء العلمانيون بعد أن صنعهم الاحتلال أو الاستغراب على عينه، يريدون إفساد عقول المسلمين، ومن هنا تنبع المشكلة، حيث يريد هؤلاء تفخيخ عقول المسلمين بهذه الأفكار المتطرفة، ولك أن تعلم أنَّ أحدهم يكتب مقالا في بعض الجرائد المعروفة ويقول: دعونا نحن الليبراليين نقتحم المساجد ونتولى إمامتها، لكي نجدد في الدين ما يحتاج معرفته المسلمون، مع أنَّ هؤلاء جميع الوسائل الإعلامية مفتوحة لهم، ولكنَّهم يرون أنَّ المساجد لها دور وتأثير كبير فيما يسموه تجديد الخطاب الديني، وما هو إلا تبديد الدين وإفساده عياذاً بالله منهم.

بقي أن أقول وبكل صراحة ومكاشفة: إنَّ هنالك فئات من شباب المسلمين شابهوا الخوارج بتطرفهم وتنطعهم، وصاروا عاراً على المنهج الصحيح (ومنهج أهل السنة والجماعة) مع أنَّهم ينتسبون إليه فسلاسل التكفير سلسلت عقولهم وأطاشت لبهم وأصابتهم بمقتل في فكرهم، وآخرون تربَّعت على صدورهم ألفاظ التبديع والتضليل، بدون أخذ للشروط وانتفاء للموانع ودراسة الحال والمحل والزمان والمكان، وهذان الصنفين في الحقيقة يفسدون الإسلام من الداخل، ويسيئون لسمعة المسلمين، ويتخذهم المتطرفون العلمانيون ذريعة لمطاياهم، وحقنة لعناوين مقالاتهم لكي يشيروا إليهم بأصابع الاتهام إلى ضيق الأفق لدى منهج أهل السنة والجماعة من خلال تصرفات الطائشين من منتسبي أهل السنة والجماعة.

وكلمة أخيرة: نحن لا ننكر التكفير ولا التبديع ولا التضليل ولكن على منهج الحق والقسط، وبدون إفراط أو تفريط، أو غلو أو مجافاة، وفي زماننا المعاصر كفرة ومرتدون وزنادقة ومبتدعة وضلال، ولكن من هم ولماذا قلنا بذلك... هنا يتضح الخلل بين المتنطعين المتسارعين على التكفير والتضليل والتبديع وبين من يدرسون القضية بكامل أبعادها ويطلقون الحكم الصحيح.

س12) نداء تقوم بتوجيهه إلى الشباب المسلم في المواقع والمنتديات وفي كل مكان كيف ينصر قضية الشعب الفلسطيني المسلم؟، وكيف السبيل لتوعية الشباب أن حربنا مع اليهود قبل أن تكون سياسية دنيوية هي حرب عقيدة؟

ج12) أنا أنصح شباب المسلمين عموما أن يكون لكل واحد منهم قضية يحملها بين جوانحه، ويعيش لها، ويخدمها بكده وتعبه وعرق جبينه ويحتسب فيها الأجر عند الله، وكم والله أستغرب حين أجد أنَّ بلاداً آسيوية يعمل الموظفون فيها لمدة 7 ساعات لكي يقتاتوا قوت يومهم، ولكنَّهم يأخذون على عاتقهم أن يخدموا لمدة ساعة تطوعية بدون مقابل يومياً لخدمة وطنهم وأمَّتهم وبلادهم، وصدق عمر بن الخطَّاب حين قال: "اللهم إني أعوذ بك من جَلَدِ الفاجر وعجز الثقة".

أفلا يليق بنا نحن شباب الإسلام أن نكرِّس أنفسنا لقضية من قضايا المسلمين، وعلى سبيل المثال: قضية فلسطين متابعة ونصرة وتواصلا ومواصلة في دعمها بكافة أنواع الدعم.

يعجبني ما كتبه المفكِّر مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ حيث قال: "هناك ملايين السواعد العاملة والعقول المفكِّرة في البلاد الإسلاميَّة، صالحة لأن تُستخدَم في وكل وقت؛ والمهم هو أن ندير هذا الجهاز الهائل المكوَّن من ملايين السواعد والعقول في أحسن ظروفه الزمنيَّة والإنتاجيَّة لكل عضو من أعضائه" (شروط النهضة/صـ84).

وهاكَ موقفاً لأحد من أسلم يوم غزوة الخندق فقد أتاه الصحابي الجليل نعيم بن مسعود بن عامر ـ رضي الله عنه ـ يوم الخندق فقال: "يا رسول الله! إني قد أسلمت؛ فمرني بما شئت!". فقبِل - صلى الله عليه وسلم - إسلامه، ثم قال له بعد أن طلب منه نعيم بن مسعود أن يأمره بما شاء: «إنما أنت رجل واحد؛ فخذِّلْ عنا ما استطعت؛ فإن الحرب خدعة».

ومن السبل لتوعية شبابنا أنَّ حربهم مع اليهود قبل أن تكون سياسيَّة دنيوية فهي حرب عقيدة، أن نبين لهم خطر اليهود على الإسلام والمسلمين، وأنَّهم أهل مكر وحقد وعداء مستحكم متواصل مع الإسلام وأهله، وأنًَّهم يتذرعون الذرائع ويحيكون الخطط لتثبيت مؤامراتهم، ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي. فتعال فاقتله. إلا الغرقد، فإنًَّه من شجر اليهود) أخرجه الإمام مسلم.

ولك أن تتخيل معي أنَّ اليهود من أكثر ما يغرسون الآن أشجار الغرقد نراها نحن قريبة من مغتصباتهم التي يسمونها مستوطنات، وكأنَّهم يؤمنون بوقوع ذلك، ولذلك نراها من أكثر الأشجار التي يزرعونها في مواطن سكنهم ـ قاتلهم الله ـ

وجزاكم الله خير الجزاء على تواصلكم، وأرجو أن يكون في هذه الإجابات بعض النفع، وقليلاً من الفائدة، والله أسأل لنا ولكم السداد والرشاد في الأقوال والأفعال، وأن يقينا شر أنفسنا وشر كل ذي شر، وأن يبارك في أوقاتنا وأعمالنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أجرى الحوار/محمد المصري.
رئيس تحرير مجلة أنا المسلم الإلكترونية.








المصدر: مجلة أنا المسلم
  • 0
  • 0
  • 12,389

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً