خطوات في التربية - (18) لماذا نعبد الله؟

منذ 2015-05-03

من أسمائه تعالى ما له معنى وكمال لاقترانه باسم آخر، فيكون للاقتران دلالة بحيث يكون للاسمين حينها معنى آخر ودلالة أخرى على كمال آخر من كمالاته: كاسم الله (العزيز الرحيم).

الله خير من كل شيء..
- ومن أسمائه تعالى ما يكون له عدّة دلالات، فيشتمل الاسم الواحد فيها على عدة معان.
فهو تعالى (المجيد): ومعناه: الذي بلغ كمال الشَّرف ومنتهاه، مع العظمة والكرم، وأنه تمجد بكل هذا الشرف والسمو والعظمة والكرم في ذاته، وتمجَّد في أسمائه وصفاته، وتمجَّد في أفعاله، وأنه تعالى وهَّاب وعطَّاء لخلقِه؛ فهو اسم جامع لمعانٍ كثيرة من المجد في عظمته، وشرفه، وكماله، وفي ذاته وأسمائه وصفاته، وفي أفعاله، وفي عطائه لخلْقه تعالى.

- وهو تعالى (الصّمد): وهو من أسماء الله التي تشتمل على عدة معانٍ، وكلها داخلة في معنى (الصمد) ومقصودة به.
فاسم الله (الصّمد) يفسَر بأنه هو مَن: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:3-4]، وهذا حق، فالاسم يحوى جملة هذه المعاني في الآيتين بعده، ومن معانيه أن (الصمد) هو الذي لا جَوْف له؛ فلا يأكل ولا يشرب، وربُّنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحتاج إلى طعام أو شراب، بل إنَّ كل ما سواه فقيرٌ إليه، ومحتاجٌ إلى ربوبيته تعالى، وفي الحديث «يا عبادي كلّكم جائع إلا مَن أطعمتُه، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلّكم عار إلا من كسوتُه، فاستَكسوني أكسكم» [1].

ومن معانيه أنَّه المصمود إليه في الحوائج، فيصمد إليه الخلق أي: يتجهون إليه، يقولون يا ربّ يا ربّ، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]، فلا يجد أي مخلوق وجهةً إلا هو في كل حاجة وفي كل لحظة بل بعدد الأنفاس، ومن معانيه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفء وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار" [2]، فهو السيد الذي بلغ كمال الشَّرف ومنتهاه.

ومن أسمائه تعالى ما له معنى وكمال لاقترانه باسم آخر، فيكون للاقتران دلالة بحيث يكون للاسمين حينها معنى آخر ودلالة أخرى على كمال آخر من كمالاته: كاسم الله (العزيز الرحيم): عندما تقول "العزيز الرّحيم"، فـاسم الله (العزيز) بمفرده له معنى؛ فـ(العزيز) إما أن يكون بمعنى أنه الذي لا نِدَّ له ولا نظير له، أو أن يكون العزيز بمعنى أنه عظيم المقام الممتنع الجناب، أو العزيز بمعنى الشديد الذي لا يُغلب.

و(الرّحيم) معلوم المعنى، ومعنى الرحمة معروف للخلْق بفطرتهم، ويفسره ابن عباس فيما رواه الطبري عند تفسيره البسملة قال: "الرقيق الرفيق بمن أحب أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه، وكذلك أسماؤه كلها" [3].

لكن مع اقترانهما فلهما معنىً آخر، ودلالة أخرى على كمال آخر من كمالاته، ويكون المعنى عندها أنه (العزيز الذي هو في عزّته رحيم، وفي رحمته عزيز)؛ (فلا تخرجه العزة عن مقتضى الرّحمة، ولا يخرج برحمته عن مقتضى العزّة)، وإنما هو (عزيز برحمة، ورحيم بعزة) لا كمن يرحم عن ضعف أو يُنال جانبه، ولا كمن تخرج به عزته إلى الظلم والبطش بالباطل وغيره، بل لله تعالى كل كمال.

يقول البغوي: "{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:9]، العزيز الذي لا يغالَب، فالله عزيز وهو في وصف عزته رحيم" [4]، وكاسم الله (العزيز الحكيم): "والعزة تتضمن القدرة والشدة والامتناع والغلبة تقول العرب: عز يعَز بفتح العين إذا صلب، وعز يعِز بكسرها إذا امتنع، وعز يعُز بضمها إذا غَلب، فهو سبحانه في نفسه قوي متين، وهو منيع لا يُنال، وهو غالب لا يُغلب" [5].

"والحكيم يتضمن حكمه وعلمه، وحكمته فيما يقوله ويفعله؛ فإذا أمر بأمر كان حسنًا، وإذا أخبر بخبر كان صدقًا، وإذا أراد خلق شيء كان صوابًا، فهو حكيم في إرادته وأفعاله وأقواله" [6]، وعند الاقتران له معنى زائد؛ فعزته تعالى لا تخرج به عن الحكمة وحكمته لا تخرج عن مقتضى العزّة، فهو (عزيزٌ بحكمة)، وكاسم الله (الحكيم الحميد): فاسم الله (الحكيم) قد مرّ تفسيره، و(الحميد) أي المحمود؛ فهو محمود لذاته ولأسمائه وصفاته ولأفعاله.

لكنَّهما إذا اقترنا فالـ(الحكيمُ الحميد) معناه أن الله "حكيمٌ حكمة بالغة، يستحق عليها الحمد" فإن عرفتَ بعض مرامي حكمته فلا تملك إلا أن تقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولهذا ذكر في آخر سورة الزمر، بعدما ذكر دخول أهل الجنّة الجنّة، ودخول أهل النّار النّار، قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر:75].

يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: "{وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي نطق الكون أجمعه ناطقه وبهيمه لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله، ولهذا لم يُسنِد القول إلى قائل بل أطلقه؛ فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد"، قال قتادة: "افتتح الخلق بالحمد في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام من الآية:1] واختتم بالحمد في قوله تبارك وتعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}" [7].

ويقول ابن القيم رحمه الله: "قال الحسن لقد دخلوا النار وإن حمده لفي قلوبهم ما وجدوا عليه حجة ولا سبيلاً".
ولهذا قال عقيب إخباره عن الحكم بين عباده ومصير أهل السعادة إلى الجنة وأهل الشقاء إلى النار، {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فحذف فاعل القول إشعارًا بالعموم، وأن الكون كله قال الحمد لله رب العالمين لما شاهدوا من حُكمه الحق وعدله وفضله" [8]، ومعنى كلام الحسن أنهم لم يجدوا منه ظلمًا، بل وجدوا عدله تعالى.

وكاسم الله (الغفور الرحيم): ومعنى (الغفور) بمفرده أنه يستر الذنب ويقي العبد شر عقوبته، ومعنى اسمه (الرحيم) بمفرده كما قال ابن عباس: "الرقيق الرفيق بمن أحب أن يرحمه" [9]، ويشير ابن كثير في معنى الرحمة أنه يجلب لعبده الخير.

والعبد أفقر ما يكون إلى اجتماع الاسمين ببعضهما واقترانهما في حقه، فالعبد يحتاج في حال ذنبه إلى أن يُستر ذنبه، ويوقَى شر هذا الذنب فيوقَى عقوبته الدنيوية والأخروية، ويحتاج إلى استدراك ما فاته بأن يستقبل الخير فيما هو آت بإصلاح الحال، وهذا لا يكون إلا من الغفور الرحيم فهو (غفور برحمة، ورحيم بمغفرة) فعندما يغفر لا يعاقب عبده بالذنب ولا يفضحه، وفي نفس الوقت لا يمنع عنه خيره وعائدته عليه بالإحسان وجلب المنافع للعبد، وعندما يجلب الخير للعبد لا يعاقبه على ذنبه، وهذا حال التائب المستغفر؛ وُقي شر الذنب وحصل له الخير من (الغفور الرحيم).

ومن نفس الباب اقتران اسمي الله تعالى (الغفور الودود) في سورة البروج ومعناهما أنه غفور بود فيعود وده إلى عبده مع مغفرته، ولا يُقتصر على غفران الذنب وستره ووقاية شره فقط، بل يعود تعالى إلى عبده بالحب بعد الإباق من العبد والانحراف.

وأما ما يحصل للبعض -وليس لجميع التائبين- من عقوبات دنيوية -وقد يمتد أثرها إلى حين- على ذنوب تاب منها، أو جُعلت العقوبة من شروط التوبة، فهو من باب تمام توبته ورفع درجته، ويكون هذا البلاء سببًا لفتح باب من العبادة والخير يحصّل به ما لا يحصّله بغيره.

بل قال تعالى في الأثر الإلهي: «من جاءنا تلقّيناه من البعيد، ومن أعرض عنّا ناديناه من القريب، ومن أراد مرادنا أردنا ما يريد، ومن ترك مِن أجْلنا أعطيناه فوق المزيد، ومن عمل بحولنا ألَنّا له الحديد» [10].

وفي بعض الآثار يقول الله تعالى: «أهل ذِكْري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، وإن تابوا فأنا حبيبهم لأن الله يحب التوابين، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم؛ أبتليهم بالمصائب حتى أطهرهم من المعائب» [11]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح مسلم.
[2] المصدر السابق.
[3] تفسير الطبري، جـ1، ص78.
[4] تفسير البغوي، جـ1، ص120.
[5] مجموع الفتاوى، جـ14، ص180.
[6] المصدر السابق.
[7] تفسير ابن كثير، جـ4، ص89.
[8] الفوائد، جـ1، ص162.
[9] تفسير الطبري، جـ1، ص78.
[10] ذكر هذا الأثر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، جـ10، ص549، وذكره ابن القيم في طريق الهجرتين، جـ1، ص48. ومدارج السالكين، جـ1، ص194، ص 433. ولم أجده في مصادر المتون بعد البحث، والمعنى تشهد له نصوص أخرى.
[11] ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى، جـ10، 86.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 1
  • 1
  • 5,341
المقال السابق
(17) لماذا نعبد الله؟
المقال التالي
(19) لماذا نعبد الله؟

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً