لقاء بين جيلين متباعدين

منذ 2015-05-04

تعاقبت الأجيال، وتلاحقت القرون، وكر الليل بعد أن فرَّ النهار لسنين عديدة، وأنت مسجّى في قبرك، لوحدك في لحدك...

مئات السنين مرَّت عليك وأنت في قبرك بعد أن أنشب الموت رمحه في قلبك...

تعاقبت الأجيال، وتلاحقت القرون، وكر الليل بعد أن فرَّ النهار لسنين عديدة، وأنت مسجّى في قبرك، لوحدك في لحدك...

تخيَّل أنَّك عشت بعد موتك، وخرجت من قبرك، وأمهلت للبقاء في الدنيا للحظات قصيرة تلتقي فيها بأحد أحفاد أحفادك الذين جاؤوا من بعدك بأجيال...

تصوَّر هذا... هاهو بين يديك... فماذا ستقول له؟ وبماذا توصيه؟

لاشكَّ أنك ستوصيه بأغلى ما لديك، وستحدثه بأهم ما عندك، وسترغبه فيما حُرمت أنت منه، وستلفت انتباهه لأعظم ما ينبغي له أن يشتغل به.. الحقيقة أن هذا لم يحصل لك، لكنه حصل لغيرك، ووقع لسواك على وجه الحقيقة التي لا شك فيها...

ستبهت حتمًا، وتقول: ما هذا الكلام؟ وأين حصل؟ ومتى وقع؟

أقول: لقد حصل هذا لرسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عندما التقى بأبينا ورسولنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الجنة، فيا ترى: بماذا أوصاه؟ وفيم رغَّبه؟ وعن أيِّ شيءٍ حدَّثه؟

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد! أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها؛ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» (أخرجه الترمذي بسند حسن،انظر صحيح الجامع [5152]).

وفي رواية أخرى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وغراسها: لا حول ولا قوة إلا بالله» [1].

فيا لها من وصيّة قويّة!

ولذلك عندما مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أبي هريرة رضي الله عنه وهو يغرس غرسًا له، قال له: «ألا أدلك على غراس هو خير من هذا ؟ تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يغرس لك بكل كلمة منها شجرة في الجنة» [2]. ‌

وعندما علم سامع الوصية بقيمة تلك الهدية، وعرف قدرها أخذ يوصي بها أتباعه وأحبابه وطلابه، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: «أكثروا من غرس الجنة، فإنه عذب ماؤها، طيب ترابها، فأكثروا من غراسها: لا حول ولا قوة إلا بالله» [3]. ‌

فلا تبخل على نفسك بها، فإنها من أعظم ما ينبغي الحرص والمداومة عليه، فهي وصية الأجداد للأحفاد، والآباء للأبناء!
 

______________________

[1]- رواه الطبراني في الكبير بسند حسن، انظر: صحيح الجامع [3460]. ‌

[2]- رواه البيهقي والحاكم، بسند صحيح، انظر: صحيح الجامع [2613].

[3]- رواه الطبراني في الكبير من حديث ابن عمر بسند حسن، انظر: صحيح الجامع [1213].

 

موقع هاجس

25/4/2007

 

عبد اللطيف بن هاجس الغامدي

مدير فرع لجنة العفو واصلاح ذات البين - بجدة .

  • 0
  • 0
  • 2,898

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً