وقفة مع قوله تعالى:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}

منذ 2015-05-17

إن عاقبة الظلم وخيمة، وقد حذر الله من الظلم وبين عظيم جرمه، وجسامة خطره، وبيّن عاجل عقوبته، فالله سبحانه يملي ويمهل للظالم فإذا أخذه لم يفلته

إن عاقبة الظلم وخيمة، وقد حذر الله من الظلم وبين عظيم جرمه، وجسامة خطره، وبيّن عاجل عقوبته، فالله سبحانه يملي ويمهل للظالم فإذا أخذه لم يفلته، وقد بين الحق تبارك وتعالى أن كيده متين، أي قوي شديد فلا يدفع بقوة ولا حيلة، وهذا ظاهر في مثل هذه الأنظمة الفاجرة الظالمة، التي بغت، وظلمت، وتطاولت على الله وعلى عباده كيف أن الله أمهلهم سنينًا ثم كاد لهم عز وجل فأسقطهم حقيقة ومعنى، يقول الحق تبارك وتعالى:{فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} [غافر:21].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى أن الله ينصر الدولة العادلة وان كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وان كانت مؤمنة" (مجموع الفتاوى:28/63). ويقول أيضًا: "إن جماع الحسنات العدل، وجماع السيئات الظلم وهذا أصل جامع عظيم" (مجموع الفتاوى:1/86).

لقد مارست هذه الأنظمة الطاغوتية الظلم مع شعوبها، والظلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (أخرجه البخاري:2315، ومسلم:2579) عن ابن عمر رضي الله عنهما، ومع ممارستهم لهذا الظلم قد أمنوا من مكر الله، لكن الله عدل {لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44].

لو عقل هؤلاء الظلمة عاقبة ما هم فيه وكانوا عليه، لما حل بهم ما حل ولكنها سنة الله في الظالمين؛ كم من مظلوم ظُلم، ومقهور قهر، وضعيف سلب، وشريف أهين من هذه الأنظمة المستبدة الظالمة، فحاق بهم دعاء المظلومين، وتضرع المقهورين، فحاق بهم ما كانوا يظلمون، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما أرسله إلى اليمن: «اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» (أخرجه البخاري:1425) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقد حق في هؤلاء الطغاة أن نتأمل وتدبر فيهم قول الحق العليم: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف:103]، [النمل:14]، وقوله: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس39]، [القصص:40].

إن تساقط الطغاة في أيام معدودة لدلالة واضحة على عظيم حكمة الله، فإمهاله لهم، مع ظلمهم وبطشهم، ثم أخذهم بهذه العزة والاقتدار منه، ليذكرنا بقوله: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:183]، [القلم:45]، وقوله: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} [الطور:45].

إن كثيرًا من الناس يربط هلاك هؤلاء الرهق بأسباب مادية أرضية، ويغفل عن القدرة الإلهية، وإن ما حصل ويحصل لهولاء الأزلام ما هو إلا مكر من الخبير العلام، وانتقام من الملك الديان، {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ . إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج:12-13].

الله... كم فرحنا وحمدنا الله وشكرناه على ما منَّ به من هذا النصر للأمة بإسقاط الطغاة واحدًا تلو الآخر، {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45].

وأخيرًا: أسأل من أهلك بقوته الجبابرة والطغاة، وسلب بحكمته أمرهم ونهيهم أن يُلْحِقَ آخرهم بأولهم، ويجعل عاليهم سافلهم، والحمد لله رب العالمين.

المصدر: الموقع الرسمي للشيخ
  • 2
  • 0
  • 4,883

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً