الْمَرْحَلَةُ الْذَّهب

منذ 2015-06-26

أعظم ما ينبغي على العبد استثماره في هذه المرحلة هو ما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن الإنسان في هذه الحياة يمر بمراحل عمرية وهذه سنة كونية، فمن صغر وطفولة، إلى شبيبة وفتوة، ثم إلى شيبة وهرم، فمن ضعف الطفولة إلى قوة الشبيبة ثم عودة إلى الضعف وهو الشيبة، وهذا مصداق قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}[الروم:54].

فإذا كانت مراحل العمر هذا حالها، ضعف فقوة فضعف، فعند جميع العقلاء أن أعظم مرحلة يجب استثمارها واستغلالها والإفادة منها هي مرحلة القوة والفتوة، وهي مرحلة الشباب، فإذا علمت نعمة الله عليك في هذه المرحلة فما هو الواجب عليك استثماره في مثل هذه المرحلة.

لعل أعظم ما ينبغي على العبد استثماره في هذه المرحلة هو ما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، فأي عمل مشروع ينبغي أن يبادر فيه، ومن المشاريع الناجحة في هذه المرحلة هو: البناء العلمي، والعبادي، ومن أراد تحصيل هذه البرامج فعليه أن يسلك أسبابها، ويطرق أبوابها، ويستشير أهل الخبرة في ذلك، مع جد واجتهاد حتى يبلغ تلك المنزلة العُلْيَا، ويرتقي أعلى الرُّتب.

إن استغلال هذه المرحلة الذهب مما يعود على العبد نفعه في شبيبته قبل شيبته، بل ذلك من أعظم أسباب الثبات على الحق، والاستمرار عليه، وصدق من قال: "من شب على شيء شاب عليه"، وإن كان هذا القول ليس قاعدة مطردة لكنه أغلبي.

وتأمل معي هذا الموقف لرجل من المسلمين عُرِفَ بالعلم والعبادة، وربى نفسه عليها في شبيبته، فلما كبر سنه، ورق عظمه، وبقي معه من عمله الشيء القليل بالنسبة له، والكثير بالنسبة لنا، وكان يتحسر على أيام شبابه أنه لم يزدد فيها من العمل، وهو من عرف بالعلم والعمل، فماذا نقول نحن الذين ضيعنا وفرطنا والله المستعان؟.

هذا الموقف لأبي إسحاق السبيعي رحمه الله تعالى: قال أبو بكر بن عياش: "رأيت أبا إسحاق السبيعي يبكي"، فقلت: "يا أبا إسحاق ما يبكيك؟" قال: "ذهبت قوتي، وذهبت الصلاة مني ما أستطيع أن أصلي قائمًا إلا بالبقرة وآل عمران" (الثقات لابن حبان [8/67]).

ختامًا: يا شباب الإسلام هبة للعمل، وعزمة من عزمات الرجال للبذل والتضحية، فكم نحن بحاجة لكم في زمن أصبح همُّ كثيرٍ من الشباب الأشكال والمناظر، والملذات والشهوات، فهبوا يا شباب الإسلام للعمل، فتعلَّموا وعلِّموا، واجتهدوا وابْذُلوا وفقكم الله لكل خير، وأعانكم على أمور دينكم ودنياكم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين.

المصدر: موقع د. ظافر بن حسن آل جَبْعَان
  • 1
  • 0
  • 4,921

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً