الوصية بالاستمرار على العمل الصالح بعد رمضان

منذ 2015-07-20

بئس العبدُ عبدًا لا يعرف الله إلا في رمضان!

الحمد لله الذي وسع كلَّ شيء علمًا، وأحاط بكل شيء عزة وحكمًا، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علمًا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله النبي المرسل والإمام المكمل، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم خيرُ صحبٍ وأكمل آل ما تعاقب الجديدان، وما ذكر الله تبارك وتعالى وشكره أهل الإسلام والإيمان والإحسان.

أما بعد:

فيا أيها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في كلِّ حال، والشكر له على ما أولانا من جزيل النعم وأنواع الإفضال، والحذر من الجحود لفضله والكفر بنعمه؛ فإن ذلكم من شأن أهل الكفر والشرك والضلال.

ألا وإن الله جل ذكره قد بشَّر المتقين بالفلاح الأكيد، ووعد الشاكرين بالمزيد، وتوعَّد وهدَّد الكافرين بالعذاب الشديد، فاتقوا الله سبحانه واشكروا له إحسانه، واجتنبوا فعل مَن أخزاه الله وأهانه.

عباد الله، اشكروا الله تبارك وتعالى على أن فسح لكم في الآجال، ومدَّ في الأعمار فأمهلكم؛ لتستزيدوا من صالح الأعمال، وتتوبوا وتستغفروا من التقصير والزلل، وتستزيدوا من التجارة معه عز وجل، فاغتنموا المهلة في العمل الصالح والمتجر الرابح قبل النقلة، ولا تغفلوا فتقسوا قلوبكم، فإن الله تبارك وتعالى قد قال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16].

وقال تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللهِ ۚ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الزمر:22].

أيها المسلمون:

لئن انقضى رمضان، فإن ما يتعبَّدُ لله تعالى فيه باقٍ ومشروع في كل آنٍ، وللتعبد له به سبحانه عنده أعظم شأن، وإنه ليس لعمل المؤمن انقطاع دون الموت، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]؛ يعني: الموت.

وبئس العبدُ عبدًا لا يعرف الله إلا في رمضان! ألا وإن الله تعالى لا يسأل العباد إلا عما افترض عليهم، ولكن الله تعالى قد وعد المؤمنين العاملين للصالحات جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا؛ لاستدامتهم على الإيمان والعمل الصالح، ومجانبة ارتكاب الذنوب والإصرار على القبائح، مهما امتدت بهم الأعمار وتعاقب عليهم الليل والنهار، ثم إن العمل مهما كمل فإنه محلٌّ للنقص والخلل، وقد شرع الله تبارك وتعالى النوافل مكملة للفرائض ومزيدًا للعاملين قبل العوارض، وكفارات للخطايا وموجبات للرضوان، وسُلَّمًا يصعد به العبد في درجات الجنان، ويستزيد به من أنواع الفضل والإحسان.

معشر المسلمين، إن الصيام عمل اختصَّه الله لنفسه، وجعل جزاءه عليه، وجعله زينة للعمل حين يعرض عليه، وخصَّ أهله بباب من أبواب الجنة، وضمن للصُّوَّام إجابة الدعوة، وهو مشروع في سائر العام، فلا تُعرِضَنَّ عنه؛ فإنه من أعظم كفارات الآثام وموجبات دخول الجنة بسلام.

وأما الصلاة فإنها تحطُّ بها الخطيئات، وترفع بها الدرجات، حتى يبلغ بها المصلي أن يكون مرافقًا للنبي صلى الله عليه وسلم مع الذين أنعم الله عليهم من الصدِّيقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقًا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليمًا.

{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9-11].

أيها المؤمنون، وأما الصدقات فإنها دواء للمرضى، وموجبات لسَعَة الرزق والرضى، وهي ظلٌّ لصاحبها يوم القيامة، فكل امرئٍ في ظلِّ صدقته، وهي سترةٌ من النار وجاعلة صاحبها في جبرة الكريم الغفار، «إن الله تبارك وتعالى حين خلق جنة عدن بيده قال لها: تكلَّمي. فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } [المؤمنون:1]، فقال سبحانه: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيلٌ» (ضعيف الترغيب؛ برقم: [2247]).

معشر المؤمنين، فأما القرآن والذكر والدعاء فخصال كريمة، وقربات عظيمة، حق من تقرَّب بها إلى الله أن يزيد الله تبارك وتعالى هداه، وأن يذكره جل وعلا في علاه، وأن يستجيب دعاه ويقضي حاجته ويعطيه من فضله فوق ما رجاه وتمناه، وأن يكتب له بها جوارًا من النار، ونزلًا في الفردوس الأعلى مع الأخيار.

أمة الإسلام، مضى رمضان هذا العام بسلام، واستقبلتم ما بعده من الأيام، فأيُّ خصلة من تلك الخصال ستتركون، وأي عبادة من هذه العبادات عنها تستغنون، وإذا تركتم شيئًا منها فأيَّ عمل خير منها به تشتغلون: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدي والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

  • 1
  • 0
  • 4,194

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً