صناعة الصراع

تؤكد المقدمات والمدخلات أن صناعة (نيويورك وواشنطن) للأفكار والقيم الأمريكية التغريبية وتصديرها لدول الجزيرة العربية لا تتعارض، بل تتكامل مع استراتيجيات (قُمْ وطهران) في تفريغ الأوطان السنِّية من هوياتها الفكرية، فكلا الأيديولوجيتين -الإنجيلية الأمريكية والصفوية الرافضية الإيرانية- تتقاطع بينهما الأهداف والمصالح في تفريغ الأمة السنية من هويتها الحقيقية خاصةً بلاد الحرمين، وتعبئة الفراغ بقيم التغريب والاستهلاك.

  • التصنيفات: مذاهب باطلة - الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -

بسم الله الرحمن الرحيم

أحداث المنطقة بشكلٍ عام والخليج بشكلٍ أخص بمقدماتها ونتائجها المعاصرة، تُشكِّل مخاطر حالية ومستقبلية وخيمة على الحكومات والشعوب، حيث تؤكد المقدمات والمدخلات أن صناعة (نيويورك وواشنطن) للأفكار والقيم الأمريكية التغريبية وتصديرها لدول الجزيرة العربية لا تتعارض، بل تتكامل مع استراتيجيات (قُمْ وطهران) في تفريغ الأوطان السنِّية من هوياتها الفكرية، فكلا الأيديولوجيتين -الإنجيلية الأمريكية والصفوية الرافضية الإيرانية- تتقاطع بينهما الأهداف والمصالح في تفريغ الأمة السنية من هويتها الحقيقية خاصةً بلاد الحرمين، وتعبئة الفراغ بقيم التغريب والاستهلاك.

فخلال ما يزيد عن عشر سنوات مضت عمل الطرفان بعملائهم من الليبروصفوية بما تعجز عنه جيوش الأعداء الجرَّارة، فقد أصبح الجهاد -في زعمهم- إرهابًا، ولا توجد له صورة مُثلى واقعية حسب الحملات الدعائية الإعلامية وكثير من الإجراءات السياسية والأمنية -بالرغم من الحاجة الضرورية والحتمية للجهاد حاضرًا ومستقبلًا-، بل وأُفرغت المناهج التعليمية من قوتها الشرعية التي تحفظ للوطن قوته العقدية، والتي تُعزِّز تضحيات الأجيال والجيوش بالعقيدة القتالية، وفُرِّغت الأوطان بهذا من قوة هويتها ورسالتها الإسلامية تحت مسميات متعددة وفزَّاعات متنوعة، وأُضعفت العلاقات مع الشعوب الإسلامية بتهميش مؤسسات العمل الخيري الخارجي، بل أصبحت -عند الليبروصفوية- كل أيديولوجيا مُنطلِقة من العقيدة إرهابًا وتشددًا وتكفيرًا ورجعية وتخلَّفًا لتخلو الساحات للأفكار الوافدة.

وقد أفرزت تلك الحملات الليبروصفوية القضاء على الحزام الأمني السني -من أهل السنة- في شمال الجزيرة العربية وجنوبها، وتناقصت مع ذلك قوة المناعة والحصانة للمجتمع والدولة في التصدي لجيوش الصفويين القائمة والقادمة، وأخطر من تلك الضغوط الخارجية والداخلية مما سبق هو الاستجابة لها.

إن مخرجات عقائد الأمريكان والصفويين الرافضية تتفق على عداوة الإسلام السني ومشروعه السيادي، حيث هو مشروع المقاومة الفكرية والثقافية والجهادية عبر التاريخ، بل هو الممانِع من التغريب، والمناهِض للتنصير، والمقاوم للاحتلال، وأحداث التاريخ وحوادثه تؤكد ذلك في السابق واللاحق، والواقع أصبح شاهد على دور الليبروصفوية الخطير في تفتيت وحدة الوطن الفكرية والسياسية، من خلال تنفيذ أجندات الطرفين الأمريكي والإيراني، بل وصناعة بؤر الصراع الفكرية والسياسية والدموية.

ولأهمية الاستدلال والتوثيق في هذا الموضوع حرصت أن ألتزم بمقولة شيخي وأستاذي صالح الحصين رحمه الله في النقل والاستدلال، لتكون هذه المقالات السبعة (7/7) عبارة عن: "ألبوم من الصور الواقعية للأحداث والأفكار، ولم يتدخل المحرِّر إلا عند الضرورة، وبغرض ربط الصور بعضها ببعض" والتعليقات بين النصوص هي للربط بينها فقط، وهي مقالات لا تهدف للرد بقدر ما تهدف إلى التدوين التاريخي والوصفي لقضيةٍ أشغلت بعض الوسائل الإعلامية وأشغبت على المنهج الصحيح السائد في المجتمع السعودي -ولازالت-.

كتب المفكر الفرنسي شارل سان برو في كتابه: (مستقبل السلفية بين الثورة والتغريب) عن القاسم المشترك بين التيارات الفكرية المعادية للإسلام السني فقال: "وتجدر الإشارة إلى أن كل التيارات الفكرية المعادية للعرب، خصوصًا تلك التي وقعت تحت تأثير الفُرْس، لم تترك فرصة إلا واستغلتها في بخس مزايا المذهب الحنبلي الذي عُدَّ بمنزلة جوهر السلفية الإسلامية والتعبير الأكثر ترسخًا عن النزعة العربية الإسلامية"[1].

ومما يؤكد التناغم الليبرالي الشيعي الرافضي أو التعاون بينهما كتابات بعض من استيقظت ضمائرهم، وصدرت منهم مقالات وتراجعات، ومكاشفات حينما انكشفت لهم حقيقة الليبرالية السعودية التي كانوا في داخلها -كما قالوا-، وقد أكدوا على أن الليبرالية لا تعدو أن تكون عداوة لعقيدة هذا الوطن، بل وخصمًا لبقاء وحدته وقوته من خلال مهاجمة عوامل وحدة الدولة السعودية، وفي هذا السياق كتب الأستاذ خالد الغنامي مقاله الأول والثاني عن الطلاق البائن لليبرالية، وكشف فيهما الحقيقة المرة عن المُحرِّكات الرئيسة لهذه المجموعة الليبرالية التي أشغلت خاصةً الناس وعامتهم، فقال عن طلاقه للِّيبرالية في مقاله المُعنَّون: (الليبرالية بوابة كل عدو): "إنما هو وداع مفارق مبغض للزيف والخديعة، فالليبرالية قد تبدت لي كمشروع يسعى بأساليب ملتوية لتدمير هذا الوطن. كيف؟".

وقد أجاب هو عن هذا السؤال بقوله: "عندنا في المملكة العربية السعودية، دخلت الليبرالية كمنتج مستورد من الخارج ليدخل من جمارك التنوير الديني". "ثم أصبحت الليبرالية بوابة لكل عدو كاره لمجتمعنا ساعٍ لتفتيته. فكل من يكره شخصيتنا ومذهبنا ومنهجنا وديننا، لم يكن يحتاج إلا أن يُقدِّم نفسه على أنه (ليبرالي) لكي يأخذه الليبراليون بالأحضان ويُوجِّهون له الدعوات ليكون واحدًا منهم، واحدًا من المثقفين المتحررين من التقليد، المحبين للحياة والإنسانية... إلخ. لكن عندما تكشَّفت الأمور عند من تكشَّفت لهم، وأنا منهم، فإذا بكثيرٍ ممن يدَّعي هذا اللقب باعتزاز كبير ليس سوى عدو موالي لأعدائنا، بل واحد من أتباع مخلصين لهم"[2].

ولم ينفرد الغنامي بهذه الأقوال الخطيرة فقد شاركه كل من الدكتورة نورة الصالح، وكذلك الكاتبة وداد خالد في مقالاتهما عن الليبرالية في السعودية وأنها العدو الحقيقي للوطن، وذلك بعدما انكشفت لهما الحقيقة.

الكاتبة وداد خالد بعد إعلان تخليها عن الليبرالية، وقد عاشت معها (10) عَشْرَ سنوات -كما قالت-  دوَّنت بعض التغريدات في صفحات تويتر الخاصة بها، وأكَّدَت من خلال ذلك أهداف الليبرالية السعودية في نشر التعددية الفكرية كمقوِّض للوحدة الفكرية والوطنية، لتفضح فيه سلوك الليبراليين والشبكات الليبرالية، وكيف يروجون لقيم الغرب بين الشباب والشابات السعوديين بعد تفريغهم من هوياتهم الثقافية...

فقالت: "سوف أكشف الآن بعض حقائق الشبكة الليبرالية، طبعًا أنا أكتب منذ تأسيس الشبكة الليبرالية، كانت مهمة المراقبين بالشبكة في البداية مهمتين، (الأولى) نشر مواضيع الإلحاد و(الثانية) مراسلة المعرِّفات التي تحمل أسماء نساء، طلبوا مني كتابة مواضيع تسيء للدين الإسلامي، وكانت فكرتي آنذاك موضوعي الشهير (حرق الحجاب)، وطلبوا مني أن يخرج معي سعوديات ويحرقن الحجاب أمام برج المملكة -وقناة الحرة سوف تكون متابعة لهذا العمل البطولي برأيهم- تواصلت معهم آنذاك واخترتُ موعد يوم 1/7، طبعًا أنا حدّدتُ اليوم وفعلًا كنت ناوية على هذا العمل القذر، ولكن لطف الله منعني والحمد لله، حيث أعلنتُ لمن أراد الخروج معي بتأجيل موعد حرق الحجاب"[3]، وقد وَعَدَت وداد خالد أن تكتب عن تجربتها مع الليبرالية في كتاب تكشف فيه عن الأعداء الحقيقيين للدولة السعودية، وهما الفقر والليبرالية كما هو تعبيرها.

الدكتورة نورة الصالح التي استيقظ عندها الضمير كذلك، كتبت مقالًا بعنوان: (لماذا هربتُ من الليبراليين؟) ومما ورد فيه قولها: "قضيتُ سنواتٍ طويلةً أؤمن بقيم الليبرالية؛ أدافع عنها وأناضل في سبيلها، وأدبِّج الصفحات في جمالها"... "كنت أظن أن دعاوى العدل الذي تصدح به الليبرالية هي دعاوى حقيقية! وأن حقوق الإنسان هي معصرة الليبرالية الخالصة، وأن الحرية والمساواة التي يُنادى بها آناء الليل وأطراف النهار هي قيم حقيقية تستحق التضحية وبذل النفيس في سبيلها"... "كنتُ -كمثل كل الليبراليين العرب- أمريكيةَ الهوى؛ يشدني المجتمع الأمريكي، وتُعجبني منظوماته الفكرية والأدبية والسياسية والاقتصادية، كنت أقرأ لفكرهم أكثر مما أقرأ في صفحة واقعنا وحضارتنا وديننا لمدة طويلة، صدقت أن الليبرالية هي الحل"[4].

وتكشف نورة الصالح فساد الليبرالية السعودية، وإفسادها لشباب وفتيات الوطن السعودي وعزلهم عن ثقافة وطنهم من خلال الإفساد الأخلاقي والفكري مما لا يسع المقام لذكره، ويمكن للقارئ أن يراجعه في موضعه في أصل المقال، وما يهمنا هنا هو ما كتبته الدكتورة عن حقيقة الوطنية لدى دعاة الليبرالية السعودية، وكان مما قالت عن وطنية الليبراليين: "أدهشني تسابق الليبراليين السعوديين على طلب وُدِّ أمريكا بطريقة وقحة لا تحترم مشاعر الجماهير"[5].

وأخيرًا..

أليس الانتقاص والتهميش الأمريكي لدول (الموافقة) الدول الخليجية كافٍ في كشف صناعة (الفوضى الخلَّاقة) الحالية والقادمة للمنطقة؟

ثم أليس التحالف الأمريكي مع إيران كدولة (ممانعة) هو الذي أطلق العبث الصفوي الدموي بدول المنطقة؟ وهذا كافٍ لوحده لصناعة الصراع الشيعي السني المرعب!

ثم أليس ما سبق من أقوال واعترافات وتراجعات لمن استيقظت ضمائرهم من الليبراليين خير مُعبِّر بأن الوطنية لدى الليبروصفوية شعارات زائفة انكشفت حقيقتها بمآلاتها ونتائجها اليوم؟!


د. محمد بن عبد الله السلومي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر والمراجع:

[1]- (انظر: شارل سان برو؛ مستقبل السلفية بين الثورة والتغريب، ص: [146]، ترجمة: وجيه جميل البعيني، نشر: مكتبة الملك عبد العزيز، الرياض – السعودية، 1431هـ/2010م. سلسلة الأعمال المحكمة: [113]).
[2]- (انظر مقال: الليبرالية بوابة لكل عدو).
[3]- (انظر: تصريحات وداد خالد).
[4]- (انظر مقال: لماذا هربتُ من الليبراليين؟!).
[5]- (انظر مقال: لماذا هربتُ من الليبراليين؟!).

المصدر: مركز القطاع الثالث للاستشارات والدراسات الاجتماعية