مجزرة رابعة في مثل هذا اليوم

منذ 2015-08-17

تستوعب العقول والأفهام موت الملايين في الحروب في اشتباكات الجيوش المتقاتلة، لكنها أبداً لا تستوعب مشهد طفل يُقصف بالطيران من السماء، أو فتاة بريئة تُردى بالرصاص المنهمر من السماء، أو صرخات طفل يقف على جثة أمه يصرخ فيها فلا تجيب فتنهمر الدموع من عينيه بعد أن صار يتيماً للأبد.

في مثل هذا اليوم الرابع عشر من أغسطس والذي صار علامة فارقة في الوجدان أو الضمير الإنساني؛ أشرقت شمس هذا اليوم على أنفس وأرواح باتت ليلتها راكعة ساجدة لربها، ترجو رحمته وتخشى عذابه، وحين استهلت يومها كانت أورادها وأذكارها زادها وسلاحها الذي تتزود به لهجير يومها ووعثاء سفرها.

كانت أنفساً لها أحلام وأشواق لغد مشرق، تنجلي فيه غمتها، وتنفك فيها كربتها، ويلتئم فيه شملها، وتضمد فيه النازف من جراحها، وتراجع ما أعوج من مسيرتها، وتصلح ما فسد من سيرتها.

كانت أنفساً نقية الخواطر، شريفة المقاصد، نبيلة الغايات، حين أرسلت الشمس أشعتها خجلى على ملامح وجوهها الناضرة؛ كانت الأرض تبكي وداعاً لأقدام لطالما اهتزت بها سروراً وحبورا.

أنفس كانت جريمتها النقاء والصفاء والحب والعطاء، أنفس تقاسمت جرعة الماء، وكسرة الخبز، ونسمة الهواء.

أنفس طاهرة طهر الحرم *** تملأ التاريخ مجدا وكرم

وافيات للعهود والذمم *** راقيات للمعالي والهمم

كانت من بينها زهرات يافعات، تتدفق الأنوثة في دماءها أنهار حب وعطاء وبذل وإخاء، تحلم بيوم تسعد فيه حبيبها، وتهدهد فيه صغيرها، وتحيا فيه فطرة الله التي فطر الناس عليها.

كان من بينها العمير الذي ما إن ارتفعت شمس اليوم حتى فقد كل نُغير.

إن من كان له بقية من ضمير حي أو قلب ينبض، لا يمكنه بحال أن يجعل من دماء الأبرياء ثمناً لمتعته ونزواته، ولئن كان الشيطان قد لعب برؤوس كثير من الجبابرة وزين لهم سوء أعمالهم فرأوها حسنة فقد جرت السنن أن عاقبة الراتع في الدماء هي الخسران المبين، وإن الطريق القويم للخروج من المآزق والأزمات والكوارث التي يتورط فيها الإنسان هو الصدق، والإيمان الحق باليوم الآخر.

لم تغب شمس الرابع عشر من أغسطس يوم فض اعتصام رابعة إلا وكانت أنهار الدماء التي سالت ومئات أو آلاف الأرواح التي فاضت قد سطّرت مساراً، وتركت جراحاً الله أعلم بطبها ودواءها، ويتساءل المرء في نفسه متى سيأتي اليوم الذي تشرق فيه شمس العدالة ويبزغ فيه فجر الضمير وتستقيم به محاسبة النفوس الجريئة التي أمنت الحساب والعقاب فأساءت الأدب.

إن من روائع القواعد الأصولية قاعدة تعلمنا أن الميسور لا يسقط بالمعسور، وإذا كنا لا محالة متحدثين عن المحاسبة والعدل بحق، فلم لا نبدأ بأنفسنا أولاً لتصويب المسار واستقامة الصف الذي لن يستقيم ظله والعود أعوج؟!

____________________

خاص بموقع طريق الإسلام

حسن الخليفة عثمان

كاتب إسلامي

  • 4
  • 0
  • 1,557

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً