خطوات في التربية - (48) قواعد في طلب العلم (6)

منذ 2015-08-18

ما العلم إلا خشية الله عز وجل كما قال أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، وقال رجل للشعبي أفتني أيها العالم، فقال: "إنما العالِم من يخشى الله تعالى".

فأمية بن أبي الصلت كان يعلم بأن المشركين على باطل وأن زمان نبي قد أطلّ، بل ورغب في هذه النبوة لنفسه، وفي هذا قصة مطولة، ولكن الشاهد هنا هو هذه الجملة المخيفة (قيل عنه: أوعى؟ قيل نعم، قيل: أزكى؟ قيل لا)..
جاء في البداية والنهاية: "وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الكلبي قال بينا أمية راقد ومعه ابنتان له إذ فزعت إحداهما فصاحت عليه فقال لها: "ما شأنك؟" قالت: "رأيت نسرين كشطا سقف البيت فنزل أحدهما إليك فشق بطنك والآخر واقف على ظهر البيت فناداه فقال: أوعى؟ قال: نعم، قال: أزكى؟ قال لا"، فقال: ذاك خير أريد بأبيكما فلم يفعله.

وقد روي من وجه آخر بسياق آخر فقال إسحاق بن بشر عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قدمت الفارعة أخت أمية بن أبي الصلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعد فتح مكة؛ فقال لها ذات يوم: «يا فارعة هل تحفظين من شعر أخيك شيئًا»؛ فقالت: "نعم وأعجب من ذلك ما قد رأيت" قالت: "كان أخي في سفر فلما انصرف بدأني فدخل علي فرقد على سريري وأنا أحلق أديما في يدي إذ أقبل طائران أبيضان أو كالطيرين أبيضين فوقع على الكوة أحدهما ودخل الآخر فوقع عليه فشق الواقِع عليه ما بين قصه إلى عانته ثم أدخل يده في جوفه فأخرجه قلبه فوضعه في كفه ثم شمه فقال له الطائر الآخر: أوعى؟ قال: وعى، قال: أزكى؟ قال: أبى".

ثم رد القلب إلى مكانه فالْتأم الجرح أسرع من طرفة عين ثم ذهبا، فلما رأيت ذلك دنوت منه فحركته فقلت: "هل تجد شيئًا". قال: "لا إلا توهينا في جسدي" -وقد كنت ارتعبت مما رأيت- فقال: "مالي أراكِ مرتاعة؟". قالت فأخبرته الخبر فقال: "خير أريد بي" ثم صرف عني" (البداية والنهاية ط إحياء التراث [2/ 284]).

و أبو عامر الفاسق كان يسمى قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يثرب بالراهب، فلما جاءت النبوة لرسول الله حسده، وشرق بها -كما يقول العرب- وألّب قريشًا على حربه، وحفر له الحفر ليقع فيها، وقد وقع في أحدها بعد هزيمة بعض المسلمين، كل هذا عن بينة، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عارم الأكذب منا قتله الله بعيدا طريدًا وحيدًا».

وهكذا كان فلحق الروم بعد أن لم ينل غرضه في إطفاء نور الله تعالى، وأخذ يهيج ملك الروم وحلفاءه من الغساسنة على قتال المسلمين، بل وراسل المنافقين وبنوا له مسجد الضرار ليكون موقع تجمع لجواسيسه!! كل هذا عن بينة لا عن جهل بصحة الرسالة.. وفي النهاية مات طريداً غريباً وحيدًا هناك حيث كان يتآمر!

وهرقل ملك الفرس قال لأبي سفيان بعد ما سأله عن أوصاف رسول الله: "يا أبا سفيان لو كان كما تقول فسوف يملك موضع قدميّ هاتين، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ولو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولولا الضن بملكي لاتبعته" فعلم ولم يزكُ.

وأبو جهل كان يعرف صحة النبوة والرسالة ولم يتمالك منع نفسه من سماع القرآن، ولكنه قال: "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نسمع به أبدا ولا نصدقه" (البداية والنهاية ط إحياء التراث [3/82ـ 83]).

فلم يكن المانع غير التنافس القبلي والحسد على الزعامة والشرف الدنيوي، فحرم من تزكية نفسه بسبب الدنيا.

وأما اليهود  فلما رأى حيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر رسول الله وسمعا منه علما أنه النبي فدار هذا الحوار بين أبي ياسر وحيي والذي ترويه السيدة صفية ابنة حيي.. قالت سمعت عمي يقول لأبي: "أهو هو؟ قال: نعم، قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في قلبك له؟ قال: عداوته ما بقيت"!

وإبليس طرد من الملأ الأعلى وسمي إبليسا لإبلاسه وإياسه من الخير بعد أن كان عابدًا.

ودُعي فرعون: {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:18-19] فأبى مع علمه قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: من الآية 14].

ورؤساء النصارى قال أحدهم للآخر -وهو أخيه- بعد مرجعهما من لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعس الأبعد -يقصد رسول الله-  قال: بل تعست أنت؟ قال: ولم؟ قال إنه النبي الذي ننتظر، قال: فما يمنعك من اتباعه؟ قال: هؤلاء القوم موّلونا وأكرمونا وقد أبوا إلا خلافه، ولا يسعنا خلافهم! فخافا على المال والسلطة.

والذي آتاه الله آياته فانسلخ منها؛ قال تعالى عنه: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف: من الآية 176] يعني في دناءة قصده وسقط همته ولهثه على الدنيا قال الله عنه: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}[الأعراف: من الآية 176].

فما العلم إلا خشية الله عز وجل كما قال أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، وقال رجل للشعبي أفتني أيها العالم، فقال: "إنما العالِم من يخشى الله تعالى".

يتبع إن شاء الله تعالى..

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 1,617
المقال السابق
(47) قواعد في طلب العلم (5)
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً