أدمن الطرق.. وبإذن الله… سيفتح لك

منذ 2015-08-20

الخلاصة.. لا تغلق كل الأبواب ولا توصد كل مزلاج ولا تقطع كل الحبال ولا تدع أحدا يقطعها..

"طول ما الباب متوارب ممكن ييجي عليك الوقت وتدخل".

كانت هذه المقولة المستندة على رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله؛ من أهم المقولات التي سمعتها في بداية حياتي.

الرواية تقول أن الإمام أحمد رأى بالمسجد رجلاً مشهورًا بالسرقة وقطع الطرق، رآه الإمام أحمد يصر على التواجد بالمسجد من حين إلى آخر فتعجب لحاله وسأله عن ذلك فقال: "يا إمام، بيني وبين الله أبواب كثيرة مغلقة فأحببت أن أترك بيني وبينه باباً مواربًا".

لم تكد تمر أشهر معدودات حتى لقيه الإمام أحمد متعلقا بأستار الكعبة متضرعاً نادماً تائباً عن خطاياه منيبًا إلى مولاه.. 

قيل أن الرجل حسنت توبته بعد ذلك ولم يعد إلى ما كان عليه حتى مماته!

ترك بابًا مواربًا ففتح الله له به كل الأبواب.

سواء صحت تلك الرواية أو كانت من كلام الوعاظ والقصاصين = فإنها تلخص قاعدة من أهم القواعد التي ينبغي للمؤمن أن يتبعها مع نفسه الأمارة بالسوء وأن يتبعها المربون والداعون إلى الله في التعامل مع نفوس الآخرين إذا هم أخطأوا أو قصروا أو حتى أداروا ظهورهم وابتعدوا.

الفكرة باختصار هي أن تترك حبلاً ممدودًا بينك وبين سبيل الاستقامة وطريق الصلاح، وألا تغلق الباب ولا توصده في وجوه الناس عساهم يومًا يدفعوه وتتحول الفتحة اليسيرة أو المواربة إلى انفراجة وفتح وعظيم يعود المرء من خلاله إلى رحاب مولاه.

ربما يبدو للبعض أن وجود هذا الباب الموارب وهذا الحبل الممدود للصلاح يعد نوعًا من التناقض إذا ما اجتمع مع صنوف العصيان وألوان التقصير الأخرى، وهو فعلاً شيء من التناقض لكنه بالمقارنة ببديله = تناقض محمود 
البديل هو الانفلات الكامل والفجور المطلق! 

أي منطق يقول أنه هروبًا من وصف متوهم بالنفاق فإن مطلق الفجور والانفلات أفضل؟!

إن هذا الخلط بين العمل الصالح والعمل السيء ليس دائمًا نفاقًا فللعمل الصالح بريقه الذي قد تحجبه طويلاً طبقات الران وحواجز الشهوة والعصيان وضجيج الأهواء والشبهات لكن قد تأتي لحظة يسود مشهد القلب ذلك البريق 
هنا ينفتح الباب الموارب ويلج العبد تائباً.

{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:102].

هكذا حدثنا ربنا في كتابه عن هذا الصنف من الناس.. 

أولئك الذين يصرون على ترك الباب موارباً ويأبون الانغماس الكامل في المعاصي والأهواء وإن ضعفوا أمامها أحيانًا فخلطوا شيئاً من الذنوب والخطايا بما وفقوا له من طاعات وقربات.. 

تلك الطاعات والقربات التي كانت بمثابة الباب الذي يرجون الولوج منه يوماً!

قد يكون هذا الباب الموارب صحبة صالحة يحرص عليها العاصي ولا ينبغي للصالح أبدًا أن يصده عنها لعله يدخل من خلالها يومًا ما..

وقد يكون هذا الباب الموارب طاعة يحرص عليها وإن صغرت في نظرك لكن لعلها ببركة صدقه تكون سببًا في هدايته.

قد تكون صلاة صبح في جماعة عقب ليالٍ امتلأت بالغفلة والنسيان وربما العصيان.

لكن بإذن الله يومًا ما ستنهاه تلك الصلاة التي حرص عليها ولم يغلق بابها.

وقد تكون صدقة سر وصنيعة معروف يواظب عليها لتقيه مصرع السوء أو بدعاء ذلك المسكين الذي أطعمه أو الفقير الذي أعانه فينال العاصي هداية ورشاداً.

المهم أن يبقى الباب موارباً.. 

وألا يتمكن الشيطان من إقناعك بإغلاقه إغلاقاً تامًا محكمًا وذلك عين ما يسعى إليه من خلال بث القنوط واليأس والشعور المقبض بأن خلطك للصالحات بالسيئات = نفاق!

والحل ببساطة أن تصر على تجاهل تلك الشبهة وألا تحقرن من المعروف شيئًا فالحسنة ولادة وحسن الظن عبادة..

لا تقل لنفسك كيف تطيعين وأنت بين كل هذه المعاصي ولكن قل كيف تعصين وقد شرفك الله بهذه الطاعة.

ولا تحقرن طاعة يسيرة صدرت من عاص بل شجعه عليها وشاركه فيها لعلها تسود ومن خلالها يعود.

وإياك إياك أن تحقر عاصياً ضعف أمام شهوته… فبينما ينام البعض وابتسامة عجب عريضة ترتسم على وجوههم مستعلين بطاعتهم؛ قد ينام هو ودمعاته تنساب على وجهه ندمًا على ما فرط في جنب الله فتسبق به دمعته التائبة النادمة ويفرح ربه بأوبته الباكية.

الخلاصة.. لا تغلق كل الأبواب ولا توصد كل مزلاج ولا تقطع كل الحبال ولا تدع أحدا يقطعها..
في طاعة الله

 كن لحوحًا مُصِرًّا وأدمن الطرق.. 
وبإذن الله… سيفتح لك

  • 5
  • 0
  • 8,317

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً