ملامح النصر في معركة غزة
ملفات متنوعة
فلا تضعفوا يا أهل غزة وتدعون عدوكم للمسالمة وأنتم الأعلى منهم
بدينكم وعقيدتكم وشجاعتكم وصمودكم وثباتكم وانتصاركم وفوق ذلك فالله
معكم ينصركم....
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
التفاؤل في غمرة الأزمات منهج نبوي حيث بشّر سراقة بسواري كسرى وهو صلى الله عليه وسلم مطارد من مكة إلى المدينة، وبشر الصحابة بفتح الشام واليمن وبلاد فارس أثناء حفر خندق غزوة الأحزاب، وتفاؤلنا بمجريات الأحداث في غزة لا يعتمد فقط على النصوص الشرعية المبشرة بالنصر ولكن ومن باب ليطمئن قلبي تجد له الكثير من الشواهد الواقعية في الأحداث.
حقيقة النصر:
وقبل عرض ملامح النصر نحتاج لبيان ماهية النصر وحقيقته ومستوياته فهناك نصر قريب وآخر بعيد وبينهما درجات ومستويات، وقد يختصر مفهوم النصر بنوعين خاص وعام؛ فالخاص والمستوى القريب للنصر هو النصر في معركة، والنوع العام للنصر هو نتائج حدث معين أو معركة ما وآثارها؛ فقد يهزم جيش في معركة لكنه ينتصر من حيث عدم تحقيق العدو للهدف من المعركة .
أعظم النصر:
إن أعظم النصر هو فوز المبادئ والقيم ولذا قال الله عز وجل عن جنة المؤمنين بعد عرض قصة أصحاب الأخدود وما حصل لهم من الإبادة الجماعية حرقا بسبب ثباتهم على دينهم ومبادئهم: {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [سورة البروج: 11]، ومن قبلهم الغلام الذي أرشد الملك لكيفية قتله أمام الناس ليدخلوا بعد ذلك في دين الغلام فتنتصر مبادئه على حساب حياته.
ولذا لا تجد من يلوم الجزائريين على التضحية بمليون شخص منهم للتحرر من الاستعمار، ولا تجد من يلوم الشعب الليبي على التضحية بنصف الشعب (700ألف) كذلك، ولا تجد من يلوم الشعب الفيتنامي على التضحية بثلاثة ملايين فيتنامي، فكيف يصح بعد ذلك لوم الفلسطينيين على التضحية ب1200 شهيد و 5000 جريح يشكلون 1 من 300 من أهل غزة؟!
بل إن الشهادة في حد ذاتها مكسب عظيم، كيف لا وهي الدرجة الثالثة في الجنة بعد درجتي الأنبياء والصديقين؟
قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة آل عمران: 169: 170].
الشهداء، «أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: "هل تشتهون شيئا؟"، قالوا: أي شيء نشتهي؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا. ففعل ذلك بهم ثلاث مرات. فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى» [رواه مسلم].
وقال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [سورة التوبة: 52].
وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ} [سورة البقرة: 214].
وقال تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [سورة النساء: 104].
وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [سورة آل عمران: 168].
كتب خالد الحروب قائلا: "في الضفة الغربية حيث لا توجد صواريخ "حماس"، ولا تطلق رصاصة على جندي إسرائيلي، ويمسك بالسلطة طرف فلسطيني في غاية الاعتدال، يتغطرس الاحتلال كما يريد: إذلال دائم للفلسطينيين، مئات الحواجز، طحن يومي، تحكم حتى في الهواء المُتنقس، وإفشال لكل ما تحاول حكومة فياض أن تقوم به، وهي الحكومة التي تقول إسرائيل إن على الفلسطينيين أن يقيموا نظيراً لها في غزة. ويتفق الفلسطينيون مع إسرائيل على نزع سلاح المقاومين في الضفة الغربية مقابل أن يعيشوا بسلام، فما أن يسلم المقاومون سلاحهم ويوقع المفاوض الفلسطيني على الاتفاق حتى تبيدهم إسرائيل واحداً واحداً، غدراً بالمقاومين وإهانة للقيادة. هذا يحدث في الضفة الغربية حيث لا صواريخ ولا مقاومة. وهذا ما تريده إسرائيل: احتلال نظيف وهادئ، من دون ضجيج أو حتى تشاكٍ. مشكلة قطاع غزة أنه يحتج على الاحتلال، ويصرخ ويحدث ضجيجاً مدوياً يشير للعالم أن هنا احتلالاً بشعاً. حرب إسرائيل تريد أن تقضي حتى على هذا الضجيج وتسكت المتشاكين. عليهم أن يقبلوا واقع الاحتلال، والحصار، والإهانة، والتجويع، بصمت... وهدوء، وينتظروا اللاشيء!!".
أول ملامح النصر:
{إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [سورة الأحزاب: 10-12].
إن ثبات أهل غزة في محرقة الأخدود الثانية لشيء عجب!!
فقط تأمل كيف يتحدث عامتهم للقنوات وقد قتل لهم قبل ساعات قليلة عدة قتلى فلا تجدهم إلا في الأغلب صابرون لدرجة عدم البكاء ،وإن بكوا فبلا جزع، وإذا كان هذا حال العوام فكيف بحال المجاهدين؟
وهذا الثبات نصر معنوي وسبيل لتحقيق النصر الحربي وقد قال صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن النصر مع الصبر» [صححه الألباني].
وفي صبرهم وثباتهم وحبهم للشهادة قدوة عظيمة للأمة - لاسيما مع النقل المباشر- وإحياء لقيم طالما سعى الأعداء لإخمادها، فحتى لو أصبح مصير أهل غزة كمصير أهل الأخدود فيكفيهم نصرا أن أحيوا أمتهم بدمائهم، وهذا الخطر العظيم على الأعداء هو ما يدفعهم لسرعة إيقاف المعارك دوليا لا رحمة بأهل غزة.
وأكبر دليل على ذلك أن الشيخ عز الدين القسام عندما دعا للجهاد عام 1935 ثم خرج من حيفا إلى الجبال مع بعض المجاهدين فحاصرته قوات جيش الاحتلال البريطاني وقتلته بعد اشتباك فقُتل رحمه الله في أول معركة لكن دمه أحيا الجهاد في فلسطين فتأسست كتائب القسام عام 1991 م، أي بعد استشهاده ب 56 سنة للسير على نهجه وليبقى ذكره وليحصد أجر الجهاد الحالي بدمائه الزكية.
وقد قال اللواء محمود شيت خطاب رحمه الله: "إن الصمود كان ولا يزال وسيبقى أقوى سلاح في الحرب، وقد أثبتت حوادث التاريخ العسكري، أن خسائر الصامدين في الأرواح أقل من واحد بالمائة من خسائر الذين لا يصمدون".
ومن ملامح النصر:
أن تحشد دولة جيشها الذي يعد الخامس في القوة على مستوى العالم، وبطيرانه الرابع على مستوى العالم (القناة العاشرة الصهيونية تقول أنه تم استخدام نصف السلاح الجوي)، ودباباته الأحصن، وسفنه وغواصاته وقنابله العنقودية والفسفورية، وعشرات الآلاف من جنوده، بالإضافة لقواته الخاصة المدربة تدريبا عاليا، فتحشد كل هذا أمام منظمة محاصرة منذ شهور لمنع وصول الأغذية والأدوية وبقية المواد الحياتية في رقعة صغيرة لا تساوي نصف مدينة عربية، ولا تشكل سوى نسبة 1,3 % من مساحة فلسطين، ولا تملك 1% من سلاح عدوها؛ فلا طائرات ولا دبابات ولا سفن ولا مدافع.
قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [سورة آل عمران: 173].
وقال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة: 249].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [سورة الأنفال: 65].
وكيف سيفعل الصهاينة لو كانت حماس دولة تملك الطائرات والدبابات؟
ولقد صدق جوناثان فيجيل الباحث بالمعهد الدولي الإسرائيلي لمكافحة الإرهاب عندما قال: "إن حماس عقيدة؛ هذه ليست عصابة"
{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [سورة التوبة: 14].
لقد اختار الله للمسلمين أن يواجهوا في غزوة بدر من هم أكثر منهم عدداً وأشد قوة، فاستعمل المسلمون في تلك الغزوة ما يملكون من الأسباب وأكملوا نقصهم بالتوكل على من بيده الأمر كله، فكانت النتيجة: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} [سورة آل عمران: 123]، وكان الدرس أن: "من فعل من الأسباب ما يستطيع، وصدق التوكل على البصير السميع، فقد أتى النصر من بابه الوسيع".
وما أشبه حال أهل غزة في ضعفهم أمام عدوهم بحال أهل بدر حين وصفهم الله بقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة آل عمران: 123]، ثم يأتي من يلومهم على الجهاد وهم أذلة ضعاف وكأنه يلوم أهل بدر أيضا.
ولمثل هؤلاء قال الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [سورة الأحزاب: 18-19].
لقد جعل نبينا صلى الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من السبع الموبقات، فكيف بمواقف يتضاءل عندها موقف التولي يوم الزحف؟!، كيف بمواقف تفت في عضد المدافعين عن حقوقهم، وتحملهم جريرة العدوان، وتصر على التسوية بين الضحية والجلاد؟!
ومن ملامح النصر:
أنه ومنذ احتلال فلسطين قبل ستين عاما؛ فهذه أول معركة حقيقية تجري بين المقاومة الفلسطينية واليهود على أرض فلسطين وهذا تحول تاريخي ونقلة كبرى، وستتلوها بأذن الله معارك تحرير كل فلسطين.
لقد اكتسح اليهود عام 67 في أربعة أيام فقط جيوش ثلاث دول عربية، واحتلوا مساحات شاسعة من أراضي خمس دول عربية (مصر وسوريا والأردن ولبنان والسعودية)، والآن يقفون منذ أسبوعين (زمن كتابة المقال والآن أصبحت ثلاثة) عاجزين أمام منظمة جهادية محاصرة عديدها بضعة الآف وعدتها رشاشات وقذائف صغيرة وألغام فيقف اليهود مترددين خائفين من الدخول حتى للمناطق المكشوفة إلا بعد عشرة أيام من القصف الجوي الهائل ويعجزون عن الدخول حتى وسط المدينة بدباباتهم رغم مرور ثلاثة أسابيع.
وقد ذكر أسامة حمدان أن وزيرة خارجية العدو قد أبلغت أحد الرؤساء في المنطقة أن مدة الحرب ستكون ثلاثة أيام فقط يوم لقطع الرؤوس بالقصف ويومان للاجتياح البري؟!!
وإنَّ يهودياً واحداً داخل إسرائيل لم يصب بالفزع عقيب حرب سبعة وستين مع ثلاث دول عربية.. وها نحن نرى في حرب غزة مليون إسرائيلي في دائرة الخوف، يدخلون إلى الملاجئ، ويعطلون دراستهم، ويبكون!!؛ حيث طالت صواريخ المقاومة (العبثية) ما لم تطله طائرات الجيوش العربية المتطورة والباهظة السعر والتكلفة.
وإنّ مسؤولا يهودياً واحداً لم يساوره القلق عشية حرب سبعة وستين، وفي حرب غزة يرى الملايين عبر شاشات التلفزة وزيراً يهودياً متطرفا يغلبه الفزع، ويختبئ تحت سيارة ليبث من هناك تهديداته وتوعداته!!
{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [سورة البقرة: 61]، {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [سورة البقرة: 96]، {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ} [سورة الحشر: 14]، {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [سورة المائدة: 24]، ولا قيمة للسلاح بيد جبان يحرص على حياته ويستمريء الذل والهوان كي يحافظ عليها.
ومن ملامح النصر:
أن بني صهيون قد أعلنوها حربا على الله عز وجل بتدمير بيوته على رؤوس أولياءه فهدموا حتى الآن 15 مسجدا (هل يمهدون لهدم المسجد الأقصى؟)، وقتلوا المصلين حتى من الأطفال، ولا تستغرب ذلك منهم ألم يقتلوا نبي الله يحيى بن زكريا من قبل وغيره من الأنبياء؟، ومن قتل نبيا فلن يتورع عن قتل مسلم صائم لعاشوراء يصومه فرحا بنجاة أجداد بني إسرائيل مع موسى من ظلم فرعون.
وقد كتب أحد الصهاينة مستغربا ضعف ردة فعل المسلمين على هذه الجرائم وقد قال عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة البقرة: 114]، فنحن نترقب خزيهم في الدنيا.
وقبل ذلك حاربوا الله بانتهاك حرمة يوم السبت التي نهوا عنها وعوقبوا على انتهاكها فكان بداية القصف يوم السبت غير عابئين بجرمهم: قال تعالى: {وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} [سورة النساء: 154]، لكنهم تعدو ونقضوا الميثاق فكان العقاب: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [سورة البقرة: 65]، وعقاب ثان: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً} [سورة النساء: 47]، وترقبوهم عند الهزيمة وهم ينسبونها لتعديهم على حرمة يوم السبت.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» [رواه البخاري]، فإنما حقيقة المعركة بين الله عز وجل وبين بني صهيون.
ومن ملامح النصر:
ورغم حجم القصف الجوي الهائل الذي وصل حتى الآن إلى 2200 عملية قصف إلا أنهم عجزوا في الضربة المفاجئة الهائلة الأولى، ورغم اشتراك 60 طائرة في تنفيذها عجزوا عن قتل أي قائد من قادة حماس المدنيين فضلا عن العسكريين، وليعلموا بعد ذلك أن حماس قد بنت مدننا تحت الأرض، ولم يستطيعوا خلال أسبوعين إلا أن يقتلوا قائدا ميدانيا واحدا، فكان من عجزهم وعظيم حنقهم أن قصفوا منزل الشيخ نزار ريان ليقتلوه مع 13 طفلا وامرأة (نزار ريان دعا في رسالته للماجستير عن الشهادة أن يستشهد مع أهله وأولاده)، ولم يقصفوه في اليوم الأول ولا الثاني بل بعد أكثر من أسبوع مع علمهم بعدم اختفاءه لكن لما عجزوا عن غيره من القادة العسكريين والسياسين لجئوا إلى حيلة العاجز، وقد طالب المتحدث العسكري الصهيوني قادة حماس بالظهور إن كانوا شجعانا متهما إياهم بالجبن!!
ولقد قالت صحيفة (معاريف) في مقال لها: إ"نه رغم الغموض الذي يكتنف نتائج المعارك في غزة إلا أنه من الواضح أن حماس لم تتكبد خسائر إستراتيجية حتى إن قيادييها لم يصابوا بأذى والقوة المقاتلة نجحت في إلحاق الإصابات بالجيش الصهيوني".
{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً} [سورة الأحزاب: 25].
ومن ملامح النصر:
استيعاب حماس للضربة الأولى، و(الصبر عند الصدمة الأولى) رغم أنها كانت مفاجئة وعنيفة واستهدفت الشرطة المدنية؛ ليختل الأمن بمساعدة المنافقين والعملاء عن طريق إشاعة الفوضى في مدن القطاع بالقتل والسلب والنهب والإشاعة، وتحريض بعض العشائر على كل من له علاقة بحماس لتنهار سيطرة حماس ويستولي العملاء على غزة، لكن كانت مفاجأة حماس لهم بسيطرتها التامة وسحق محاولات العملاء في مهدها ولبس جنود الشرطة لملابس مدنية مع استمرار العمل.
{كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [سورة المائدة: 64].
"ويظهر من عمل كتائب القسام أنها قابلت تكتيك "الصدمة" الإسرائيلي بتكتيك "المفاجأة" القسامي حيث عمدت إلى تقسيط الردود والتحركات القسامية وفق خطة متسلسلة تعتمد على عنصر توالي الذعر بعمل متصاعد ممنهج يجعل مستوى الأداء العسكري مرتقيا لدرجات ومراحل تبقي المجتمع الصهيوني في حالة ترقب وانتظار لما هو قادم مما لا يعرفه أو يتوقعه سواء من حيث نوعية المواجهة مع الجيش في أرض المعركة وما تخفيه من أسلحة".
"والأكيد هنا أن معادلة رعب جديدة استطاعت أن تفرضها صواريخ المقاومة الفلسطينية ودرة تاجها كتائب العز القسامية؛ حين استطاعت أن تصل لما هو أبعد بكثير مما كان يعتقده "إيهود بارك" الذي حدد المنطقة الساخنة في اليوم الأول للحرب بالأربعين كيلو متر الأولى المحيطة بقطاع غزة، فأربكت حساباته صواريخُ العز القسامية وهي تدك قاعدة "بلماخيم" العسكرية التي تبعد عن قطاع غزة خمسين كيلو متراً، والتي تمثل الركيزة الأهم في منظومة الدفاع الجوي في جنوب الكيان الصهيوني كله".
ومن ملامح النصر:
أن هذه الحرب قد جاءت بعد حصار مرير امتد سنين وتجويع كبير، وتمهيد إعلامي بتشويه حماس، وقبله سجن وقتل ما بين السلطة واليهود؛ فهذا محمد ضيف قائد كتائب القسام تسجنه السلطة قبل عشر سنوات ثم تقصفه طائرة إف 16 وهو في سجنه بقصد قتله لكن الله كتب نجاته بل وكانت هذه الضربة سبب في فك أسره ليعود فيقود الكتائب ويطورها، ثم ها هو يقود المعركة فسبحان مقدر الأقدار ومصرف الأحوال.
ومن ملامح النصر:
عدم إعلان العدو عن أهداف المعركة بشكل واضح وحرصهم على التعميم حين الحديث عن الأهداف وذلك منذ بدء المعركة، وهذا دليل على مدى خشيتهم من الفشل في تحقيق أهدافهم إذا حددوها بوضوح، لكن يلاحظ أنهم قد وضعوا سقفا عاليا حالما بالقضاء على سلطة حماس (سوف ننهي حكم حماس في غزة - قالته ليفني قبل العدوان )، ووضعوا حدا أدنى بمنع إطلاق الصواريخ كما فعلوا مع حزب الله قبل سنتين ونجحوا، فهم يعيدون تطبيق سيناريوا حرب لبنان الأخيرة ورغم وجودهم المكثف جويا ودخول دباباتهم لمناطق غزة المكشوفة، إلا أنهم فوجئوا باستمرار إطلاق الصواريخ عبر منصات من تحت الأرض في إبداع جديد وبمعدل كبير يوميا يتجاوز 40 صاروخ (ورغم استشهاد المسؤول العسكري المكلف إطلاق الصواريخ في كتائب القسام أمير منسي وهو نجل وزير الاتصالات).
كما فوجئوا بزيادة مدى الصواريخ ليتضاعف عدد اليهود الواقعين تحت مداها إلى أربعة أضعاف ماقبل الحرب (ليحاصر مليون صهيوني مقابل حصارهم لمليون فلسطيني بغزة) وليعطل الحركة الاقتصادية في ذلك المدى، وليقصف قواعد عسكرية لم تقصف من قبل مطلقا بل ونجد كل يوم هدف جديد يقصف لأول مرة وليقترب في مداه من تل أبيب ومفاعل ديمونا فلم يبق بينه وبينهما سوى 20 كم فقط وآخر منجزات هذه الصواريخ ضرب قاعدة الصواريخ المضادة للصواريخ!! (وكأنك يا أبو زيد ما غزيت).
والآن تكشف صحيفة (معاريف) أن قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال، يوآف غالنت، أوضح للمستوى السياسي أن المرحلة الثالثة من العدوان تتطلب سنة كاملة على الأقل لتحقيق أهدافها.
وبناء عليه خفض قادة العدو سقف مطالبهم وأهدافهم إلى منع تهريب الأسلحة من مصر (وكان وزير الداخلية سعيد صيام قد أقام مديرية للأنفاق والتهريب تمكنت من إدخال كل هذا العتاد للمقاومة).
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} [سورة الأحزاب: 26].
كما أن توقيت المعركة وأهدافها قد قدمت فيه المصالح الشخصية لعصابة الثلاثة ما بين انتخابية لباراك وليفني وتلميع صورة لأولمرت وعندما يكون الهم في المعارك شخصيا فبشرهم بالفشل.
قال الخبير الإستراتيجي اليهودي البارز أنتوني كوردسمان، المحلل بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة: "إن نتائج العدوان الإسرائيلي الجاري على قطاع غزة حتى الآن تشير إلى أن إسرائيل "انهزمت إستراتيجيا"، من خلال عدم تحقيق أهدافها من الحرب على غزة، حتى وإن كانت قد حققت مكاسب "تكتيكية" على الأرض".
ومن ملامح النصر:
أنهم لم يضعوا من بين أهدافهم تحرير أسيرهم شاليط رغم قواتهم وموسادهم الذي يفاخرون بقدراته العالم وكأني بهم يتوقعون أن يؤسر المزيد منهم فسكتوا عن الحديث في شأن شاليط.
أضف لذلك فشل الموساد في معرفة إمكانات المقاومة بوصول الصواريخ لمدى أكثر مما توقعوا، واستمرار إطلاق الصواريخ من منصات مجهولة تحت الأرض والفشل في معرفة أماكن قادة حماس وغير ذلك من أمثلة فشل جهاز الموساد.
ومن ملامح النصر:
استهداف الصهاينة للشرطة والمباني الحكومية والمؤسسات، ثم التركيز على المدنيين والأطفال، ثم المدارس ورياض الأطفال، ثم المسعفين والأطباء والمساجد، ثم الصليب الأحمر الدولي ومدنيي مدارس الأمم المتحدة، وأخيرا الصحفيين، واستخدام أسلحة محرمة دوليا رغم ما يجلبه كل ذلك عليهم من عداوات إسلامية وعالمية، إلا أن حنقهم وعجزهم عن ضرب قادة حماس جعلهم يصبون جام حقدهم على هؤلاء الأبرياء لعلهم يوهنون من عزم حماس حماية للمدنيين حتى كتب أحدهم أن مانفعله يلغي كل جهودنا في إلغاء العداوة لليهود من مناهج العرب الدراسية
ومن ملامح النصر:
حدوث الخلافات بين قادة هذا العدوان وهم الثلاثي أولمرت وباراك وليفني كما كتبت عن ذلك الصحافة الصهيونية، والعجب أن وزير الدفاع يرفض مطالبة أولمرت وليفني بتنفيذ المرحلة الثالثة ودخول مدينة غزة خوفا مما أعدته المقاومة لجنوده، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [سورة الحشر: 14]، ومعركة يقودها ثلاثة حرية بالفشل والبوار.
ومن ملامح النصر:
ما تبين خلال أسبوعين من المعارك من قدرات وأسلحة المقاومة من صواريخ بعيدة المدى إلى قذائف (ب 29) ذات الرأسين المتفجرين والتي لا توجد سوى في دولتين عربيتين، (كتب موقع فيلكا الاستخباراتي الصهيوني: فكانت فضيحة الميركافا بأنها لم تحتمل التاندوم الذي اخترق تدريعاتها الأصلية ثم المحسنة وتجاوز كل دفاعاتها الفائقة الدقة ثم دخل بين الجنود في الدبابة وحياهم بتحية الحرب وانفجر قاتلا منهم البعض وحارقا البعض الآخر).
وفوجئ العدو بأنفاق كثيرة واضطر لاستخدام ال إف 16 بدلا من المروحيات خشية من إسقاطها، بالإضافة إلى براعة استراتيجية استخدام الصواريخ بمعدل ثابت يوميا وبتوسيع المدى تدريجيا وجر العدو لحرب استنزاف طويلة واختراق إذاعة الجيش الصهيوني ولاسلكيه وغير ذلك من الملامح العسكرية.
وعندما نزل قول الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [سورة الأنفال: 60]، دلنا الرسول صلى الله عليه وسلم على تلك القوة بقوله: «ألا إن القوة الرمي» [رواه مسلم]، وصواريخ القسام خير شاهد واقعي.
ومع بساطة تلك الصواريخ إلا أنك تتعجب من كثرة إصابتها لليهود ومنازلهم لتوقن بقوله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى} [سورة الأنفال: 17]، ثم مع قلة أثرها من حيث عدد القتلى تجد لها أثرا عظيما على مستوى الرعب؛ فقذائف الكاتيوشا وصواريخ جراد قد أحدثت أكثر من 2200 إصابة في صفوف الإسرائيليين معظمهم نقلوا للمستشفيات نتيجة الذعر والهلع (بعضهم أصيب بأزمات وجلطات). لتعلم أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد منحها الله نصيبا من قوله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» [رواه البخاري].
وقد بلغ الفزع منها حتى أشد يهود تطرفا وهو رئيس حزب شاس الذي فر مذعورا منحنيا مختبئا أمام الكاميرات عندما دوت صافرات الأنذار، بل وحتى أولمرت والذي كان في زيارة إلى مدينة بئر سبع عندما دوت صافرات الإنذار سارع بالفرار إلى أحد الملاجيء!!
ومن ملامح النصر:
الانتصار في المعركة الإعلامية لدرجة جعلت المتحدث الإعلامي باسم الجيش الصهيوني يتحدث بعصبية زائدة وبتناقض كثير وقد طالب أحد الصهاينة بطرد الجزيرة متهما إياها بأنها قناة جهادية!!
وفعلا فإن قناة الجزيرة قد خاضت نصف المعركة بجهادها الإعلامي الذي أثر على الملايين من المسلمين، وقارن ردة الفعل على هذه المذبحة بردة الفعل على مجزرة صبرا وشاتيلا التي بلغ قتلاها 1700 ولم يعلم بها العالم إلا بعد انقضائها.
أما قناة الأقصى فقد شنت حربا إعلامية حتى باللغة العبرية، ونجحت في عرض أبشع جرائم المجزرة ليراها العالم، ونجحت في الاستمرار في البث رغم قصف مقرها.
هذا رغم منع الصهاينة ل 350 صحافيا أجنبيا في إسرائيل من دخول غزة حسبما ذكرت وكالة (اسوشييتدبرس).
لكن الفلسطينيون، بمساعدة الانترنت والجوال والفضائيات، نجحوا في إرسال صور المعارك إلى الخارج بطريقة مستمرة وقوية.
ومن ملامح النصر:
إعادة القضية إلى بعدها الإسلامي بعدما ضاعت بين القومية والوطنية؛ فهذه معركة جهادية تخوضها منظمة إسلامية يؤيدها مئات الملايين من المسلمين عبر العالم بعدما كاد حكام العرب أن يبيعوها مقابل 20% من فلسطين!!
ومن ملامح النصر:
توحيد الأمة وتضامنها خلف أهل غزة بدرجة لم تعهد من قبل حتى أصبحت ترى مليون متظاهر في المغرب، ومليون ثان في تركيا رغم 80 عاما من التغريب!!، ومئات الآلاف في اليمن وغيرها، بل وحتى في أوساط فتح المنافسة لحماس يشتكي أحد قادتها من تعاطف أمه وابنته مع حماس بعد هذه الحرب، و"إن هذا التفاعل يدل على سريان الحياة في الجسد الواحد، وعلى تداعي هذا الجسد لآلام غزة بالحمى والسهر، وعلى ترابط هذا البنيان المرصوص." وهذا يشكل جرس إنذار للأعداء بأن أمتنا بدأت تصحو من رقدتها، وبدأت تصبوا للجهاد، وبدأت تحول عواطفها لبرامج عملية تغير الواقع البائس، وهو ما قد يعجل بمحاولة إنهاء الحرب من قبل الغرب.
ومن ملامح النصر:
بروز وتنامي دور العلماء في قيادة الأمة على المستوى الفردي والجماعي؛ أما الفردي فظاهر من خلال وسائل الإعلام ،وأما الجماعي فظهر بشكل بارز من خلال عملين، الأول: وفد العلماء الذي قام بزيارة عدد من الرؤساء وهو خطوة أولى وكبرى في مسيرة مطالبة الرؤساء أن يسيروا على نهج شعوبهم في نصرة المظلومين، والعمل الثاني: البيان الصادر من 100 من علماء الأمة وطلبة العلم المطالب بفتح معبر رفح، والمحذر من موالاة ومظاهرة ومعاونة بعض الدول العربية للعدو الصهيوني، ومبينا أن هذا الفعل من الكفر والردة والخيانة، وفي هذا البيان تحذير شديد اللهجة لبعض الحكام العرب لم يسبق أن صدر مثله من قبل ويتوقع أن يكون له أثر كبير في ردع أولئك الحكام عن المزيد من الخيانة والموالاة للأعداء.
ومن ملامح النصر:
المسارعة الدولية لإنقاذ بني صهيون من مأزقهم بعدما لاحت نذر الهزيمة؛ فلقد كشف الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس مالكا أن دول الغرب قد منحت الصهاينة أسبوعين لتحقيق أهدافهم وبعدها سيضطرون للتدخل لإيقاف المجزرة، وهو ما حصل لكن بعد فشل الصهاينة في تحقيق أهدافهم أو لمساعدة الصهاينة بهدنة تمنع تهريب السلاح للمقاومة حتى يتسنى قتلهم في حرب أخرى بلا مقاومة، وهنا تنكشف العقلية الصهيونية التي جلاها الله لنا في قصة البقرة عندما أمرهم بذبح أي بقرة فطالبوا بتحديد سنها، فحددها بأنها لا فارض ولا بكر فطلبوا تحديد اللون، فحدده بالأصفر فطلبوا المزيد من التحديد بحجة أن البقر تشابه عليهم فحددها بأنها {تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا} [سورة البقرة: 71]، فلم يجدوا هذه المواصفات إلا في واحدة فاضطروا لشرائها بثمن كبير، والآن يكررون نفس الخطأ حيث لم يكفهم هذا التدخل الإنقاذي بل رفضوه مطالبين بالمزيد من الإنجاز لهم على يد مجلس الأمن ضد حماس، وبنفس العقلية يتعامل اليهود أيضا مع اللاهثين ورائهم من حكام العرب والفلسطينيين بحثا عن سراب السلام.
وقارن بين سرعة تدخل الرئيس الفرنسي لإنقاذ جورجيا من روسيا رغم أن جورجيا هي المعتدية!!، قارنه ببطء تدخله في غزة لتعلم أي مكيال يكيل لنا به الغرب الصليبي الذي عاد للحروب الصليبية في الشام عن طريق زرع دولة يهود ودعمها كما عاد للحروب الصليبية عن طريق السياسة.
وانظر كيف يطالب الغرب بمحاكمة البشير في محكمة العدل الدولية بتهمة جرائم حرب في دارفور مع عدم ظهور أدلة واضحة على اتهامه، وبالمقابل يمنح جائزة نوبل للسلام لرئيس الصهاينة بيريز جزار قانا وغزة!!
وبوش يعدم صدام على قتله 148 عراقي حاولوا اغتياله، ويرفض مجرد إدانة ذبح 900 غزي بل يبرره بأنه دفاعي!!
ثم يصدر بيان نعي لكلبه، أما الغزيون فلا يستحقون حتى مجرد كلام فارغ!!، وهجوم الصهاينة دفاعي في نظر بوش والاتحاد الأوروبي!!
والآن تتعهد أمريكا وأوربا وعدد من الدول العربية بمنع دخول السلاح وتهريبه لأهل غزة، وبريطانيا سترسل بحريتها لمنع وصول السلاح لأهل غزة في الوقت الذي تبحر السفن الأمريكية بالأسلحة للصهاينة رغم أن مايراه العالم من قتلها لآلاف الناس وبالأسلحة المحرمة دوليا إلا على المسلمين وعلى الهواء مباشرة بهذه الأسلحة، ويمنع السلاح عن أهل غزة ليقتلوا في المرة القادمة بسهولة وهدوء وعدم ضجيج!!!
إن هذا السقوط الأخلاقي الكبير للغرب لهو خطوة هامة في طريق عودة كثير من المخدوعين بقيم الغرب الزائفة لأمتهم والتماس طريق العزة الصحيح.
كما أن إزالة الصورة الزائفة التي طالما رسمها الصهاينة لأنفسهم أمام العالم بأنهم مظلومون ونزع زيف أخلاقهم لهو من المكاسب الكبرى من هذه الحرب، ولاشك أنه يمهد لقلة المناصرين لهم في معاركنا القادمة معهم عندما نحرر كل فلسطين من رجسهم.
وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قيل: يا رسول الله! فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا، وكراهيتكم الموت» [أحمد/صحيح الجامع1359].
في إحدى الصحف الإسرائيلية، سئل إيهود باراك: "ماذا كان سيفعل لو كان فلسطينيا؟"، فأجاب: "سأنضم إلى منظمة إرهابية"!!، يعني: سيقاوم إسرائيل بما يملك من قوة!!، هذا الجواب يدلك على حجم الوهن الذي أصيبت به الأمة، والذي فسره نبينا الكريم بـ"حب الدنيا وكراهية الموت"، حتى أصبح هذا الصهيوني أكثر من بعض المسلمين إيماناً بمبدأ المقاومة، وأن أي حل يستبعد المقاومة فهو كنفخ في رماد!!
وعندما نحسن توظيف مشاعر وعواطف وطاقات وإمكانات مئات الملايين من المسلمين ونحولها إلى برامج عملية فلن ننتصر على الصهاينة فقط بل على الغرب المناصر لظلمهم بأجمعه والتاريخ شاهد.
ومن ملامح النصر:
عودة الأمة لعقيدة الولاء والبراء وراقب هذا الولاء الكبير غير المسبوق من عموم المسلمين للمؤمنين في غزة هاشم (نسبة إلى احتضانها جسد هاشم بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم والتي تسمى في أسفار الإنجيل "القوية") بمشاعرهم واهتمامهم ودعواتهم وأموالهم ومظاهراتهم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، من الرباط إلى جاكرتا، ومن الشمال إلى الجنوب، من إسطنبول إلى الخرطوم، وراقب صور البراء من الكافرين من يهود وصليبيين: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [سورة المائدة: 82].
وقد حذر وزير القضاء الصهيوني السابق من تحويل مئات الملايين من مشاهدي المجازر إلى متطرفين مناصرين لحماس.
ولم تقتصر نصرة المظلومين على المسلمين بل شاركهم مئات الآلف من الكفار في مظاهرات لندن وباريس ومدريد وبروكسل، وطردت فنزويلا سفير الصهاينة وكذا بوليفيا و (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر).
وقد أعدّت صحيفة (هآرتس) العبرية تقريراً شاملاً حول نتائج الحرب على غزة، وعنونت التقرير بأن الحرب سببت للدولة العبرية أضراراً كبيرة للغاية في الرأي العام العالمين وفي صفوف الدبلوماسيين العاملين في تل أبيب
وكشفت الصحيفة النقاب عن أنّه في بداية الحرب على غزة أصدرت وزارة الخارجية أمراً إلى جميع السفراء والقناصل الإسرائيليين في جميع أرجاء العالم بكتابة التقارير حول الحرب وتزويدها للخارجية في القدس الغربية، وبعد انتهاء الأعياد وصل سيل من التقارير الإسرائيلية من جميع أنحاء العالم والتي أكد معدوها أنّ صورة الدولة العبرية في العالم أصيبت بشدة وشوهت للغاية، وأنّ الصحافة الأجنبية تقوم بنشر تقارير معادية لإسرائيل، وخصوصاً عن قيام الجيش الإسرائيلي بقتل المدنيين الفلسطينيين في غزة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى في الخارجية الإسرائيلية قوله: إنّك تقرأ التقارير وتصيبك حالة من الذهول".
بل تجاوز الأمر حد المظاهرات إلى خطوات أكبر تسعى لها الآن منظمات حقوق الإنسان الدولية مع مكتب حقوق الإنسان الدولية لإعداد لائحة اتهامات بجرائم حرب ضد سياسيين وعسكريين صهاينة تقدم لمحكمة الجنايات الدولية.
وكانت تسعون منظمة أغلبها فرنسية قد قررت رفع دعوى لمحكمة الجزاء الدولية في لاهاي ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة.
ومما يدل على أثر هذا العمل أن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قد أمر بتشكيل فريق من خبراء الاستخبارات والقانون لجمع الأدلة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة بحيث يتم استخدامها للدفاع عن القادة العسكريين في أي مقاضاة محتملة في المستقبل.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت» [قال الألباني: سند صحيح لولا أنه مرسل]. وهم نفر من كفار قريش تحالفوا في الجاهلية أن ترد الفضول على أهلها، وألا يعز ظالم مظلوما واستطاعوا رد عدد من المظالم.
ومن ملامح النصر:
فشل المنافقين العرب والفلسطينيين في استثمار الحرب لإسقاط حماس شعبيا بتحميلها مسؤولية الحرب لعدم تجديدها للتهدئة، وهم يعلمون أن الصهاينة قتلوا عشرات الفلسطينيين في تلك التهدئة، ومنعوا عنهم الغذاء والدواء والكهرباء ليموتوا ببطء وهم جوعى ومرضى، ولسان حالهم يقول موتوا ببطء ذليل خير من أن تموتوا بقصف سريع مع العزة.
وفشل المنافقون في إسقاط سلطة حماس بغزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية، وفوجئوا بحجم الرد الفاضح لردتهم المزلزل لعروشهم المحاصر لسفاراتهم كما تحاصر سفارات اليهود فسارعوا بعد يومين فقط من بدء العدوان بالتراجع عن تصريحاتهم الشامتة بحماس {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [سورة محمد: 30]، وتبرير مواقفهم التي كشفت حقيقة نفاقهم والدعوة للمصالحة مع حماس وفتح معبر رفح جزئيا (عجبا لمن يعلم أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها ثم لا يتورع عن حبس مليون ونصف مسلم بل ويضطر الفلسطينية للطبخ على الحطب، وهو يبيع الغاز بأقل من السعر العالمي لتستمتع بطبخه الصهيونية)!!، وقد كان لأحبائهم من الصهاينة دور كبير في كشف مواقفهم وكلامهم الكاشفة لنفاقهم وذلك عبر الصحافة الصهيونية وأنهم طالبوهم بضرب حماس وتأديبها!!، فهو عدوان ثلاثي صهيوني فلسطيني عربي، وما تصريحاتهم ورفضهم لفتح معبر رفح ورفضهم حتى لعقد قمة شجب واستنكار إلا دلائل على مستوى نفاقهم وإجرامهم وموالاتهم لأشد الناس عداوة للمؤمنين على المؤمنين.
وليست هذه بأول جرائمهم فقد سبق أن اجتمعت 33 دولة عربية وغربية مع إسرائيل وأمريكا عام 96 م في شرم الشيخ للتآمر على حماس ففشلوا، ثم حاولوا احتوائها بالانتخابات واللعبة السياسية لتترك سبيل الجهاد فغلبتهم فبدأوا بتنفيذ انقلاب دايتون دحلان المسلح فدحرتهم فكان الحصار ففشل فكانت هذه الحرب الفاشلة والآن يخططون للرجوع لغزة على رافعات إعادة الإعمار العربية والغربية بعد فشل العودة على ظهور الدبابات الصهيونية.
{هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة المنافقون: 4].
ومن العجب أن هؤلاء المنافقين من العرب والفلسطينيين قد أدوا نفس دور يهود بني النضير وبني قريضة حين حرض بنوا النضير (الذين طردهم الرسول من المدينة لمحاولتهم قتله) قريش على غزو المدينة وطافوا بالجزيرة العربية لحشد جيش الأحزاب، كما استطاع هؤلاء التحالف أيضاً مع المنافقين في المدينة، ويهود بني قريضة بنقض عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد فشل غزوة الأحزاب كان حكم الله في بني قريضة أن يقتل جميع رجالهم فقتل الرسول منهم 400 رجل جزاء وفاقا على خيانتهم وغدرهم.
وتأمل مقالات المنافقين ومواقفهم لتجدها قد تكررت من قبل كما بين الله ذلك في سورة محمد:
{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [سورة محمد: 25-31].
وقد يطالب البعض بترك الخلاف مع المنافقين وعدم فضحهم حتى انتهاء المعركة متناسيا أنهم طابور خامس يحارب مع العدو، وتدبر آيات النفاق في القران تجدها قد نزلت في معارك كبرى لتفضحهم وتكف شرهم عن المجاهدين.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [سورة التوبة: 73].
لقد شكلت حماس برفضها لخطة الحكومات العربية في التنازل عن 80% من فلسطين لليهود عائقا أمام الصهاينة والحكومات العربية لابد من إزالته، وقد قال بيريز بأن كل شيء جاهز بالنسبة للسلام بينهم وبين حلفائهم، والعائق الوحيد هي حماس، فكان هذا التوافق مع اليهود على هذه المجزرة لإعادة عباس في الحكم عن طريق قوات دوليه تدخل القطاع بحجة إيقاف الحرب ومن ثم وإزالة حماس التي تسعى لتحرير كل فلسطين عن الحكم: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [سورة النمل: 56]، ولتكبت سلطة عباس المقاومة في غزة كما فعلت في الضفة، ومن ثم إقامة دويلة فلسطينية على غزة وثلاث كانتونات مقطعة في الضفة.
كما أن نجاح نموذج حماس في الحكم بتوازنه وشموله بدأ من الاعتقاد ومرورا بالعبادة والسياسة والإدارة والاقتصاد والاجتماع والجهاد وجميع الجوانب يشكل خطرا على كثير من الحكومات العربية التي تتطلع شعوبها لحكم الإسلام.
ومن ملامح النصر:
تحول المعركة من معركة عسكرية إلى سياسية عبر مجلس الأمن بعد الفشل العسكري للصهاينة لأنهم قد استنفدوا وسائل إرهاب أهل غزة ولم تجد نفعا ولم يبق إلا انتحار الصهاينة بدخول غزة أو الانسحاب عبر مجلس الأمن والمبادرة المصرية وقد تتوقف الحرب خلال يوم أو يومين والله أعلم.
فسبحان مغير الأحوال حيث أصبح الغرب يصدر القرارات لوقف إطلاق النار في فلسطين والفلسطينيون يرفضونها في عزة وجهاد بعدما كانوا يستجدونها في ذل وصغار وهذا تحول كبير له ما بعده.
وقد يكون من أسباب سرعة إصدار مجلس الأمن لقرار وقف الحرب خشية الغرب من انفلات زمام المعركة بعد إطلاق صاروخين من لبنان والذي أعقبه صدور القرار ثم ما حصل من إطلاق نار من الجولان على سارة عسكرية صهيونية كما أفاد موقع (أوميديا) الصهيوني نقلاً عن مصادر سورية المطلعة قولهم: "إن السلطات العسكرية السورية قامت باعتقال سبعة طيارين من رتب مختلفة كانوا يخططون لاختراق المجال الجوي "لإسرائيل" لتنفيذ عمليات فدائية رداً على العدوان الصهيوني على غزة".
كما أصابت طائرات الصهاينة جنود مصريين، وأخيرا إطلاق جندي أردني النار على جنود صهاينة، وإطلاق فلسطيني الضفة النار على جنود صهاينة، ودعوة ابن لادن للجهاد لغزة، ومن قبل كل ذلك فتوى الشيخ عوض القرني بقتل الإسرائيليين في كل العالم ومن ثم توسيع نطاق المعركة على مستوى العالم.
ولئن كانت إسرائيل قد حققت غرضها في حرب لبنان عبر التزام حزب الله التام بعدم إطلاق صواريخ خلال عامين وتبريه من صاروخي الأسبوع الماضي لئلا يشمل نصره الإلهي فلسطين (رغم مطالبته للآخرين بالتحرك لفتح حدود مصر لأنه مشغول بحماية حدود إسرائيل الشمالية) ومسارعة حزب الله للموافقة على قرار مجلس الأمن بوقف حرب لبنان رغم نصره الإلهي، لكن إسرائيل تواجه مشكلة مع رفض حماس لقرار مجلس الأمن أو إيقاف الصواريخ قبل تنفيذ مطالبها رغم أن معاناتها أكبر من معاناة حزب الله في حربه السابقة لكن يثبت الله من يشاء.
فالمعركة الآن سياسية لحرمان حماس من قطف ثمرة انتصارها والعمل على خنقها بعد العجز عن طعنها رغم طول حصارها مع فارق القوة بينها وبين عدوها، وما أحوج أهل غزة إلى تدبر والعمل بقول الله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [سورة محمد: 35]، فلا تضعفوا يا أهل غزة وتدعون عدوكم للمسالمة وأنتم الأعلى منهم بدينكم وعقيدتكم وشجاعتكم وصمودكم وثباتكم وانتصاركم وفوق ذلك فالله معكم ينصركم.
وبعد احتراق ورقة أبو مازن بفشل هذا الحرب وزيادة شعبية حماس في الضفة فمن المنتظر استبداله بالبرغوثي لمواجهة حماس، وأداء حماس حتى الآن يبشر بمشيئة الله بانتصار سياسي يجني ثمرة انتصارها العسكري ومؤشرات ذلك كثيرة منها الاستفادة من تطلع فرنسا لدور فاعل لمنحها تحقيق إنجاز مقابل تحقيقها لبعض مطالب حماس برفع الحصار الغربي والعربي والصهيوني وإعادة الإعمار وكذا تفعيل الدور التركي بدلا من الإيراني وكذا عدم المقاطعة التامة مع مصر وغير ذلك من المؤشرات.
وإن أصرت حماس على مواصلة المعركة فقد يرضخ الصهاينة لها بتحرير الضفة من الاحتلال وتسليمها لحكومة حماس مقابل هدنة، وليست القضية الآن فتح معبر أو إرسال إغاثة، غذاء ودواء، أو فك حصار عن مليون ونصف من الفلسطينيين بل هي إنهاء الاحتلال، ليس فقط في غزة بل في كامل فلسطين لتكون غزة قاعدة تحرير فلسطين كلها وليقول أهل غزة بعد هذه المعركة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا» [رواه البخاري] وما ذلك على الله بعزيز.
لاسيما وأن بن غوريون وهو أحد مؤسسي دولة إسرائيل، تنبأ أن هذه الدولة المصطنعة سوف تزول عام 2028 وأوضح أنها ستكون في ذروة شبابها بعد أربعين سنة من قيامها، ثم تبدأ بالانحدار نحو النهاية، أي منذ عام 1988 وهو العام الذي قابلت به إسرائيل انتفاضة الحجارة الأولى بالمدافع والقذائف والرصاص، والآن ها هي إسرائيل قد دخلت سن الشيخوخة بعد أن احتفلت بعيد ميلادها الستين.
"وكل الإنجازات تتطلب تضحيات، ولو كان الإنجاز يتحقق بدون تضحية لكان أولى الناس بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بد للحق من قوة، ولو كان الحق يستغني عن القوة لم يسلك النبي صلى الله عليه وسلم طريق الجهاد، إن أحداث غزة فرصة لمراجعة مفاهيمنا ووزنها بالقرآن والسيرة، وليس بأن نجعلها باباً لترهيب الأمة من أعداء لا يرقبون فيها عهداً ولا يثبتون له حقاً"
فبعد شهر من الحصار للمدينة المسلمة الوحيدة في كل العالم جاءت النتيجة باندحار المشركين واليهود كما في قوله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25) وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} [سورة الأحزاب: 25-27].
فقال رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «الآن نغزوهم ولا يغزوننا» [رواه البخاري]، وفي هذا يقول اللواء الركن محمود شيت خطاب في كتابه (الرسول القائد): "لقد انتقل المسلمون من دور الدفاع إلى دور الهجوم في اليوم الذي انتهت به غزوة الأحزاب لذلك قال الرسول لأصحابه بعد انسحاب الأحزاب «الآن نغزوهم ولا يغزوننا» [رواه البخاري]".
وبدأ التقدم الإسلامي الذي اكتسح الدنيا منذ ذلك اليوم..
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحج: 39-40].
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة» [رواه مسلم].
أبو سلمان
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي
المشرف العام على موقع المختصر
www.almokhtsar.com
بتصرف يسير
المصدر: المختصر