حقوق الإنسان في خطبة حجة الوداع

منذ 2015-10-01

خطبة حجة الوداع... خطبة بليغة فصيحة، ميثاق ودستور لحقوق الإنسان، جمعت بكلمات قليلة ما لم تأتِ به آلاف الكُتب والقوانين، جاءت على لسان من لا ينطق عن الهوى، النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكأني بالحبيب أراه أمامي؛ خير الأنبياء ونعم الإمامِ، واقفاً شامخا يُبلغ عن رب العزة بلسان عربي مبين، جمع فكفى ووعد فأوفى.

 هذه الخطبة هي حجةٌ على أعداء الدين، وإعلان لمباديء خالدة أرست القواعد الأصيلة لحقوق الإنسان، إجمال يحوي الكثير من التفصيل، خطاب للعالم أجمع يدعو فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حقن الدماء والدفع بعجلة التنمية وإشاعة الرحمه والسلام، خطبة فيها إعلان للعالم أجمع أن ديننا يحفظ حقوق الإنسان بلا إفراط ولا تفريط، وقد جاءت كل هذه المعاني في الخطبة حيث دارت حول حفظ الضرورات الخمس: الدين والنفس والعقل والعِرض والمال، وبذلك جمعت حقوق الإنسان والتي لا تخرج أبداً عن كونها ضرورة من تلك الضرورات.

إن الضرورات الخمس أحاطتها الشريعة الإسلامية بكل الإهتمام، فلا تكاد تجد نصاًا من كتاب الله جلّ في علاه- وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم-؛ إلا ويدور حول ضرورة من تلك الضرورات، والأدلة من القرآن الكريم كثيرة لا يتسع المجال لذكرها كلها.

يقول -تعالى-:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرمَ ربُّكُمْ عَلَيْكُمْ ألا تُشْركُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ولا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ولا تَقْربُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَر مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، ولا تَقْربُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُربَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرونَ، وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:151-153].
وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ»(رواه مسلم).

- ومن أهم الحقوق الإنسانية التي ورد ذكرها في نص خطبة حجة الوداع هي:

  • الحق الأول: حفظ الدين: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في نهاية خطبته: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ؛ كِتَابُ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ»(رواه مسلم).

ويتجلى في النص حق من أهم حقوق الإنسان وهو حفظ الدين، فالله سبحانه وتعالى خلقنا وهو أعلم بما ينفعنا، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم- إلى حفظ حق الدين باتباع كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر في نص الخطبة:
·كتاب الله: أي بالإعتصام به وإتباع ما جاء فيه، وهو كتاب محفوظ من الله تعالى-، يقول رب العزة في كتابه الحكيم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وفي هذا الكتاب كل مايصلح به أمر العباد ويحفظ لهم حقوقهم الإنسانية، {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}[الأنعام:38].
·سنة النبي: وهي بشهادة الصحابه أنه صلى الله عليه وسلم- بلّغ وأدّى ونصح، فأصبح من الواجب إتباع سنته وتعاليمه وهديه ليتحقق أهم حق من حقوق الإنسان في حفظ دينه.

  • الحق الثاني: حفظ النفس: إن حفظ الأنفس من أهداف الإسلام العليا ومقاصده الكبرى، وفي خطبة الوداع يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» (رواه البخاري ومسلم).

بين النبي الكريم حق الإنسان في حفظ دمه وماله وعرضه، وشدد على حرمة المساس بأي حق من هذه الحقوق، يقول رب العزة: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}[النساء:93]، ويقول النبي –صلى الله عليه وسلم-في الحديث الشريف: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» (أخرجه النسائي في السنن والترمذي).  

  • الحق الثالث: حفظ المال: جاء في الخطبة قول النبي: «وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا؛ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ» (رواه مسلم)، أعلن نبي الرحمة في هذه الخطبة تحريم واضح صريح للربا، وبدأ بتطبيقه على أقرب الناس إليه، ليبين شفافية هذا الدين العظيم ومصداقيته في تحقيق المساواة والعدل والرخاء.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة:278-279]، وعنْ جَابرٍ رضيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: "لعَنَ رسولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم آكلَ الرِّبا وَمُوكِلَهُ وَكاتِبَهُ وَشاهِدَيْهِ وَقالَ: «هُمْ سَوَاءٌ»"(رواه مسلم).

  • الحق الرابع: حفظ الأعراض:

حق الإنسان في حفظ عرضه، وجاء ذالك ببيان حق الزوجة على زوجها من نفقة وكسوة ، وحق الزوج على زوجته من طاعتة وحفظ له في غيبته مما يحفظ  لهما حياة كريمة في ظل شريعتنا السمحاء، حيث جاء في سياق خطبته؛ -صلى الله عليه وسلم-: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ! فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ. وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ، فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»(رواه مسلم)، وهنا بيان عظيم لحقوق المرأة في الإسلام وحقوق الرجل أيضاً، فالإسلام لم يحابي أحداً ولم يغفل حق أي انسان. ياله من دين عظيم.

ذكرنا الحقوق العامة، ثم نلخص في نقاط حقوق الإنسان التي جاءت في الخطبة كما يلي:

  1. حق الإنسان الشرعي في إتباع دستور يحفظ له حياته كلها بكل ما فيها من حقوق إنسانية، وهذا الدستور متمثل في القرآن والسنة.
  2. حق الإنسان في العيش بأمن وأمان وذلك بحفظ دمه وماله وعرضه.
  3. حق الإنسان الإجتماعي في إطار الأسرة والمجتمع ببيان حقوق النساء على الرجال والإعتراف بها وأدائها كاملة، والإشارة أيضاً  إلى حقوق الرجال على النساء.
  4. حق الإنسان المادي في حفظ ماله، وحقه في التملك، وحقه في الميراث.
  5. حق الإنسان العام في المساواة بين الناس جميعاً، وأن تكون الأفضلية للأتقى.

وبعد أن فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من إلقاء الخطبة نزل عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا‏}‏[المائدة:3].

الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا وكفل لنا حقوقنا وأتم نعمته علينا وأكرمنا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، ورضي لنا الإسلام دينا.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

شيماء علي جمال الدين

طالبة علوم شرعية على أيدي الشيوخ سواء على شبكة الإنترنت أو في محافظة الإسكندرية مهتمة بمجال دراسة علوم القرآن والتفسير بشكل خاص. لها العديد من المقالات والأبحاث والقصص القصيرة المنشورة على الشبكة الإلكترونية.

  • 93
  • 15
  • 510,514
  • nada

      منذ
    ماشاء اللهم بارك ربنا يزيدك حبيبتنا ويرزقك الاخلاص والقبول يارب

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً