شعب بأسماء نصرانية مستعارة

منذ 2009-03-24

يقول الدكتور علي المنتصر الكتاني رحمه الله واصفا مقاومة المجتمع الأندلسي المسلم لمحاولات تنصيره قهرا: "ففي اليوم السابع من ولادة الطفل، تقام له حفلة فدا (عقيقة) فيغسّل، ونكتب شهادة الإسلام على جبهته....



بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.

"...هكذا وصل إلى علمنا أن بعض المتنصِّرين حديثا يتسمّون بأسماء وألقاب مسلمة، لهذا أصدرنا أوامرنا بألا يتسمّوا بها من الآن فصاعدا، و إذا كان بعضهم يحمل اسما أو لقبا قد يعود للمسلمين فعليه تركه وألا يتسمّ به أبدا، كما عليه استبداله باسم آخر نصراني". (1)

هذه إحدى التوصيات التي خرج بها الاجتماع المنعقد بغرناطة في ديسمبر 1526م لبحث قضية الأندلسيين المسلمين الذين أُجبروا على التنصّر بعد سقوط دولة الإسلام بالأندلس سنة 1492م. لم يكن هذا القرار الوحيد من نوعه، بل تبعه في ستينيات القرن 16 اجتماعان بحثا نفس القضية والمتعلقة بأسماء الأندلسيين الإسلامية:

- الاجتماع الأول سنة 1561م، ترأسه فرانسيسكو دي نافارو و تمخّض أيضا عن منع أندلسيي بلنسية من تسمية أبنائهم بأسماء إسلامية. (2)

- الاجتماع الثاني سنة 1565م بمقاطعة مدريد، و انتهى كذلك إلى منع الأندلسيين من حمل أسماء وألقاب إسلامية. (3)

لم تكن هذه السلسلة من القرارات مجرد نصوص بريئة لتنظيم المجتمع، بل كان هدف السلطات الإسبانية هو القضاء على كل مظهر إسلامي تشبث به الأندلسيون وتسديد ضربة قاضية للإسلام بالأندلس. إنها فصل من حرب طويلة ضد العقيدة والتعاليم الإسلامية، فصل كانت فيه التسميات والألقاب الإسلامية محط هجمة شرسة بعد أن رأت محاكم التفتيش أن الاحتفاظ بالألقاب الإسلامية هو رمز من رموز مقاومة الأندلسيين المسلمين لمحاولات طمس هويتهم.

لقد تنبّهت السلطات الكنسية إلى أهمية الأيام القليلة الموالية لولادة الطفل المسلم في تسميته باسم إسلامي أو نصراني، إضافة لذلك كانت تعتبر من لا يحمل اسما نصرانيا أو من لا يستعمل اسمه النصراني ملحدا خارجا عن الملة النصرانية، لهذه الأسباب حرست على حضور نصارى قدامى لمراسيم تعميد المولود المسلم، بل و أمرت بأن يكون ولي الطفل المُعمَّد من النصارى القدامى، وصدر قرار ملكي في 20 يونيو 1511م (4) ينصّ على ذلك. وتمّ التشديد على تنفيذه عبر قرارات لاحقة. ورغم احتجاجات الأندلسيين بزعامة الغرناطي فرانثيثكو نونيث مولاي سنة 1523م (5) فقد تمّ تنفيذ القرار بكل صرامة. لقد أيقن الأندلسيون أكثر من أي وقت مضى أن هويتهم الإسلامية تعيش لحظات حاسمة.

في العقود الأخيرة قامت بعض الدراسات ببحث الأسماء النصرانية للأندلسيين المسلمين، أهمها بحث قيّم للباحث الإسباني مكيل أنخيل لاديرو كيسادا Miguel Angel Ladero Quesada، وتميّزت دراسته ب:

- تركيز الاهتمام على منطقتي غرناطة وبلنسية.

- ودراسة فترتان زمنيتين:

* بداية القرن 16م: تميّز ببداية التنصير القسري للأندلسيين.

* النصف الثاني من القرن 16: شهد قيام ثورة غرناطة الكبرى (1568-1571) وتصاعد الاضطهاد ضد الأندلسيين.

حاولت هذه الدراسة التعرّف على موقف الأندلسيين من الاسم النصراني: هل كان لهم ميل لاسم ما؟، أم أن الأسماء تُفرض عليهم فرضا؟، ثم من يقوم بتسميتهم؟، وكيف تعايشوا مع هذه الأسماء النصرانية الغريبة عنهم؟

رغم أن النصيب الأكبر من الدراسة حظت به منطقة البيازين بغرناطة، فقد عمل الباحث كيسادا على تتبع نفس الظاهرة بمنطقة بلنسية من خلال الاعترافات التي أدلى بها أندلسيو منطقتي Carlet و Benimodo سنة 1574م لمحاكم التفتيش (6).

أقدم وثيقة اعتمد عليها الباحث هي قائمة منصّرين بحي البيازين بغرناطة تعود لسنة 1503م (7)، يليها سجّل للمعمّدين بمنطقة سان خوان دي لوس رييس San Juan De los Reyes لفترة ما بين 1556 و 1565م (8)، ثم إحصاء قامت به كنيسة سان سلفادور San Salvador سنة 1561م (9).

أعداد الأندلسيين المنصًّرين في المناطق التي درسها الباحث موزّعين حسب الجنس:

- البيازين (سنة 1503) ..ذكور :439 شخص، إناث: 585 شخص، (المجموع: 1024 شخص).

- سان خوان (1556-1565م) ..ذكور:388 شخص، إناث:372 شخص، (المجموع: 760 شخص).

- سان سلفادور (1561م) ..ذكور :586 شخص، إناث :684 شخص، (المجموع: 1270 شخص).

- كرليت (1569م).Carlet ..ذكور :128 شخص، إناث :207 شخص، (المجموع: 335 شخص).

- بينيمودو (1569م)..Benimodo ذكور: 58 شخص، إناث: 52 شخص، (المجموع: 110 شخص).

-سان سيسيلي(1561م) San Cecilio ..ذكور:818 شخص، إناث:858 شخص، (المجموع: 1676 شخص).

- المجموع: ذكور: 2147 شخص، إناث: 2758 شخص، (المجموع: 5175 شخص).

توزيع الأندلسيين المُنصًّرين حسب الأسماء:

خلال التنصير القسري لسنة 1503م تمّ استعمال 43 اسما نصرانيا، وبعد 60 سنة تضاعف هذا العدد بين أبناء الأندلسيين المُنصًّرين إلى ما بين 80 و 90 اسما. هذا العدد يبقى محدودا شيئا ما إذا علمنا أنه بمنطقة ذات أغلبية كبيرة من النصارى القدامى كـ سان سيسليو San Cecilio يوجد 132 اسما نصرانيا.

حتى نسبة استعمال الأسماء تقوي هذا الاستنتاج، ف 88 بالمئة من مجموع 585 امرأة مسلمة مقيمة بالبيازين سنة 1503 يحملن إما اسم Léonor, Maria, Isabel, Catalina, و 69.69 بالمئة من مجموع 439 رجلا يحملون إما اسم Juan, Francisco, Alonso, Hernando. لقد احتكرت هذه الأسماء الثمانية تسميات الأندلسيين المنصُّرين قسرا في بداية القرن 16م. لكن هذه الوضعية ستتغير عند منتصف القرن حيث أن الأسماء النسائية الخمسة الأكثر استعمالا غطت أقل من ثلثي المجموع، بينما الأسماء الذكورية الخمسة الأكثر استعمالا لم تشكل سوى نسبة ما بين 40 و 50 بالمئة.

من المثير للانتباه أيضا، التركيز على أسماء Maria, Isabel و Lucia بكنيستي سان خوان دي لوس رييس وسان سلبدور. هذه الأخيرة في هذه الفترة كانت الأبرشية الأندلسية بامتياز، بينما كانت بسان خوان أقلية من النصارى القدامى، أمّا ب سان سيسليو فكانت تعيش أقلية أندلسية ضمن الأغلبية النصرانية.

فهل كانت هناك أسماء خاصة بالأندلسيين المنصَّرين؟

إن لائحة 46 اسما الأكثر استعمالا (21 نسائيا، و 25 ذكوري) لا تعطي أي إشارة لذلك، فليس هناك أي اسم مخصص للأندلسيين.

وكما هو الحال بالنسبة للنصارى القدامى، ندُر لدى الأندلسيين المُنصّرين استعمال الأسماء المركّبة، فمن بين 5175 اسما يوجد فقط 12 اسما مركّبا، وهي (سنة 1503م):

-Catalina Leonor, Pedro Gonzalo بحي البيازين.

-Gil Agustin, Juan Esteban, Maria Magdalena بسان خوان دي لوس رييس.

- Juan Ambrosio, Juan Alonso بسان سلبدور.

- Rodrigo Alonso, Juan Bautista بسان سيسليو.

-Juan Pere, Jeronimo Matia, Jeronimo Agustin بكارلت.

يمكن إذًا استنتاج أن مجموع الأسماء المدروسة هي انعكاس للأسماء المستعملة محليا وإقليميا. فليس من الغريب أن يحمل أندلسيو كارلت Carlet ببلنسية أسماء ك Cosme, Nofre, Vicente, Galceran وهي أسماء منعدمة تقريبا بمنطقة أندلوثيا المعروفة بالأسماء ك Alonso, Lorenzo, Alvaros, وهي أسماء غير منتشرة ببلنسية.

فمن يختار الاسم إذًا؟

لقد رأينا أن السلطات الإسبانية شدّدت على أن يكون أولياء الأندلسيين المُنصُّرين من النصارى القدامى. وهذا الإجراء يهدف إلى عدم ترك أية فرصة لوالدي الطفل لإبقاء طفلهم على الفطرة الحنيفية وكذلك لمراقبة احترام إجراءات التعميد. فهل تمّ فعلا تطبيق هذا القرار على الشكل المراد له؟

لقد قام الباحث كيسادا بدراسة أسماء 134 وليا ووليّة ل 67 طفلا مسلما تمّ تعميدهم سنة 1555 بأبرشية San Nicolas بحي البيازين بغرناطة الذي يسكنه الأندلسيون بشكل شبه حصري (10). كانت النتيجة العثور على اسم ولية أندلسية واحدة هي Catalina Patoya بينما 133 وليا من النصارى القدامى. وهذا أقوى دليل على تشدّد السلطات الإسبانية في تطبيق هذا القرار الملكي.

إن لائحة أسماء أولياء و وليّات المسلمين المُنصُّرين تضمّ في الحقيقة 90 اسما فقط بدلا من 134، و ذلك راجع لتكرار بعض الأسماء، فقد قام عدة نصارى قدامى بتولّي العديد من الأندلسيين عدة مرات خلال نفس السنة. ف إيستبان روبيل Esteban Rebel وزوجته Francisca de Alarcon تولّوا التعميد 8 مرّات، بينما Alonso Ruiz وزوجته Francisca De Velasco تولوا التعميد 7 مرات، و Diego Del Castillo وزوجته تولوا التعميد 3 مرات.

لقد لعب الأولياء دورا مهما خلال عمليات التعميد القسري لسنة 1503م، ومن المحتمل جدا أن تكون قد أوكلت لهم مهمة اختيار اسم نصراني للأندلسيين المنصّرين. لكن للأسف فالوثائق لا تذكر شيئا عن هويتهم.

هذا ولا يجب إغفال الدور الذي لعبه كبار موظفي الدولة وأقرب مقربي الملك نفسه، والذين لم يتوانوا عن حضور مراسيم التنصير الجماعي. وهذا ما يفسّر حمل عدة أندلسيين منصّرين لأسماء شخصيات في عائلة الملكين الكاثوليكيين ك: إيسابيلا، فرناندو، خوان- ولي عهد فرناندو لكنه هلك سنة 1497 قبل أن يصبح ملكا- و خوانا. بينما أسماء ك ألونثو Alonso، كونزالو Gonzalo، ألبارو Alvaro، وغارسيا Garcia بالنسبة للرجال، وليونور Léonor، إنيسInés، مينسيا Mencia بالنسبة للنساء، تدلّ على الهوية القشتالية لأولياء التعميد.

سبعون سنة بعد ذلك، حدثت تغيرات بسيطة بغرناطة، فبعض الأسماء فقدت انتشارها السابق ك ليونور Léonor وإرناندو Hernando، لكن الغالبية حافظت على مكانتها، وظهرت أسماء أخرى بقوة ك لوثيا Lucia، بياتريث Beatriz، لورنثو Lorenzo ولويس Luis.

علاقة الاسم النصراني بالأبوين و أولياء التعميد:

حسب الوثائق المتاحة, نادرا ما يحمل الأبناء المُنصًّرون أسماء والديهم أو أوليائهم خلال التعميد. الإحصاء الذي أجري على أبرشية سان خوان دي لوس رييس ما بين 1556 و 1557 هو جد محدود ولا يسمح بالتعميم. فمن بين 80 طفلا، تسعة فقط يحملون نفس اسم آبائهم (5 ماريا، 2 ألونثو، 1 فرانثيثكو و 1 لويس).

العلاقة بين الاسم النصراني والاسم الإسلامي:

من المهم كذلك دراسة العلاقة بين الاسم المسلم والاسم النصراني. هل كانت لدى الأندلسيين رغبة في حمل اسم نصراني يذكّر بالاسم المسلم الأول؟، أم على العكس كانت هناك رغبة لتفادي حمل أي اسم قد تكون له خلفيات إسلامية؟

لقد حاول الباحث كيسادا الإجابة عن هذا السؤال حيث قارن بين الأسماء الإسلامية والنصرانية المذكورة أمام محاكم التفتيش من طرف سكان قرية بني مودو Benimodo البلنسية سنة 1569م.

استنتج كيسادا أن 48 اسما من أصل 58 بالنسبة للرجال، و 36 من أصل 53 للنساء يختلف فيها الاسم النصراني عن الاسم الإسلامي، بحيث لا توجد أية رابطة بينهما توحي باشتقاق أحدهما من الآخر. فالاختلاف إذًا واضح، باستثناء اسم مريم الذي تحوّل إلى ماريا Maria في 9 حالات، وإلى ماريانا Mariana في حالتين. أمّا اسم فاطمة فقد تحوّل في 4 حالات إلى أنخيلا Angela، وفي حالتين إلى إيزابيل Isabel، و في حالتين إلى خيرونيما Jeronima، و في حالة واحدة إلى كل من كلارا Clara و لويزا .Luisa

مظاهر مقاومة الأندلسيين للأسماء النصرانية:

استنتج كيسادا أيضا من هذه النتائج الأولية أن الاسم النصراني المفروض على الأندلسيين كان يهف لتقويض العقيدة الإسلامية في صدورهم وطمس هويتهم المتميّزة عن النصارى. لقد حاولت السلطات الكنسية أن تُنسي الأندلسيين جذورهم، لكنهم لم ينسوها فقد ظل الاسم النصراني المفروض عليهم غريبا عليهم فطرحوه ونبذوه من معاملاتهم اليومية.

ويكفي الاطّلاع على بعض اعترافات السكان الأندلسيين لHuerta de Valencia أمام محاكم التفتيش للاقتناع بذلك. فحين كان يُطلب منهم ذكر الاسم النصراني لأعضاء عائلتهم، العديد منهم كان يُبدي جهله بها أو عدم تأكده منها. هكذا ذكرت Catalina Payot من كارليت Carlet اسم ابنتها الإسلامي وأقرّت بجهلها باسمها النصراني، قبل أن تستدرك وتقول أن اسمها Esperanza.

وكذلك الحال بالنسبة لMaria Marahui التي ذكرت أن اسم ابنها هو Homaymad Pardillo في حين كانت تجهل اسمه النصراني الذي حسب قولها رُبّما يكون هو Nofre نوفري.

هناك حوالي 12 حالة كان يجهل فيها أندلسيون بمنطقة كرليت الأسماء النصرانية لأفراد عائلتهم. Miguel Bambala الذي ذكر هوية والديه وإخوته وأخواته الأربعة و زوجته وأبنائه الستة، أي 13 فردا من عائلته، لم يذكر سوى الاسم النصراني لفردين فقط هما والده وابنته الكبرى.

أما Juan Pellizo ذو الثلاثين سنة فكان يجهل الأسماء النصرانية لوالديه وأخويه و زوجتيه، لكنه يتذكر أسماء أولاده الثلاثة، ربّما لسنهم الصغيرة وحداثة عهد تعميدهم. لكنه عاد وصوّب اسم ابنته، حيث ذكر في البداية أن اسمها Maria لكن اسمها كان هو Esperança. أمّا Pere Xeric فكان موقفه أكثر سوءا أمام محققي محاكم التفتيش: فقد كان يجهل الأسماء النصرانية لوالديه، إخوانه، أخواته الخمسة وأبنائه الثلاثة. ويُجهل السبب الذي جعله يتذكر اسم زوجته Esperanza. لكنه عاد و حاول تخفيف حنق المحققين فأخبرهم أنه بعد 7 أيام على ولادة ابنة له نسي اسمها النصراني الذي سمّيت به في الكنيسة و أكّد لهم أنه لم يسمّها بأي اسم إسلامي.

نفس الأمر عاشه سكان قرية بني مودو البلنسية Benimodo، حيث نسيت Leonor Pillim الاسم النصراني لخمسة من أعضاء عائلتها. بينما كانت لويزا الأزرق Luisa Alazrach تجهل أسماء والديها و زوجها وأبنائها السبعة.

وأحيانا يأمر المحقّقُ الأندلسيًّ أن يعود أدراجه لإتمام المعلومات التي تنقصه. وهذا ما حصل لعلي بويوت Ali Boyot الذي عاد إلى المحقق ليؤكد أن اسمه النصراني هو بيدرو Pedro. ونفس الأمر حدث للوليد ميلر Gualit Meller الذي عاد للمحققين ليؤكد لهم أن اسمه خوان Juan.

أما في قرية بني مسلم Benimuslem، فستة من بين 45 شخصا حُقق معهم ادّعوا أنهم لا يحملون أي اسم إسلامي، بينما الأغلبية (39 شخصا) أقروا بحملهم أسماء إسلامية.

Miguel Amena، القاطن بكرليت Carlet دافع في البداية عن عقيدته النصرانية و ادّعى أنه لا يحمل إلا اسما واحدا وهو اسم نصراني. لكنه كان لا يعرف سوى الأسماء الإسلامية لأعضاء عائلته، ليعترف في النهاية أن اسمه الإسلامي هو سعد çaad Amena، وأنه قام بتسمية والديه وإخوانه بأسماء إسلامية.

و ذكرت ماريانا Mariana، زوجة لويس بترالوي Luis Petralui الفلاح بقرية Benimuslem، أنها تجهل الاسم الإسلامي لزوجها واثنين من أبنائها الثلاثة. لكن شهادتها لم تكن خالية من التناقضات. فمثلا اعترفت أن من الأشياء الإسلامية التي قامت بها تسمّيها باسم إسلامي وتسميت آخرين بأسماء إسلامية بدافع و اعتقاد إسلامي، كبيدرو Pedro Machiri الذي سمّته سعدçaad. كما اعترفت أنها اعتادت التعامل مع أهلها بأسمائهم الإسلامية، وأضافت أن هذا الشيء شائع بهذا المكان من كارليت حيث يحمل الجميع أسماء إسلامية.

السلطات الإسبانية كانت تعلم أن الأسماء الإسلامية هي السائدة بين الأندلسيين رغم الإجراءات الظالمة التي اتخذتها لمحوها من قاموسهم. المنصِّر الإسباني Bartolomé de los Angeles المتّهم بالتعاطف مع الأندلسيين، ذكر عن فترة عمله ب Mizlata (قرية بويرتا دي بلنسية Huerta de Valencia) سنة 1554 أن سكانها يتسمّون بأسماء إسلامية (11). ميكيل خيرونيمو Miguel Jeronimo، أسقف Chiva والشاهد في قضية كوسمي وشقيقه خوان ابن عامر- من ذرية الحاجب المنصور بن أبي عامر رحمه الله-، ذكر سنة 1567م أن "خوان ابن عامر لمّا كان يأتي إلى Chiva كان يُنادى ب علي... ونفس الأمر بالنسبة لكوثمي الذي كان يٌنادى ب حامد Amet أو إبراهيم" (12)

أمّا مارتن دي سالفاتييرا Martin de Salvatierra، أسقف سيغوربي Segorbe فقد راسل الملك بخصوص مسألة الأسماء قائلا: "كل هؤلاء المورسكيون، رجالا ونساءا وأطفالا سواء بمملكة بلنسية أو بمملكتي قشتالة وأراغون، يستعملون أسماءا إسلامية بمنازلهم واتصالاتهم السرّية. وهي أسماء يستعملونها بعد تعميدهم بالكنيسة الكاثوليكية بماء التعميد. وهذا أمر يلاحظه جميع النصارى القدامى الذين يتعاملون مع المورسكيين. والدليل على ذلك أنهم لو طلبوا (النصارى القدامى) بطريقة سريّة من النساء والأطفال (الأندلسيين) أسماءهم النصرانية ما عرفوها" (13).

يقول الدكتور علي المنتصر الكتاني رحمه الله واصفا مقاومة المجتمع الأندلسي المسلم لمحاولات تنصيره قهرا: "ففي اليوم السابع من ولادة الطفل، تقام له حفلة فدا (عقيقة) فيغسّل، ونكتب شهادة الإسلام على جبهته، ...وتقام له عقيقة يعطى فيها اسمه الإسلامي السّري بعد ذبح الأضحية." (14)

ومع توالي السنوات، وخاصة بعد طرد الأندلسيين من إسبانيا سنة 1609م وتوالي القرارات المانعة للمظاهر المرتبطة بالإسلام، ندر وجود الأسماء الإسلامية وما عادت تذكر حتى نهاية القرن العشرين الميلادي، لمّا سُمِح بالتعدد الديني بإسبانيا، وخفّت بهذا قبضة الكنيسة الكاثوليكية، ليعود الأندلسيون شيبا وشبابا، نساءا ورجالا يشدهم الحنين لماضيهم الإسلامي المجيد ويرموا عن عاتقهم مظاهر النصرانية البغيضة التي أعيتهم ونالت منهم ومن أجدادهم طيلة قرون، ويعودوا ليحملوا أسماءهم الإسلامية المباركة تاركين تلك الأسماء النصرانية المستعارة.
__________________________________

الهوامش:

1) A. GALLEGO BURÍN y A. GAMIR SANDOVAL, Los moriscos del reino de Granada según el sínodo de Guadix de 1554, Madrid, 1968, p. 171.

(2) P. BORONAT y BARRACHINA, Los moriscos españoles y su expulsión, Valencia, 1901, vol. 1, p. 526.

(3) A. GALLEGO BURÍN y A. GAMIR SANDOVAL, op. cit., p. 204.

(4) A. GALLEGO BURÍN y A GAMIR SANDOVAL, op. cit., p. 171.

(5) Id., p. 190.

(6) Archivo Histórico Nacional, Inquisición (Valencia), leg. 556, (caja 6), expediente n.' 22, que completa la consulta de un documento perteneciente a una colección particular.

(7) El documento original se encuentra en la Biblioteca de la Universidad Complutense de Madrid. Miguel Ángel Ladero Quesada ha tenido la amabilidad de proporcionarme una copia.

(8) Archivo parroquial de San Pedro y San Pablo, libro de Bautis*mos de San Juan de los Reyes n.° 1.

(9) Archivo General de Simancas, Cámara de Castilla, leg. 2150.

(10) Archivo parroquial de San José, libro de Bautismos de San Nicolás n' 1.

(11) P. BORONAT y BARRACHINA, op. cit., vol. 1, p. 489.

(12) Id., p. 543.

(13) lbid., p. 620.

(14) "انبعاث الإسلام في الأندلس" للدكتور علي المنتصر الكتاني رحمه الله. ص197.

تنبيه:
رابط لمصدر البحث الذي اعتمدت عليه للباحث الإسباني مكيل أنخيل لاديرو كيسادا، والبحث بعنوان: "الاسم النصراني للمورسكيين" El nombre cristiano de los moriscos:

http://identidadandaluza.wordpress.c...-los-moriscos/

تعريف مقتضب بالباحث الإسباني كيسادا:

ولد المؤرخ الإسباني ميكيل أنخيل لاديرو كيساداMiguel Ángel Ladero Quesada ببلد الوليد سنة 1943م، وهو من المتخصصين في تاريخ إسبانيا في العصر الوسيط، خصوصا تاريخ قشتالة والملوك الكاثوليك. درّس بجامعات لاكونا، أشبيلية ومدريد التي يعمل فيها اليوم كمحاضر. إضافة لكونه أستاذا شرفيا بجامعة قادش وعضوا بالأكاديمية الملكية للتاريخ. له عدة أبحاث ومؤلفات حول تاريخ إسبانيا وتاريخ الأندلسيين المنصّرين.



المصدر: طريق الإسلام
  • 12
  • 0
  • 17,117

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً