صلة الأرحام واجب لا يقتصر على الأعياد

منذ 2015-10-08

إن صلة الأرحام كانت في الماضي تعتبر أحد الفروض الدينية والاجتماعية المقدسة لدى السلف الصالح، ولكنها اليوم بدأت تشهد فتوراً وتراجعاً بشكل ملحوظ، خاصة في ظل تسارع نسق الحياة وتعقد تفاصيلها، فاقتصر القيام بها على المناسبات العامة، مثل الأعياد والمناسبات الخاصة، كحفلات الزواج، وباستثناء تلك المناسبات لا توجد صلة رحم حقيقية ومستمرة بشكل دائم، كما كان الأمر سائداً في ماضي المسلمين، حيث كان التواصل حميمياً ومتيناً بين الأهل والأقارب في جميع الأوقات والمناسبات.

أَوْلى الإسلام عناية كبيرة لبناء مجتمع إسلامي متماسك وقوي، تسوده روح المحبة والرحمة والتكافل بين كافة أفراده ومكوناته، وذلك من خلال دعوته إلى التمسك بصلة الأرحام، والتي تعتبر من أفضل القربات إلى الله، ومن أعجل الخير والثواب في الدنيا وفي الآخرة، ولقد جاءت العديد من آيات القرآن الكريم تحث على صلة القربى، وتدعو إلى التمسك بها، وتنهى عن قطعها، ومن ذلك ما ورد في سورة الأنفال حيث يقول الله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال:75]، وفي سورة النحل: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].

كما حذر الله سبحانه وتعالى من العواقب الوخيمة لقطع الأرحام في الدنيا وفي الآخرة، حيث يقول في سورة محمد: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23].

ولذلك فإن صلة الرحم هي عنصر بارز في منظومة الأخلاق في الإسلام، وهي تعتبر ضمانة لسلامة المجتمع وتماسكه وقوته، ولها معان عديدة، فهي تشمل القريب في النسب، والجار في السكن، ولقد أمر المسلم أن يكون واصلاً لرحمه، محسناً لجاره؛ لأن تماسك المجتمع وسلامته يكمنان أساساً في الحفاظ على صلة الرحم وحسن الجوار.

وإن من بركات صلة الرحم أن الله سبحانه يوسع لواصل رحمه في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه» (صحيح البخاري [5986])، وحذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من العواقب الوخيمة المترتبة عن قطع صلة الرحم، مهما كانت الأسباب الدافعة إلى ذلك، حيث أكد أن قاطع الرحم لا يدخل الجنة، ولذلك ينبغي على المسلم ألا يقوم باتباع مبدأ المعاملة بالمثل، وألا يقابل السيئة بالسيئة، فالمعنى الحقيقي لصلة الأرحام أن يصل من قطعه، ولا يقصرها على من يصله فقط، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها» (صحيح البخاري [5991]).

ويبقى الحديث النبوي الشريف: «لا يدخل الجنة قاطع رحم» (صحيح مسلم [2556]) بمثابة الحافز والدافع القوي لجميع المسلمين لتكثيف التواصل الأسري والاجتماعي بين أفراد العائلة والأقارب، في الأيام العادية كما في الأعياد والمناسبات الخاصة، فالتزاور يدخل -عادة- الفرح والسعادة والسرور على القلوب، ويخفف من وطأة الشدائد والمحن.

ولكن اليوم نرى أن عدداً كبيراً من المسلمين أصبحوا مقصرين في أداء هذا الواجب العظيم، وأصبح القيام به موسمياً، ويكاد يصبح مقتصراً على الأعياد والمناسبات الخاصة، وهذا يعتبر من مظاهر الخلل والتقصير الذي نهى عنه الإسلام؛ لأن جعل صلة الأرحام مقصورة على الأعياد والمناسبات أمر غير محمود، وسلوك غير أصيل لكل مسلم متمسك بدينه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بالرغم من كثرة الأعذار التي يقدمها الناس اليوم وتعللهم بأننا نعيش في زمن يوصف بعصر السرعة، حيث كثرة مشاغل الحياة وتعقد تفاصيلها، الأمر الذي لا يتيح الوقت الكافي للقيام بواجب صلة الأرحام.

إن صلة الأرحام كانت في الماضي تعتبر أحد الفروض الدينية والاجتماعية المقدسة لدى السلف الصالح، ولكنها اليوم بدأت تشهد فتوراً وتراجعاً بشكل ملحوظ، خاصة في ظل تسارع نسق الحياة وتعقد تفاصيلها، فاقتصر القيام بها على المناسبات العامة، مثل الأعياد والمناسبات الخاصة، كحفلات الزواج، وباستثناء تلك المناسبات لا توجد صلة رحم حقيقية ومستمرة بشكل دائم، كما كان الأمر سائداً في ماضي المسلمين، حيث كان التواصل حميمياً ومتيناً بين الأهل والأقارب في جميع الأوقات والمناسبات.

وقد شق الله سبحانه وتعالى لها اسماً من أسمائه ووعد بوصل من يصلها، وقطع من يقطعها.

 

حسن بن محمد

  • 18
  • -9
  • 11,526

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً