[01] الإخلاص
خالد أبو شادي
الإخلاص مهم في إنقاذنا من الوضع الذي نعيش فيه، مشاريع ودعوات تلوثت بالرياء، حركات إسلامية دمرت بسبب افتقاد الإخلاص وبعد أن أريد بها الرئاسة والجاه والمال. كما أن الموضوع تناول ما يخص الرياء، فقال الكاتب: "ليس من الرياء أن يشتهر المرء ولكن الشهرة يمكن أن توقع في الرياء!"
- التصنيفات: تزكية النفس - أعمال القلوب -
- معنى الإخلاص
خلص خلوصًا خلاصًا، أي صفى وزال عنه شوبه، وخلص الشيء: صار خالصًا، وخلصت إلى الشيء: وصلت إليه، وخلاص السمن: ما خلص منه. فكلمة الإخلاص تدل على: الصفاء والنقاء والتنزه من الأخلاط والأوشاب. والشيء الخالص هو: الصافي الذي ليس فيه شائبة مادية أو معنوية. وأخلص الدين لله: قصد وجهه وترك الرياء. وقال الفيروز أبادي: أخلص لله ترك الرياء. كلمة الإخلاص كلمة التوحيد، والمخلصون هم الموحدون والمختارون، وأما تعريف الإخلاص في الشرع فكما قال ابن القيم رحمه الله: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة أن تقصده وحده لا شريك له.
- وتنوعت عبارات السلف فيه، فقيل في الإخلاص:
أن يكون العمل لله تعالى، لا نصيب لغير الله فيه. وقيل: إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة. وقيل: تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين. وقيل: تصفية العمل من كل شائبة. - المخلص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عزوجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [ البينة من الآية:5]، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : {قُلِ اللَّـهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} [الزمر:14]. {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163].
قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك من الآية:2]، أحسن عملاً أي أخلصه وأصوبه. قيل للفضيل بن عياض الذي ذكر هذا: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: "إن العمل إذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل وإن لم يكن خالصًا وكان صوابًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون موافقًا للسنة"، ثم قرأ : {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [ الكهف من الآية:110].
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء من الآية:125] يعني أخلص القصد والعمل لله ، والإحسان: متابعة السنة، والذين يريدون وجه الله فليبشروا بالجزاء {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ} [الكهف من الآية:28]، {ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ ۖ } [الروم من الآية:38] ، {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ. وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ. إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ. وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ} [الأعلى:17-21].
- وأما أهل النقيض وأهل الرياء فإن الله ذمهم وبيّن عاقبتهم {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ } [هود:15-16]، {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} [الإسراء:18] ، {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖوَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى:20]، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚوَاللَّـهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال:47].
- وقد مدح الله المخلصين: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان:9]، {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114]، {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ} [الشورى من الآية:20]. في غزوة أحد أراد الله الابتلاء والتمحيص {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ} [آل عمران:152].
قال صلى الله عليه وسلم: «البخاري [1]) إنه أهم حديث، علمنا إياه صلى الله عليه وسلم في كل شيء، في الصلاة والصيام والحج وغيرها، قال صلى الله عليه وسلم : « » (الترغيب والترهيب [2/265])، كذلك فإن بعث الناس على حسب نياتهم : « » (الترغيب والترهيب [1/43]).
» (صحيح- أهمية الإخلاص
1- النجاة تكون بسببه في الآخرة.
2- اجتماع القلب في الدنيا وزوال الهم لا يكون إلا به: « » (الترغيب والترهيب [4/131])
3- مصدر رزق عظيم للأجر وكسب الحسنات « » (صحيح البخاري [6373]).
4- ينجي من العذاب العظيم يوم الدين فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن « » (صحيح بن حبان [408]) ، وهذا الحديث حدث به أبو هريرة فكان يغشى عليه من هوله كلما أراد التحديث به، ويمسح وجهه بالماء حتى استطاع التحديث به. وفي مجال عدم الإخلاص في طلب العلم يقول صلى الله عليه وسلم: « » (سنن أبي داوود [3664])، وقال: « » (حلية الأولياء [7/104]).
- الإخلاص يريح الناس يوم يقول الله للمرائين اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء.
- الإخلاص ينجي الإنسان من حرمان الأجر و نقصانه ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل غزى يلتمس الأجر والذكر فقال لا شيء له"ثلاثاً" إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه.
- ابن مكرز رجل من أهل الشام قال : يارسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضًَا من عرض الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم : لا أجر له. فأعظم ذلك الناس فقالوا عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلك لم تفهمه فقال له لا أجر له.
قال صلى الله عليه وسلم: «
» (مسند عمر [2/791 ]).كذلك الإخلاص هو أساس أعمال القلوب، وأعمال الجوارح تبع ومكمل له، الإخلاص يعظم العمل الصغير حتى يصبح كالجبل ، كما أن الرياء يحقر العمل الكبير حتى لا يزن عند الله هباء {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان:23]. قال ابن المبارك: "رب عمل صغير تكثره النية ورب عمل كبير تصغره النية". الإخلاص مهم جداً لأن أغلب الناس يعيشون في صراعات داخلية ويعانون من أشياء فحرموا البركة والتوفيق إلا من رحمه الله، فكيف يكون النصر و تعلم العلم إلا من المخلصين، الإخلاص مهم في إنقاذنا من الوضع الذي نعيش فيه، فقد أصبح عزيزاً نادراً قليلاً، مشاريع ودعوات تلوثت بالرياء، حركات إسلامية دمرت بسبب افتقاد الإخلاص وبعد أن أريد بها الرئاسة والجاه والمال.
يقول ابن أبي جمرة وهو من كبار العلماء: "وددت لو أنه كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك". ومن فوائد الإخلاص أنه يقلب المباحات إلى عبادات وينال بها عالي الدرجات، قال أحد السلف: "إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية حتى في أكلي ونومي ودخولي الخلاء وكل ذلك مما يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله. لأن كل ما هو سبب لبقاء البدن وفراغ القلب للمهمات مطلوب شرعًا". النية عند الفقهاء: تمييز العبادات عن العادات وتمييز العبادات عن بعضها البعض، إرادة وجه الله عزوجل .
الإخلاص ينقي القلب من الحقد والغل ويسبب قبول العمل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
» (صحيح النسائي [3140]).- الإخلاص سبب للمغفرة الكبيرة للذنوب:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه فيغفر فيه كبائر، وإلا فأهل الكبائر كلهم يقولون لا إله إلا الله. كالبغي التي سقت كلباً فقد حضر في قلبها من الإخلاص ما لا يعلمه إلا الله فغفر الله لها". - تنفيس الكروب لا يحدث إلا بالإخلاص، والدليل على ذلك حديث الثلاثة الذين حبستهم صخرة ففرج الله همّهم ، وكان منهم الرجل الذي وفى عاملاً أجره ونماه وصبر على ذلك سنين، وقد كان يقول كل واحد منهم اللهم إنك إن كنت تعلم أننا فعلنا ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه.
- وبالإخلاص يرزق الناس الحكمة، ويوفقون للصواب والحق {إِن تَتَّقُوا اللَّـهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} ا [لأنفال:29] ، وبالإخلاص يدرك الأجر على عمله وإن عجز عنه بل ويصل لمنازل الشهداء والمجاهدين وإن مات على فراشه {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} [التوبة:92]، وقال صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح البخاري [2839]). وفي مسلم : إلا شاركوكم في الأجر. بالإخلاص يؤجر المرء ولو أخطأ كالمجتهد والعالم والفقيه، وهو نوى بالاجتهاد استفراغ الوسع وإصابة الحق لأجل الله، فلو لم يصب فهو مأجور على ذلك..
- فالمرء ينجو من الفتن بالإخلاص، ويجعل له حرز من الشهوات ومن الوقوع في براثن أهل الفسق والفجور، لذلك نجى الله يوسف عليه السلام من امرأة العزيز {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] {إِلَّا عِبَادَ اللَّـهِ الْمُخْلَصِينَ. أُولَـٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ. فوَاكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الصافات:40-43].
- الإخلاص في التوحيد: قال صلى الله عليه وسلم :« » (الترغيب والترهيب [2/341]).
- في السجود: قال صلى الله عليه وسلم: « » (المهذب [2/943]).
- في الصيام: قال صلى الله عليه وسلم : « » (سنن أبي داوود [1372])، « » (صحيح مسلم [1153]).
- في قيام الليل: قال صلى الله عليه وسلم :« » (التمهيد [7/105]).
- الإخلاص في ترك الحرام،المحبة في الله، الصدقة « » (صحيح بن حبان [7338]).
- الإخلاص في الخروج إلى المساجد « » (صحيح البخاري [647]).
- الإخلاص في طلب الشهادة: « » (صحيح بن حبان [3192]).
- الإخلاص في اتباع الجنائز: « » (صحيح البخاري [47]).
- الإخلاص في التوبة: قصة قاتل المائة نفس وملائكة الرحمة.
الإنسان يحتاج أن يبين لنفسه بالكلام أشياء مما ينويه حتى يزداد أجره كرجل ليس لديه مال فيقول لو كان لي مثل هذا عملت مثلما يعمل. قال صلى الله عليه وسلم: «
».لقد مر في الأمة كثير من المخلصين كانت سيرتهم نبراسًا لمن بعدهم وقدوة وخيرًا، لذلك أبقى الله سيرتهم وذكرهم حتى يقتدي بهم من بعدهم وعلى رأس هؤلاء الأنبياء، النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحواريو الأنبياء والصحابة الذين فتحوا البلاد بإخلاصهم ومن بعدهم من التابعين.
يقول عبدة بن سليمان: "كنا مع سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم، فلما التقى ساعة فطعنه ازدحم الناس عليه ليعرفوا من هو فإذا هو يلثم وجهه ، فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال لائماً أءنت يا أباعمر ممن يشنع علي".
يقول الحسن: "إن كان الرجل جمع القرآن ولما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة ولما يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته ولم يشعر الناس به، ولقد أدركت أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملونه في السر فيكون علانية أبدًا. لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف من الآية:55].
يقول علي بن مكار البصري الزاهد : "لأن ألقى الشيطان أحب إلي من أن ألقى فلاناً أخاف أن أتصنع له فأسقط من عين الله" فقد كان السلف يخشون من قضية المجاملات. قال الذهبي: يقول ابن فارس عن أبي الحسن القطان: "أصبت ببصري وأظن أني عوقبت بكثرة كلامي أثناء الرحلة"، قال الذهبي: "صدق والله فإنهم كانوا مع حسن القصد وصحة النية غالباً يخافون من الكلام وإظهار المعرفة". قال هشام الدستوائي: "والله ما أستطيع أن أقول إني ذهبت يومًا قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عزوجل". يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وما بين الناس".
ومن عجائب المخلصين ما حصل لصاحب النفق، حاصر المسلمون حصنًا واشتد عليهم رمي الأعداء، فقام أحد المسلمين وحفر نفقًا فانتصر المسلمون، ولا يُعرَف من هو هذا الرجل، وأراد مَسْلَمَة يريد أن يعرف الرجل لمكافأته، ولما لم يجده سأله بالله أن يأتيه، فأتاه طارق بليل وسأله شرطًا وهو أنه إذا أخبره من هو لا يبحث عنه بعد ذلك أبداً ،فعاهده، و كان يقول: "اللهم احشرني مع صاحب النفق".
- وعمل الخلوة كان أحب إلى السلف من عمل الجلوة.
يقول حماد بن زيد : "كان أيوب ربما حدث في الحديث فيرقّ وتدمع عيناه، فيلتفت و ينتخط ويقول ما أشد الزكام!!، فيظهر الزكام لإخفاء البكاء". قال الحسن البصري: "إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام وذهب وبكى في الخارج". يقول محمد بن واسع التابعي: "إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته لا تعلم".
للإمام الماوردي قصة في الإخلاص في تصنيف الكتب، فقد ألف المؤلفات في التفسير والفقه وغير ذلك ولم يظهر شيء في حياته لما دنت وفاته قال لشخص يثق به: "الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي وإنما إذا عاينت الموت و وقعت في النزع فاجعل يدك في يدي فإن قبضت عليها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء فاعمد إليها وألقها في دجلة بالليل وإذا بسطت يدي فاعلم أنها قبلت مني وأني ظفرت بما أرجوه من النية الخالصة"، فلما حضرته الوفاة بسط يده ، فأظهرت كتبه بعد ذلك.
كان علي بن الحسن يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين بالظلمة، فالصدقة تطفيء غضب الرب، وكان أهل بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم ، فلما مات عرفوا، و رأوا على ظهره آثاراً مما كان ينقله من القرب والجرب بالليل فكان يعول 100 بيت. تلك الأحوال والقصص أظهرها الله ليكون أصحابها أئمة {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان من الآية:74].
وهكذا كان أحدهم يدخل في فراش زوجته فيخادعها فينسل لقيام الليل وهكذا صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله فكان يأخذ إفطاره ويتصدق به على المساكين ويأتي على العشاء.
وهذا أعرابي «
» (أحكام الجنائز [80]).- ماذا قال بعض العلماء في الإخلاص؟
قال إبراهيم بن أدهم: "ما صدق الله عبداً أحب الشهرة". قال بعضهم: "ينبغي للعالم أن يتحدث بنية وحسن قصد، فإن أعجبه كلامه فليصمت وإن أعجبه الصمت فلينطق. فإن خشي المدح فليصمت ولا يفتر عن محاسبة نفسه فإنها تحب الظهور والثناء". سُئِل سهل بن عبد الله التستوري : "أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب. فمع الإخلاص تنسى حظوظ النفس".
قال سفيان: "ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي إنها تنقلب علي. إذا أراد أن يجاهد نفسه يجد تقلبات، ولا يدري أهو في إخلاص أم رياء"، وهذا طبيعي أن يشعر أنه في صراع لا تسلم له نفسه دائماً فهو يتعرض لهجمات من الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء، وهذا فيه خير، أما من اطمأنت نفسه بحاله فهذه هي المشكلة. قال ابن يحيى بن أبي كثير:"تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل". قال الزبيد اليامي: "إني أحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب".
عن داود الطائي: "رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية وكفاك به خيرًا وإن لم تنضب". أي حتى وإن لم تتعب فإن ما حصلته من اجتماع نفسك لله وإخراج حظوظ النفس من قلبك، هذا أمر عظيم. أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما سبق الناس بأنه كان أكثرهم صلاة وصيام بل بشيء وقر في قلبه. قال داود: "البر همة التقي، ولو تعلقت جميع جوارحه بحب الدنيا لردته يوماً نيته إلى أصلها". قال يوسف بن أسباط: "تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد". قيل لنافع بن جبير : "ألا تشهد الجنازة فقال: كما أنت حتى أنوي. أي انتظر حتى أجاهد نفسي". قال الفضيل: "إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك. ومن أصلح الله سريرته أصلح الله علانيته ومن أصلح ما بينه وما بين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، وما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله في صفحات وجهه وفلتات لسانه. والمخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته ومن شاهد في إخلاصه الإخلاص فإن إخلاصه يحتاج إلى إخلاص".
- ومما قيل في الإخلاص:
نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق، وقيل:إفراد الحق سبحانه بالقصد والطاعة. وقيل: استواء عمل الظاهر والباطن. وقيل: من تزين للناس فيما ليس منه سقط من عين الله. وقيل: إنه سر بين الله والعبد، لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده والله قد يعلم الملائكة ما يشاء من أحوال العبد. وقيل: الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهداً إلا الله، وإذا داوم عليه الإنسان رزقه الله الحكمة.
قال مكحول: "ما أخلص عبد قط أربعين يوم إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.قال أبو سليمان الداراني: "إذا أخلص العبد انقطع عنه كثرة الوساوس والرياء".كان السلف يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا يعلم عنها زوجة ولا غيرها. وأعز شيء في الدنيا الإخلاص.يقول يوسف بن الحسين: "كم أجتهد في إسقاط الرياء من قلبي فينبت لي على لون آخر".وكان من دعاء مطرف بن عبدالله: "اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم لم أفِ لك به، وأستغفرك مما زعمت أنني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمته".
- تبيهات في مسألة الإخلاص
1- متى يكون إظهار العمل مشروعاً؟
قال ابن قدامة: (فصل في بيان الرخصة في قصد إظهار الطاعات) قال: "وفي الإظهار فائدة الإقتداء، ومن الأعمال ما لا يمكن الإسرار به كالحج والجهاد، والمظهر للعمل ينبغي أن يراقب قلبه حتى لا يكون فيه حب الرياء الخفي بل ينوي الإقتداء به" إذاً ينبغي أن نحسن نياتنا في الأعمال المظهرة لندفع الرياء وننوي الإقتداء لنأخذ الأجر، قال: "ولا ينبغي للضعيف أن يخدع نفسه بذلك، ومثل الذي يظهره وهو ضعيف كمثل إنسان سباحته ضعيفة فنظر إلى جماعة من الغرقى فرحمهم فأقبل إليهم فتشبثوا به وغرقوا جميعًا".
المسألة فيها تفصيل:
- الأعمال التي من السنة أن يكون عملها سرّاً يسرّ.
- الأعمال التي من السنة أن يظهرها يظهرها.
- الأعمال التي من الممكن أن يسرها أو يظهرها، فإن كان قويًا يتحمل مدح الناس وذمهم فإنه يظهرها وإن كان لا يقوى فيخفي، فإذا قويت نفسه فلا بأس في الإظهار؛ لأن الترغيب في الإظهار خير.
ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يظهرون بعض أعمالهم الشريفة ليقتدى بهم كما قال بعضهم لأهله حين الاحتضار "لا تبكوا علي فإني ما لفظت سيئة منذ أسلمت". قال أبو بكر بن عياش لولده: "يا بني إياك أن تعصي الله في هذه الغرفة فإني ختمت القرآن فيها اثنتا عشرة ألف ختمة" من أجل موعظة الولد، فمن الممكن أن يظهر المرء أشياء لأناس معينين مع بقاء الإخلاص في عمله لقصد صالح.
2- ترك العمل خوف الرياء، وهذا منزلق كشفه الفضيل بن عياض: "ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما". قال النووي: "من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مرائي" لأنه ترك لأجل الناس" لكن لو ترك العمل ليفعله في الخفاء. فمن ترك العمل بالكلية وقع في الرياء، وكذلك من كان يستحب في حقه إظهار العمل فليظهره كأن يكون عاملاً يقتدى به أو أن العمل الذي يعمله المشروع فيه الإظهار.
3- أن من دعا إلى كتم جميع الأعمال الصالحة من جميع الناس ؛ هذا إنسان خبيث وقصده إماتة الإسلام، لذلك المنافقون إذا رؤوا أمر خير وسموه بالرياء، فهدفهم تخريب نوايا المسلمين وأن لا يظهر في المجتمع عمل صالح، فهؤلاء ينكرون على أهل الدين والخير إذا رؤوا أمراً مشروعاً مظهراً خصوصاً إذا أظهر عمل خير معرض للأذى فيظهره احتسابا لإظهار الخير فيستهدفه هؤلاء المنافقون فليصبر على إظهاره ما دام لله ، قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ} [التوبة:79].
ينبغي أن نفرق بين الرياء ومطلق التشريك في العمل، فمتى يبطل العمل؟ إذا حصل تشريك فيه، ومتى يأثم؟ ومتى لا يأثم؟
1- أن يعمل لله ولا يلتفت إلى شيء آخر ( أعلى المراتب).
2- أن يعمل لله ويلتفت إلى أمر يجوز الالتفات إليه ، مثل رجل صام مع نية الصيام لله أراد حفظ صحته، ورجل نوى الحج والتجارة، ورجل جاهد ونظر إلى مغانم، ورجل مشى إلى المسجد وقصد الرياضة، ورجل حضر الجماعة لإثبات عدالته وأن لا يتهم، فهذا لا يبطل الأعمال ولكن ينقص من أجرهاـ والأفضل أن لا تكون موجودة ولا مشركة في العمل ولا داخلة فيه أصلاً.
3- أن يلتفت إلى أمر لا يجوز الالتفات إليه من الرياء والسمعة وحمد الناس طلباً للثناء ونحو ذلك:
أ- إذا كان في أصل العمل فإنه يبطله كأن يصلي الرجل لأجل الناس.
ب- أن يعرض له خاطر الرياء أثناء العمل فيدافعه ويجاهده، فعمله صحيح وله أجر على جهاده.
جـ - أن يطرأ عليه الرياء أثناء العمل ولا يدافعه و يستمر معه وهذا يبطل العمل.
4- أن يكون عمله الصالح للدنيا فقط، فيصوم لأجل الحمية والرجيم ولا يطلب الأجر، ويحج للتجارة فقط، ويخرج زكاة أموال لتنمو، ويخرج للجهاد للغنيمة ، فهؤلاء أعمالهم باطلة {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} [الإسراء:18]، { أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16].
5- أن يكون عمله رياءً محضاً، وبالرياء يحبط العمل بل ويأثم به الإنسان، لأن هناك أشياء تبطل العمل ولا يأثم صاحبها كخروج ريح أثناء الصلاة، ومن الناس من يرائي في الفتوى للأغنياء والوجهاء وقد يكون لضعفه أمامهم ، فقال بعض السلف: "إذا رأيت العالم على أبواب الغنى والسلطان فاعلم أنه لص"، أما الذي يذهب لقصد الإنكار والخير فله ما نوى.
- هناك أشياء تظن من الرياء وليست منه :
- إذا حمدك الناس على الخير بدون قصد فهذا عاجل بشرى المؤمنين.
- رجل رأى العابدين فنشط للعبادة لرؤيته من هو أنشط منه.
- تحسين وتجميل الثياب والنعل وطيب المظهر والرائحة.
- كتم الذنوب وعدم التحدث بها، فبعض الناس يظن أنك حتى تكون مخلصًا لابد من الإخبار بالذنوب، نحن مطالبون شرعاً بالستر، وكتم الذنوب ليس رياءً بل هو مما يحبّه الله، بل إن ظن غير ذلك تلبيس من الشيطان وإشاعة للفاحشة وفضح للنفس.
- اكتساب شهرة بغير طلبها، كعالم اشتهر وقصده منفعة الناس و بيان الحق ومحاربة الباطل والرد على الشبهات ونشر دين الله، فإن كانت هذه الأعمال وجاءت الشهرة تبعاً لها وليست مقصداً أصلياً فليس من الرياء.
ليس من الرياء أن يشتهر المرء ولكن الشهرة يمكن أن توقع في الرياء!!
- علامات الإخلاص
1- الحماس للعمل للدين.
2- أن يكون عمل السر أكبر من عمل العلانية.
3- المبادرة للعمل واحتساب الأجر.
4- الصبر والتحمل وعدم التشكي.
5- الحرص على إخفاء العمل.
6- إتقان العمل في السر.
7- الإكثار من العمل في السر.