تصحيح الأفهام لمعنى الالتزام

منذ 2015-12-08

ليس في ديننا قشور ولب، بل كل ديننا قولٌ وعمل واعتقاد، مِن إماطة الأذى هن الطريق إلى كلمة التوحيد، وإنما فيه ترتيب وأولويات، وبعضها أبرّ من بعض.

تجد أحدَهم يطيل لحيته ويُرطِّبها ويُقصِّر ثيابه.. لكنه يحلق أخلاقه ويُطيل لسانه في أعراض المسلمين... ثم هـــــــو يُبدِّع من يحلق لحيته أو يقصِّرها، ويسبل ثيابه، ولكنه يقصر لسانه ويكفه عن أعراض المسلمين..

فأيُّ الإسبالين أفدح وللدين أقدح: قصر الثوب وإسبال اللسان في الأعراض، أم إسبال الثياب وكف اللسان عن الأعراض؟! وأي الحَلْقين أقبح حَلْقًا: حلق اللِّحى أم حلق الأخلاق؟َ! إن هذا من الالتزام الأجوف.

ربما رأى بعض الناس رجلا عليه سِيما الالتزام من لحية وقميص مثلا، وربما تحدث في أمور الدعوة، فيرونه يوما يمسك سجارة يدخن أو يقف مع امرأة سافرة كفاحا عيانا يحدثها ويضحك إليها، أو كان يتعامل بمعاملات ربوية تحت فتاوى مرجوحة مهزوزة الجذور... وربما تحدَّثوا به في المجالس. أمَّا إن كان يعق أمَّه مثلا؛ ويهجرها الشهور، يُغلظ لها القول؛ يسبها يشتمها، أو يفري في أعراض الدعاةِ فريا، غيبة ونميمة... فيؤاكلونه ويشاربونه ويحفظون له حكم الالتزام، وإذا حدثت وليمة يُدعى فيها (الإخوة الملتزمون) كان هذا من بينهم، مع أن الدواهي الأواخر أَجرَم من المعاصي الأوائل، ففي الحديث: «الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه» [صحيح الجامع برقم:3534]، فجعل غيبة المسلم أشدّ من أكل الربا بالدرهم والدينار... كل ذلك من انتقائيات الالتزام، والالتزام الأجوف!!

ترى (طالبًا للعلم) يُطلق من فمه قذائف الرَّد على المخالف، والتشنيع والتبديع، لمسائل قد وقع الإجماع  على أن الخلاف قد استقر فيها واستمر، وأنه لا سبيل إلى الإجماع على قول منها، كقراءة الفاتحة للمأموم في الجهرية كما تفعل الحنابلة، والقنوت في صلاة الصبح المالكية والشافعية، وكالخرور للسجود باليدين أو الركبتين... بينما تجده أجهل مِن حمار أبيه في المتفق عليه من الفقه أو الحديث.. ذات عام كنتُ وبعض الإخوة عند أحد أدعياء المنهج والجرح والتجريح، وهو يُعدُّ ويَزعم لنفسه أنه مرجع بلده! فسأَل سائل عن نصاب الحبوب، فلم يُحِر جوابًا، وأخذ يمهمه ويهمهم، فقلت: صح في الحديث أنه: «ليس فيما دون خمس أوسق صدقة»، وشرحت الأوسُق باختصار، فقال علَّامة الجرح والتجريح- وكان المقصودَ بالسؤال- وهل هذا الحديث صحيح، ننظر هل هو صحيح، فذهب إلى غرفة أخرى في بيته، ثم جاء يقول: نعم هو صحيح في الصحيحين!! وسرعان ما زال عجبي ودهشتي ، حين تذكّرت شيخًا له مشهور عالميا سألوه عن نصاب الحبوب، فقال: نسأل أوّلا هل الحبوب مما تجب فيها الزكاة؟!
فتعلم منه مسائل الخلاف، كما تعلم منه حتى الجهل بمواطن الاتفاق!... ثم هو طالب علم صاحب منهج يرفع راية أكل لحوم المسلمين!! وهذا من الالتزام الأجوف والمزيَّف.

والأمثلة كثيرة ومؤسفة، نكتفي منها بهذا النزر.

وليس في ديننا قشور ولب، بل كل ديننا قولٌ وعمل واعتقاد، مِن إماطة الأذى هن الطريق إلى كلمة التوحيد، وإنما فيه ترتيب وأولويات، وبعضها أبرّ من بعض.

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

  • 1
  • 0
  • 1,548

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً