رحلة القطار [5] أنا من الأنصار

منذ 2015-12-06

يصدحون بأعلى الأصوات لا للإرهاب ويسارعون لموالاة غير المسلم ليجيرهم من أخيهم المسلم ولسان حالهم يقول لا ولاء ولا براء.

هل تداعت الأمم على أمتنا الإسلامية؟،وهل بتنا غثاء كغثاء السيل؟!  تعدت الانتهاكات بحق المسلمين بمواطن الأقلية ممن أغضضنا الطرف عنهم لتلحق البلية بلدان الأغلبية، أضحى ولاة أمورنا يتهمون الأمة جمعاء بالإرهاب حتى ترادفت الكلمات: أصولي سلفي وهابي إخواني ... تعني إرهابيا بل تجاوز الاتهام ليوصم به كل من كُتب في أوراقه الثبوتية إسلامي فسُلبت الحريات وانتُهكت الاعراض وسُفكت الدماء، وقد تجد من المسلمين من يهللون عند حادثة هنا أو هناك ويصدحون بأعلى الأصوات لا للإرهاب ويسارعون لموالاة غير المسلم ليجيرهم من أخيهم المسلم ولسان حالهم يقول لا ولاء ولا براء، وها قد أصبحت بلاد المسلمين مستباحة الكلأ تموج فيها الدماء والحجة واضحة- القضاء على الإرهاب- وكأن مسمار جحا قد دق في ديار المسلمين فهل من سبيل؟

انصر أخاك ظالما أو مظلوما

بعدما تمكن الإيمان من النفوس بالهجرة الأولى وقدم المهاجرون فيها أعظم التضحيات، ها هم أهل يثرب يسطرون صورة من صور الفداء في بيعة العقبة الثانية بيعة الرضوان قال كعب: "تكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت‏". وهذا الجواب يدل على ما كانوا عليه من عزم وتصميم وشجاعة مؤمنة، وإخلاص كامل في تحمل هذه المسئولية العظيمة، وتحمل عواقبها الخطيرة‏[1]‏، فكانت الغزوات من بدر إلى الفتح المبين، وبنظرة عاجلة إلى الانصار وإيثارهم للمهاجرين على أنفسهم مع حاجتهم {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر من الآية: 9] تكون النصرة حتى وإن أخطأ أحدهم تكون التربية الإسلامية والمخطئ يتقبل التقويم ولا يركن لأعداء الدين، فبعدما هجره الجميع وبات وحيدا غريبا في بلده، ذلك كعب بن مالك رضي الله عنه تأتيه النصرة في كتاب من ملك غسان، فإذا فيه:"أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هَوان ولا مَضْيَعة، فالحق بنا نُواسكَ[2]". فتيمم به التنور فَسَجره، فجاءه كتاب من الله فيه البشرى والعفو، وهذا عبدالله بن عبدالله يُوقف أباه وسيد قومه- رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول- يمنعه دخول المدينة حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

هؤلاء هم الأنصار من ناصروا الله ورسوله فجادوا بأرواحهم وأموالهم وكل عزيز عليهم لله فكان وصف الله لهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ». قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : "مَعْنَاهُ أَنَّ الظَّالِمَ مَظْلُومٌ فِي نَفْسِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ رَدْعُ الْمَرْءِ عَنْ ظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ حِسًّا وَمَعْنًى"[3].

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16].

ألم يأن لك أن تكون من المهاجرين فتهجر ما نهاك الله عنه؟ ألم يأن لك أن تكون من الانصار فتنصر الله ورسوله فتحل حلاله وتحرم حرامه؟ ألم يأن لك أن يخشع قلبك لذكر الله وتدمع عينك لآلام إخوانك؟، ألم يأن لك أن تعمل العقل فيم تسمع أو تقول؟ ألم يأن لنا أن تتآلف القلوب وتستوي الصفوف فنكون كألبنيان المرصوص؟ «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه» [4]، فنصتع بإيماننا جدارا صلبا يرد طعنات أعدائنا؟ أما آن لك تخشى يستبدلك الله سبحانه؟! {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]، ألم يأن لك أن تنصر أخاك الظالم وتقول له أنت ظالم فترده عن بغيه؟ ألم يأن لك أن تجأر بالدعاء على الظالم نصرة للمظلوم؟ ألم يأن لك أن تقول لبيك يا أختاه لبيك يا قدساه؟

فنحن أمة واحدة نعبد الله الواحد لنا جسد واحد همنا واحد ألمنا واحد: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92]، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:52]: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»[5].

إن فرحت لخير أصاب أخاك فأنت مؤمن، وإذا بعت ولاءك وتبرأت من نصرة إخوانك فاعلم أن بإيمانك عوارا، فهل طال عليك الأمد وقسا قلبك فبت من الفاسقين؟! إن رأيت الخير يصيب إخوانك تأففت وانتقصت، وإن رأيت السوء يلحق بهم فرحت وشمت {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة:50]، {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:120] انصر الحق أينما وجد تكن من الأنصار واصبر واتق والعاقبة للمتقين.

______________

 (1) ( الرحيق المختوم،134).

(2) (صحيح مسلم (كتاب التوبة [2769]) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه. ص [2125]).

(3) (البخاري (كتاب المظالم [2312]) باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما).

(4) (البخاري ومسلم).

(5)  (البخاري ومسلم).

المصدر: فريق عمل طريق لاسلام

محسن العزازي

كاتب إسلامي

  • 7
  • 0
  • 4,935

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً