دليل المسلم الجديد - (24) السنة النبوية

منذ 2015-12-14

لا بد أن يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم.

تعريف السنة النبوية
لا بد أن يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم.

قال الله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ} [ النجم:3-4].

وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ» (الترمذي:2664، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة:2870).

وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم من ديننا الحنيف:
يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12): "كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن" انتهى (الدامي في سننه:588 والخطيب في الكفاية:12)، وعزاه الحافظ في (الفتح:13/291) إلى البيهقي، قال: "بسند صحيح".

ولقد ذكر العلماء أوجهاً لبيان السنة للقرآن، ومنها: أنها تأتي موافقة لما في القرآن، وتأتي مقيدة لمطلقه، ومخصصة لعمومه، ومفسرة لمجمله، وناسخة لحكمه، ومنشئة لحكم جديد، وبعض العلماء يجمع ذلك في ثلاث منازل.

قال ابن القيم  رحمه الله تعالى: "والذي يجب على كل مسلم اعتقاده: أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنَّة واحدة تخالف كتاب الله تعالى، بل السنن مع كتاب الله تعالى على ثلاث منازل:
المنزلة الأولى: سنَّة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل.
المنزلة الثانية: سنَّة تفسر الكتاب، وتبين مراد الله تعالى منه، وتقيد مطلقه.
المنزلة الثالثة: سنَّة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب، فتبيِّنه بياناً مبتدأً.
ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة، وليس للسنة مع كتاب الله تعالى منزلة رابعة.
وقد أنكر الإمام أحمد على من قال "السنة تقضي على الكتاب" فقال: بل السنَّة تفسر الكتاب وتبينه.
والذي يشهد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم به أنه لم تأت سنَّة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله سبحانه وتخالفه ألبتة، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله تعالى، وعليه أنزل، وبه هداه الله تعالى، وهو مأمور باتباعه، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده؟!".

أهمية السنة النبوية ومنزلتها
أهمية السنة في كونها مبيِّنةً لكتاب الله تعالى وشارحةً له أوَّلًا، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله تعالى بعض الأحكام.

يقول الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44].

يقول ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله:2/190): "البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين:
الأول: بيان المجمل في الكتاب العزيز ، كالصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر الأحكام.
الثاني: زيادة حكم على حكم الكتاب، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها" انتهى.

لما كانت السنة القسمَ الثانيَ من أقسام الوحي، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها، ليحفظَ بها الدين من التحريف أو النقص أو الضياع.

يقول ابن حزم رحمه الله تعالى (الإحكام:1/95): "قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}  [الحجر:9].

وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ} [الأنبياء:45].

فأخبر الله تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ، والذكر محفوظ بنصِّ القرآن، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عزّ وجلّ، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله، فَلِلَّهِ الحجة علينا أبدًا" انتهى.

أدلة حجية السنّة النبوية

أولاً: دلالة القرآن الكريم على حجية السنة:
وذلك من وجوه:
الأول - قال الله تعالى: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ} [النساء:80]، فجعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من طاعته.
ثم قرن طاعته بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [محمد:33].

الثاني - حذر الله عزّ وجلّ من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتوعد من عصاه بالخلود في النار، قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].

الثالث - جعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان ، ومخالفته من علامات النفاق ، قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكمُّوك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مـمّا قضيت ويسلموا تسليماً ) .

الرابع - أمر سبحانه وتعالى عباده بالاستجابة لله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال من الآية: 24].

الخامس - ثم أمرهم سبحانه وتعالى برد ما تنازعوا فيه إليه، وذلك عند الاختلاف، قال الله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ} [النساء، من الآية: 59].

ثانياً: دلالة السنة النبوية على حجية السنة:
وذلك من وجوه:
أحدها: ما رواه الترمذي عن أبي رافع وغيره رفعه (أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم) قال: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح (سنن الترمذي ط. شاكر رقم 2663).

وعن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئًا إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر ..» الحديث رواه أبو داود كتاب (الخراج والإمارة والفيء).

الثاني: ما رواه أبو داود أيضا في سننه عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه، أنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، ثم أقبل علينا ، فوعظنا موعظة بليغة وفيها: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بـها، وعضوا عليها بالنواجذ» في كتاب السنّة من صحيح أي داود

ثالثاً: دلالة الإجماع على حجية السنة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا أعلم من الصحابة ولا من التابعين أحدا أُخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قبل خبره، وانتهى إليه، وأثبت ذلك سنة .. وصنع ذلك الذين بعد التابعين، والذين لقيناهم، كلهم يثبت الأخبار ويجعلها سنة، يحمد من تبعها، ويعاب من خالفها، فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارق سبيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم بعدهم إلى اليوم، وكان من أهل الجهالة.

رابعًا: دلالة النظر الصحيح على حجية السنة:
كون النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله تعالى، يقتضي تصديقه في كل ما يخبر به، وطاعته في كل ما يأمر به، ومن المُسلَّم به أنه قد أخبر وحكم بأمور زائدة على ما في القرآن الكريم، فالتفريق بينها وبين القرآن، في وجوب الالتزام بـها، والاستجابة لها، تفريق بما لا دليل عليه، بل هو تفريق باطل، فلزم أن يكون خبره صلى الله عليه وسلم واجب التصديق، وكذا أمره واجب الـطاعة.

حكم من أنكر حجية السنة أنه كافر لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

الفرق بين القرآن الكريم والسنة النبوية
وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي، لا بد من التنبه إلى أن الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط، وهو أن القرآن كلام الله تعالى، نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى، بل من وحيه فقط، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها، بل بالمعنى والمضمون.

ومِن فَهْمِ هذا الفرق، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون، وليس ذات الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملاً، وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها، ومعناها، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله تعالى، وليس في ألفاظها وحروفها.

ومع ذلك فإن علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة، ونقلوا لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ، والحق والباطل.

الفرق بين مصطلح الحديث والسنة النبوية
الفرق في الاصطلاحات بين العلماء من المسائل التي غالبا ما يكون الخلاف فيها لفظيا، وذلك أن الاصطلاح إنما هو تواضع خاص لدلالة لفظ معين على أحد المعاني، فإذا وقع الخلاف بعد ذلك فهو إنما يتعلق بالعوارض وليس بالمقاصد.

وفي مسألة التفريق بين مصطلحي "السنة"، و"الحديث" يتجه أن نقول: إن هذين المصطلحين يجتمعان في مواضع، ويفترقان في مواضع أخرى:
أولاً: مواضع الاجتماع
1- ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير: يطلق عليه بأنه "حديث"، كما يسمى أيضًا "سنة".

يقول الشيخ عبد الله الجديع: "السنة في المعنى الأُصوليِّ مساويةٌ للحديث بالتعريف المتقدّم عن أهل الحديث، دون قيد (أو صفة)، واستثناء الصفة النبوية من جملة السنن إنما وقع من أجل أن محل الكلام في السنة هو اعتبار كونها من مصادر التشريع، وهذا لا يَنْدرجُ تحته الأوصاف الذَّاتية، وإنما يستفاد من الأقوال والأفعال والتقريرات النبوية" انتهى. (تحرير علوم الحديث).

2- من أسماء الفرقة الناجية والطائفة المحافظة على أوامر الله تعالى: يسمون بـ "أهل الحديث"، ويسمون أيضًا: "أهل السنة".

3- الكتب التي تعتني بنقل الآثار المرفوعة والموقوفة وأقوال السلف الصالحين: تسمى "كتب الحديث"، وتسمى أيضًا: "كتب السنة".

ثانيًا: مواضع الافتراق
1- يطلق على هدي النبي صلى الله عليه وسلم المجمل الثابت في جميع شؤونه "السنة"، يعنون طريقته ومنهجه وصراطه صلى الله عليه وسلم، ولا يطلق العلماء – غالباً- ههنا مصطلح "الحديث".

ويقول العلامة السيد سليمان الندوي الهندي رحمه الله تعالى: "الحديث كل واقعة نُسبت إلى النبي عليه السلام ولو كان فعلها مرة واحدة في حياته الشريفة، ولو رواها عنه شخص واحد، وأما السنة فهي في الحقيقة اسم للعمل المتواتر -أعني كيفية عمل الرسول عليه الصلاة والسلام- المنقولة إلينا بالعمل المتواتر، بأن عمله النبي عليه الصلاة والسلام ثم من بعده الصحابة رضي اللهتعالى عنهم ، ومن بعدهم التابعون وهلمَّ جرا، ولا يُشترط تواترها بالرواية اللفظية، فطريقة العمل المتواترة هي المسماة بالسنة، وهي المقرونة بالكتاب في قوله عليه الصلاة والسلام: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله تعالى وسنة رسوله» وهي التي لا يجوز لأحد من المسلمين كائنًا من كان تركها أو مخالفتها وإلا فلا حظ له في الإسلام" انتهى باختصار (مجلة المنار:30/673).

2- كما يسمي العلماء الالتزام بالقدر الوارد في الشريعة وعدم الزيادة والابتداع في الدين بـ "السنة"، ولا يسمون ذلك بـ "الحديث". ومنه مقولة عبد الرحمن بن مهدي المشهورة: سفيان الثوري إمام في الحديث، وليس بإمام في السنة، والأوزاعي إمام في السنة، وليس بإمام في الحديث، ومالك بن أنس إمام فيهما جميعًا (تاريخ دمشق لابن عساكر:35/183).

سئل الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: "قال بعضهم عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه إنه جمع بين السنة والحديث، فما الفرق بين السنة والحديث؟
فأجاب رضي الله تعالى عنه: السنة ها هنا ضد البدعة، وقد يكون الإنسان من أهل الحديث وهو مبتدع، ومالك رضي الله تعالى عنه جمع بين السنتين، فكان عالما بالسنة، أي الحديث، ومعتقدا للسنة، أي كان مذهبه مذهب أهل الحق من غير بدعة والله أعلم" انتهى. (فتاوى ابن الصلاح:1/139-140).

3- كما يستعمل الفقهاء مصطلح "سنة" في بيان حكم استحباب فعل معين، ولا يستعملون مصطلح: "حديث".

4- وحين يتكلم العلماء على الروايات تصحيحًا أو تضعيفًا إنما يستعملون مصطلح "الحديث"، ولا يستعملون مصطلح "السنة"، فيقولون: هذا حديث ضعيف، ولا يقولون: هذه سنة ضعيفة، على اعتبار أن "السنة" هي ما ثبت من الأحاديث، ولذلك يقولون أحيانا: هذا حديث مخالف للقياس والسنة والإجماع.

فضل التمسك بالسنة النبوية
السنة النبوية سفينة النجاة وبر الأمان، حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بها وعدم التفريط فيها فقال صلى الله عليه وسلم: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (أبو داود:4607) وصححه الألباني في (صحيح أبي داود).

وحين يكثر الشر والفساد، وتظهر البدع والفتن، يكون أجر التمسك بالسنة أعظم، ومنزلة أصحاب السنة أعلى وأكرم، فإنهم يعيشون غربة بما يحملون من نور وسط ذلك الظلام، وبسبب ما يسعون من إصلاح ما أفسد الناس.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الإِسلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلغُرَبَاءِ. قِيلَ: مَن هُم يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الذِينَ يَصلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ» أخرجه أبو عمرو الداني في (السنن الواردة في الفتن:1/25) من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة:1273) وأصل الحديث في (صحيح مسلم:145).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْر، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ ، -وَزَادَنِي غَيْرُهُ- قَالَوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟! قَالَ: أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» (أبو داود:4341 والترمذي:3058)  وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة:494) وفي بعض روايات الحديث قال: «هم الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس».

والتمسك بالسنة يعني أمورًا:
1- القيام بالواجبات واجتناب المحرمات.
2- اجتناب البدع العملية والاعتقادية.
3- الحرص على تطبيق السنن والمستحبات بحسب قدرته واستطاعته.
4- دعوة الناس إلى الخير ومحاولة إصلاح ما أمكن.

جاء في محاضرة للشيخ ابن جبرين حول حقيقة الالتزام (ص/10): "لا شك أن السنة النبوية مدونة وموجودة وقريبة وسهلة التناول لمن طلبها، فما علينا إلا أن نبحث عنها، فإذا عرفنا سنة من السنن عملنا بها حتى يَصْدُق علينا قول (فلان ملتزم)، ولا ننظر إلى من يُخَذّل أو من يحقر أو من يستهزئ ونحو ذلك.

والسنن قد تكون من الواجبات، وقد تكون من الكماليات أو من المستحبات، وقد تكون من الآداب والأخلاق، فعلى المسلم أن يعمل بكل سنة يستطيعها، وذلك احتساباً للأجر وطلباً للثواب.

فالملتزم هو الذي كلما سمع حديثاً فإنه يسارع في تطبيقه، ويحرص كل الحرص على العمل به ولو كان من المكملات أو من النوافل.

فتراه مثلاً يسابق إلى المساجد ويسوؤه إذا سبقه غيره، وتراه يسابق إلى كثرة القراءة وكثرة الذكر أكثر من غيره، وتراه يكثر من أنواع العبادات، ويحرص كل الحرص أن تكون جميع أعماله وعباداته متبعاً فيها السنة، وليس فيها شيء من البدع،‍ حتى تكون تلك الأعمال والعبادات مقبولة عند الله تعالى؛ لأنه متى قبل العمل فاز المسلم برضوان ربه، نسأل الله سبحانه أن تكون أعمالنا مقبولة عنده إنه سميع مجيب" انتهى.

ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى في (المنتقى): "يجب عليك الالتزام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحافظة عليها، وألا تلتف إلى عذل من يعذلك أو يلومك في هذا، خصوصًا إذا كانت هذه السنن من الواجبات التي يجب التمسك بها، لا في المستحبات، وإذا لم يصل الأمر إلى التشدد، أما إذا كان الأمر بلغ بك إلى حد التشدد فلا ينبغي لك، ولكن ينبغي الاعتدال والتوسط في تطبيق السنن والعمل بها من غير غلو وتشدد، ومن غير تساهل ولا تفريط، هذا هو الذي ينبغي عليك؛ وعلى كل حال أنت مثاب إن شاء الله تعالى، وعليك بالتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى.

والله تعالى أعلى وأعلم.

  • 34
  • 2
  • 109,140
المقال السابق
(23) الأذكار الشرعية
المقال التالي
(25) أنواع الذنوب والسبع الموبقات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً